الثلاثاء ١٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٠

بين عالمي الكتابة و الرسم

قدس بن عبد الله

وإن جلست إلى الحاسوب علّ الحروف تسعفني حينها لأكتب ما يجول بخاطري، لا أستطيع كتابة أي حرف. لا أدري ما يصيبني. لذلك قرّرت أن لا أستغني عن القلم و الورقة. هكذا أجد الكلمات تنساب بسهولة. علّها أيضا تلك البساطة الي أبحث عنها حقيقة، ربّما تلك الشاشة تجعل شيئا من التعقيد الذي لا أرغب فيه و لا أقدر على إستيعابه. بإمكاني الإستعانة برسم من رسوماتي آوأي لوحة فذلك يسهّل لي المهمّة . هي تلهمني في لحظات الكتابة و بذلك لا أتخلْى عن كلّ ما أميل له. ومابين الكتابة و الرسم تكمن روابط عديدة فهما بالنسبة لي أداة لأعبّر عن كلّ ما يدور برأسي. أتوغّل في أي رسم كأنّني أكتشف شيئا غريب عنّي، كمتفرّج تصيبه الحيرة منذ الوهلة الأولى وتساؤلات تملأ فكره.لماذا قام بإختيارتلك الألوان و ما كان القصد من وراء تلك الأشكال أو الأجسام. في لحظة إختيار قد تكون أمامي لوحة سوداء، لاوجود لفكرة محدّدة في البداية لكن عند تمازج الألوان و قد أستعمل لونا واحدا في أحيان أخرى، تكون تلك اللحظات شبيهة بلقطات متتالية تمرّ كفيلم عابر آمامك وذاكرتك تمرّر لك جميع الصوروريشتك تترجم ذلك ربّما ما ترغب فيه أو تحلم به. قد يكون واقعا لا يمتّ لحياتك بأيّ صلة.

قد تربطك رسمة معيّنة بما يعيشه مجتمعك ونفس الأمر بالنسبة إلى الكتابة. لا تكتب لتعبّر عن ذاتك فقط، إنّما عن المجموعة التي تنتمي إليها بكلّ معتقداتها، أفكارها، ظوابطها و قوانينها. كونك شخص فاعل في مذه المجموعة، لست بمتفرّج فقط و لاتعيش بمنأى عنها فأنت في تبادل مستمرّ معها. أنظر من جديد لما رسمت٠ من المؤكد أن صورا مماثلة لها مرّت أمامي ولكن ماجادت به قريحتي هي تلك الرسمة. أمعن في النظر لأرى غابة ورديّة أو بنفسجيّة كثيفة الأشجار على ضفاف نهر.والنفس تتوق إلى كلٌ ماهو جميل. ربّما أردتها كغابة سحريّة، من يشاهدها بإمكانه أن يتخيّل نفسه كأليس في بلاد العجائب. وبالطبع لايقتصر الجمال على الألوان و إنّما يستطيع أن ينبع من أي قيمة ضوئية أو شكل... و التقنية المعتمدة هي التي تحدّد ذلك. تكون الألوان جميعها فوق المحمل ولكن مأنفّذه هو مرتبط أساسا بما أشعر به حينها.

لا أبحث أن يكون الرسم محلّ إعجاب الآخرين كثيرا. عادة ما أرسم لنفسي لأنّني أجد السعادة في ذلك. ولو صادف ورآها أحدهم قد يستغرب أنّها مثلا غير متقنة فأنا لا أهتمّ ّكثيرا لأنها تمثّل خطوة جديدة لأتحسّن و أتقدّم. إن تحدّثت عن الكتابة، ستكون لي نفس الفكرة، كلّما كتبت شيئا ستطوّرالتالي ولن تكون بنفس المستوى. بحكم قراءاتك المستمرّة وبحكم إطّلاعك على كتب جديدة لم تألفها ستغيّر تقنيّاتك شيئا فشيئا ولن تستعصي عليك أمور حسبتها معقّدة في البدء. لن تبقى في نفس المستوى طوال حياتك بل عن طريق تجربتك التي تحتّم عليك مواصلة التعلّم حتّى يسهل عليك إستيعاب لماهو جديد عنك. ولوتحدّثنا عن الجمال في الأسلوب أو التقنية في المجالين، ما أراه جميلا ليس بالضرورة أن يراه الآخر كذلك. في واقع الأمر، لاتقتصر الحياة على الجمال إنّما من المعاناة و الألم ينبع جمال خاص أيضا.

عندما تمنحك الكتابة و الرسم شعورا بالسعادة لأنّك أنت من تصنع تلك اللحظات بنفسك و لن تنتظر شفقة من أي احد ليمنحك إيّاها. سعادة مملوءة بأحزانك، أفراحك، خوفك، أفكارك، تناقضتك، خسارتك و إنتصاراتك و هذا لن يستوعبه من حولك و لست في حاجة أن تطالبهم بذلك لأنّك كيان كامل و مستقلّ بذاتك.أعود و أحدّق بعد برهة في الرسم، أتذكّر جيّدا لحظات تنفيذه و تفاصيله بدقّة. إنقطعت عن الرسم منذ فترة طويلة و عندما قرّرت العودة بدأت برسوم صغيرة تعتمد على جميع الألوان. و القارئ الآن لهذه الأسطرقد يتساءل وتصيبه حيرة لماذا أخصّص كلماتي إلى الرسم. هناك أشياء لاتفسّر لأنّنا مهما عبّرنا عن حبّنا لا يمكننا الإيفاء بكلّ ما يعترينا. و لو قمنا بتوضيحها ستفقد رونقها. في النهاية أحبّ الرسم و الكتابة وهما يرتبطان جدّا ببعضهما.

قدس بن عبد الله

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى