الأربعاء ٩ حزيران (يونيو) ٢٠١٠
بقلم عبد القادر محمد الأحمر

تداركوا الجدار قبل الانهيار (2)

يقول الله- سبحانه وتعالى -: يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ الأعراف 27..

ويقول- سبحانه وتعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ النور21..

من الملاحظات الجديرة بالتأمل أن الإتباع عادة لا يكون إلا بالخطى، ونعلم تمام العلم أن الخطى توجد في النصف الأسفل من هذا الإنسان الحامل بدوره للنصف الأعلى منه، وأنها- أي هذه الخطى – لا تتحرك إلا من بعد أن يأتيها الأمر بالتحرك، والأمر لا يأتيها إلا من هذا النصف الأعلى، يا إما بالتحرك، ويا إما بعدمه!! وذلك يكون نحو الحلال أو نحو الحرام (وما بينهما تشابه الأمور)

ونحن منذ أن أوجدنا الله على ظهر هذه المعمورة لم نرَ رأي العين جناً، ولا ملائكةً، ولا شيطاناً، ولا إنزالاً لكتاب، ولا لوحٍ، ولا لصحيفةٍ، ولا لبعيرٍ ولا لضأنٍ، ولا لمعزٍ، ولا لبقرٍ، ولا لحديدٍ، ولا لمائدةٍ، ولا لبراقٍ، ولا لإسراءٍ، ولا لمعراجٍ، ولا لحروبٍ تشنها كائنات من كواكبٍ أخرى على كوكبنا هذا، كما أننا لن نرى كيف سيكون نزول عيسى- عليه السلام – من السماء، ولا خروج الدجال، ولا كيف ستخرج الدابة من الأرض لتكلم الناس، ولا ..ولا .. ولا .. إنما كل الذي نعلمه أن أثر هذا الكائن المدعو بـ (الشيطان) يمتد ويسري في جميع باطن الإنسان تماماً مثلما تجري أجزاء الدم وتسري في باطنه، وهذا هو قوله- صلى الله عليه وسلم - : (إن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم)، وأنه لا يتخايل لنا عن طريق هذه الحواس، لأن الإنسان منا يصادف الوسوسة في قلبه ولا يشاهد بعينيه شيئاً عند اختلاج هذه الوساوس، وقد ذكروا بأن الوسواس من الشيطان كالإلهام من المَلَكْ، ونحن نصادف في قلوبنا خواطر متعددة ومختلفة، يدعو بعضها إلى اتباع الهوى وبعضها إلى مخالفته، واختلافها هذا- كما يقول أهل العلم - دليل على اختلاف مقتضياتها، وهي مختلفة لأسباب، لأنها حادثة، والمختلفات أسبابها مختلفة، فسمى الشرع السبب الذي يحصل منه الإلهام مَلَكَاً، والذي يحصل منه الوسواس شيطاناً، والإلهام- كما وصفوه – عبارة عن الخاطر الباعث على الخير، والوسواس عبارة عن الباعث على الشر، والمَلَكْ والشيطان أسبابهما، وبذلك نعلم أن سبب الوسواس غير سبب الإلهام.

والله يقول عن هذا الشيطان: (..إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ ..) ونحن بذلك ندرك تمام الإدراك بأنه في دواخلنا بانقسامه الإيجابي والسلبي، أي (النور و الظلمة) وهذا في الذَكَرِ وحده، ويمكننا أن نرمز إليه فيه بـ (Y X)، وفي الأنثى بـ (XX)، من غير انقسام، هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى أوضح تفسيراً فإننا نرى أن (العورة) توجد في النصفين من هذه الأنثى، بينما هي في الذكر نجدها في نصفه الأسفل فقط!! وكما نعلم فلا معنى لهذه الحياة التي تمور في دواخلنا من غير الالتفات إلى هذا (القلب)، فهو العضو الوحيد الذي ينبض ويخفق بها، والذي بتوقفه تتوقف حياة الكائن على ظهر هذا الكوكب، هذا وقد وُصِفَ هذا القلب نبوياً على أنه مضغة، بل ومضغة صغيرة على هيئة الصنوبرة، ويقول القرطبي عنها: (خلقها الله في هذا الآدمي، وجعلها محلاً للعلم، فيحصي به العبد من العلوم ما لا يسع في أسفار، يكتبه الله تعالى فيه بالخط الإلهي، ويضبطه فيه بالحفظ الرباني، حتى يحصيه ولا ينسى منه شيئاً، وهو بين لمتين (بالفتح) – الهمة والخطرة تقع في القلب-: لمة من المَلَكْ، ولمة من الشيطان - وهما إصبعي الرحمن -!! وهو محل الخطرات والوساوس، ومكان الكفر والإيمان، وموضع الاصرار والإنابة، ومجرى الإنزعاج والطمأنينة، فلا يجتمع في القلب الكفر والإيمان، والهدى والضلال، والإنابة والإصرار، وهذا نفيٌ لكل ما توهمه أحد في ذلك من حقيقة أو مجاز والله أعلم).

وجميعنا يعلم أيضاً أن المضغة تتألف من مجموعة عضلات، وأن هذه العضلات لا تستغني عن علاقتها الوثيقة جداً التي تربطها بالجهاز العصبي المركزي الذي يمدها عبر أسلاكه بالحافز الكهربائي حتى تقوم بمهمتها، إلا أننا نجد- كما يقول أهل الاختصاص – (أن عضلات القلب أكثر استقلالاً من بقية العضلات وأقل اعتماداً على الجهاز العصبي المركزي!! وأن انقباض هذا القلب يتم آلياً، بمعنى أنه لا يعتمد في حركته على اشارات عصبية تصل إليه عن طريق الأعصاب، وأن انقباضه يكون من حافز كيماوي داخلي، قرر أحد الباحثين أن هذا الحافز (هرمون)- أي رسول كيماوي للقلب – بل الأهم من كل ذلك- كما يقول أهل الاختصاص أيضاً - هو أن الدراسة التفصيلية لهذا الجهاز الدوري المكوّن من هذا القلب (كمضخة مركزية) ومن الشرايين والشعيرات والأوردة، دلت على وجود دورتين دمويتين، إحداهما كبرى، وهي التي تجري خلال الجسم كله، والأخرى صغرى، وهي التي تجري خلال الرئتين، (وفي الواقع – كما ذكروا – هنالك أربع دورات دموية،واحدة لامتصاص الغذاء، والأخرى للإخراج) وأن لكل دورة من الدورتين الصغرى والكبرى، قلب خاص بها، ولكن بما أن القلببين اللذين يدفعان الدم في هاتين الدورتين (متحدان) تماماً من الوجهة التشريحية، فنحن نتكلم عنهما كقلب واحد، ظلت جهته (اليمنى) هي المسئولة عن هذه الدورة الدموية الصغرى، أو الدورة الرئوية، وظلت جهته (اليسرى) هي المسئولة عن دفع الدم إلى الدورة الكبرى الجامعة، وهي التي عبؤها أكبر، ولذلك فهي أقوى وأكثر سمكاً من الجهة اليمنى..

وهذا النصفان متماثلان، إذ يتركب كل منهما من حجرتين (أذين وبطين) وبين كل أذين وبطين يوجد صمام يسمح للدم بالمرور في اتجاه واحد فقط، أي من الأذين إلى البطين، ويسمى الصمام الأيسر بالتاجي، أو الصمام ذو الشرفتين، لأنه عندما تقترب الشرفتان من بعضهما فإنهما يشبهان (التاج)، ويوجد بين الأذين الأيمن والبطين الأيمن صمام مكوّن من ثلاث شرفات لا نتفتح ناحية الأذين لأنها مرتبطة بجدارالبطين بواسطة أحبال وترية متينة، وتتجمع نهايات هذه الأحبال لكي تتصل بأعمدة لحمية (عضلات حلمية) تبرز من جدران البطين) ...

لهذا نجد أن الكثير من آيات القرآن الكريم تشير وتؤكد بوضوح لا يخفى على كل متدبر فيه إلى أن أرض الصراع داخل هذا الإنسان إنما هي في هذا القلب، فهو مقر السكنى التي لا يمكن أن يُرى ساكنها أبداً،ً فهو ولهذا السبب- أي الشيطان – يرانا هو وقبيله من حيث لا نراه!! وكذلك – المَلَكْ – والملائكة!!

هذا وقد أشار علم النفس التحليلي- اليوم – إلى وجود مبدأين هامين لهما الاتصال الوثيق بهذا (الأمر)، أولهما: هو أن لنا (عقلاً) باطناً يجري نشاطه الخفي عبر قنوات من المفاهيم الراسخة، نكرر: (المفاهيم الراسخة) وهي التي تعني عندنا- كما بدا لنا - مفاهيم الفطرة السليمة!!

وثانيهما:- هو أن هذا العقل الباطن ينفذ إلى (وعينا) الظاهر ويؤثر عليه مما يخلق مشادة مستمرة بين عقلنا الباطن ووعينا الظاهر، وهذه المشادة المستمرة تنعكس في ما يشدنا عن طريق العقل الباطن للماضي، وما يشدنا عن طريق وعينا الظاهر للمستقبل، ونحن بين هذا وذاك يتأثر دائماً توجهنا للمستقبل بعلائق الماضي0

وعليه يمكننا أن نقول الآن- وبلا تردد – بأن ما عُرِف لدينا بالـ (الجن المسلم) هو الذي يسكن فينا، وتحديداً في (يمين) هذا القلب، وهو أشبه ما يكون بالـ (المَلَكْ) المستنير بالعلم الأصل، أو بالوحدة الكهربائية الموجبة، وأن له كل ما في هذه الناحية (اليمنى) من أعضاء ظاهرة وباطنة، كما له النصف (الشمالي) من النصفين الكرويين، فالثنائية العضوية في هذا الكائن البشري الإنساني تفرض كل هذا، ولا يشترك مع الآخر إلا في ما أسميناه بـ (اللسانين)، لسان النصف الأعلى، وهو هذا اللسان المعروف، ولسان النصف الأسفل، وهو هذا العضو التناسلي!! (وهما مربط الفرس)!! وكذلك (المدخل) و (المخرج) !! وأن هذه الجهة من الجسم هي بمثابة جهة (النهار)، (ونلاحظ ذلك في جسم الأرض- كمثل – بالنسبة للشمس بدورانها حول نفسها)، أي جهة (النور) ونعني به (العلم) !!! والعلم نور بهذا المعنى!! وهي الجهة التي تكفل الله- سبحانه وتعالى – للإنسان بأن اعطاه (المبدأ) الذي يمكِّنه به من تليين جدار ذاكرته الأيمن ليتسلل من خلالها هذا النور لتبدأ دورة هذا النور- أي العلم – وتكتمل باتباع أسلوب (المبدأ) الثاني إتماماً وإكمالاً لهذه الصورة الإلهية العظيمة، ولا سير لهذا النور، ولا وصول له من غير (الذِكْر) الكثير الدائم، ذكر الله!!!! وبلسان المضغة هذا!!!!

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً الأحزاب41..

ويمكننا أيضاً أن نقول الآن- وبلا تردد - بأن ما عرف لدينا بـ (الجن الكافر) هو كذلك يسكن فينا أي في (يسار) هذا القلب، وهو أشبه ما يكون بـ (المَلَكْ) المسلوب من علمه- أي الجاهل – وبالوحدة الكهربائية السالبة، وأن له كل ما في هذه الناحية (اليسرى) من أعضاء ظاهرة وباطنة، كما له النصف (اليمين) من النصفين الكرويين، ولا يشترك مع الآخر إلا في اللسانين المذكورين- لسان النصف الأعلى ولسان النصف الأسفل (لساتيْ القذف) !! وفي المدخل والمخرج00 وأن هذه الجهة من الجسم هي بمثابة جهة (الليل) – أي الظلمة – وهي التي تعني عدم تمام الوضوح والرؤية والتي يأتي منها الالتباس والأوهام- وهي الجهة التي يبدأ منها تماس النور للنصف الكروي الآخر لتبدأ رحلته نزولاً باطناً عبر مسميات كانت في الظاهر هي الآن بمسميات باطنة أخرى يتمكن الإنسان من خلالها من تليين جدار ذاكرته الأيسر تمكيناً للنور من الولوج والوقوع- بعد طول هذه الرحلة الجهادية المضنية – على ذلك النصف الأيسر من القلب، حيث توجد الصفحة المظلمة المطلوب قراءتها بعد إنارة حروفها وفهم مضمون عباراتها لتصبح بعد تصحيح الوضع معنىً للخير، وليس معنىً للشر!! ولا سير لهذا النور ولا وصول ولا وقوع- كما أشرنا – من غير ذكر الله الدائم، وهنا فقط يكون بلسان القلب!!

كما يمكننا القول أيضاً بأن أحدهما- أي الأول – يمثل جانب (القوة)، والآخر يمثل جانب (الضعف) وهما الموجودان في الذَكّرْ معاً وهما اللذان يمكننا الدلالة عليهما فيه بالـ (YX) !!

أما في المرأة فلا يوجد إلا جانب الضعف فقط ونعني به دلالة عليه فيها بالـ (XX)!!

وبما أن لأيٍ منهما- أي الجن الكافر والجن المسلم – حق التصرف في النصفين العرضيين من هذا الجسد- أي (الأعلى) و (الأسفل) – فقد سُمِّيَ أحدهما- أيضاَ – بـ (الواعي) والآخر بـ (غير الواعي) كما جاء في الاشارة التي قدمها لنا علم النفس التحليلي!! وهذا الغير واعي أحق وأجدر أن يوصف بالوعي من الآخر، لأن هذا الواعي قد يخطيء، وهذا لا يخطيء أبداً، ولأن الواعي- كما ذكروا - لا يعي أعمال زميله، ولا يتدخل فيها أبداً، ولو وعاها وتدخل فيها لأفسدها، أما غير الواعي فيشعر بكل أعمال الواعي، ويتدخل سراً بتنسيقها- وربما تكون هنا مرحلة (النفس اللوامة) كما بدا لنا – وإذا سكن الواعي أو تعطل فكل الذي ينتج عن سكونه وتعطله إن عضلاتنا تتوقف عن الحركة، ودماغنا يكل عن التفكير الصحيح، ويصبح حالنا أشبه بحال النائم أو السكران، أو المجنون، وأما إذا تعطل غير الواعي فالقلب يختل، بل كل شيء فينا يختل ويكون مصيرنا الموت المحتم!!

ومن شفافية هذا الصنع الإلهي الحكيم، ولطافة هذا (الالتباس) مع حركة هذه الحروف الإلهية في الداخل، نعم؛ الحروف!! فمن العسير جداً التمييز أو التفريق بين الحروف النورانية والحروف الظلمانية، لأن من اختلاطهما الفريد هذا تولدت كل لغات ولهجات هذا العالم التي يتخاطب بها سكانه اليوم!! علماً بأنها في الداخل متساوية العدد، مختلفة النطق بين الأمم والشعوب والقبائل، فكل من فهم على ضوء كتابه المقدس المُنَزّل من الخالق الحكيم فاز وغنم، ومن أعرض عنه خاب وخسر!! وهذه هي حركة الفكر الكوني إجمالاً، ولا ثبات لهذا الفكر (الإنساني) تحديداً ما لم يهتدي بنور الكتاب الإلهي الأخير الجامع، فهو بدونه ملحٌ أجاج، بينما العمل والتمسك بأصوله وتوجيهاته وارشاداته تكون القدرة على تحويله إلى ماءٍ عذب فرات!!

يتبع..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى