الأحد ٣ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢١
سلسلة أدب السجون
بقلم حسن عبادي

ترانيم اليمامة

اسم الكتاب: ترانيم اليمامة

مكتبة بلدية بيتونيا

تأليف أسيرات محررات

إشراف ومتابعة: إبتسام أبو ميالة

مراجعة وتدقيق: الاء جاد الله القاضي

رسومات: الفنان الفلسطيني محمد الركوعي

الإهداء

أهدي هذا الكتاب إلى من ضحوا بكرامتهم من أجل أن نعيش بكرامة..
إلى من تمنى رؤية شروق الشمس وغروبه.
إلى من حرم من أبسط حقوق العيش.
إلى من إستشهد وهو يحلم بتقبيل يدي أمه.
إلى من رفعت روحه إلى السماء ويداه مكبلات بسرير المشفى.
إلى شهيد الأسر والظلم شهيد المرض والتعذيب والقهر.
إلى الأسير الشهيد كمال أبو وعر رحمه الله وأسكنه الجنان.

ستبقى قضية الأسرى على سلم أولويات عمل الحركة الوطنية والقيادة الفلسطينية ككل، فهي القضية الجامعة والموحدة. ان ابناء شعبنا يحيون يؤكدون على مواصلة النضال على درب الشهداء والاسرى حتى تحقيق اقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. أرى أن على كافة المنظمات الإنسانية والحقوقية والمتضامنة مع شعبنا الفلسطيني على المستوى الإقليمي والدولي، ضرورة السعي من أجل حرية الأسرى وفضح الممارسات التي ترتكب ضدهم، والواضح أيضاً أن إسرائيل تُماطل في إتمام صفقه تبادل الأسرى، وهذا يتطلب من مُناصري الشعب الفلسطيني وكافة الأحرار في العالم إلى التحرك من أجل الضغط على الحكومة الإسرائيلية للافراج عن الأسراى لاسيما النساء والأطفال والمرضى منهم.

ربحي دولـة - رئيس بلدية بيتونيا.

مقدمة الكتاب:

يقف الكلام عاجزاً أمام مديح يصف الأسرى وما قدموه لقضيتهم، إنهم هامات ثارت في زمن أسدل الستائر على عينيه، وأصمت المصالح أذنيه، فانقاد مذعنا بقلوب ميتة صماء لتوقظه صيحات الأسرى وظلم السجان، هؤلاء الأبطال الذين أدمت القيود معاصمهم وأسدلت عليهم ستائر العتمة فخرست الألسن وكفت العيون فلم يعد أحد يهتم بقضيتهم. سوى أهاليهم الذين ينتظرون عودتهم بفارغ الصبر ينتظرون لحظة اللقاء بهم ودفء عناقهم على حر قصر الجمر عنه، وصاغوا مشاعرهم كنوزا من كبرياء ورفعة لتعلي رايات نصر الإرادة والحق على جور السجان وظلمه فخرا بقامات وقيم وهامات وهمم.
جروح وآهات تحكى خلف القضبان الحديدية قصص وروايات تكتب عنهن بموسوعات تدرس للأجيال كيف لا وفي داخل كل قصة وحكاية هم كبير، تفاصيل موجعة، وألم عميق، بحاجة لمن يحمل رسالتهم ويقتلعها من جذورها، مرض يتفشى في أجسادهم كرمال على البحر يداس عليه من دون تردد.
موت بطيء يطل عليهن كل لحظة تفتيش ليلي وتفتيش عاري مستمر من الجنود دون سابق إنذار أو مراعاة لأنوثتهن وحساسية ذلك، عدا عن الغرف الضيقة التي يلفها البرد القارس، وأرضها وجدرانها متسخة لا تصلح للعيش الأدمي ويسكنها الجرذان والحشرات.
طعام من دون طعم ولا لون ولا رائحة يقدم لهن كوجبة أساسية ويتقاسمن الوجع مع بعضهن كما يتقاسمن الأغطية ليخففن شيئاً من وجع البرد القارص عدا عن وضعهن في زنازين ما يسمى بالعزل الإنفرادي
أو زنانين بصحبة جنائيات إسرائيليات ما يزيد من معاناتهن والتعذيب النفسي الذي يتعرضن له
جراء مكوثهن في السجن. فمنهن من توفي أباها أو أمها أو أغتيل زوجها وهي داخل السجن ومنهن من
تعرضت للتهديد بأهلها وأولادها من أجل الإعتراف، محاكمات قاسية لا أصل لها في قواميس الأرض والسماء
أسيرات قاصرات لم يبلغن السن القانونية للأسر وبالرغم من ذلك تم إعتقالهن ووضعهن في أقبية الزنازين
يحلمن يكبرن داخل نفق مظلم يرضعن حليب الوطن لينموا حبه في قلوبهن وأجسادهن المكبلة بقضبان
الحديد، عن أي وجع نتحدث لم نوفيهن حقهن ولو ذرة فهن من ضحين بكرامتهن من أجل أن نعيش نحن
بكرامة من تعرضن للتعذيب من أجل أن نحيا بحرية منهن المكلومات الموجوعات بوالد أو أخ شهيد أو
أسير.ولهذا فقد ارتأينا في مكتبة بلدية بيتونيا أن نستنهض الأسيرات ليقمن بتدوين تجربتهن في الأسر
بحلوها ومرها لقناعتنا بأن الكتابة عن تجربة مريرة كالمعتقل عند عدو لا يوجد عنده ذرة رحمة تريح ولو
جزء بسيط من نفس أرهقها السجان وتخفف عنها لو جزء بسيط من أثقالها.

الاء القاضي – مكتبة بلدية بيتونيا العامة.

قوارير عصية على الكسر
ابتسام ابو ميالة
كلي فخر وأنا أقدم اليوم هذا الكتاب المميز، والذي تم إنجازه بحمد الله ضمن دورة الكتابة الإبداعية للأسيرات،والتي تمت برعاية مكتبة بلدية بيتونيا الرائدة
وقد كان لي الشرف في التعرف والتعامل مع أروع نساء الوطن "الأسيرات "المحررات القوارير التي عصت على الكسر في أصعب ظروف الاسر، وبوضع قضيتهن بين أيدي القراء
وبما ان قضية فلسطين عامة وقضية الاسرى خاصة تتعرض للكثير من الانكار والتشويه فقد جاء هذا التوثيق الشخصي باقلام صاحبات التجربة الوطنية في الاسر، ليقف متحديا مثبتا حقيقة نضال المرأة الفلسطينية وحقيقة مواقفها الوطنية ومساهمتها في ابقاء قضية الوطن تنبض في الحياة في وجه محاولات ابادتها المستمرة من العالم اجمع
المرأة الفلسطينية الام والمعلمة والعاملة في الزراعة والشامخة يوم الحصاد والمربية لاجيال من أصحاب الحق هي ذاتها من كبلوا يديها ووضعوا السلاسل في قدميها ورموها في زنازين لا تليق بأي حياة آدمية.
هذا الكتاب يحمل بدايات الحكايات الطويلة التي نسجتها أيدي المحتل خلف قضبان السجون على أجساد وعقول وكرامة هؤلاء النسوة وغيرهن ممن لم يكتبن تجربتهن بعد، وسيكون لهذه الحكايا تكملات بإذن الله بذات الايدي المناضلة قريبا.
نقدم اليوم للمكتبة العربية مرجعاً بأهمية عالية لنضال المرأة الفلسطينية الذي لن يتوقف حتى ينتهي الاحتلال بإذن الله
فكل التحايا للأسيرات والاسرى أصحاب الحق وأولياء العز

الإسم:مي وليد الغصين البلد:بيتونيا \بيت سيرا.
تاريخ الإعتقال:15\6\1991
تاريخ الإفراج: 19\2\1997
من يوميات المعتقل.

تسعة دفاتر مكدسة،متراكمة..تسند بعضها البعض فوق رف مكتبتي في المنزل،بين صفحاتها قصص،في كل قصة ألف قصة وقصة...أجد نفسي بين صفحاتها....ماذا؟؟!..صفحات!! بل هي أيام وسنوات..مضت الساعات والدقائق والنبضات من بين سطورها.
أقلب الصفحات،ليتوالى الليل والنهار..ضحكات تبعث المرح في النفس،تتسلل للغرف عبر الجدران..دمعات مكتومة يسكنها شوق وحنين الأهل وأحباب وحياة بلا قضبان..صوت السجانة الصخري..يخترق المكان وهي كرجل آلي يحفظ مهامه...فحيح كومة المفاتيح بيدها..تغلق الأبواب وتفتحها...
صفحات يرتجف بعضها من برد المكان..صفحات أخرى تنبض كقلب كبير يتسع لكل الأسيرات..وللقطط
والنجوم يسكنها قمر يضيء عتمة المكان..الا السجانة ومفاتيحها...وصفحات أخري كغيوم ماطرة نركض نحن تحتها نختلس لحظة فرح بعيدا عن عيون السجانة ومفاتيحها. وبعض الصفحات كزنزانة صغيرة...لكن أكثر الصفحات كحقل ربيع مزهر يسكنه ربيع لايعرف الأفول..تبرعم أزهاره وترفرف فوق أوراقها فراشات ملونة..لايمكن لأي قيد أن يأسرها..
كثيرة هي صفحات الدفاتر..خمس سنوات ونصف..في كل سنة...ثلاثمئة وستون يوما..في كل يوم أربعة وعشرون ساعة..في كل ساعة ستون دقيقة،وفي كل دقيقة....مهلا مهلا..
ليس هكذا يحسب العمر،ولابتلك الطريقة يقاس الوقت بالسجن..نبض القلب بإنتظار يوم الزيارة...دمعة يتيمة ثقيلة حزنا لمنع أم من زيارة إبنتها بحجة عدم وجود صلة قرابة...أيام لاطعم لها سوى ملح وماء..أمل..وحلم وشوق..تحدي يومي،والحرب سجال في كل ثانية تمر..
بينك وبين السجانة..بينك وبين المكان..بينك وبين نفسك..سواء كان يوم واحد أوأعوام..وعليك أن تختصر بعض الحروب..كأن تتعرف على نفسك من جديد،تصادقها،تتقبللها،تكتشف إمكانياتها وقدراتها
القتالية..تتحالف معها..أسلحة لابد منها..فالمعركة هناك يومية،دائمة ومباغتة..مصحف وأمل،"وخيال واسع لعالم ضيق"،أقلام وألوان..كتب وأفكار..
قد تكبو في لحظة ما،قد ينطفيء القنديل..وقد ينفذ الحبر،وتصادر الأوراق والألوان...
لاي هم..إنهضي وإنطلقي كجواد مجنح، وأكتبي فوق جدار الروح، بمداد القلب...استعيري ألوان الطيف وبلليها بالمط ر
وأرسمي بابا لايصله مفتاح السجانة،نحو دروب الحياة يفتح..
صفحة من يوميات الدفتر اليوم الأول :الثلاثاء
التاريخ:22 \10\1991
المكان:زنازين العزل \المسكوبية
مر على وجودي في زنازين العزل خمسة وثلاثون يوما...لم أخرج للشمس، لم أسمع صوت الآذان الذي كان يصلنا من قسم الأسرى لم يسمح لي بالزيارة ورؤية أمي،لم أسمع صوت صديقاتي..ولاأعرف أخبار أمي وأخواتي..كل يوم أجد فوق الوسادة البالية كومة من الشعر المتساقط..وإن أستمر الأمر على هذا الحال،فقد أخرج من هنا صلعاء..
زادي هنا مصحف أرسلته لي الأخوات في الغرف مع السجانة ودفتر وقلم لاتعرف بأمره السجانة..مع مرور الوقت نفذ الحبر..أضيف بعض قطرات الماء فيكتب القلم من جديد..وجهتز راديو صغير دخل للمكان عبر ملابسي التي أرسلتها لي الأخوات بعد نقلي للعزل الإنفرادي..
في كل ليلة وبعد صلاة العشاء..أبدأونفسي ببث برنامج مايطلبه المستمعون..
حان الأن موعد برنامج ما تطلبه مي للأحباب..أدعو الله أن تكون بخير وعافية،وأن يبعد عنكم كل سوء،وأن يزين الفرح قلوبكم ماحييتم،
ومن ثم تبدأ كلمات أغنية وردة الجزائرية،وحشتوني وحشتوني...تبرز حروفها على صفحات الدفتر..
وهكذا..صباحا سورة يوسف تؤنسني وتزيل وحشة المكان..وما إن تغفو جفوني،حتي أسافر عبر الأحلام..
وكثيرا ماكنت أجد نفسي في الحلم وقد عدت لموطن طفولتي في الكويت،مع أمي وأهلي والجيران أحدثهم أني كنت في السجن وكن ت أحلم بهم..

صفحة من يوميات الدفتر الثاني

اليوم: السبت
التاريخ:26 \9\1992
المكان:سجن تلموند\قسم الأسيرات غرفة رقم 2
ما أجمل تلك العصافير..ما أذب شدوها..أراها من بين قضبان النافذة..تطير هنا وهناك..تجتمع..
وتتفرق..لتعود من جديد وتشدو بزقزقة جماعية متناغمة..
أتساءل بيني وبين نفسي،ما الذي يجبرها أن تأتي لهذا المكان،فقد تجرح تلك الأسلاك الشائكة جسدها الرقيق..!وقد تفزعها صوت السجانة التي تنادي للعدد..وقد تؤلمها أنها تخرج من القضبان؟!
أما كان لها كم الأفضل أن تذهب هناك حيث بيارات البرتقال في الجانب الآخر البعيد هناك؟؟ حتى هذه اللحظة لم أكن أدرك أن العصافير تستطيع قراءة الأفكار..
إقترب أحد العصافير..بأرجله الرقيقة وقف فوق قضبان النافذة..تبسم لي وزقزق قائلا:تتساءلين عن سبب تواجدنا في هذا المكان؟!هونفس السبب الذي تسبب بوجودك حبيسة هنا في هذا القفص الكبير.
كنا نسكن أشجارا كانت هنا..نسجنا فوقها أعشاشا لصغارنا..تحت هذا المكان جذور أشجار تحاول النمو من جديد..لسنا طيورا مهاجرة..ولا نهوى الرحيل..ولسنا طيورا مهجنة..فنحن أصحاب المكان..لا تغويني حدائق جديدة ولن تخيفنا أسلاك شائكة..وكل صوت بغيض..نقاومه بالشدو الجميل..والأجمل من شدونا..شدو سمعناه بالأمس..يخرج من تلك القضبان ويقول:
أنا من هناك..
ولي ذكريا ت
ولدت كما تولد الناس
لي والدة وبيت كثير النوافذ لي أخوة أصدقاء وسجن بنافذة باردة...
.......
تعلمت كل الكلام وفككته كي أركب مفردة واحدة هي:الوطن. "

اليوم:الإثنين
التاريخ:23\12\1993
صباحا لاحقت عيناي غيمات عابرة من خلف قضبان نافذة السجن،تفترق قليلاً لتعود وتلتقي من جديد..كيف هو ملمسها ياترى؟!ماهو شعور ذلك الطائر الذي غاب بين ثناياها؟!وسؤال طفولي مازال يلاحقني كلما رأيت غيمة:ما طعم الغيم ياترى؟!
صوت تكات المفتاح يدور في قفل الباب، انتزعني من تأملاتي..موعد الخروج للساحة..خرجنا جميعا رغم برودة الجو..تراكمت الغيوم..إسود لونها..برق يخترق صوته الغيمات..ورعد يهتز منه المكان..وسبحان من يسبح الرعد بإسمه والملائكة من خيفته...
نستعد نحن..فقد إقتربت لحظة المخاض..رعدة أخري..وتنهمر القطرات بسرعة..وكأنها في ماراثون جر ي تتسابق القطرات..أيها يعانق الأرض أولا.
تعبق رائحة الشوق في الخارج..في أول لقاء بين المطر والتربة..وتنطلق أقدامنا..كقطرات المطر..نركض داخل حدود الساحة الصغيرة..نختلس لحظة فرح مبللة بالأمل..
مساءا أغلقت السجا نة الأبواب كالمعتاد..لكن أبواب السماء لم تغلق،مازال المطر منهمرا بالخارج..
نجتمع في الغرفة أمام شاشة تلفاز صغير جدا.ونستمع الى.نشرة الأخبار المسائية. من محطة اسرائيلية هي المسموح بها فقط.
خبرإستشهاد شابين من غزة كان أحدهم يركض خلال المشهد، طلقة أولى.أصابته وما زال يجري..طلقة ثانية،أطاحته أرضاً..ومع نفسه الأخير همس في حضن الأرض..أماه لا تحزني..لست الأول،ولن أكون الأخير. وإصابة تسعة آخرون من قبل قوات الإحتلال..شاشة التلفاز،كغيمة حمراء تمطر..
هذا الخبرهو جزء من أخبار النشرة...ينتهي..وتصل المذيعة لأخبار الطقسس!
هذا الخبر الذى مر كبقية أخبار النشرة،هو قلب أم لن يتوقف مطره..مازال المطر في الخارج لم يتوقف بعد..أعتذر عن فرحي بصوت المطر خلف الجدران..
عتمة تسود المكان..جميع الأخوات في الغرفة نائمات..أو هكذا أعتقد..عاد الرعد والبرق من جديد..وبينهما يترائى لي قلوب أمهات منفطرة..أعينهن غيم لايتوقف مطره عن الإنهمار!!

اليوم :الثلاثا ء
التاريخ:8\11\1994
كبرت حنين بين صفحات دفاتري،تأرجحت بين سطوره..خطت بقدميها الصغيرتين علي أرضية قلبي..
بعثرت حروف كلماتي..نثرتها كفاقعات صابون متطايرة..
حنين التي فتحت عيناها على سجن بارد وسجانة..اليوم أكتشفت ظلها لأول مرة..تفاجأت..إندهشت..وتفاجأت أكثرحينما رأت ظل منال يلاعب ظلها! !
بطحت نفسها على أرضيت الساحة،مدت يديها كجناحي عصفور يحلق لأول مرة..احتظنت ظلها..الذي تسرب سريعاً من بين كفيها الصغيرين! !
حاولت،وحاولت أكثر من مرة..أن تعانق ظلها لترحب به،ولكن من يستطيع أن يعانق الغمام..؟!
ما الذي يدور بمخلية طفلة لم تبلغ العامين بعد؟؟ولم ترى من العالم سوى ذاك الحيز المقيت! !
شهور وتبلغ العامين،وتنتهي فترة الحضانة المسموحة،وتنطلق لعالم آخر..
ترى ماذا سيبقي في ذاكرتها عن هذا المكان؟؟وكيف ستمضي في المكان الجديد،بينما أمها ستبقي عالقة بين القضبان..
وهل ستطارد هناك ظلها؟؟ هل ستبحث عن ظلالنا عندما يشرق عليها نهار آخر لا نكون فيه حولها! !
حقاً مالذي سيبقي عالقاً في ذاكرة برعم صغير للتو نبت! !

اليوم:الثلاثاء
التاريخ:2\7\1996 غرفة رقم
(2)
.
هذا الصباح كنت مشوشة للغاية..ولست واثقة إن كان قلمي سيستطيع التعبير حقا عن تلك التجربة التي حدثت اليوم..
كالمعتاد حضرت السجانة عند الساعة التاسعة صباحا بكومة مفاتيحها،كي تفتح الأبواب لخروج الأسيرات"للفورة "فسحة في ساحة السجن الصغيرة لمدة ساعة..لم أكن أمتلك الرغبة للخروج مع زميلاتي هذا اليوم،بقيت مستلقية في سريري العلوي،بينما خرجت بقية الأخوات سريعا..
مضى وقت قصير لتأتي صديقتي عصمت وتخبرني بأن السجانة فتحت المكتبة، المكتبة التي لا تشبه أي مكتبة، رفوف قليلة وكتب أقل في مساحة صغيرة كاد الاسرى والاسيرات الموت في إضرابات واحتجاجات حتى نالوها
مضى وقت طويل لم يتم خلاله فتح المكتبة كما إعتدنا كل يوم إثنين لإرجاع الكتب وإستعارة غيرها، أفرحني الخبر وجعلني أنهض.
إدارة السجن لم يكفها أن النوافذ صغيرة، ومحاطة بقضبان فولاذية، بل يريدون إضاقة المزيد من الشبك والقضبان..إنتهي العمل في الغرف ولم يتبقي سوى غرفة المكتبة الصغيرة..
لا يهم، الكتب الموجودة في المكتبة نوافذ نحو الروح تفتح لايمكن لأحد مهما كانت سطوته أن يغلقها..هرولت عن سريري مسرعة،وصلت وعصمت وإذ بمجموعة من الأخوات متواجدات داخل المكتبة عائشة ومريم صعدن فوق الطاولة قرب النافذة..
لم تنتبه السجانة أن العمل لم يكتمل بعد،وأنه يوجد فراغ محفور فوق النافذة يسمح بخروج أحد منه..همستا "هيا إصعدي لنخرج "وهن يتضاحكن وعيونهن تلتمع
"لحظة سأعود سريعا"ركضت نحو الغرفة بدلت ملابس النوم سريعا وعدت:وبلمح البصرتسلقت الطاولة دفعت نفسي لأعلى لتصبح رجلي اليسري تتأرجح خارج النافذة في الفضاء،وتنتظر أختها لتلحقها وتتقافزا كنغر لايمل القفز.
قفزة واحدة وأكون هناك..لا،طبعا لاأفكر بالهروب أسلاك شائكة وكلاب متوحشة..وأبراج مراقبة في كل زاوية...سأجلس تحت تلك الشجرة ثوان قليلة وأعود وبيدي حفنة تراب..خمس سنوات عجاف مرت دون أن أستظل تحت شجرة..خمس سنوات تبدلت فيها أوراق الشجر خمس مرات..وبرعمت في الربيع..لتثمر صيفا..مواسم كثيرة مرت دون أكون فيها..
لن أهرب لامجال للهرب..وإن كان فإلى أين..؟!هممت بدفع نفسي للخارج أكثر..نادتني مريم..
لا لاتخرجي..توقف عقلي عن التفكير..بقيت عالقة في مكان مجهول كبرزخ...بين طرفي حبل كنت في وسطه، تتجاذبني عبارتين،احداهما من داخل الغرفة: "إرجعي أرجعي..، "والأخري وهي الأقوى "أن هيا أخرجي لا تتراجعي"...هاهي الشجرة ليست بعيدة بضع خطوات فقط وأعانق جذعها.وليحدث بعدها مايحدث..
بالأمس كنا نجلس بجوار باب المكتبة ونحلم بالخروج من تلك الفتحة..
هتفت إحداهن :"عودي يا مجنونة.. "
أعدت قدمي للداخل.. عادت بغير ماخرجت..ثقيلة..حزينة..كئيبة..لاعين لها تنفذ منها دمعة.. ولا فم لها ليطلق صرخة!!...
إحساس غريب،غربة مفاجأة أجتاحتني..ماهذا المكان؟؟ولمن تلك النظرات التي تحيطني؟!
ماذا لوكنت وحدي بالغرفة؟ ! لكنت خرجت..ولأكن مجنونة..أليس المجانين هم أكثر الناس حرية..
جرح نزف من روحى..نافذة مفتوحة..أمامها الكثير من الحواجز..
ككتلة حزن عدت للغرفة ألقيت بجسدي ليتهاوى فوق السرير..شدني لأسفل كأني أهوى في بئر لا فرار له....
ماهذا بدا السريركسجن جديد يريد أن يحاصرني بصمت وخبث يبحث عن منفذ ليتسلل ويستوطن أركان الروح..لا لاتذوبي بصمت المكان...إياكي أن ترفعي الراية البيضاء
قاومي..تسلحي بكتاب شعر أو رواية...سورة يوسف هي الملاذ...مظلة نحتمي بها من سنوات عجاف..أوراقك البيضاء..وتلك الألوان...أتبعي خطواتها..نافذة صغيرة،وقضبان فولاذية صماء...تخترقها ألوانك بأوراق مخملية لوردة جورية تنبض بالأحمر وتجلس وسط كأسها الأخضر بثبات..غصن أخضربأوراق تتمايل بدلال..والشوك فوق الغصن..يهمس.."أنا حارس الوردة من غول المكان.... "
عاد الأمل من جديد..ويقين يبرعم في ثنايا الروح..إن بعد العسر يسرا..
عادت السجانة من جديد الساعة الثالثة عصرا مع كومة مفاتيحها الصدئة..لنخرج من جديد للساحة..
في آخر الساحة،كانت وفاء تجلس وحيدة،مر على وجودها بيننا بضعة أشهر..وجه مضيء يشعرك براحة وهدوء لمجرد تواجدك قربه...فمها صامت أغلب الوقت..وأن تحدث فأنت لاتسمع منه إلا همسا..شامخة كنخلة بكل صمت وتواضع تعطي أطيب مالديها..
مصحفها بين يديها تحلق بين آيته..جلست قربها...وقرأنا سوية ماتيسر من الآيات الكريمة..أغلقت المصحف ونظرت...نظرة ملمسها كغيمة حريرية تقطر رقة وحنانا..
تكاثفت الدمعات سريعا..وإنهمرت بشدة وصمت..أربكتني تلك الدمعات الصافية..أربكني ذلك البوح الصامت المفاجيء..بقيت صامتة إحتراما لتلك الدمعات.
سريعا كفكفت دمعاتها..تحدثت بصوتها الهامس المبلل بالمطر
:- "كلما شاهدتك تذكرت إبني الصغير خالد...تشبهينيه لحد كبير،نفس الحركات...ونفس أسلوب الكلام والضحك"..
أدركت الآن سر حبها للجلوس بقربي دوما..تبسمها لي بين حين وآخر...
"ستخرجين قريبا..وستعودين لبيتك وأطفالك وعائلتك..وستقولين للصغير أنك وجدتي من يشبههحيث كنت يوما ما..."أليس الصبح بقريب "وأكملت أتعرفين أخي الصغير أيضا إسمه خالد "
"عاشت الأسامي"أجابت،
.تبسمت من جديد تلك البسمة العذبة...وسرحت بعينيها نحو الغد الأتي..غد محمل بالفرح والأمل...
نكبو...فنحن بشر...لكننا مانلبث أن ننهض من جديد..نذبل صحيح..لكن براعمنا لاتكل ولاتمل من التفتح...
عادت السجانة من جديد...بكومة مفاتيحها البالية...تغلق كل تلك الأبواب والنوافذ..لكنها أبدا لاسبيل لها نحو منافذ الروح..
ذيلت صفحتي لهذا اليوم بمقطع فيروزي:
"غاب نهار آخر غربتنا زادت نهار
وأقتربت عودتنا نهار "
أغلقت دفتي دفتري والصفحة التالية تتساءل:"أي النصوص ستسكنني بالغد؟! "
"تصبحون على وطن..من سحاب ومطر "

ذكريات على أعتاب بستيلات الصهاينه
الاسيره المحررة شريفة علي أبو نجم
قريوت نابلس.

أنا لست كاتبة ولا روائية ولا شاعرة ولا صحفية..أنا فقط كتبت ما أحسسته ولمسته... أنا لا أفهم بهذه الموضوعات الكتابية والابداعية، الكتابة ليست هوايتي.. ولم أحبها.. هوايتي المطالعة.. والابداع في الاشغال اليدوية مثل الصوف والتطريز والصنارة وغيرها.. ولي جروبات ثقافية مختلفة على الواتس أنا مشاركة فعالة فيها وحصلت على شهادات تقدير
مع أني أشعر بهذه الايام كأني عاودت الرجوع للمعتقل وأستذكره بسلبياته وإيجابياته. وفي نفس الوقت أشعر بنفسي أطير بين الكلمات والحروف والاحداث أطير هنا وهناك ألملم أفكاري المبعثره...
وهذا ما إستطعت أن أكتبه.

1- القصة بالمختصر
ولدت في قريتي قريوت في تاريخ ٢٨/٦/١٩٥٨ اعتقلت بتاريخ ٢٨/٦/١٩٧٨ كان وقت الظهيرة من فصل الصيف عام 1978، وكان موسم حصاد القمح
هوجمنا من قبل عائلة معروفة للأسف بالخيانة والجاسوسية،مسلحين من قبل الصهاينة بأسلحة وذخيرة حية، وبدأ إطلاق النار إثر مقتل جاسوس منهم إتهمنا بقتله، قتل والدي برصاص الإحتلال وجرحت والدتي بالرأس واليد والخصر. وتم نقلها الى المشفى، ولاجل المصادفة العجيبة كان هذا اليوم دون الأيام هو يوم مولدي، حيث كان يفترض أن اطفئ شمعتي العشرين، ولكني بدل ذلك نقلت إلى مركز الشرطة بتهمة قتل عميل،وصعدت الى سيارة دورية الجيش التي تمددت على أرضها جثة والدي الشهيد
والدي ممدد أمامي وأنا مكلبشة الأيدي.. وصلت إلى مركز الشرطة.. ولم أعلم أين ذهب وا بابي

وفي اليوم الثاني تم نقلي الى السجن المركزي بنابلس لاستكمال التحقيق معي وفي الطريق وضابط الدرزي ينعتني بكلمات بذيئة سوف نعبثك الى بنات الهوى والشر....، وكلمات أخرى وسوف تصبحين مثلهن الى أن وصلنا الى السجن المركزي لم يبعد سوي عشرة دقائق أو أقل عن مركز الشرطة. وهناك مكثت في السجن وبعد أسبوع فتحت زنزانتي ورأيت أمي ولأول مرة َمنذ إعتقالي فاذا بها ملفوفة الرأس وأيديها معلقة بركبتها وخاصرتها ملفوفة أيضاً ولم تعلم أني معتقلة إلا ساعتها وذهلنا الاثنتين من وقع المصيبة ولم نعلم ماذا يجري في الخارج...
دفن الوالد ولم نكون معه والأخت جريحه لوحدها بالمشفى وحصادنا القمح ظل في أرضه..
بعد أسبوعين نقلنا أنا والوالدة إلى سجن نفترتسا الرملة. وفتح باب المعتقل ولم نراه قط من قبل كنا نسمع فيه وبالنضالات والأعمال الوطنية وعايشنا أيام النكبة. ولم نرى المعتقل على الحقيقة. دخلنا المعتقل وإستقبلتنا الضابطة وإسمها بتي واخذتنا الى غرفه التفتيش وعرتنا كليا.
وأخذتنا إلى غرفة صغيرة مليئة بأواعي جديدة لم نعهدها من قبل. لبسونا ملابس السجن وأعطيت كل منا بقجة فيها مخدة متسخة وشرشفين بيض وبشكير وبطانيتين وفساتين وقميص كحلي. وأخذت لنا صورة بملابس السجن وعليها شارة السجن بالعبري وبعدها أخذتنا الضابطة للعيادة الصهيونية وعملوا لنا ملف صحي. وكل مدخل كنا ندخله عليه باب مغلق وأشياك شائكة إلى أن وصلوا قسم "ب "الخاص بالمناضلات الفلسطينيات وهناك إستقبلونا بالحب والمودة والإبتسامات الجميلة رغم مرارة السجن ومأسيه وبعده بعدة أسابيع بدأت محاكمات لأمي وحدها وبرأت من التهم الموجه لها ومكثت معي ثلاث شهور. وكان الفراق بينا وما أصعب تلك اللحظات كيف أمي ستتركني. وكيف لأمي ستترك ابنتها بين الأسلاك الشائكة والغرف المغلقة بعدها بدأت محاكمتي. وحكم علي بالسجن الفعلي ٧ سنوات مع الاشغال الشاقة ومن هذا الموقع المرير بدأت نضالاتي مع الأخوات بكل قوة وإصرار وتحدي.
فصرت واحدة منهم وكنا أخوات كلنا يد واحدة كانت معاناتنا وحدة وفرحنا واحد وحزننا واحد وكلنا متحدين ويدا واحدة.. لا فرق بين فصيل وفصيل آخر. كان لنا برامج تعليمية وتثقيفية.
وجلسات تنظمية. وكلنا كنا خلية واحد نعمل في الصباح في مراكز العمل مثل المخيطة وفي المطبخ نطبخ ونخيط فقط للسجينات والمرضى وكنا نرفض نعمل الأكل للشرطيات والملابس للجنود.. وكنا في عراق معهم ونرفض كل ما يطلب من العمل من أجل جنودهم... فقط كنا نعمل ملابس للسجناء ومراييل للمرضى.وفي قسم المناضلات كانت غرفة خاصة للإداريات..
وكانوا يرفضون الحكم الإداري. وكانت ١٤ غرفة خاصة بنا منها الكبيره فيها ست تخوت. كل تخت من طابقين فيها ست بنات وغرفة خاصة للموقوفات في ٨ بنات. وكان الحمام صغير جدا منها حمام ومغسلة ودورة مياه في نفس الوقت. بالنسبة للزيارات مرة في الشهر والكنتين
نفس الشىء إلا أن أضربنا تقريباً حوالي أسبوعين ومن ضمن المطالب كان هناك مطلب إدخال كتب اضافيه وثقافيه. وراديوهات لسماع الأخبار والتواصل بالخارج. وتحقق لنا المطالب ٩٠% وكنا نفس واحدة ويد واحدة.... وكانت لجنة كنتين من عدة تنظيمات لتوزيع ملتزماتنا اليومية بالتساوي... لا فرق بين هذه وهذيك. كنا فرحين ومبسوطين معاناة واحدة وفرحة واحده وبعد العمل في الساعة الثانية لنا برامج تثقيفية وتنظمية وكلها كانت بالسر رغم. مراقبة الشرطيات لنا. وكان في نفس الوقت برنامج تعليم محو الامية. وتخرج الواحدة الغير متعلمة تقرأ وتكتب وأصبح بيننا ترابط قوي جداً. وكنا في قمة المثالية... كان أصعب يوم لكل معتقلة هو أول يوم لكونه يوم غريب لم نعرف السيء من الحسن إلا بعد التجربة اليومية والحمد لله كنا نخبة أخوات مناضلات حقاً وأصعب يوم أيضاً عندما يكون موعد الفراق والافراج، فراق أخوات لنا بالأسر ونتركهم وهم أصبحوا بالنسبه للمفرج عنهم الاهل، رغم قساوه السجن ومرارته. مع أنا كنا متشوقين للحرية والعيش معه.. لكن عندما نخرج نصطدم بالواقع الخارجي. وكنا لم نتأقلم مع هذا الواقع الجديد.. كنا نعيش في مثاليات داخل المعتقل.. إلا أننا تغلبنا على هذا الواقع وبدأ نضالنا الجديد وأثبتنا ذاتنا بذاتنا وكل هذا كان حصاد كما تعلمناه من المعتقل هناك كان مدرسة الحياة إلى الأن نستذكر تلك الايام ونستمد قوتنا وإصراننا من تجربتنا السابقة.
كيفية العمل على إسقاطي..
من قبل إداره سجن نيفترتسا الرملة في البداية كانت المشكلة سياسية ولكن الصهاينة حولوها إلى مشكلة إجتماعية للتأثير عليّ أولاً وتبرئة العائلة العميلة وإرضائهم بما أنهم كانوا يزودونهم
بمعلومات عن المناضلين في قريتنا والقرى المجاورة عملية إسقاط..كانوا ينادونني إلى إدارة
السجن ويقدمون لي كل الإغراءات الممكنه مثل زيادة إدخال ملابس لي وأشياء أخرى مثل خيوط الحياكة.. صوف حرير إبر.. والعمل في كوبوتسات الصهاينه خارج السجن عندهم مثل أي بنت من بناتهم المجرمات والبنات العربيات والسياسيات التي تم إسقاطهم على أيديهم وكان أيضاً من ضمن الإغراءات هو أن يخرجونني من السجن الى البيت كل ثلاث شهور عند أهلي.
وطبعاً هذا كله كذب بكذب وكل هذا مقابل أن أزودهم بمعلومات عن الأخوات المناضلات وكان الرد مني رداً قاطعاً ورد عنيف جدا وقلت لهم لا أريد أن أخرج من السجن أريد أن أعيش مع أخواتي المناضلات. هم أهلي وكل شئ بحياتي. جن جنونهم وسحبونى إلى الزنزانة مكلبشة اليدين أسبوع أو أكثر ويقطعون زيارتي شهرين أو ثلاثة أحياناً ويمنعون إدخال أي ملابس لي أو أي شيء آخر. غير إغلاق الغرفة. لأيام كثيرة. وفي كل مرة يحاولون ولم يجدي معهم نفعاً في نهاية المطاف قرروا وضعي في قسم)الجنائيات والمجرمات الصهيونيات والسياسيات اللواتي تم إسقاطهم (الى أن كان رد أخواتي المناضلات لهم بالرفض لنقلي الى ذالك المكان..
وهم أيضا أحسوا أن إنتقالي سيأثر على الجنائيات بالإيجاب ويتراجعوا عن الخيانة..
وعزفوا عن نقلي وبقيت مع الأخوات المناضلات والتزمت معهم في كل النضالات
والاضرابات والاعمال الوطنيه وكنت المثل الاعلى بما أن قضيتي تختلف نوعاً ما إلا أنني أثبت وطنيتي وذاتي ولم أحقق لعدوي أي شيء يريدونه وفي المرة الأخيرة مديرة إداره السجن وكانت إسمها رية تستفزني لتسقطني أيضا في نفس الوقت وتقول لي أنت قاتل أبوك وكان ردي
لها أتدرين من هو قاتل أبي...فقلت لها لا أنا لم أقتل أبي.فسألت من هو قاتل أبوك فكان ردي
قوي وصارم.. أنت من قتل أبي.كيف أنا قتلته فردت عليها وجودك على هذا الكرسي وسرقتكم
لأرضي وخلق هؤلاء الجواسيس هم من قتل أبي فكان ردها فوراً إتصلت بجنود ليسحبوني الى الزنزانة واتصلت بهم. وفعلاً أتوا ووضعوا الكلبشات بيدي وأخذوني إلى الزنزانة لمدة أسبوع أو أكثر نسيت بالضبط كم مكثت في تلك الفترة وعند خروجي من السجن وآخر يوم من الانتظار بعد العد التنازلي من آخر السنة ووضعت شهور السنة وعدد الأيام على حائط غرفتي بجانب تختي واضع علامه) × (بأن يمضي اليوم والشهر إلى أن إنتهت المدة وفي آخر يوم وأنا أنتظر الخروج وفي صباح ذالك اليوم وإذا بالضابطة وعند العد الصباحي واذا بها تقول لي بوكر توف بالعبري يعني صباح الخير. فكان ردي لها متى إنتي بتصبحي علي إنت لا بتحبيني ولا بتصبحي علي.. وأنت تكرهينني. وأشد عداوة لي من دون الضابطات. فردت علي قائلة أنت اليوم بدك تخرجي للبيت عند أهلك فقلت لها نعم.. فردت قائلة أنا صحيح صهيونية ومتصهينة وأريد أن أخبرك بأني أحترمك لأنك كنت مخلصة لبنات جلدتك. ومخلصة لهم وتحبونهم.. ولم تخوني دينك.. ومن يخون دينه ليس له امان في دين آخر هؤلاء البنات التي تم إسقاطهم من قبلنا هم اسمرطوط. يعني مماسح لنا ولا نحترمهم.. كل الإحترام لك شغيفة بالعبري يعني شريفة وعند الساعة العاشرة تغيرت الضابطة وإستلمتني ضابطة ثانية وفتحت غرفتي وحملت بقجة السجن وفيها أشياء السجن مثل البطانية والشراشف وغيرها من ملابسهم وتسليمها للأمانات وقبل خروجي بعدة دقائق سألتني الضابطة ما بدك تودعي مديرة السجن وكان إسمها شوهم. َوهي جاءت بعد مديرة السجن رية.. لتشربي معها فنجان قهوة) وهذه محاولة أخيرة لإسقاطي بفنجان قهوة وما أدراك
ما القهوة (فرفضت أن أشرب القهوة معها ومع غيرها من المجندات.
فجن جنونها وقالت بنت زونا أنت بالعبري.. وأخرجتني من الإدارة وفتحت الباب الخارجي والاخير لأنطلق للحرية ولقائي بأهلي.. وقالت لأمي زوجوها حتى لا ترجع مع أخرى إلينا...ظناً منهم بأن زواج البنات المناضلات يمنعهم من مواصلة النضال...
*
2- الحكم الجائر
بعد أن حكم علي بالسجن ١٥ عاماً مع الأشغال الشاقة، كان ذلك اليوم صعب جداً ومرير حضرت أمي محكمتي، وعند سماع الحكم اذ بها تصرخ وتشق ثيابها، هلعت على أمي وإحترق قلبي لألمها وأخذت أهدأ من روعها من بعيد. "أمي لا تبكي ولا تحزني، سأخرج من هنا أنا أكيد، وسأستأنف الحكم وأعود إليكم
وكانت فكرة الإستئناف فتحت باب الأمل لأمي، وفعلاً هدأت.. وودعتني وداعا يقطع الأوصال.
وصراحة كيف لأم أن تتقبل هذا الحكم على إبنتها التي ستقبع بين جدران هذا السجن اللعين.
وهي جربت عذاباته لمدة ثلاث شهور من قبلي.
. ودعت أمي وركبت سيارة شرطة إسرائيلية وتركت ورائي نواح أمي وبكاءها والناس في المحكمة يتذمرون من هكذا حكم جائر... وأنا ضحيته.

ركبت سيارة الشرطة الإسرائيلية بعد الحكم علي وأنا مكلبشة الأيدي والسيارة تنهب الطرقات نهبا
الشرطه تسمع بكائي ونحيبي على فراق أمي وأهلي وكيف أفكر بالحكم وكيف سأمضيه وتدور بي الأفكار هنا وهناك واذا بالشرطي يتكلم ويخرج عن صمته بلغته العبرية المكسره
 والله حرام. أن يحكم عليها ١٥ عام مع الاشغال وهي صغيره في مقتبل العمر...
كدت اقول له "لا أحتاج تعاطفكم وأنتم سالبوا الحق والارض، لكني صمت إلى أن وصلت بي السياره باب المعتقل وفتح الباب ودخلت وأوصدت بابه بقفل حديدي ضخم هنا تأكدت أنني سوف أعاني عذابات السجن ومرارته لا محالة.
وصلت قسم ب قسم أخواتي المناضلات وهم ينتظرونني متلهفات لسماع ما جرى، وعندما ابلغتهم بالحكم ١٥ عام ومع الأشغال الشاقه... منهم من التزمت الصمت ومنهم من أخذت تقوي من معنوياتي مثل الأخوات مريم الشخشير وتريز هلسة وبنات أخريات ويهدؤون من روعي ويبتسمون ويقولون لي نحن أمك وأخواتك وكل أهلك ولا يهمك لن نتخلى عنك، وأخذن يحتضنني ويقبلني. إلى أن استقر وجعي وكففت دموعي وأصبحت أتأقلم معهم
ومع مرور الأيام اندمجت وأصبحت معهم قلبا وقالبا وتحولت حياتي للايجاب وتعلمت العبر والدروس منهم
وكنا نذهب للعمل وفي كل صباح وكل يوم نعمل بالحقل ونلبس البوت الكوماندوز البني اللون و نذهب للمسؤول عن مخزن لوازم الارض وهو شرطي عراقي الاصل ليعطنا ما نريد من هذه اللوازم لنحرث بها الارض وبأيدينا مثل الفاس والمعدير بالعبري هو شبيه للشاعوب عندنا "يشبه شوكة الطعام "وتستلم كل واحده منا آداة الحراثه لننكش الارض. ومعنا شرطية تحرسنا وإسمها "مزل دنون "وهذه الشرطيه أوسخ شرطية بإداره السجن وكنا مجموعة من البنات وعند الظهيرة وتحت أشعه الشمس ونشعر بالتعب كنا نتلثم بالشالات على وجوهننا ولم يظهر إلا عيوننا والبنات هم نادية الخياط ولواحظ الجعبري وأمل وهدان وعدد من البنات لم أتذكر بالضبط أسمائهم وكنا نغني "طلو طلو الفدائية وسلاحهم يلمع يا با.. علي هالدورية بالعتمة ورصاصهم يلمع يا با.... من وادي لوادي دب الرعب بالأعادي. "
وندبك ونصفر ونصفق. ونغني أغاني ثورية وطنية أخرى.. والشرطية مزل تصرخ من الغضب. وكنا متعمدين غناء الأغاني لنذهب الى الغرف ونرتاح من تعب حراثة الارض وتحت أشعه الشمس الحارقة. فالارض كانت خلف شبابيك غرفنا لم تبعد كثيراً عن غرفنا، بعدها يكتب لنا "دووخ "أي بمعنى عقاب بتسكير الغرف ومنهم من ينقل نقلاً تعسفياً للعملَ في مكان آخر. مثل المطبخ أو المخيطة أو في عمل الترسيم أو تعبئة بطاريات وعمل أبجورات بيوت ومشافي. وتم نقلي الى المطبخ في قسم ألف الذي فيه الجنائيات والمجرمات الصهيونيات وكانو معادين لنا بشكل وحشي.إلا قليل منهم من يفهمنا ويعتاد علينا من خلال تعاملنا الانساني معهم
فهم يتعلمون في المدارس الصهيونية بأن العرب والفدائيين حمير ولهم أذنين كبار وذنب... ولما إختلطوا بنا وأحسوا بمعاملتنا الإنسانية لهم أصبحوا أصدقاء لنا طبعا ليس الكل.. منهم من كان أشد عداوة من الشرطيات.. المهم مطبخ قسم ألف الكبير وجد لأجل الجنائيات الصهيونيات في البداية قبل دمجنا فيه، وكان بداخله غاز كبير عشر عيون منها الكبيرة والصغيرة ورفوف على داير المطبخ طناجر مختلفه الأحجام وصواني وفرن كبير للشوي وماكنة لتقطيع الخبز وماكنة لعمل الجاتو. كان المسؤول عن إدراة المطبخ ثلاث ظابطات وكلهن أخوات "راحيل وجكلين ونادية "والمسؤولة عن إدارة المطابخ والتموين ظابطة إسمها رفقة أعلى منهن مركز ورتبة، ولها باع طويل بإدارة السجن لقمع الامنيات منا.
من طرفنا مسؤولة المطبخ المناضلة زكيه شموط والمشرفة على الأكل وحسب التعليمات التي تعطيها إياها الظابطات الاكل في المطبخ بوجود دفترين، دفتر للشفت الصباحي والمسائي للمعتقلات. ودفتر للاكل الاسبوعي للوجبات اليوميه والاسبوعيه.
وجبه الصباح عباره عن ثلاث حبات زيتون ومعلقة لبنة وبيضة، وكل يوم البيض إما
سلق أو قلي. والمادة الساخنة صباحاً ومساءً يوم شاي. يوم ديسة وهي عبارة عن سميد وحليب وسكر وبتكون خبصة. وليست لذيذة، كل وحدة فينا تضع ما تريد عليها حسب رغباتنا، منها من تضع عليها مربى إن وجد أو شكولاتة أو تتناولها ساده مثل ما تقدم لنا.

الظهر الطبخ دجاج بريشه أو سنتشل ذابل قديم وصغير الحجم. وكم معلقة أرز لا يمت للأرز بصلة سوى الاسم و بجا نبه ربع تفاحه أو كاسة شراب نحضرها نحن بالمطبخ من مخلفات الفواكه. وكنا أيضا نوزعها على أماكن العمل في الساعة العاشرة قبل الظهر......
يوم واحد لجلي طناجر المطبخ كل أسبوعين مرة في ساحه قسم "أ "وراء المطبخ الطناجر كثيره متعددة الأحجام وكنا فرحين أنا وعائشة كيوان.. -عائشة كيوان هي مناضلة وزوجة شهيد - في نفس الوقت بما أننا نعمل في المطبخ فعلينا أن نبقي على نظافه المطبخ لأجلنا ولأجل أخواتنا المناضلات، يجب أن يكون الطعام نظيف وصحي وهذا بجهد منا، كان معنا أخوات لنا في النضال من دول مختلفه مثل لدوين الهولنديه الأصل.. وكاترين وجكلين
وهن فرنسيات الأصل. وكان العمل بيننا شفتات صباحي ومسائي كل ثلاثة بنات اوإثنتين مع بعض مسؤولة الطبخ في وجبة الغداء هي زكيه شموط..- زكيه شموط هي وزوجها حكم عليهم عده مؤبدات ولها من الاولاد خمسه بينهم بنات.. وهي من أول الاسيرات في سجون الاحتلال، وكانت حامل فأنجبت بنت وهي من أول من أنجب بالسجون العالمية وفي السجون الصهيونيه والكل يعرف تاريخها أفرج عنها في الدفعة الأولى من الأسرى. وعاشت في الجزائر هي وزوجها وتوفيت هناك قبل سنتين، رحمها الله.

كنا نحضر وجبات صباحية للسجينات ككل. يوم الجمعة كان مميز بعض الشيء كان لنا قطعة كبيرة مثل ورك دجاجة أو إسفينة..
مع كفكير من الارز.. يوم السبت هو عبارة عن فاصولياء مجبولة، كنا نحضرها يوم الجمعة بالليل نخلط الفاصولياء مع البصل الغير مقشر بحباته الكبيرة والبيض المسلوق ووضعه بالطنجرة ونبقيه يقلب لثاني يوم علي نار هادئة. ويصبح لون البيض بني من ورق البصل....
يعني خبيصة، البنات اليهوديات كان لا يعجبهم هذا الطبخ وكثرته. فينظرن إلى الطعام ويبدأن بغناء أغنية. فاصولياء عفار عود شفوووع. يعني كل أسبو ع فاصولياء وكلمات أخرى يتغنون بها.

البنات وشهواتهم لاكل المنسف وورق الدولي من تحت أيدي أمهاتهم............

.. قررنا أن نطبخ منسف.. وبدأ التخطيط لطبخ المنسف والتخطيط لإدخال طناجر وصواني للغرف التي تقوم بعملية الطهي فيها... المهم سربت الطناجر للغرف رغم الحراسة المشددة بين المطبخين وخروجهم من المطابخ الى قسم المناضلات ووصولهم للغرف.. كانت عملية صعبة جداً والصواني الكبيرة الحجم والمستطيلة كل هذه الاشياء أوجدناها بالغرف مواقد الطبخ كانت عبارة عن ثلاث علب نسكافيه فارغة... مسلتزمات إشعال في المواقد كانت عبارة عن قطن وكحول.. فكانت أيضاً مهمة صعبة، فقمنا بإعطاء مهمة لعدد من البنات وعلى عده أيام لجمع القطن والكحول والذهاب إلى العيادة بحجة أنهن مرضى ويقومون بسرقه ما يلزم ووضعها في أماكن من الملابس بعيداً عن أنظار الممرضة الصهيونية وهي ملستلزمات لعمل المنسف. وقمنا بجمع اللبنة والزبدة والخبز والبقدونس ونهربها للغرف... وطبعا اللوز والفستق موجود. من الكنتين الذي نشتريه من إداره الكنتين هنا إكتملت المواد. وبدأت عملية الطبخ فهي ليست سهلة. الكل يحضر بعملية الطبخ وفي عدة غرف وعدد من البنات تراقب لنا الشرطيات خوفاً من الإمساك بنا وإنكشاف سرنا، فقمنا بإشعال النار في المواقد داخل الحمامات.. وقسم يفرم البقدونس وقسم يقشر اللوز إلى أن أتممنا طبخة المنسف وتم توزيعه على كل الغرف. لكن الفضايح هنا.. رائحة المنسف إنتشرت داخل القسم بأكمله وخارجه ونحن نأكل بسرعه خوفاً من الامساك بنا.. المهَم أكلنا وشبعنا. وإذا بشرطية مصرية الأصل إسمها جولي تميز رائحة الطعام وإذا بالضابطات يفتحن الغرف ويبحثن عن الروائح.. فوجدوا الطناجر والصواني والمعالق.وآثار الأكل والمواقد في الحممات. فجن جنونهم... كيف ومتى حصل كل هذا وكيف أدخلت الطناجر والصواني. وإنقلب القسم رأساً علي عقب... ونحن لا نبالي بكل هذا المهم أكلنا منسف وصار اللي صار.

شهوة أكلة ورق الدوالي...........
في يوم من الايام أحضرو لنا عنب وبدأت آكل أنا وعايشة كيوان نحن كنا صديقتين حميمتين ونطبخ مع بعض ومعنا أيضا مناضله عطاف السلايمه هذه كانت سمينه جدا ولها بنطال واسع.
بهرب طنجره هههههههه. المهم كنا نشطين بتهريب الاكل لاخواتنا. المناضلات مسكنا بذره العنب وصرنا نفكر بزراعتها.. عايشة كيوان بدأت تزرع فيها تحت شباك غرفتنا مباشرة وكنت أراقب لها حتى لا ترانا الشرطية. زرعتها وبدأنا نعتني بها. ونراقبها من الشباك هل تكبر وتنمو.. ولكن العنايه الالهيه كانت معنا... الى أن كبرت بسرعة.. وأصبح عليها ورق عنب صرنا كل ما كبرت ورقة نقطفها ونخبأها إلى أن جمعنا طبخة ورق لنطبخها وترد شهوتنا... المهم أنا وعايشة لفينا الورق وطبخناه في المطبخ مع المراقبة الشديدة وأدخلناها بين طناجر الطبخ الأساسيه للسجينات ونضجت الطبخة وهربناها الى قسمنا وقمنا بتوزيعها على كل الغرف وحسب العدد ورقة ورقتين لكل أسيرة،إلى أن أكلنا وردت شهوتنا منها.نحن نصنع المعجزات في تلك السنوات العجاف المستحيل يصنع المعجزات ما في شيء مستحيل.
في إصرار وتحدي وتصدي وخلق أفكار وإبتكارات وكان هذا حالنا في المعتقل

الاضرابات عن الطبخ.
كان لنا إضرابا بسبب أن إداره السجن تريد أن تدمج أكل الشرطيات بأكلنا.. إلا أن ردنا كان الرفض القاطع.. كيف لنا أن نطبخ لشرطيات. سرقن أرضنا ووطننا أيعقل هذا ويتم لهم إذلالنا. لا والله ماكان لهم ان يتم ذلك...فرفضنا. وتم العقاب التعسفي بان اغلقو علينا الغرف ما في عمل ما في زيارات ما في كنتين كل هذا اغلقوها. وبعدها سحبت منا الكتب. والمرايا التي داخل غرفنا. وكان لهم هدف من هذا.. وسنسوق لكم تفاصيل عن سحب المرايات بالذات والقمع لنا بعد ذالك.. وسحبو تكتات الخشب التي توضع تحت الفرشات على مضلعات التخوت الحديد يه.. فما كان الرد عليهم بالخبط على الابواب وهذا كان في عصر شهر ١٠ واواخره على ما اعتقد... وكنا نضع ايدينا بأبوات الكوماندوز. و نبدأ بخبط. خبطات قويه ومزعجه احتجاجا علي تعسفاتهم لنا. وسحب كل ماهو لنا. من مم تلكات الخاصه بنا وفي اثناء ذالك،اذا بنا نرى ماده صفراء تمل القسم، ولا نعلم ماهيه رش هذه الماده. الي ان شعرنا باننا تختنق واصواتنا والدموع وسيلان الانوف بشكل غير طبيعي ولم نعد ندري مايجري بالضبط.. واذا بجنود القمع يطلون علينا من طاقات ابواب الغرف مكممين علي روؤسهم ووجوهمم ويمسكون خراطيم
الرش وكأنها خراطيم مياه. ويرشو داخل الغرف من هذه المادة التي لم نعرف عنها أي شيء

هنا وصل الرش لغرفتي كنا بالغرفه ست بنات أنا ومادية وسميحة يعقوب وحماتها وكمان ثلاث بنات لا أذكرالأسماء،. في الغرفة ثلاثة أسرة كل منهم بطابقين وثلاث دفات خزانة صغيرة جداً لوضع ملابسنا وحمام صغير جداً منه مغسلة ودورة مياه ودش للحمام وعندما كنا نريد أن نقضي حاجتنا نتحرك بصعوبة في زحمة المكان الضيق.
سطل أسود لكل الغرفه نغسل فيه الملابس ونشطف فيه أرضية الغرفة.

سميحة يعقوب هذه معتقلة حكمت أربع سنوات كان لها ابن إسمه يعقوب طفل في الخارج عمره عشرة أشهر وكانت حامل بست شهور ببنت حينما تم إعتقالها. هي وحماتها والعمة وبنت حماها.، وفي وقت ليس ببعيد أفرج عن العمة وبنت حماها فلم يمكثن إلا عده شهور وبقيت هي وحماتها.. حماتها حكم عليها بثلاث سنوات وسمحية أربعة سنوات.سميحة أنجبت مولودة في مستشفى صرفند وهي مكبلة الأيدي والأرجل. لمدة ثلاث أيام بالمستشفى.. وأطلقت على إبنتها ثائرة. لكن إداراة السجن لم يروق لها هذا الإسم فاستبدلوه بإسم أميره وسجلت عندهم بمواليد صرفند أميره وأعطيت لها شهادة ميلاد بإسم أميره.. لكن أمها ونحن المناضلات كنا نناديها ثائرة،
ثائرة مكثت مع أمها سنتين وأصبحت جزء منا وذاقت الحرمان.. و حرمت أدنى حقوق الأطفال وهي الطفولة، ولم تعرف لغة الأطفال ولا ألعابهم بل كانت تخاف رؤية الأطفال والألعاب لأنها لم تعهد على رؤيتهم من قبل جسمها وسنها صغير،لكن تفكيرها وعذاباتها كانت مثلنا نحن الكبارتشعر بالحزن عندما نحزن وتشعر بالفرح عندما نفرح.. كانت تراقب لنا كيفيه تحرك الشرطيات رغم صغر سنها.كانت تسرق لنا علب سجائر الشرطيه وتحضر لنا قداحاتهم..
وتضعها تحت ثيابها. وتمرره لنا من تحت الابواب بيديها وأصابعها الصغيرتين.. هي كانت طليقة الحريه لساعات محددة لتعود الى غرفة أمها.وكانتا بغرفة صغيرة لوحدهم ثائرة كانت مسموح لها فترات للخروج والحبي والمشي البطيء بين غرفنا.. وكانت تجلب لنا كتيبات صغيرة وتضعها تحت ملابسها.. وتعطيها لأمها أو لغرف ثانية.. لا ندري كيف تعلمت مشاعرنا وصارت تميز كراهيتنا للشرطية وتجنبنا لها وكيف أحست أننا نخبئ عنها ما نكره أن تصادره منا.

لكننا كنا نضحك من كل قلوبنا حين نرى السجانة تبحث عن سجائرها أو تغتاظ من ضحكاتنا كانت ثائرة نشيطة جداً وشربت حليب الوطن داخل المعتقل. وعندما كنا نجلس بالساحة الخارجية للدورات التنظيمية كانت ترضع من ثدي أمها وتتركه وتضرب سلام بيدها الصغيرة عندما تسمع إسم ياسر عرفات وكبرت ثائرة لمدة سنتي مع أمها في داخل السجن.

وبعد عامين الإدارة الظالمة أخذتها من حضن أمها وأخرجتها لتستلمها عمتها خارج السجن
وتعتني بها وكان فراقاً صعباً بالنسبة لأمها سمحية ولنا جميعًاً ودعتنا ثائرة وهي تبكي وتردد ماما ماما ولا تدري إلى أي عالم ستخرج وتترك أمها كان فراق صعب أليم.. وبعد خروج ثائرة جف حليب سميحة بصدرها ثلاثة أيام تحجر و أصبح يؤلمها وما أصعب وضعها في تلك الفترة هنا تم رشنا وكنا نتساقط كالدجاج المسموم. بقيت أنا في تختي بالطابق الثاني. وأردت أن أعلم سجناء سجن الرملة ما يجري معنا.
سجن الرملة هو مشفى للمرضى بل هو مكان الموت البطيء لأسرانا فلا أحد يقدم لهم الرعاية والعلاج الصحي. بل هو فقط لإعطائهم مسكنات لكن كان هو المتنفس الوحيد لنا للتواصل مع أهلنا وإعطاء معلومات عنا من خلال بعث أصواتنا التي تصلهم من بعيد ونراهم كالخيول والأسود خلف قضبان شبابيك المشفى والمحاصرين بالأسلاك الشائكة والمحكمة. لم يبعد عنا كثيراً بإمكان الصوت أن يصل لهم.. قمت بإخبارهم ما يجري عندنا وإذا بالجنود يلفون من وراء شبابيك الغرف من الخلف ويرشوننا
وسقطت على الأرض من قوة رائحة المادة وحروقاتها إلى أن دخلت الحمام ولحقت بأخواتي من هناك والكل يبكي من الألم في الحلق والعيون وكل الجسد والحروق.
وعندما نلامس المياه تشتد الحروق علينا. كنت أنا واضعة ملابسي للنقع من أجل غسلهم وظنا منها أن الماء سيطفأ الحروق وإذ بها تقعد على السطل المنقوع فيه الملابس..ثم جاء صوتها تولول وتصرخ من شده الالم. وتقول هل أعجبكم هذا؟ تضحكون.. المهم ضحكنا بما فيه الكفايه حزن بضحك وحزن يبكي.. ونرى وجوه بعض وجوهنا مثل الباذنجانه ومحروقه والدموع تهطل الاصوات الغير مسموع أوتارنا الصوتية معطلة، وحالاتنا يرثى لها لكن صمدنا وتحديناهم. ولم يتحقق لهم ما يريدونه.
هنا عرفنا لماذا سحبت المرايا منا. خوفاً من أن ننظر ونرى أنفسنا ماذا تغير فينا من ملامح وحروق في الأجسام والشعر..... وأصبح للقسم رائحة كريهة كرائحة فلدور الفئران وميزناه نحن. وحتى الشرطيات لم يستطعن الدخول للقسم من شدة الرائحة..

. وبعد أيام، نحفت أجسامنا روديداً رويداً.. بدأوا يفتحون علينا الغرف لكي نغسل الجدران والفرشات والشراشف والملابس وتهويتها بالساحات الخارجيه ليمحو كل اثار الرش. بما ان اهالينا والصليب الاحمر والخارج ككل عرفوا بما يحصل لنا ومن خلال منع الأهالي من زيارتنا عرفوا ماذا حصل لنا.. ومن هنا بدأوا يخرجوننا من الغرف للتنظيف. لمحو آثار جرائمهم.. وبعد أسبوعين من رشنا. جاء وفد من الكنسيت العرب منهم على ما أعتقد محمد بركة ووليد الفاهوم وكان في تلك الفتره رئيس حكومة الصهاينة. يقال له يوسف بورك. ليطلع الوفد على الوضع ويثبت له بأنه لا يوجد شيء من عملية الرش كما يدعون المعتقلات.
ولم يعرفوا أننا قمنا بالإحتفاظ بشرشف أبيض مليئ بهذه الماده الصفراء إحتفظنا به تحسباً لمثل هذا الموقف، ولما دخلوا غرفتي أخرجت الشرشف وإذا بواحدة من الوفد وبالخفيه عنهم وبأظفرها الطويل سحبت من هذه المادة وأخذته لعملية الفحص. وأخذت عينة من غرفة ثانية و بنفس ما حصل عندنا.. المهم إنتشرت رائحة هذه المادة القاتلة...
وأخذ وجه مديرة السجن ورئيس الحكومة الصهيونية يتلون والانفعالات ظاهرة عليهم... لم يتوقعو بأن هناك آثار لجرائمهم إتجاهنا... وبعد الفحص تبين أن هذه الماده هي ماده كبريت ومحرمه دوليا.. وهي مادة سامة وقاتلة.. ورش علينا من هذه المادة ٣ كيلو غرام على 12 غرفة تقريباً أو أقل حتى.. يعني بنظرهم الكيلو يرش لسجن كبير جداً. لكن ٣ كيلو رش على عدد من الغرف الصغيرة الحجم وعلى عدد قليل من الأسيرات... هم جبناء. ويعرفون بأن هذه الارض ليست أرضهم ولا يحق لهم العيش فيها. ويريدون وطن لهم على هياكلنا لكن خسئوا هذا الفضاء فضائنا والهواء هوائنا والارض أرضنا تمشي عليه فلذات أكبادنا.. مهما طغوا وتجبروا فهم زائلون لا محالة إن طال الزمن أو قصر
كان لي عقاب تعسفي نسيت ما سبب ذلك العقاب... فقاموا بإستفزازي طوال الوقت لإحباطي النفسي. لكن لم يهزوا من معنوياتي شيء إلا أنني كنت قوية وصامدة. نقلت إلى المخيطة.
هناك لنا أيضاً معركة معهم يريدون أن نخيط للجنود ملابس الجيش وجيب لمطرات الشرب..
وقبعات للمستوطنين.. لكن هذا لم يحصل وأضربنا حتى تحقق مطلبنا ولم نقم بالتخييط للجيش ولا للمستوطنين...
وأصبحنا نخيط فقط قمصان للمعتقلين ومراييل للمرضى للمشافى لكونه عمل إنساني

لنا يوم عمل خاص فينا بالمخيطة. وهذا من ضمن شروطنا لنصلح من ملابسنا... وكان يوم الاربعاء، كانت مسؤولة المخيطة. ضابطة عراقية. وإسمها رية

المخيطة. عبارة عن ثلاث قاعات. القاعة الأولى أصبحت لنا كمناضلات عربيات، القاعة الثانية هي للجنائيات اليهوديات.. ويخطن للجيش الصهيوني وقبعات للمستوطنين وأعلام
لهم...... في تعاقد شركات صهيونية خارجية وإدارتها على أن السجناء يخطو لهم.. ويسلمهم طلبية الخياطة.. ويحددوا لهم موعد التسليم.

القاعة الثالثة هي قاعة خاصة أيضا للجنائيات. وهي صالون لقص الشعر تعقد فيه دورات تدريبية لتعليمهن مهنة تنفعهن بعد الافراج.... ونحن حرمنا من تعلم أي مهنة قد تفيدنا بعد خروجنا من السجن.. لكن من خلال ذهابنا نرتب ونقص شعورنا تعلمنا أكثر من بناتهم وكنا نصفف شعور بعضنا البعض. ونشيك حالنا لزيارة الأهل... كان هذا ضربة كبيرة لإدارة السجن كيف استفدنا من هذه الصنعة التي حرمنا منها في حين لم تقبل عليها بناتهم. همهم الوحيد السحاق والمخدرات وخلافه...كانت إدارة السجن توبخهم دون جدوى.

وكان الصالون بدوام محدد، كل يوم جمعة وهذا اليوم هو أيضاً جمعتنا ولم نعمل فيه كانت مدربتهم من خارج السجن لتعليمهم وبالاتفاق طبعا مع إداره السجن......في قاعة كبيرة تقع تقريباً بين القسمين ألف وباء. وقريبة أكثر من قسمنا.. تستعمل هذه القاعة.
لاحتفالاتهم "الوطنية "ونحن نرفض كلمة وطنية لأنه ليس لهم وطن هذا وطننا نحن. وكانوا يحضرونهم في ذلك الوقت بما يقال لها السينما. ويعرضوا لهم أفلام ترفيهية.. ويحضرو لهم مغنيين ليستمتعوا.. كل هذه النشاطات لم نكن نشترك بها قطعياً، لانها تمس وطننا وأرضننا. هم
يتغنوا بها ومبتهلين بهذه الأعياد وفي نفس الوقت إستفزاز لنا في أعيادهم وتعليق أعلامهم الأبيض والأزرق كنا نرفض أن يضعوا أي علم على قسَمنا، فكان لنا إضراب من أجل ذلك.. في المحصلة نحن دائماً المنتصرين.. ولم يعلق أي علم عندنا.. وهذا تسبب بمشاكل دائمة بيننا وبين الشرطيات وإدارة السجن والسجينات الجنائيات اليهوديات.

الإضرابات

بالنسبة للإضرابات كانت كثيرة وكانت لنا مطالب عدة هي زيادة عدد الزيارات لأهلنا بدل مرة واحدة في الشهر أصبحت مرتين.. وتمديد ساعة الزيارة. بدل ربع ساعة أصبحت نصف ساعة.. طلب زيادة عدد افراد المقربين مثل العم العمة الخال أوالخالة. فكان ممنوع إلا الأقربون مثل الأم والأب والأخ والأخت. في إدخال الملابس الداخلية وقميص أو بلوزة أو بنطلون لكن بشرط أن يكون اللون كحلي أو بني، طلبنا زيادة في إدخال مواد الحياكة مثل الصوف والحرير.. زيادة في إدخال كتب ثقافية متنوعة وسمح لنا بإخال راديوهات. كان الاهل يقيمون بشرائه وإدخاله لنا "راديو ترانزستر بحجم كف اليد. طلبنا زيادة الكنتين "تنوع معروضات الشراء". أيضاً
.. وكل هذا. وافقوا عليه.. طبعا هذا بعد جهد جهيد وإضرابات إستنفذت من أجسادنا وأرواحنا الكثير

كان لنا إضرابات تجمعنا مع إخوتنا المعتقلين أيام راسم حلوة وعلي الجعفري.. وكان الإضراب طويل.. وإستشهد راسم وعلي رحمهم الله... كان لنا إضرابات موحدة مع إخوتنا المعتقلين وكنا يداً واحده في إصرارنا على مطالبنا الإنسانية.

كان معنا معتقلة ألمانية الجنسية كانت ملتزمة معنا جداً. تعلمت لغتنا قراءة وكتابة.. إسمها برجيت،
وهي معتقلة على خلفية سياسية مثلنا، لكنها وضعت في خيمة معزولة تماماً عنا وعن العالم الخارجي، مكثت لوحدها في خيمة مجللة بالحصير ثلاث سنوات لم نعلم عنها أي شيء إلا بعد ثلاث سنوات، خرجت من الخيمة ونقلوها إلى قسم ألف مع الجنائيات اليهوديات،
في الفرصة أو في ساعات المساء المسموح لنا بالتحرك كانت تأتي على بوابة قسمنا المغلق ومن وراء الشبك تحدثنا عن نفسها وعن التحقيق وكيف يتم يعذبونها...كانوا يشبحوها لأيام وليالي من غير أكل أوشرب وفي ساعات الليالي البارده... كانوا يحرقون جسمها وأذنيها بأعقاب السجائر حلقوا لها شعرها على الصفر.. نحل جسمها ولاقت من الهوان ألوا ناً. كانت تبكي عندما تحكي قصتها وعذاباتها إلا أنها كانت صامدة وقوية أمام عنجهية الصهاينة.. كانت السجانة مقيدة معها، خوفاً من أن تهرب.
برجيت كان عليها حراسة مشددة عزلوها عن العالم الخارجي والداخلي في المعتقل. كانت قربية منا نرى الخيمة ولم نعلم ما بداخلها.
طلبت برجيت الإنتقال إلى قسمنا. وتم لها ذلك. وعاشت معنا وإلتزمت معنا وأصبحت واحدة منا.. هذه قصه برجيت الالمانية لها كل الإحترام والتقدير من فلسطين

قصصنا لن تنتهي قبل إنتهاء الإحتلال أو موتنا..

تغريد محمد ابراهيم سعدي سخنين "فلسطين الداخل "ستة الاعتقال 2002

ليلة السنوات الست

عدت من عملي منهكة أتصبب قلقاً.. أنا في مرحلة الشتات وعدم إتزان الأفكار في رأسي. لكن القناع الذي قررت إرتداءه ليبقيني على مرمى السلامة من أسألة قادمة قد بدأ يذوب ويتلاشى ليكشف حزني.
بعض الملامح فاضحة إن لم يكن جلها
جاء الليل بمفرده. لم يصطحب معه الهدوء وقد أفلت من قبضته النجوم فأحدثت فوضى في أفق السماء. تماماً كفوضى حواسي، خلد النوم في سريري. وتأخرت في لحاقه.لم أكن أعلم أنها آخر ليلة في مضجعي. لم يخبرني أحد أنها ليلة القبض على أحلامي.وهذا الحائط الذي لعب دور دفتر ذكرياتي لن أخطه مجدداً. وهذه الوسادة لن تعد مأمن سري.لن يعد شيئا كما كان.صوت صراخ أمي جلجل قلبي. تهرع نحو غرفتي.
تناديني. وقفتُ بلمح البصر بدلتُ ملابسي. لا أعرف لما بدلتها. فهذا الخروج لا أناقة فيه.فتح والدي الباب.
وانتشر الاحتلال ببيتنا. لم أحصهم عدا لكنهم كُثر.غرفتي إختنقت وبدأت ترتعد. أو هي أنا التي بدأت أرتعد.
ماذا عساي أن أفعل ببيت والدي. والدي الذي طالما كان شعاره. أنا لا أخاف منكم. أنا أخاف عليكم.حق لك الخوف الآن. ها هي المرحلة التي لم تكن بالحسبان. ستزرع فينا ألف سنبلة. منها الخضر ومنها العجاف.
أسأله. تهديد. وتحقيق. ولا زلت مكاني. وهذا سريري إنقلب على وجهه. نفُضّ ما كان عليه. بعثرو احلامي المزروعةُ فيه.
اختي الصغيره. النائمه في حضن الطمأنينه. قلبو سريرها فانتفضت منه مفزوعه. تركض نحو امي. عيون اخوتي كان ضجيجها اعلى من ضجيج الجنود. ومحاولة اقناع ابي للضابط بأني لا اعرف ما سبب تواجدهم في منزلنا. لم يكن مقنعا لاني في حقيقة نفسي كنت اعرف السبب. لكن انكُر اصلا وجودهم في بيتنا وانكر وجودهم في الوجود كله.الواحدة والنص هو منتصف الليل خارجاً. ومنتصف المشاعر والخوف الذي سينقلني لمشاعر الوداع. لمشاعر لم أرتب لها كلمة ولم أخطط لها طقوساً.مسك الضابط حقيبة كانت بوسط الفوضى التي خلفوها. فتح خزانتي. قال لي خذي الكتير من الملابس. لانك ستطيلين البقاء عندنا. خذي خزانتك كلها فقد لا تعودي أصلا لبيتك.هنا الخوف. هنا مشتقاته ومخلفاته. ورجفة اليدين حين مددت يدي لأعانق أبي. حالو بيننا. لكن العيون أصدرت صوتاً. كصوت الرعد في ليلة عاصفة.نزلت الدرج. والبندقية صوبي مع كل حركة. عند وصولي لآخره. اقترب أخي نحوي فصاح أحدهم محذراً
إياه. لكنه لم يهب وناولني زجاجة ماء قال إشربي.لا تخافي، لقفها أحدهم. سكبها على الأرض. قال لأخي."سنسقيها في المكتب. نحن نقرر متى تشرب ومتى لا.،
فهمت إذاً. أي قذارة سيلعب الأوغاد. وأي شراسة سأواجه. عاريةٌ من دون أبي عطشى من دون إخوتي.
دفعني أحدهم لأصعد للمركبة العسكرية. قاومت اللحظة. تصنمت مكاني. رفعت جبيني للأعلى. نحو شباك غرفتي. كانت وجوه عديدة تقف في ذهولها لم أميزها. لكني حضنت النظرات كلها. قبلت جبين الجميع بنظرتي حتى أخرجت يداي بالوهم من سقف بيتنا حتى أسواره وجنباته. إحتضنتها، قبلت حجارتها. شممت رائحة الجوري الذي زرعته أمي رغم أنه لم يزهر بعد. فهذا شهر نيسان. نيسان المتبللة أطرافه من شتاء كان قاسي وبارد. نيسان إطلالة اللون الأخضر من شقوق آذار.دفعني بقوة وأجلسني بالوسط وجلس بجانبي.
والآخر بالجانب الثاني. توسطُ بندقيتان وقلوب حاقدة. رفعت رأسي ونظري نحو نافذة السيارة لمحت ثلُة من الجنود يقتادون اختي الكبيره. تلبسني ذهول آخر كبرُ مقاسي.يده اللعينة كانت قوية حين أنزل رأسي للأسفل.
صارخاُ لا تنظري. وأعطى إشارة للسائق بالإنطلاق.ها أنا أخرج من حارتي. الليل كان بآخر سواده. لكن مشواري كان ببدايته. وصلت المركبة للشارع الرئيسي. بدأت أحرك عيناي وأرفع رأسي رويداً دون أن يلحظني الذئب الجالس بجانبي.
ودعت حارة تلو الحارة. قبلت جبين الطرقات إحتضنت ساحة المدرسة التي رسمت بها طفولتي الخجولة.
وهذه الصفوف المتلازمة بعضها قد علمتني أكثر من حروف الهجاء ودربتني على لغة هي أصل الحكاية.
وتلك البيوت المتراصة،أقاربي الآن هم بنوم عميق. في الصباح سأكون محض ألسنتهم ولب أحاديثهم.
سيصُدمون من إعتقالي. لم يسبق أن تم إعتقال فتاة من مدينتي. لم أسمع،لكنهم سيسمعون. سيتحدثون طويلاً.
سيربتون على كتف والدي. ويمسحون دمع أمي. ودمعها رقيق كالندى سيبقى أثره على وجنتيها حتى عودتي.
خرجت المركبة من المدينة وخرجت معها الآف من أمنياتي. مسرعة نحو مركز التحقيق القريب من سخنين.
مركز سيجف.
أنزلوني من المركبة. وقفت ولسعة البرد تحاول بعث روح الإستيعاب في روحي. أدخلوني غرفة قريبة ودخلت معي مجندة أمرتني بخلع ملابسي.
زمن التعري إذاً. تريدون تعريتي أمامها. لعنة العراء أنتم. ولعنة العار.
لاحقاً تعمقت في قضية التفتيش أقضيه التفتيش العاري وأبعادها النفسية في روح الأسيرة. وكيف أن هذا التفتيش ماهو إلا تعري بحد ذاته لمنظومة الفشل الصهيونية وتجردها من الإنسانية.
إرتديت ملابسي وأعدت ترتيب الأمور في رأسي. جلست القرفصاء أرتدي نعلي. تقدم نحوي أحدهم وبدا يدوس قدمي. وضع كل ثقله فوق رجلي
أبديت نوعاً من التألم غير أن كمية الصدمة والذهول بحدث كهذا لا يليق به الألم من هكذا حافر يود سماع ألمي.
رفعت بصري نحوه. حاولت سحب قدمي من تحت حافره.
قال تألمي. تألمي. فأنت سبب في ألم وبكاء الكتير هذا الاسبوع. وسترين حقيقة الألم على أصوله.
أبديت غرابة في ملامح وجهي.
عن ماذا تتحدث. أنا لا أفهم
وإنتقلت لغرفة أخرى. كانت معدة مسبقاً لدهاليز الضياع.
نصف ساعه من التحقيق الأولي وخروج من الغرفة نحو المركبة العسكرية. ومرة أخرى إرتطم قلبي بصخرة الصدمه. يا إلهي. يا إلهي. ماذا يفعلون بأختي. لماذا هي معهن. إلى أين يقتادونها.
كيف لقلب أمي أن يحتمل سوطان. بآن واحد.
رفقا يا الله بقلب أمي. أنزل عليها طمأنينة تتجاوز بها هذا البلاء الذي لم تره في كوابيس نومها.
والليل يعارك سواده.
وأشجار السرو التي طالما كنت أراها تحيط المركز من بعيد عند خروجنا من المدينه. تحولت الليله الى اشباح خضراء تلوح لي بعناقيد محققيها وتفخخ لي الطريق من سيجف حتى مدخل كيشون.
يا له من إسم مؤلم.
للأسماء ألم. يشبه الموت. ولو شُيعّت رائحة الاماكن بجنائز ذاكرتنا. لكانت مراكز التحقيق هي الجثمان المتعفن في تراب تجربة الاسر وما خلفها.
كيشون. استدراج موت بطيئ. مراحل تعذيب تدريجي شرط الحفاظ على نفسك الاخير من المو ت.
حين تخرج من الشارع الرئيسي وتنحرف يمينا تاركا حيفا وما حولها خلفك. وتدخل في ممرات كانت ضيقه.
لاحقا طالتها التوسيعات والترميمات لتستطيع ابتلاع المزيد من البوسطات المحمله اشباهي. لتتناوب عليهم اساتذه الفن في التعذيب والتنكيل.
بوابه تقفل انيابها. فتفتح الاخرا وهكذا حتى نصل لفوهه المدفع. انزلوني وقد بالغت في كثرة التفكير لم ادع سيناريو الا وعبر في ممرات رأسي.
مر 19 عام على إعتقالي ولا زلت أذكر لون الجارزة التي أرتديتها مع رقبتها الطويلة. كأنني كنت أخشى على رقبتي يومها من عود مشانقهم.
بعد البوابة الإلكترونية التي يتوجب على الضابط وضع رقمها السري كي تأذن له بالدخول. مكتب صغير.
يستلم ملفي من السائق.
أصبح لدي ملف. يلف مكاتبهم. ينتقل لمكتب آخر يحدقون. ينظرون. يسألون. يتفاجئون. من سخنين! معتقله أمنيه من سخنين.؟؟
يقول أحدهم موجه كلامه لي. "أي وقاحة هذه يا إرهابية. أن تكوني من سخنين. يعني معاكي هوية إسرائيلية وبتعملي عمل إرهابي اعاغ "
لا جدل ولا جدال. هنا أكثري من السمع وقللي من الكلام. لعلها المنجية.
خذوها الى 31....
نسيت أني مقيدة القدمين والرسغين. كانت خطواتي طفلة لا تتجاوز المشي. وكان قلبي رضيع يأن الحنين ويخشى إنقطاع حبله السري قبل الولادة. أعيدوني لأمي قبل أن أصل لـ 31 أعيدوني بربكم فأنا من هذا الشعب الذي يكره الاعداد والترقيم.
أنا ابنة لرجل ولد عام 48 أنا من فلسطيني الـ 48 أنا من مواليد صبرا وشاتيلا 82 أنا من صارخي إنتفاضة الاقصى سنه 2000. وأنا من تأخذونني الآن لـ 31.
لكني. أخاف الارقام. فأرقامنا وجعٌ. وأوجاعنا أرقام.
وها هو يقترب من ممر طويل أشار بيده قفي.
إقترب من مجندة. أخذ منها شيء لم أكن لأفسره إلا لحظة وضعها على رأسي ليغطي بها عيناي.
سيرى إن كنت عمياء.
أنا في ممر موحش يا جدتي الضريرة. تركتك بغرفتك في الطابق الأول من منزلنا. خرجت مع هؤلاء الوحوش البشرية. دون أن أدخل لأرمي على محياك التحية. دون أن أودعك. من سيدخل لك الخيط في الإبرة.
من سيشعل لك الغاز لتصنعي حلواك المميزة. من سيمسك يدك ليصعد بك الدرج الطويل. من سيسألني كل نصف ساعة عن الوقت الذي يشبه بعضه بعضا. ومن سيمد يديه الطاهرتين. ليغطيني ليلا يداك جدتي نور كنت أستشعر بضيائهما لذلك لا تقطعي مني نور دعاءك الذي كنت أعتبره زادي ومن سيفسر لك أسباب غيابي عنك في الصباح. كيف يفسرون حالة لم يسبق أن مرت عليك. يا جدتي الضريره. عمياء أنا الليلة. مثلك تماما غير أنك بفقد عيناك الله إبتلاك. وبهذه الوحوش الغاصبة. الله بلانا وابتلانا.
بصمت وأصوا ت أنفاسي. أوقفوني عبر آخر الممر قال لي :إنزلي ثلاث درجات النزول في طبيعته اقتراب أكتر للأرض. بعد ذلك التفاف لليمين وهبوط حاد في المشاعر. دقات قلب بسرعة قطار هوائي. رجفه بأطراف القدمين وشعور متداخل. متضارب. حالة لا إتزان.
رفع الغطاء عن عيناي فتحت المجنده باب حديدي ثقيل اللون. دفعتني يديها الاثقل من الباب. الباب من خلفي وامامي باب اخر مسافه لا تتسع لثلاث اجياد بين البابين،زاد من سرعة دقات قلبي. تسمرت. كاني املك احتمال الرجوع. لا اريد ابواب اخرى. يكفي تعبت قبل ان ابدأ المعركه.
تفضلي قالها بروح السخريه. سميت باسم الله بقلبي دون ان احرك شفاهي. فهم يخافون كلمه الله. ولكثرة العمليات الاستشهاديه انذاك بعد اقتحام مخيم جنين. اصبحت الله اكبر. لغم يتفجر بكيانهم.. خطوه واحده وارتميت بنيران قبري. وهو كذلك
ماهذا. جدران رمادية خشنة يطل منها حبات كأنهم حصى صغيرة غير صالحة للإتكاء عليها حتى. الارض.
يا لها من عفنه وتلك الفرشة. أتكون لي؟؟؟؟
لا يعقل أني سأنام على نتانة الفرشة الممزقة هذه. وأي بطانية هذه! الخيوط تنسحب من جميع أطرافها. كم عمر هذا القرف هنا.
ماذا عن الزاوية هذه ! اهذا المرحاض !!!
لا لا. نظرت إليهم يقفون يتابعون صدماتي يتابعون ذهولي ويتربصون بألمي.
ستبقين هنا حضرة الإرهابية حتى نطلبك للتحقيق. ضرب الباب الأول بقدمه. وصوت القفل ينعى لوعتي ويبكيها. ويقفل الباب الثاني ليؤكد مواراتي نكبتي.
رحلو. ابتعدو جميعا. بعد أن تم دفني هنا. في مراسم الليلة السوداء.
بإنتظار السؤال. وليس بسؤال الملكين عن شهادتي. بل عن سؤال الشياطين عن إستشهادها. فرق شاسع.
كالفرق ما بين الجنة والنار.
جذوت على ركبتيّ. غطيت وجهي بكلتا يداي. لملمت أوراقي التي سقطت في ربيعي أعدتها الى غصني.لا يا خريف الصدمة من عمري. هذا نيسان إشراقة الربيع وتنهيدة الفصول في أضلعي.
وواستني نفسي في نفسي. ليس هذا وقت الضعف ولا وقت الهوان. إنها البداية.
رفعت راسي. أي بداية؟ !
إنها النهاية. نهاية الأشياء رماد. وهذا الرماد من حولي. جدران رمادية قاتمة. بطانية لا تجرؤ على تدفأة نفسها. وفراش أقرب للكابوس من كل حقيقة.
ما هذا الصراع. داخلي ولادة وخارجي موت وأنا مخاض ألم. أطلقتها نيابة عن مخيم جنين. وعن الاجتياح وعن المقاومة وعن موكب الشهداء وعن أطفال الحجارة.
لماذا إذاً.؟!
يدق الباب للمرة الاولى. وأنا لا زلت أتأرجح بإستيعابي وصدمتي.
تناديني المجنده. "شوش "كانت قد عرفتني باسمها. جهزي حالك سأفتح الباب.
تغمض عيناي. تجرجر خطواتي معها. للاعلى. للطابق التاني. تدخلني غرفة. تزيل قناع عيناي. تخرج...
يدخل ضابط ذو وجه أحمر. عريض ممتلئ بالأسئلة إجلسي.
ويستدير هو نحو الحاسو ب.
أجلس على كرسي حاولت تحريكه لأرتب أعمدتي للصمود. وإذا به ملتصق بالارض لا أستطيع تحريكه.
أبلع ما تبقى من لعابي لأسد رمق الجفاف في حلقي.
"احكي الي عندك". قالها وهو منشغل. كأنما جئته لأطلب منه أن يسمعني.
أجيبه. بحركة بوجهي. أني لم أفهم.
يستدير. "إسمعيني منيح. إحكي عشان أساعدك. "الملم شفاهي مرة أخرى لإشارة معناها لا أعلم. يقف. يتقدم نحوي. فيدق الباب ويفتحه ضابط آخر يأخذ كرسي يضعه بجانبي. يجلس تغريد أو عندليب؟. شو بتحبي أناديك!
النبض أصبح في حدود تعريف الضغط العالي للدم. لكن من حسن الحظ أن النبض مخفي بعروقي يصعب عليهم رؤيته.
أجُيبه. إسمي تغريد.
يقول. كذابة إسمك لطيفة.
ضحكت وقلت هذا صراع التسمية بين أمي وأبي هو أطلق علي لطيفة وأمي نادتني تغريد.
لدي إسمان
قال وشو إسمك الحركي.؟؟ أكيد عندك إسم ثالث
فتح باب الغرفة ونادى المجندة. دخلت واقتربت مني وبيدها الأغلال. مسكت يدي اليمنى فربطتها برجل الكرسي الخلفيه ويدي الاخرى بالرجل الثانية وتقدمت حانية لتضع الأغلال في رجلي وتربطها بمقدمة الكرسي وكذلك رجلي الاخرى. أصبح لدي أربعه أرجل. كالكرسي. تماماً. جمادات نحن في حضرة الثعالب.
هنا كيشون. هنا غرفة التحقيق. هنا أنا. هنا ذهولي
أهذا الشبح الذي تحدث عنه أسرى الجنوب اللبناني بعد دحر الاحتلال من أراضيهم.
هو نفس الاحتلال. ونحن نفس الداحرين. أو لعلنا.
"أنا إسمي موطي. وهذا المحقق يورام
إحنا رح نحقق معك. وعنا كل المعلومات والأدلة واذا بتحكي إلي عندك وبتكون نفس المعلومات الي عنا.
بنقدر نساعدك "
رغم أن غرفة التحقيق مطلية بطلاء أبيض فيها نافذتان صغيرتان تطلان على وجه السماء العابسة. وفيها طاولة..حاسوب..وكرسي مزروع بقدماي ويداي.
إلا أنني بدأت أفكر بالغرفة رقم 31 لعل في ثقلها ورائحة رطوبتها متنفسي. لانني بدأت في هذا البياض أختنق.
عزلتي هذه التي أمر بها لا تعني أني كرهت الانخراط ووحدتي التي ستكون أعز صديقاتي أمر مفروض.
أما بعدي وإبتعادي عمن أحب لا يعني توقفي عن التفكير بهم.
في زاويه بعيده كل البعد عن الانفراج. رميت جثماني الطاهر وروحي لا زالت على قيد الصمود. متعب هذا الطين. الذي منه تكونت. متعب هذا الجسد. متعب كل شيء. أريد قسطاً من الراحة. وهذا المكان معد لكل شيء سوى الراحة.
موحشةً هي القبور دون زائرين يمرون ولو مر الكرام.ليرتلوا علو ميامعنا آية الثبات. وهذه المقبرة بنزلائها الاحياء يدق أنين أقفالها مع كل نبض فينا.
بين سكون وسكون.مر صوت شاب والأغلال تتأرجح بين قدميه. هذا ما سمعته. ففزعت من زاويتي والتصقت بالباب أحاول سحب الأحداث خارجاً لتواسيني. إنه شاب يقتادونه أو يعيدونه لأحد الزنازين المجاورة. خشونة صوته وهو يجيبهم بالعربية يدل على أقدميته. هو ليس حديث الصدمة.
فتحوا له الباب أدخلوه. ثم أعادوا القفل المزعج وانسحبوا.
وينك أبو الر ب.
إسمع. أنا هسا كنت بالتحقيق.
سامعني
إنت خليك قوي إثبت. ما عليك
وجاءت خبطة قوية على بابه. تهدده أن يصمت وقد أثارت المجندة ضجيجاً مدوياً بضرب الباب بعصاها
...يمكنني سماع أصوات ولعله يمكنني التحدث لاحقاً.
ولكن. فيما أتحدث ومع من. أنا لا أعرف أحداً
عدت لزاويتي لأعقد معها إتفاقية هدوء. جلست حول نفسي أكابر البرد وأرفض الغطاء المشؤوم.
دون أن أستلقي أخذتني غفوة هروب وأنا أجلس ويداي تحتضناني في محاولة تعويض عن أيادي أنا غائبة عنها.
إستيقظت على ضربات مزعجة على الباب.
إجهزي.
فتُحت النافذة الصغيرة أسفل الباب. والتي تسمى بلغتهم أشناف. هذه القصاصة الحديدية لتمرير الطعام دون فتح كامل الباب.
هذا اللقاء الاول من نوعه مع أولى الوجبات.
أدخلتها المجنده بيدها. ولغرابتي بجزئية النافذة وإدخال الطعام لم أتقدم لسحبه فمدت يدها وأسقطته على الارض وأقفلت مباشره.
تقدمت لأنظر لهذا الشيء
قطعتا خبز على صينية بلاستيكية زرقاء اللون باهتة مقسمة الى أربع أقسام. واحدة بها حبة خيار متعبة وبجانبها شرحتا جبنة وعلبة صغيرة أظن بها مربى.
لو لم تحضر هذه الوجبة بهذا الوقت.لبقيت في خيرتي. كم الوقت؟؟
فمنذ أخذت مني المجندة ساعتي أخذت معها وقتي وصلاتي وبوصلتي.
إذاً الساعة الآن ما بين السابعة حتى العاشرة فهذا وقت الإفطار. أو أظن كذلك مرت دقائق عديدة. وأنا أحدق في فطوري دون أن آذن له بالحركة.
معاذ الله يا أمي. لم أتذمر يوماً على لقمة أو أتأفأف على نعمة ولم أقلل من قيمة وجبة أعدتها. فكل طهو من تحت يداك كنت أعشقه. وأحمد الله على كل نعمة من الله.
ولكن. لا جرأة لي على أخذ هذه الوجبة المفخخة حزنا.
بقيت بمكانها. وكأن حراكها تهمة إضافية.
ويقرع الباب مرة أخرى ويفتح القفل المتعب.
تناديني. هيا سنصعد.
الصعود فيه أسألة كثيرة. فيه تعب. فيه صراع وفيه ما لا أطيق.
دقائق. والجولة الثانية تبدأ. إن لم أتحلى بالصبر وأتباهى بالجهل. ستطحنني حمولة الأسئلة وستفرمني عجلات نواياهم
ينهالون بأساليبهم وكلما أوصدت لهم باباً. ثقبوا بجداري ألف باباً.
تسعة عشر عاماً هو عمري. ليست كافيه لتقيني شراستهم. لم يكن لدي إحتمالية الجلوس هنا يوماً. لم أتدرب على ترويض الوحوش. وليست لدي الجاهزية الكاملة للمراوغة.
كنت أحتاج القليل من القهوة والكثير الكثير من أدعية أمي خشية سقوطي في الإمضاء.
في غرفة تحقيق أنت بين أمرين. أحدهما إمضاءك دون عناء وإختصار لكل تفرعات التعذيب والألم. ونهايته أكتر ألم.
وإما الافراط في العناد والتمسك بالصبر ثم الصبر الذي يأت بعده الصبر.
حقيقة. لم أكن على علم بما يدور في روؤسهم. لم أكن قد إطالعت أو تثقفت بمراحل التحقيق والتعذيب
لم يكن كتاب ستائر العتمة الذي نسجته أيدي التجربة بعد سنوات من إعتقالي قد إكتملت عباءته ليقينا برد السقوط آنذاك.
أدركت يقينا أننا كشعب تحت سياط الجلادين إما شهداء أو بالمنفى أو جرحى ومعتقلين. نحن بحاجة لمادة تدريس تكون من باب الاولى من المواد الاخرى. فحيث يتواجد الفقه تقل العثرات.
والتجارب تلقننا الدروس.
حقاً. وقطعاً. لم يكن لدي أدنى فكرة بسراديب التحقيق. بألاعيب المحققين. بفن التعذيب. لكن بشيء ما بالفطرة الفلسطينية. يمنحك مجسات إستشعارية. تنبهك من خطوات مفخخة.
كتلك الفتاة التي أدخلوها زنزانتي. بحالتها الرثة ووجهها الاشحب. تختلق القصة تلو القصه. لتثير الشفقة.
علني أتعاطف مع ملامحها الخالية من الصدق.
سائدة. هكذا عرفتني عن نفسها. كانت ثرثاره من الطراز المزعج. حتى أني كنت أطلب منها أن تريحني قليلاً من ثرثرتها. فتصمت قليلاً ثم تعود بأحاديثها المقيتة.
خلال سردها لقصتها مع الجنود وضربها وسحب طفلها منها. سألتني. بغباء مبتكر عن أحد الشخصيات التي يكرس المحقق ساعات لمعرفة علاقتي به.
هي لم تسقط بلسانها. فقد دخلت زنزانتي ساقطة وبذلك. رفعت قبعتي إجلالا. لقرون إستشعاري.
إذن. عصفورة. بالمصطلح الذي تعلمته لاحقاً لم تأخذ من غصني قمحاً ولا حتى فتات شعير.
وتحقيق تلو الآخر. وإمتداد ساعات طوال. وعدت في متاهة الوقت.
يؤلمني حقا أن أفقد بوصلة الوقت. يؤلمني الفقُد
وأنا سبب في إيلام والداي. كنت أهرب في كل مرة بطوفان مخيلتي. ماذا عساهم فاعلين في مصابهم هذا!.
في أحد التحقيقات المتتالية. سألني المحقق. عن توقعاتي بما يدور في بيتنا. وأي ردة فعل لأهلي.
فأبديت حزناً كما لو أني طفلة تستحق العطف. فأخذ) كيس (من جانبه وقال لي هذا لك. من والدك أحضره برفقة المحامي عند البوابة خارجاً. طلب أن نوصله لك.
تستطيعين أخذه. عدا المصحف. سوف أبقيه عندي في مكتبي. أقرر لاحقاً متى أعطيك إياه.
عدت أدراجي المقيدة. والمجندة تحمل ما يخفق قلبي لأجل رؤيته.
أدخلتني ووضعت الكيس على الارض وخرجت. فمسكته كما لو أنه حي ينبض. فتحته لأرى أي شيء يطيب خاطري لرؤيته. فرشاة أسنان ومعجون وبضعة ملابس.
بحثت بين ثنايا القطع عن أي شيء آخر. عن كلمة عن قصاصة ورق تبلل رمق جوعي لرؤيتهم. نسيت أنها عبرت مراحل تفتيش جردتها المعاني وسحبت من خيوطها خيوط.
قوتهم من قوتي وثباتي.
يذوب الوقت بحرارة الانتظار. ولا علم لدي بالتوقيت خارجاً ولولا وجبات الطعام التي أخذت دور عقارب الساعة لتاه ليلي في نهاري.
في اليوم التالي. وبعد مرور ساعات طوال من محاوله تكسير عظام صمودي. تم نقلي من 31 لزنزانة أخرى. لرقم اخر. لوجع آخر.
دخلت هذه المرة وأنا أعلم تضاريس المكان بنفس التقنية والهندسة والتخطيط المتقن للانحدار بنا نحو الهاوية.
غير أن الغايه من نقلي. مبهمة.
الأصوات هنا أكتر وضوحاً. وتكثر الاحاديث بين الشباب من وراء الابواب. والنشيد الموحد والاغاني الوطنيه كانت تثقب في الجدار نوافذ. وتحرك الاحاسيس المتجمده. تمنحك بعض النبض. أن هذا الوطن الجريح خارجا نحمله في طيات حزننا. تعبنا. أسرنا. وحتى موتنا.
لا إنفصال عنه ولا إستئصال منه. هذا الوطن الذي كلما أحببناه زادنا عذاباً وكلما عشقناه زادنا ضرباً. لكننا نحبه. وسنبقى كذلك.
عند خروجي من الزنزانة للتحقيق. مر معتقل برفقة سجانه عائداً من تحقيقه. قال لي. "لا تخافي يختي. الله معك. وأهم إشي مهما كنتي قويه.بينيلهم إنك ضعيفة. "
وذهب كل منا لاغلاله. وعند عودتي دخلت الزنزانه والسجانة إبتعدت قليلاً.
بدأت الاصوات خارجاً بالحديث.
قال أحدهم. معنا أخت موجودة بالزنازين.
قال آخر.
أظنها بالزنزانة جنبي. جابوها مبارح. بعد ما نقلوا محمد.
التصقت بالباب. أحاول سماع أحاديثهم.
واذ بشاب. ينادي. يا أختي.
سامعتينا.؟
ما تخافي. إحنا كلنا هون إخوانك. وبإذن الله أصمدي وكوني قوية وما رح تطولي. راح يفرجوا عنك.
كان فضولي قوياً لسماعهم. وضعيف لمشاركتهم. فلم أجب.
واذ بصوت خافت غريب يأتيني من الغرفة. نظرت خلفي نحو زاوية المرحاض.
كأنه صوت مخنوق يعبر من بئر.
اقتربت. وبدأت أنصت وأتتبع لهفتي. من أين يأت!
الصوت، آت من حنفية الحمام.
يا إلهي.
أحدهم يتحدث معي. يوجه كلامه لي عبر ماسورة الحمام الصوت يصل الي مسموع لكنه عميق.
أيعقل.
إقتربت. اكثر اقتربت نعم. أسمعك
أنا جارك بالزنزانة. عرفني بنفسه قائلاً انا صرلي 23 يوم هون. وبعرف منيح إن اذا كنت قوية وصمدت وما إعترفتي. ما رح تطولي ولا تنحكمي. إنتبهي وخلي بالك مين الي راح يدخل معك الزنزانة طيب أخي. إن شاءلله خير.
عرفته بنفسي.
فقال. هل أطلب منك طلب إذا أمكن
من المفروض يجي لعندك محامي قريب يزورك بدي أعطيك رقم أهلي.
أنا من مخيم جنين
أنا أهلي فكروني مستشهد وفتحوا بيت أجر علي بدي تبعتيلهم مع المحامي إني عايش.
هنا. رجعت خطوه للوراء اتكأت على الحائط الغير معد للاتكاء.
أي طلب كهذا. أي حالة ضياع وتيه. يعيش هذا المعتقل. ظن أهله أنه غادر الدنيا مع موكب الشهداء الذي إرتقى بالاجتياح.
والدته التي بلل الدمع فؤادها فاغرقت ليلها نحيب. أتراها تكذب دمعها حين ترفع سماعة الهاتف. ليقول لها أحدهم أن إبنك يتنفس. وهو على قيد الأغلال.
أي خيبة وأي نكبه ستعيش دوامتها. فهي لا تراه أمامها. سيقولون لها إبنك لم يستشهد. لكن عيناها تريدان إحتضانه لتولده من جديد. وما غير ذلك فهي في صراع قاتل حتى تلقاه.
على قدر خيباتنا وأوجاعنا. تأتينا فسح الأمل. وإن لم تأتينا. نستدرجها. نخطط للايقاع بها. أو قنصها برصاصة الدعاء.
في اليوم التالي وبعد مضي ليلة ليست أقل تعذيباً عبر إنقطاع التيار الكهربائي ليلاً. لاح فجر القفل ونادتني السجانة إعتليت أغلالي وصعدت أدراج أسألتهم النارية.
كان التحقيق يأخذ منحدراً قاسياً في أسلوبه. والتهديدات باتت أكتر حدة من ذي قبل.
من الواضح أنك لا تخافين العتمة. قال أحدهم.
تنبهت لحظتها أن إنقطاع الكهرباء هي إحدى خطواتهم التصعيدية.
بلا أخاف العتمة. لكن لم يكن عندي بديل سوى أن ألغي وجبة الفطور
الواضح انك مدربه. "لا. لست كذلك
قاطعني المحقق الاخر. مين بتتوقعي يعمل عمل إنتقامي لإعتقالك.؟!
...ولا حدا
ضرب بيده على الطاولة. بدأ يسأل أسالة كثيرة. لا يمنحني فرصة التمييز بين السؤال والسؤال. يهدد. وينظر إلي.
أنا لا أجيب.
ويرفع سماعة الهاتف.
يدخل محققان آخران.
أصبحوا أربعة. والمجندة تجلس بزاويتها
التفوا من حولي. ينهالون بأسئلة. كادت ترديني قاتلة أو مقتولة.
وقف أحدهم أمام الحاسوب.
قال لي أنظري جيداً إلى هذا الشخص. هذا تعرفينه جيداً. وما إن لف شاشة الحاسوب بإتجاهي حتى أدرت وجهي للجهة الأخرى وقد أغمضت عيناي.
لا أريد رؤيته.
لماذا. لا تريدين.
لا أريد
أنظري إفتحي عيناك. هذا هو لا. لن أنظر إليه.
أدار شاشة الحاسوب مكانها ووثب كالأسد على فريسته.
وقف أمامي يصرخ بوجهي.
لماذا لا تريدين رؤيته.
قلت: حتى إن وقفت بالمحكمة وقلت أني لم أراه بحياتي أكون صادقة فعلاً. لأني لم أره هكذا إذاً. تراوغين
أحد المحققين أحضر كرسي ووضعه على يميني والآخر على شمالي وأما ذاك الشرس آتى بكرسيه ووضعها أمامي وجلس ملتصقاً بركبتي.
وبقي الرابع واقفاً يتنقل فوق رأسي.
حالة ذعر لم أشهدها.
أنا لا أطيق النظر بعيني أحد. أنا أخجل أن ينظر أحدهم لي مباشره بعيني. أنا لا أجلس بجانب غريب أنا لا أتحدث مع رجال بمسافة صفر. أنا لست هذه الحالة. أنا خليط من مشاعر بكاء وأحتاج أنا مزيج من ضعف وقوة. أنا كتله لا. لا. لاا
أنا لست نعم.
حمضنا النووي. لو أخذوه لأكبر مختبرات الفحص. لوجدوا قصص صمودنا تسابق لون بشرتنا وألوان أعيننا وكل ذلك.نحن إمتداد لاجداد أورثونا ألهم وحب الارض وكره مغتصبيها.نحن سلالة إستثنائيه.
بالوجود نحن شعب كلما زادونا ضرباً. إزددنا علواً. تماماً كالكرة
وهذه أشباه الرجال من حولي. تجتمع بأساليبها وفنونها وأدواتها. لتجعل مني كما قال الضابط "قصه يتعلم منها "عرب ال48 "درس لن ينسوه.".
وعدني كبير المحققين. أني سأخذ حكما أقله 15 سنة. وأنه سيحاول قصار جهده ليبلغني المؤبد.
أذكر جيداً. حين عودتي من محكمة النطق بالحكم. ومروري بمحطة كيشون. طلبت من إحدى السجانات ان تبلغ المحقق موطي باني اريد رؤيته لامر مهم.فاتى الضابط على وجه السرعه، ربما ظن اني ساعترف اخيرا بما يمني به نفسه. كان البا ب مفتوحا. فوقف ينتظر مني ان اتحد ث.
.وبما أوتيت من قوة ممزوجة بكيد النساء.
قلت له اليوم حكمت 6 سنوات وبعدها سأعود لاهلي. سأعود لبلدي والمؤبد بعيد عن عينك. وابتسمت رغم أني كنت بذهول حكمي.
ضرب الباب بعصى كانت بجانب الباب. قائلا "انت مش لازم تطلعي من السجن ابدا". وانصرف. يجر اذيال خيبته
كان نيسان متعب لي. وحزين كحزن أمي.
لم أقوى على ردع الحنين من إحتلالي. بل مهدت له الطريق وفرشت بعض من ذكرياتي كي يسهل له الأمر دون إحداث فوضى.أحن. بوسط هذا الركام من المحققين حولي أحن لمن ذكراه تبعدهم عني.وتكف أسألتهم وتهديدهم.
وقعي هنا.
على ماذا أوقع.؟أنت أضفت أشياء أنا لم أقلها.أنا أرفض التوقيع والوقوع.
"قال آخر "إنزلي عالزنزانى. تحت. ورح يجي واحد يحقق معك بالزنزانة. وبتعرفي شو رح
يصير. ""
"بس تفهمي لحالك وفكري "
إنسحبو واحداً تلو الآخر من غرفة التحقيق.حتى المجندة طوت جثمانها وغادرت.مقيدة بالكرسي والظمأ يقتبس جفاف الصحاري ليرسم رمل شفاهي.بعض حبات المطر خارجاً تدعو لي.. هكذا شعرت. هكذا كان إحتياجي. مرت نصف ساعة أو أقل وبدأت أشعر ببرد في أطرافي نظرت خلفي الى المكيف كان بحاله تشغيل.
مروحته تعمل. ونفحاته باردة كصقيع تزداد برودة مع مرور الوقت.ويمضي ساعة او اكتر. تنخفض حرارة الغرفة. لا اقوى على الحراك. اشعر بشفاهي تيبست. اصابعي احركها كي اشعر اني لم افقد الحراك. إنها تمطر خارجا. وفي حلقي جفاف لم أشهده.
الوقت يجر أذياله. لماذا تركوني هنا !؟ فليعيدوني إلى رقمي.
دقائق كثيرة بعد الساعة. ونص ساعة يلحق النصف الآخر. قطعت الساعتين وأنا على نفس الهيئة. والبرد حاضر ينوب عن شراستهم. يلسعني نيابة عن السنتهم. ويخدر اطرافي.
هذا البرد الاتي من المكيف. هو لعبتهم. قد شغلوة قبل خروجهم لتعذيبي. حقا انا متعبه. ارتجف اريد الاستلقاء وبعض غطاء.
بعد مرور ما يقارب ثلاث ساعات. فتُح الباب
دخل أحد المحققين. ولم ألتفت إليه لشدة تعبي،إقترب مني. رأى ملامح قابلة للإغماء.وخرج مسرع أدخلت المجندة معه. فكت قيودي،فتبعها المحقق الآخر. قال كيف نسيناكي هنا؟ كنت أشعر برعشة في شفاهي وأطرافي. مسكت المجندة يدي لتقييدهما للأمام.
قالت له أنها باردة جدا.
أمرها أن تأخذني لرقمي.
هناك كنت أسير بالممر لا أشعر بثقلي. كنت أترنح كأنني شجرة نخيل بوسط عاصفة. يصعب كسرها لشدة لينها لكنها تعاني الانحناء. فاتمايل بتعبي يمينا شمالا. وانتظر وصولي لفراشي.
وصلت وارتميت. كنت محمله باطنان التعب ببردي برجفتي. بظمأي. فعقدتُ اتفاقيه صلح مع البطانيه. شرط ان تمنحني ولو قليل من الدفئ. ورحت اهرب حافية الاحلام. سرقتني نومتي.
فليطفئو كل الانوار. ويسحبو الفتيل من المصابيح. ما عادت ترى النور عيني لشدة تعبي.
عبرت الايام بقدميها فوق جلدي. داست وجعي بثقلها. بحمولة ساعات التحقيق القاسيه وبرد الزنازين. طوت الايام أسبوعها الاول حتى سمُح لي بمقابلة المحامي. لم يكن لدي علم بحيثيات المقابلة.
خرجت متوجسة. خائفة من أي مصيدة تتربص خطواتي. فهذا المكان لا يكتفي بغرف التحقيق للإعتراف بل يرسم ألف خارطة وخارطة للوقوع بك. وبالنيل منك.
عرفني المحامي عن نفسه فأفرغت حمولة خوفي حين تأكدت أنه إبن بلدتي.
ولكن الغرفة التي جمعتنا ليست ببلدتي إنها جزء من هيكل معد للصيد فحسب.
لذلك كنت أخشى وجود أي آلة تسجيل قريبة منا. سحبت القلم عن الطاولة بيداي المقيدتان ورحت أكتب سطراً وما إن يقرأه المحامي أقوم بالخربشة عليه.
بلغّته رسالتي لوالدي وكان عمر الزيارة أقصر من أن أسرد تفاصيل التحقيق على مسمعه.
عدت أدراجي. وقد أخذت جرعة أوكسجين جددت فيها روح المعركة من جديد.
دخلت زنزانتي. وكأني أعود من نزهة بعيدة أو حملة تسوق أبدعت في مشترياتها. شعور العودة كان مختلف.
وأعيد ترتيب الكلمات لتمنحني طاقة وشحنة. وأردد بذهني ما قاله المحامي نقلا عن أبي.
"طول عمره رآسي مرفوع. بس إنت وصلتيه السما "
من أنا. سوى بضعٌ منك يا أبي. أنا ترجمة فعلية للغة التي ربيتني على أبجديتها. أنا نتيجة محتومة لدرب رأيتك تشير إليه ببنانك.
أبي كان كتلة مبادئ تسير بغير إهتزاز. أذكر كيف بأحد مراحل المفاوضات بين النيابة وموكلي على تخفيض بنود الإتهام من سبعة بنود إلى أربعه.نصح أحدهم والدي بأن يتوجه لشخصية سياسية معروفة. كي يتدخل بقرار المحكمة عله يساعدني بإنزال سنين الحكم.
كان جوابه بمثابة سيف قاطع حين قال. "كيف سأنظر إلى وجه إبنتي حين تخرج من أسرها عن طريق عميل سياسي. "
هنالك آباء يمنحون أبناءهم أجنحة. ليحلقوا في أفق الأفق. وهنالك أباء فرضوا طوقاً من قضبان على أبناءهم خشية الطيران.
وتطير بي نفسي. وأنا التي كنت على مشارف الالتحاق بالتعليم الجامعي. فبالكاد قبل شهرين وصلني القبول بكلية صفد لموضوع اللغة العربية والتاريخ فأثرت أن أغير إتجاهي لتعلم التمريض. ولكن ما بين هذا وذاك.
نطق نيسان بكلمته. وشهد مرحلة لم تكن بالحسبان. فالاعتقال لا يرد ببال أي معتقل قبل إعتقاله. وينبع ذلك من حقيقة إدراك كل شخص يسير بهذا النهج. أن ما يقوم به من عمل ما هو إلا واجب وطني وديني وأخلاقي وليس بأكثر.
و تعود الخطى ترتشفني على مهلها في ممرات الزنازين.
وسياق آخر نحو التحقيق.
ها هو اليوم التاسع يضرم نيرانه بحقلي. دخان منبعث في زوايا الأسئلة التي أصبحت أكتر دقة. رماد هي نظراتهم. وشفافةٌ هي لا. لم تعد تلك الـ لا صلبة كبدايتها. فها هم يأتون ببعض الشهود. وها هي أقوال الاطراف الاخرى تضُعف جسد الصمود. وتصيبه بهشاشة صدمة.
كنت على يقين أنني بدأت الإقتراب من الحافة. إما حافة ثباتي وتشبتي بقناعتي. وإما حافة الهاوية.
أدخل زنزانتي فأشتم رائحة الرطوبة. أشتم رائحة التعذيب لحواسي. فداخلي جورية تفوح عبقا وواقعي رماد وسخافة ذبول حتى للهواء. دقائق من التعمق في التفكر.
أنا محض خيال أن لم يمسك الله بيدي وينقذني. أنا جثمان طاهر إن لم يأذن الله برحمته وينتشلني من هذا القاع إلى برّي وأماني.يالله. أعلم أنك موجود بكل تفاصيل الأمور. وأدرك أن الخلاص بين يديك. فلا تكلني لعدوي يمتلك أمري.
إقتربت من الماء توضأت وضوءا ليس بكاف.مسكت البطانية التي لا تربطني فيها مشاعر دفئ. لففتها من أعلى رأسي. ربطُت خيطين هاربين من أطرافها. حول خصري.
وقفت لا أدري أي إتجاه هي كعبتي. صليت ولم تكن المرة الأولى منذ إعتقالي. لكنها المرة الاولى التي أشعر أن الله سمعني. شعرت أنني كنت على إتصال دون حواجز. كنت أسرد وجعي وأحكي بدمعي. كم جميل الحديث مع الله في عز الانكسار.
قطعا. لن أنسى يد الله التي حفظتني في ذلك النفق. ولكني كنت أخجل منه لأني لم أكن بلباس يليق بصلاتي وإبتهالاتي.
تعودت أن أستلقي على هذا الفراش. وحيث تنعدم الاحتمالات الأخرى. يتوجب القبول.قبلت بها فراشا ولم أقبل بها راحتي. لم أغمض عيناي بعد. لا زال الشريط يعيد نفسه. والأحداث عاصفة برأسي.
مهلاً. ما هذا الماء المتسرب من الجدران. قفزت منتفضة. وقفت على الجدار الصغير الفاصل بين الغرفة والمرحاض. جلست بإتزان كي لا أزل فأسقط أرضا. الماء يتسرب من الجدار ومن أسفله.
وبدأت تتخذ طريقا نحو فراشي.
أيعقل. ما الذي يحدث. بدأتُ بمناداة السجانة. حتى سمعني أحد المعتقلين المجاور لرقمي.
قلت له أن الماء يغرق فراشي وهنالك تسريب من الجدران. بدأ بصوته الغاضب ينادي. وآثار ضجة مع رفاقه في الممر.حتى أتت السجانة برفقة إثنين آخرين. لم أحرك ساكنا. بقيت بالأعلى سألتني. ماذا فعلت حتى أحدثت هذا التسريب للماء.
"أخرجيني من هذه البؤرة أو لا. وبعدها أضيفي الحدث في لائحة إتهامي". قلت لها ساخرة.
لم يكن يراودني شك أنها لعبة أخرى بلون آخر من ألوان التعذيب والعذاب. والا فكيف تمكن للماء أن يتسرب من الجدار بهذه الغزارة والسرعة. تماما كما حصل عند سماحهم لاستخدامي الحمام قبل يومين وتحكم السجانة بالماء الساخن جعل جسدي تحت وطأة الرجفة.
بت أتخيل أننا لا زلنا في الصفحات الاولى لمجلد الاسر ولا زال بفهرس المحققين. عناوين كُثراً

تقول سجانتي أني سأخرج غداً للمحكمة. لتمديد إعتقالي. رمتني في تيه الخيال بإبلاغي هذا. بعثرت حواسي على ضفاف الطرقات. وحاصرتني وخطواتي بقيدها الملعون.
غداً. أول لقاء منذ إعتقالي مع خيوط الشمس.سترسل أشعتها على إمتداد إحتياجي وتغطيني بلطف حرارتها أمام هيبة نيسان وسأغمض عيناي شوقاً وخجلاً من السماء.
غداً آتى. وأصبح اليوم. وها هو ملفي يمشي أمامي تحت إبط السجانة التي تلوح بزمرة المفاتيح على خصره ا.
الاغلال التي لفت قدماي مشدودة جداً ومع كل خطوة أخطوها يحتك الحديد بلحمي. فيصدر صهيل ألم، لم أعره شكوى أمامه.
وصلنا الى الصندوق المهترأ. صعدت درج البوسطة بخطوتان كبيرتان. أحدثتا حرارة وألما في قدمي. دخلت هذا القبو المتحرك بنتانة أرضيته وجنباته. إتخذت أقل مساحة قمامة. وجلست أمد رجلاي المنكوبتان.
رفعت نظري للشبك الفاصل بين الصندوق الاول والثاني. فهي المركبة مقسمة لصندوقان.كانت رائحة التبغ الخارج من أنفاس الموقوفين تعج بالاشمئزاز. فكنت أنا تاء التأنيث الوحيدة والبقية ذكور.
إنهم موقوفون من الطراز الجنائي. لا تمتهم القضية بصلة لا من قريب ولا من بعيد.
طويت صمتي في غرابته. ورحت أقرأ لنفسي دعاء السفر. وجب هذا الدعاء في هذا البلاء. عله يواسي رهبتي.
تتحرك المركبة دون مراعاة أننا مبتورو الايدي والارجل بأغلالهم وغلهم. فلا نستطيع الاتكاء أو التشبث بالكرسي كي لا نقع. تسرع تبطئ تلتف وتتوقف. فتصيبنا بالدوران. وبكلتا الأيدي المقيدتان أمسك بحافة الكرسي لأتوازن أمام النافذة المشبكة. وأحاول التركيز خارجا. أسترق النظر. أريد قراءة الشوارع وتفسير إشارات المرور. أريد أن ألمح العمارات الشاهقة في ظل الخندق الذي أصبح عنواني. أريد أن أتوحد مع الطبيعة مع جبال الكرمل الشاهقة مع شوارع حيفا التي زرتها ليلاً آخر مرة قبل ثلاثة أشهر وكانت تتلالاً بنجومها في منتصف كانون.
أريد إلقاء نظرة الوداع على المينا ومراكبه المعطلة المركونة جانباً. بعد أن ملت أمواج البحر وضرباته.
فأعلنت شيخوختها المبكرة.
أريد ان أخُزّن أكبر ما أمكن من مشاهد حية تنبض حياة لأعود بها لرقمي. لتشحن طاقتي لصعود آخر للتحقيق.
وها هي تعلن الوصول بتوقفها المفاجئ. تفتح السجانة أقفال الصندوق لتخرجني أولا. ثم تعود لتفتح لرائحة التبغ الخانقة في صندوقهم.
غرفة إنتظار صغيرة على شاكلة زنزانة تبعد عن المحكمة بشارع وبضع خطوات. تسوقني بعد نصف ساعة سجانة مختلفة عن زميلتها. أسير في طلاسمي نحو عدل خالي من العدل. وميزان بفتقد للأنصاف. قطعنا الشارع ودخلنا بوابة المحكمة خطوات تنعى الموقف ونظرات تقتنص اللحظات.
فيقرع قلبي أجراس لهفته. لمحت أبي من بعيد فإرتفاع أبي شاهقاً يعلو كل الموجودين.
أحدثت صوتاً كالرصاص. أبي.. دفعتني السجانة وقبضت بيدها على أغلال يداي وبدأت تسحبني لزاوية قريبه. لحقها إثنان من المرافقين لها.
قالت مرتبكة. "سنحاول منعها من إلتقاء أفراد عائلتها. فهي لا زالت على ذمة التحقيق. "
التحقيق لا ذمة له. والمساحة المفروشة بالإحتياج ما بيني وبين أبي. أصبحت في ذمة الله.
لم أعد آراه أخذوني لزاوية قد حالت الرؤيا.
بقيت في صراعي بين رغبتي وأغلالي. فلبثت مكاني أردد لله دعائي وألح بضعفي أن يريني قوته.
دقائق. وصوت يجتاح كُلي. ككهرباء نفضت جسدي فأعادته لعمله. صوت أبي. إقترب يبحث عني فوقف قريبا من مكاني. وبدأ يوجه لي كلامه. كأنما وقود يسُكب في لهبي. فأشتعل قوة وصموداً
لم تستطع منعه. فألقى على مسمعي ما ألقي قبل أن يفتحوا الباب من خلفي ويبتلعونني.
لم أعد أكترث بحيثيات التمديد ولا بهذا الحاكم البائس الذي مدد إعتقالي لأربعة أيام إضافية لإستكمال مهزلة التحقيق.
وأعود بخليط الخيبة والأمل. تزفرني حيفا نحو كيشون الخانق.
ظننت أن رقمي بإنتظاري لأحدثه عن الأرقام والعناوين خارجاً. لكن المحققين كانوا أكثر لهفة وشوقاً
لإستكمال فنون تنكيلهم. فقد منحهم القاضي اربعة ايام اخرى لاثبات مهنيتهم وشراستهم في اتمام مهام التوقيع.
امضيت ساعات طوال حتى اذنوا لي بالنزول لفراشي. الذي رحت اليه بكامل ضعفي وتعبي وبضع احلامي.

تتوالى الساعات. تطوي السماء شروقها بغروبها وما بين شروق وغروب يشتد المنشار فوق جذوع نخلي.
فحين بلغ اليوم الرابع أشده وبلغ معه وجه أيار. ادركت انني سأعد الكتير من الأشهر دون حسيسها.
وسأشطب من رزنامتي ايام ا طوالا واشهرا ووجع سنين حتى اعود لحضن ابي محتضنه امي.
هاجمتني ثعالب الغاب في حرش ضيق على شاكلة غرفة. صرخو كثيرا هددوا مرارا وتوعدوا اني لن اخرج من نفقي هذا. وانه علي تحمل مسؤوليه افعالي التي لم اقم بها اص لاً.
طرح احدهم امامي ورقة مليئة بالكلمات يكاد يختفي بياضها لشدة حموله الكلمات. القاها قائلا تستطعين قراءتها بالعبريه انت تجيدين اللغه. طالما تمنيت اننا لم نجيد اللغه هذه ولم نجدكم بوجودنا. طالما تمنيت ان لو بقي اجدادنا يصارعون العساكر البريطان دون احضاركم الى ارضنا لتلوثوا ترابها باقدامكم.
اريدك ان تمضي هنا بالاسفل. مسكتها وكلما وقعت عيناي على جملة تتعارض مع اقوالي رحت اشطبها كذلك فعلت في اربعة مواضع.
سلمته اياها فثار ثوره وراح يناطح نعجتي حتى اثار غبار لم اعد ارى منه سوى نيرانه. طلب نقلي الى محقق اخر في مكتب اخر كان اشد منه سمانة وقرون.
لله دُرُك يا انا. كم سيستقيم السهم في اضلعي ان بقيت على حالي. هذه الحالة لا تشبهني.
خلقت لاعيش في حقلٍ ازرعه ويزرعني. لا حصيد كره وغيض يقتلعني. هذا السجن الذي يلوح لي بقضبانه لم يكن حلمي ولا كابوسي. نحن اشد ربيعا من أيار فلماذا يسقطون عنا اوراقنا الخضراء.
نحن معشر التأنيث كيف لعاهات الرجولة ان تقيدنا ان ترمينا بالجب وتسقط روحنا بالبئر. وما من مارّة من امتي يدلي بدلوه ليلتقطنا. وما من امرأة العزيز ان تكرم مثوانا.
لبثت في السجن بضع سنين. حتى ذهب الأسر وبقي الأجر.

الاسم:- عطاف داود حسين عليان
تاريخ الاعتقال:- كانون الأول/2002 مكان الحدث: معسكر عتصيون
سكان بيت لحم سابقا، رام الله حاليا
من خلدة قضاء الرملة
الحالة الاجتماعية:- متزوجة عندي عائشة
إعتقلت أربع مرات كانت هذه الثالثة في كل مرة كانت تختلف ظروف المواجهة، مجموع المدة التي قضيتها في الأسر أربعة عشر عاماً
قبس من نار عتصيو ن

كباب صدئ أحاول فتح جفني،رأسي كصخرة سيزيف"شخصية اسطورية "أثقلت كاهلي،أشعر أنني فقدت السيطرة على جميع أعضاء جسدي،لا جفني يطيعني ولا ظهري أصبح سندي،ولا رأسي دليلي،...بصعوبة شديدة إستطعت شق جفن يعلي أبصر ما حولي،...عيون كثيرة من فوق تشكلت شبه دائرة،أطلقت أصوات أحاول فك رموزها، لقد استيقظت ! ………هل يقصدونني؟! من هؤلاء؟!
...صوت من بعيد... خذوها للعيادة لن نتحمل مسؤوليتها وأحضروا ورقة موقعة من الطبيب. أحاول السؤال أين أنا،يخذلني لساني...

قدمي يلسعهما سوط برد كانون القاسي، لم أعد أشعر أنهما ينتميان
الي،... العيون التي حولي تحركت متفرقة، وسط سيل من الشتائم،...أدركت أنني على حمالة إفترشت أرض سيارة عسكرية وأن من حولي جنود مدججون بالسلاح...من أطراف الحمالة أخرجوني من السيارة
،... السماء ملبدة بالغيوم، على إستحياء أطلت الشمس من خلف حواجزها الكثيفة، ما لبثت أن دفعتها- كزوج غيور- خلف غطاءها،...لحظات وأرى من قالوا عنه طبيب يشاركهم الشتائم،
ماذا بها الش…...
أغمي عليها وبقينا طيلة الليل ننتظر أن تستفيق، لقد رفض الضابط المناوب إستلامها "وكأنني بضاعة"
يوجد جرح في رأسها؟
هذا لا شيء وقعت ونحن نفتش بيتها.
بصعوبة شديدة حاولت استعادة ما سبق من أحداث، …الأمطار كانت تهطل بغزارة...صرصرة
الريح تختلج منه الاضلع... صليت وجلست أبتهل الى الله... مر بخاطري حال إخواننا المطاردين...كثفت
دعائي لهم، اللهم قهم برد الشتاء،اللهم مأواك لهم، ودعوت بأن يعن من تصلهم يد المغتصب في مثل هذه الاجواء،... توسدت فراشي، وما أن غفت عيناي قليلاً حتى إستفقت فزعة على قرع ٍ شديد حجب قرع الرعد حتى أن كلاهما إختلط علي، "افتخ جيش افتخ قبل ما نكسر با ب ")وكما تقول أمي يا قاعدين يكفيكم شر الجايين.
ما إن فتحت الباب حتى تدفق سيل من كائنات متسربلة بلباس كثيف، كأنهم جراد منتشر، إنتشروا في أرجاء البيت يعيثون فيه الفساد، أحدهم سألني عن إسمي،...لم أجب،
قلت لك ما إسمك؟... التزمت الصمت،... إرتفعت وتيرة صوته صارخاً بعد أن مد يده دافعاً إياي ما إسمك؟… يخيل إلي أنني وقعت على الطرف الخشبي للمقعد، هذا يعني أن الضربة كانت شديدة لدرجة أفقدتني الوعي وهذا يفسر ما أنا فيه الآن.
الورقة التي يريدون وقعها الطبيب دون أن يكبد نفسه عناء إجراء الفحوصات اللازمة… إضطر الجنود لحملي مرة أخرى، كون أشلائي ما زالت تخاصم بعضها بعضا،...سلكوا نفس المسار،حركت رأسي قليلا لأرى غابة من الأسلاك الشائكة تحيط المكان…إذاً أنا رهن الإعتقال للمرة الثالثة! ! !
لم تسلم أذناي من سيل الشتائم المتدفق من أفواههم لتعبر عن مدى سواد قلوبهم،...وكأنها أصبحت تمثل جزءاً أصيلاً من شخصياتهم … دقائق معدودة وصلوا خلالها باب مكسو بالاسلاك الشائكة،...قرعوا
الجرس،... صوت ليس بالبعيد يصرخ أن انتظروا،...القوا الحمالة على الأرض سمعت خلالها صوت
قرقعة عظام ظهري وكأن روحي خرجت من مكانها... لا يكفيهم أنهم كانو سببا فيما وصلت اليه، بل
يحاولون الانتقام مني، …جندي يحمل بندقيه مصوبة اتجاهي فتح الباب،...استلم الورقة،... طلب منهم
إدخالي بعد أن ضم صوته لأصواتهم في حفل الشتائم،... درجات قليلة ربما عددها ثلاث أو أربع نزلوها،ثم صالة متوسطة السعة على أحد جوانبها "كاونتر "تجلس خلفه مجندة طلبت منهم إدخالي الى زنزانة بابها يلاصق مكان جلوسها، فرشة على الأرض...من الحمالة ألقوني عليه لتكتمل مسرحية التكسير،ثم خرجوا وأغلقوا بقسوة شديدة تأوه منها الباب،... أصواتهم البغيضة ما فتئت أن تلاشت معلنة ً إنتهاء مهمتهم.
أظن أنني في معسكر جيش،... لباسهم،وحملهم السلاح يدلل على ذلك،...المعتقلات التابعة للشرطة
طقوسها تختلف عن ذلك… المعسكر القريب من بيت لحم يقع جنوبها في بلدة عصيون وهو المكان المخصص لإفراغ الحمولات التي يصطادها جنود الاحتلال خلال مداهماتهم الليلية سواء كان من بيت لحم
أو الخليل وما يحيطهما، وفيه يتم الفرز للأسرى،فمنهم من ينقل لمركز التحقيق)المسكوبية(في القدس ومنهم من يحول لمعتقل عوفرغرب رام الله تحت مسمى الإعتقال الإداري،...كل ذلك يتم حسب توصيات جهاز المخابرات الظالم أهله.
! إاذ اً انا في معسكر عصيون!...لكن لماذا يتم إعتقالي؟
صوت موسيقى تعزفه حبات المطر المتلاطمة … تزداد سرعة إيقاعها ويزداد إبتهالي لأخوة فرضت عليهم كرامتهم ونخوتهم وإيمانهم بعدالة قضيتهم أن يقاوموا ظلما عنوانه الاحتلال،إخوة إزداد عددهم في ظل إنتفاضة الأقصى،آثروا أن تكون الجبال والكهوف مأوى لهم،... لم يرحم الاحتلال البيوت التي كانت تؤيهم فقاموا بهدمها،...العيون التي باعت نفسها تلاحقهم وترصد أماكنهم،وما لي حيلة الا الدعاء لهم،...
…مع كل زخة مطر اغلفها بزخة من دعاء، من يدري لعل دعائي في شدتي يكون فرصة للإجابة
كمن لدغته أفعى ارتجف جسمي،... أمي كيف أنت الآن،...لا بد أن قلبك إنخلع من مكانه،كما خلعوني من بينكم،...من يطمئنك ويطبطب على قلبك،... من يسر لك أنني مازلت على قيد الحياة؟…إنطلق لساني
صارخاً أريد التحدث مع والدتي،... ترد المجندة بصراخ أعلى أن إخرسي، …كيف أهدأ وأمي تظن أنني ربما فارقت الحياة، …صوت أقدامها تقترب،...فتحت باب الفتحة الصغيرة أعلى الباب واطلت بوجه رسمت عليه خطوط السخط والغضب قائلة،إن شاء الله تموتي،...لم يسعني إلا الإبتسام والرد عليها – جمعا ً-
طرقت باب الفتحة ولسانها يضرب بسوط الشتائم… لم يمض وقت طويل،...أصوات هرج ومرج بساطير تهز المكان...باب الزنزانة يفتح،...أحدهم إقترب مني،ركع أمامي وشدني بقسوة،
كيف تهددينها بالقتل،وبعمل عملية إنتحارية؟
تبسمت بسخرية،عندنا نرد دعاء من يدعو لنا بدعاء مثله،دعت لي أن شاء الله تموتي،ودعوت لها جمعاً،....تراخت قبضته، قال ضاحكاً ماذا كنت تريدين منها؟
أريد أن أطمئن والدتي أنني بخير… فاجئني بطلبه.. أعطيني رقم هاتف بيتكم…زودته به…… خرج من الزنزانة وزبانيته...عيون المجندة تقدح غضباً،...لا تغلقي الباب صرخ بها الضابط …سمعته يقول الو …بيت عطاف……عطاف وضعها جيد ……في عتصيون …لا استطيع....مع السلامة …أغلق الهاتف خطواته تقترب…
قال أمك تسلم عليك…
شكراً لإتصالك كنت اود سماع صوتها…
غير ممكن.
نصف الكأس مملوء خير منه فارغاً هدهدتني نفسي …أغلقت المجندة الباب وهي تتمتم كمان تلفون
كمان …وأنا أغلقت عيني لعلي أجد بعضاً من الراحة …هذا العام كان مليئا بالاحداث الجميلة …أتممت الأربعين من عمري...حصلت على درجة البكالوريس في علم الاجتماع وعلم النفس...كان جميلاً أن ألبس عباءة التخرج، وأسير في كوكبة الناجحين،أسمع زغاريد الأمهات وفرحتهن،...لهذه الفرحة مذاق خاص للخريجين،...وأن لي مذاقي الخاص، فلم يمنعني عمري من مواصلة العلم،ولم
تمنعني السنوات العشر التي قضيتها في الأسر من إكمال مسيرة الحياة، بل زادت من لهيب العطاء،... دشنت افتتاح مدرسة اسميتها النقاء… خرجت للنور إبنة اخي،كنت اول من سمع صوت
صراخها،حبها شد تلابيب قلبي أسميتها فاطمة الزهراء تيمنا بإبنة الرسول عليه السلام ووريثة لإسم جدتها …وأنا أحسن ظني بربي لا بد أن إعتقالي في خاتمة عام 2002 جاء إمتحاناً لي لأشكر أم
. أصبر، لإنجح إذاً فيه فيكون صبرا وشكرا،... إلهي لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك رويدا ً رويد اً بدأت أحرك رأسي المثقل بالالام،...حاولت الإتكاء على ذراعي لعلي أستطيع الجلوس
،قواي ما زالت خائرة …علي مقاومة ضعفي...لن أسلم نفسي لعدو لا يرحم...لا أدري ماذا تخبئ لي
الأيام القادمة … أشعر بالغثيان وزغللة في عيناي،... أخير اً إستطعت الجلوس متكئة على حائط الزنزانة
صافعاً إياي ببرودته،...أغمضت عيني وفتحتهما …رأسي ما زال يدور، أقاوم نفسي من التقيؤ،...جلت بنظري الضعيف... الزنزانة أقرب إلى المربع...عارية سوى الفراش الذي أجلس عليه،لا ماء ولا
مكان لقضاء الحاجة،...تعلوها شبه نافذة تكرمت علي بإدخال بعضا ً من ضوء النهار،...حالة الصخب لم
تهدأ منذ دخولي المقصورة -هكذا اطلقت علي زنزانتي كما اطلقت سابقا على زنازين) المسكوبية رغم أن الفارق كبير بينهما، هناك توضع في عزلة تامة،لم أكن أسمع صوتاً ولم أستطع التمييز بين ولوج النهار وأفول الليل –
أصغيت سمعي لعلي أدرك ما يدور حولي،...إبتسامة دغدغت شفتاي،... لعلي أعشق بالسمع ما عشقه معلم في إحدى قصص الجاحظ في كتابه البخلاء، سمع شعراً فتعلق بالموصوفة.. ثم بكى عندما سمع شعراً ينعاها،فإذا هي حمارة
جرس البوابة الخارجية لا يتوقف إزعاجه، فتح... يغلق...يعبر منه العابرون ويغادره آخرون،... يتملكني الفضول،وأكتم الأنفاس مع كل حركة أسمعها…أسمع أصواتاً تتحدث باللغة العربية، أحدهم ينادي
السجان كي يعطيه سيجارة،...آخر يطلب ولعة،... من مكان يوحي أنه قريب من زنزانتي صوت يطالب
بإخراجه لقضاء حاجته،... لا بد أنهم معتقلون … السجان تجاهل نداءاتهم، …إزدادت وتيرة أصواتهم حدة معلنة عن غضبهم ورفضهم التجاهل وسياسة التركيع،… طرقات قوية على الأبواب زلزلت المكان،وحناجراً تحدت بنداء واحد، جعلته يهب فزعا، صوت أقدامه إقتربت من الزنزانة القريبة فتح الباب وأخرج أحدهم،أظنه الذي كان يطالب بقضاء حاجته،ومن بعيد سمعت صدى صوته وكأنه في بئر يستجيب لطلباتهم.
ترى كيف هي خارطة القسم،...لا بد ان هناك زنازين كثيرة،...وبرغم الأ بواب الموصدة،الا أنني
أحسست بالأنس …فأنا لست وحدي،الانفاس القوية تؤنسني، … ألالآم تجتاح جسدي...لا بد أنه أخذ
نصيبه من غلاظة بساطيرهم، آلام عايشتها في الإعتقال الأول،… كان موعد محكمة في رام الله،...أحد
ضباط المخابرات - كان مسؤولاً عن منطقة بيت لحم -)جاك(،.. دميم الوجه لكثرة البثور المنتشرة
عليه،...- كنت حينها اقبع في سجن الرملة النسائي)نفيترتسا (-، استلمني من السجن...أدخلني الجيب
المصفح،...رماني على أرضه،... كمم فمي بقطعة قماش قذرة تنبعث منها رائحة السولار وعصب عيني
بقطعة مماثلة بعد أن كان قد كبل يدي خلف ظهري وشد الأغلال على رجلي... تحركت السيارة وتحرك
بسطاره راسماً علامات الموت على جسدي،... حينها شكوته للقاضي، فما كان منه إلا أن أخذني الى مقر
شرطة رام الله،....قام هو وعدد ممن في المركز بضربي حتى سالت الدماء من جسدي، أعادني للسجن جثة هامدة... السواعد الضاربة – مصطلح أطلق على الشباب الثائر في الانتفاضة الاولى عام 1987- بعد
أن إنتشرالخبر في إذاعة القدس،اطفأت نار قلبي عندما قامت بقنصه...كانت الانتفاضة في أوجها،... ساد
فيها حديث الرسول عليه السلام) المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا(. …وانا علي أن
أشد بعضي بعضا،...بدأت أحرك ذراعي للاعلى وكذا رجلاي،ورقبتي،...نهضت على قدمي بعد
محاولات عديدة،... الأرضية باردة،اكتشفت أنني بدون حذاء وبدون نقاب،... إكتشفت أن الغطاء كان من البيت،... لا بد أن والدتي قد دثرتني به … أمي هذه اللبؤة التي تظهر قوتها في الزمان المناسب،...طيفها يربط على قلبي ويهمس لي أن أصبري وتصبري ولا تجزعي، خجلت منها...بدأت اجوب الزنزانة الضيقة مستعينة بحائطها، إستطعت إعادة فرض السيطرة على جسدي رغم الدوار الذي ما زال
يلازمني،... زاحمني البول... طرقت الباب طالبة ً الخروج لقضاء حاجتي،...الفرصة اتيحت للمجندة
لتضرب بسوط حقدها،)مفيش حمام(، …اذن اقضيها على ارض الزنزانة،… تجاهلت ما قلت،…انتظرت
ربما ما يربو عن الساعة، كررت طلبي، لم تغير إجابتها …بجانب الباب قضيت حاجتي،لم يخذلني السيل الذي عرف طريقه للخارج،ومن المؤكد أنه أصابها ما أصابها، فصراخها اللاواعي وأقدامها التي اقتربت من الباب ينبئان عن ذلك،… فتحت الطاقة وصرخت -أنت مجنونة؟ …
-لا المجنون من إضطرني إلى ذلك…،
زخات قوية من المطر استطعت رؤية بعض من قطراتها خلال النافذة، وكأنها تحثني للابتهال لخالقها
وخالقي... فمن لي سواه... اللهم رب السموات والأر ض إني فوضت أمري اليك،واستعنت بك،يرضيني ما
رضيته لي،اللهم لا حول ولا قوة لي إلا بك، أعني على إجتياز هذا البلاء كما تحب وترضى، اللهم أربط على قلب والدتي…، الدعاء بلسم للقلوب الحائرة...للقلوب المجروحة...وخير رفيق للقلوب المأسورة...أشيع الدفء والسكينة في قلبي.
الجرس يرن وصوت ينادي أن إستلموا الأكل… أقدام المجند تبتعد...صوت الباب يفتح …أقدام أخرى تقترب… صوت الأواني تعانق الأر ض…أقدام تبتعد ويغلق الباب… أرهقتني حالة تتبع الأصوا ت وتحليلها ورسم صورة لكل منها،... علي أخذ قسطا من الراحة لمواجهة المجهول.
صوت الآذان قادما من بعي د ايقظ احساسي من جدي د…لا بد انه ا تٍ من بلدة بيت امر فهي النقطة الأقر ب،وقول الله اكبر الله اكبر الى القلب اقرب…نعم ربي ان ت الأكبروألاكبر والأكبر، من كان إلهه الأكب ر فمما يخاف… لا ماء عندي، ضربت على الحائط بيدي، مسحت وجهي تيمما...،يممت وجهي لوجهه)فاينما
تولوا فثم وجه الله(،...عقدت نية صلاة الظهر كون الدلائل تشير اليها،...صليت جالسة،...دعوت ماشاء الله لي أن أدعو... أسررت اليه همي،وشكوت اليه بثي وحزني،جثوت على أعتابه والقيت حمولتي التي أثقلت كاهلي على بابه،... للعبادة في الشدة مذاق خاص،استشعرت قربه الحبيب منك وتوجه كلي اليه،استشعرت معيته، استشعرت يديه تهدهد قلبي... نعم ربي أنت الأكبر أنت الأقرب،.
ما بين تسليم الطعام وصوت المجند الذي ينادي على احدهم ان يجهزلتوزيعه ربما كان يربو الساعتين… المجندة فتحت باب زنزانتي ودفعت بالصحن الي،صحن ارز ليس من معناه سوى اسمه،ربما الاصح ان
تطلق عليه عجينة الأرز، وقطعة لحم صغيره ربما لو رميتها لكلب جائع لعافها...ما ظنك بطعام بقي يتدفأ على نار البرد القار ص،... ازحته بعيدا وتدثرت بالغطاء علي اشبع من رائحة امي…طلبت ما ءً للشرب
...السجانة لم تستجب وأنا لم ألح في الطلب.

هدأت الأصوات وكأنها في قيلولة...، إسترخى سمعي وإسترخى جسدي،...غفوت وإستسلمت لحضن أمي متمثلا بدثارها،...أمي!! ! لا بد أنها كعادتها تخفي دمعها وحزنها رغم تحطم قلبها،...أعرفها لا بد انها قامت وصنعت الطعام وهدأت من روع إخوتي وشدت من عزيمتهم،... انظر إليها وهي تقول لهم أنا لا
أخاف على عطاف فهي قوية وستخرج قوية،... أعلم أنها تواسي قلبها قبل أن تواسيهم …، أعلم أنها ما ان ينفضوا من حولها ستطلق العنان لدموعها.
صور كثيرة تزاحم بعضها … لا انسى اليوم الذي اجتاحت فيه دبابات الاحتلال بيت لحم ومحيطها،... كان
ذلك بداية نيسان عام 2002،هذا الشهر الذي تزهر فيه الحياة وتجدد نفسها،حوله الاحتلال الى شهر دماء
ودمار...كنت ومجلس إدار ة مركز نقاء الدوحة الجراحي قد قررنا إعلان حالة الطوارئ، في ظل التهديدات
باجتياح المدينة،وكان قد سبقها اجتياح لمدينة رام الله وحصار مقر الرئيس ياسر عرفا ت،...المقاومون تجمعوا في ساحة باب الدير لتكون كنيسة المهد النقطة الأقر ب للاحتماء بها ظنا منهم ان العدو الإسرائيلي لن ينتهك قدسيتها،... كخلية نحل وعلى مدار الاربع وعشرون ساعة كنا نعمل في المركز،... المحطات
المحلية تصدرت شاشات التلفاز، ترصد كل شاردة وواردة،فالكل من جهته انقلب الى مراسل ميداني ينقل
ما حوله من احداث... نوافذ المركزتطل على شارع القدس الخليل، يقابله مدخل مخيم الدهيشة الرئيسي،…الهدوء يخيم على المكان والكل يترقب،فجأة بدأنا نسمع أصوا ت اهتزازات قادمة من جهة قرية
الخضر، فتحت النافذة استطلع الخبر، …انه صوت جرافة ! ماذا تفعل في الساعة الثانية من الفجر؟!... لم
يطل الرد...، خمس واربعون دبابة)قمت بع دها (استهلتها جرافة عسكرية عملت على تجريف الشارع،.... وكأنها تقول للفلسطيني هذه الأموا ل التي تبرعت بها الدول المانحة للبنى التحتية نبعثرها امام عينيك
،...لن نعطيك فرصة لتكسب شيئا من عملية السلام المزعومة، الدبابات كما سيدها شارون) رئيس وزراء
الدولة المزعومة (كانت تدوس كل شيء امامها داست السيارات وحولتها حطاما، ولم تتورع عن دوس
عددا من المواطنين الذين رمت بهم اقدارهم امامها… الأوامر باطلاق النار في كل اتجاه كان مطلقا...احدهم انتبه الى وجودي عند النافذة صوب رشاشه المنصوب على الدبابة نحو ي،… استغرق المشهد اقل
من طرفة عين ما بين ابتعادي عن النافذة وزخة الرصاص التي حولت المكتب الى دمار، رحم الله أبا إبراهيم -الدكتور فتحي الشقاقي- كان دائما يرد د مما نخاف وحارس ال موت الاجل نعم لقد كان حارسي من الموت هو الاجل …فمن يرى الدمار، لن يظن ان من كان فيه قد نجا.
مجموعة كبيرة من الجنود نزلوا عند مدخل المخيم،اقتحموا البيت المقابل لنا، اخلوا الطابق الثاني من ساكنيه "البيت بيت ابونا واجو الغرب يطحونا..."حولوه الى ثكنة عسكرية، نصبوا رشاشاتهم على نوافذه في جميع الاتجاهات، … المحطات المحلية الت ي تمترس حولها الناس تبث تحركات العدو وتحدد مساراته، مشهد الجرافات وارتال الدب ابات يتكرر في مداخل المدينة الاخرى...،من جهة بيت جالا،...بيت
ساحور،...مدخل قبة راحيل…ترى هل تحتاج مدينة كبيت لحم وحفنة من المقاومين الى هذه الاعداد الهائلة من الدبابات وما تقله من جنود؟!!!!... انها "بلافرا "الاعلام.... لقد اوهم الاحتلال الإسرائيلي العالم بانه
يقاتل دولة مجاورة له،بدعوى اجتثاث جذور الإرها ب فيها…،بعد ان هيئوا الأسبا ب لارتكاب جرائمهم،... فلم يكن اقتحام المسجد الأقصى من قبل شارون وزبانيته الا مدخلا من مداخله الشيطانية –بعد ان استفز مشاعر الناس -لإعلان حرب غير متكافئة،سلاحه العتاد العسكري بكل أشكاله، وعتادنا حمل أرواحنا على أكفنا لتشكل قنابل موقوتة تكسر جبروت هذا المختل المغتر بقوته …،
ارادوا فرض سطوتهم.... اقتحموا المنازل وساقوا شبابها كما يسوق الراعي القطيع مشهد خبرته بأم عيني
من نافذة المركز... اعداد كبيرة من شباب المخيم وشيبها مربوطي الايدي بخيوط بلاستيكية معصبي الاعي ن بخرق مخططة،ص فوف طويلة يتقدمها جنود الظلم والظلام والاسرى يسيرون بخطوات متعثرة وسط بنادق تضربهم بكعوبها تستعجلهم المسي ر… وسط الخوف والرجاء انسل احد الشباب هاربا في احد زقاق المخيم.
لم يسلم بيتنا من الفساد الذي عاثوه في المدينة،ولم يسلم اخوتي من الاعتقال… بعد مضي يومين قضياه
في معسكر عصيون اطلق سراحهم،حاملين معهم رسالة شفوية تحمل في طياتها تهديدا باعتقالي وانني مهما هربت،فسوف يلقون القب علي لاغلاق ملفات كثيرة مفتوحة…، لم اختبئ كما يدعون،ولم اعتبر نفسي مطاردة،...تابعت عملي في المركز وفي استقبال المرضى مع الطاقم الطبي.
عادت الأصوا ت سيدة المكان،وعادت اذناي لمهمتهما …لا بد انه صوت شاحنة عسكرية تتوقف ثم صوت الجرس،…تتكرر الصورة…باب يفتح،باب يغلق،اقدام تقترب محدثة ضجة …، أصوا ت اغلال،فهمت من حديث احدهم انهم قادمون من محكمة بيت ايل، …عدت للاسترخاء وعادت الصور تتزاحم مرة أخر ى … صورة والدتي التي كانت تجهز كميات من الطعام ترسله لجميع من في المرك ز... طعام
بهاراته التسبيح والاستغفار ونكهة دعائها المميز "نور وسرورعلى قلوبكم "…لم تمنعها خطورة الطريق من ارسال ابناءها لحمل الامدادات وايصالها للمرك ز…المقاومة جزء من تركيبتها فهي ام الشهيد واخت الشهيد وهي تربت على قصص المقاومة الحية التي رأتها في اخوالها وزوجها
ها هم قد اطبقوا الحصارعلى كنيسة المهد ومن فيها لم يراعوا حرمتها قنصوا كل من رصدته كاميرا
التجسس المحمولة في بالون ابيض محلق في فضائها.... فرضوا حظر التجوال على المدينة وما حولها
لفترة استمرت أرب عين يوما،... رائحة الموت فاحت في كل مكان،... لم يسلم الامنين في بيوتهم من ضلالة سلاحهم فها هي امراة عجوز وولدها قد استشهدا بزخات رصاصهم الملعون الى يوم القيامة وهم في عقر دارهم.
هذا ما اعلمتني به نافذة الزنزانة،تيممت،ووجهت وجهي للصلاة،...في ظل أبوا ب …الليل ارخى سدوله،
ودروب الاحتلال المغلقة فتح لي ربي بابه، واطلق لساني وقلبي في رحابه …ربي اني قد وجهت وجهي
اليك اسألك الثبات،...ربنا افرغ علينا صبرًا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين،... ربنا لا تزغ
قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة أنك أنت الوهاب،...اللهم أنت الرفيق حين ينفض عنا الخلان،
وانت المؤنس حين نستوحش الطريق،...اللهم انك اكبر من ان تقاس او تدركك عقول الناس ولكن بكرمك
قلت وقولك الحق لم تسعني ارضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن، اللهم لا اعلم ان كنت
مؤمنة كما يجب، ولكن اعلم انني احبك واستشعر معيت ك، واطمئن بها، فارض عني ورضني....اللهم اربط
على قلب امي كما ربطت على قلب ام موسى،... اللهم اني اسألك ان تحفظ إخوانن ا المجاهدين،...كن لهم
رفيقا ومعينا،كن معهم ولا تكن عليهم...اسدل عليهم ستار رحمتك وخذ ابصار اعدائه م عنهم،...ربي خرجوا لا يبتغون سواك فلا تردهم خائبين،...اللهم صل على حبيبك واكرمنا صحبته يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم، يا الله …يا الله…يا……………الله … تلذذت بالدعوات ولامست الطمأنينة قلبي... انتزعت سياج الخوف الذي أراد العدو لفه حولي ربي لا أعلم ماذا يحمل غدي لكن أحتسب خطواتي وأنفاسي لوجهك، فلا تطردني من ظل رحمتك. فتحت السجانة طاقة الباب،...نادت تعالي خذي الاكل،... لا جواب عندي فانا بين يدي ربي… صليت ما شاء الله لي أن أصلي... تذللت بين يديه وأنخت الى جناب بابه،تسربلت بثوب رحمته،ثم سلمت عن يميني وعن شمالي… …،
ماذا تفعلين؟..فاجئتني المجندة بسؤالها كنت ظننتها قد ذهبت
اصلي صلاة المغرب.
ماذا يعني ذلك؟
يعني اصلي لله…"لم تكن نفس المجندة التي شاكلتني صباحا،يخيل الى انها من اصل روسي".
نحن نصلي خمس صلوات في اليوم … لا نتركها أينم ا كنا،نشحن ارواحنا التي نفخها الله من روحه في ادم عليه السلام نعبئ البطارية بهذه المحطات الخمس…،"لم يكن الحديث معها سهلا كونها لا تتقن اللغة العبرية أيض ا "
انت من المهاجرين الروس؟… سألتها... ردت بالإيجا ب
يهودية ام مسيحية؟
 ارتبكت قليلا- ثم اجابت يهودية…
قلت لها عام 1992 قامت إدارة السجن بعزلي الى مركز توقيف الجلمة"في حيفا"مع الجنائيات، التقيت بسجينة من أوكراني ا،...كانت تسألني كثيرا عن صلاتي،...اعترفت لي انها مسيحية ولكنها ادعت انها يهودية كي تهرب من ظلم روسيا، استغلت عدم كتابة الديانة في بطاقتها.
انت تكرهين اليهود؟…غيرت دفة الحديث.
انا اكره الظلم... الاحتلال ظلم كبير …الاحتلال ليس اليهود فقط بل يشمل من مهد لهم الطريق،
…بريطانيا ساهمت في ذلك...واليوم أمريك ا …انتم في الاتحاد السوفيتي كنتم تدعمون القضية الفلسطينية وتدعمون ثواره ا، لكن بهجرتكم دمرتم كل شيء… اصبحتم عونا للظلم
نحن جئنا للأر ض التي وعدنا الله بها…
)لسه الك في القصر من إمبارح العصر (علقت ضاحكة...
"شو يعني "?
يعني هل تعرفين الله…هل مارست طقوس الديانة اليهودية؟…
لا... انا لا أومن بالدين؟
اذا كيف تؤمني بوعد من لا تؤمني به؟!
جرس الازعاج يرن،وضعت صحنا على الطاقة...، قالت سأعود لك مرة أخرى
استندت على الحائط …استطعت الوصول للطعام،أظن أن الآم جسدي قد خفت وطئتها... رأ سي مازال يحبسه الالم،…الصحن يحوي ملعقة لبنة وشريحتي خبز، حملته وعد ت للفراش...عادت المجندة لتكمل حديثها
انا لا اشعر بوجود الله فكيف أؤمن به…
قلت لها هذه مشكلتك... ولكني اشعر بوجوده في كل شئ... شريحة الخبز تلك أشعر به فيها …اشعر به في يدي التي تمسك الخ بز وباصابعي التي تناولت بها لقمة اللبنة،يملأني وجوده في الشفتين التي التقمتاها،بأسناني التي قطعتها،بلساني الذي حركها ورطبها وهيئها للبلع …ببلعومي الذي استقبلها …بالمريء الذي أنزلها بهدوء الى المعدة،...كل حركة واكبت اللقمة ختمت بختم وجوده،فكيف لا أشعر بوجوده.
لكن أنا أنظر الى الموضوع بشكل عادي.
عندما تفقدي قدرتك على الاكل، هل سيكون عادي؟! …جربي أن تنظري اليه بطريقتي…
طيب هل الله يطلب منكم تكونوا مخربين وتقتلوا وتفجروا حالكم؟…
وهل الإنسانية تطلب منكم استلاب أرضا غير أرضكم،...تهجروا أصحابها...ثم تستقطبوا آخرين كي يسكنوها كما حدث معك،جئت من بلاد بعيدة…
كيف بتقدروا تفجروا حالكم؟! !
الاوكرانية التي التقيتها في الجلمة حدثتني عن صديق لها،... كان قد ذهب ليقاتل في أفغانستان مع الجيش السوفيتي،...قالت ان الحكومة ضحكت عليهم عندما أوهمتهم انهم ذاهبون الى بلاد متخلفة بقصد مساعدتهم على التقدم والتعلم والعيش بسعادة،…حدثتني عن صديقها الذي تفاخر بما فعله وأصدقائه في الجيش مع مواطن أفغاني كان اسير ا لديهم...فقأوا عي نيه باسياخ الشواء... قطعوا يديه ثم اذنيه،ثم لسانه ثم قاموا بقتله...، قالت لي أن ما أخبرها به صديقها كان سببا في تغيير نظرتها إتجاه الحرب فمن يفقد إنسانيته لا يستطيع أن يكون رسولا للخير، وأنها تنبأت أن ذلك سيعود عليهم بالويل،....قالت أيضا انها شهدت جنود عادوا من أفغانستان وقد تحولوا الى مافيات دمرت أمن السوفيات…وقالت إن صمود الافغاني دلها على حقيقة الظلم الذي ستكوي نيرانه بلادكم
نعم هذا ما شهدته أيضا في بلادي... عقبت السجانة
أكملت حديثي،...تأكدي أن ما أجبر الفلسطيني على الاستشهاد هو حجم الظلم الذي وقع عليه، العمليات الاستشهادية،ما هي الا نوع من أنواع الأسلحة التي أستعملها أمام همجية الاحتلال،من اجل إعادة حقوقه المسلوبة - ولكن بإمكانكم أن تعيشوا بسلام …
لا بد انه سلام شارون الذي تغنى به في دعايته الانتخابية... قلت ضاحكة…هل تعلمين... هناك عدد من الفلسطينيين لا هم لهم سوى انفسهم،...لا يقارعون الاحتلال... ولكن... هل تركهم شرره؟ يكفي ان يذهب المرء من بيت لحم لرام الله لتذيقه الحواجز المنصوبة بأيديكم الذل والمهانة. فجأة... وجهت الحديث لوجهة اخرى
هل تعلمي انه مختوم على ملفك بالاحمر وانك خطيرة جدا؟
ضحكت…اعلم ذلك،فكلما نقلت من سجن الى اخر كنت اسمع نفس الملحوظة،وعلى إثرها يتم اتخاذ إجراءا ت مشددة في التعامل معي.
وهل انت خطيرة فعلا؟…
اكتفيت بابتسامة،...قلت لها أريد ماء، فمنذ الصباح لم أحصل على شربة ماء
قالت سأبحث لك عن قنينة أحضر بها الماء.
أغلقت المجندة نافذة الباب،...لم أمني نفسي بالحصول على الماء،... فمثل هكذا نقاش غالبا ما يكون
ترتيبه من قبل المخابرات... هم يسعون للحصول على معلومات قبل ان تبدأ جولات التحقيق ويسعون لتغيير وجهة نظرنا تجاههم... فكما يسعون لتغيير وجهة نظرنا اتجاه الاحتلال،علينا ان نسعى لتغيير لا “وجهة نظرهم اتجاه المقاومة … مقاطع مبعثرة من قصيدة احمد مطر خرجت من عالم اللاواعي تهاجر… انت مقتول على كل المحاور …كل ما حولك غادر…لا تدع نفسك تدري بنواياك الدفينة…وعلى
نفسك من نفسك حاذر……"
اذان العشاء القادم من بعيد امتز ج بصوت حبات المطر التي تخر راكعة لجلال عظمته،كلاهما احدثاجرسا تراقصت عليه دقات قلبي وارتعشت مسامات جلدي، …كم كان اليوم طويلا، لو سابقته السلحفاة لسبقته وفازت عليه…يزداد الإحساس رهافة لكل همسة وكل حركة ويزداد تلمسه لشفاء ما في الصدور
عجلة الحياة في الخارج تصنع حاجزاً على قلوبنا...تفقدنا نسبة كبيرة من دقة إحساسه…، لم تعد السجانة بالماء،كنت أعلم ذلك
إذاً لأصلي العشاء لعلي أستطيع سرقة بعض الراحة،إستعداداً للقادم… توجهت لبابه، أرحنا بها يا بلال،ما
أجملك حبيبي سيدي أبا القاسم لم أفهم مشاعر الراحة التي تحدثت عنها،...الآن وفي لهيب المصيبة فهمت مما تحدثت به،…كنت أصلي كل يوم...، لم أجد الراحة فيها كما الآن، آه سيدي،هل كانت كل أوقاتك
درب من الآلآم فإختار ربك أن تبني إستراحتك في الصلاة،...أرحنا بها يا بلال ونحن لم نذق شيئاً مما
ذاقه الحبيب،...حبيبي يا رسول الله حق لك أن تعيش الآلآم ففيها اللحظة الأقرب إليه سبحانه وهل هناك من
هو أحب إليه سبحانه منك…إلهي وسيدي ومولاي هل تفتح لي فرجة من بابك بصبري حباً فيك؟...هل
ستنظر إلي بعين رحمتك وأنا المفتقرة إليك،... أتوسل بك إليك أن ترضى عني ولا تطردني من على باب رحمتك …تيممت…صليت… وتوسدت الفراش،شممت رائحة الدثار وسمعت دعاء أمي يسبق دعائي اليه.. بكيت… فرحت …ونمت.
أصوات صراخ وشتائم... أقدام كثيرة أسمع وقعها على الأرض الخاوية كاشفة الأسرار،...لا بد أن
هناك وجبة جديدة حصل عليها خفافيش الليل،…كم من الليل مضى،لابد أنه تعدى منتصفه،هكذا تعودنا
عليهم … صوت طفولي يرد على سؤال الجندي إسمي محمد …عمري عشر سنوات …من الخضر…… حسبنا الله فيهم،... كيف سولت لهم أنفسهم بإختطافه من حضن والديه، ماذا سيكون حال أمه؟...هل
ستستطيع التصالح مع فراشها؟!،هل ستطيق روحها جدران بيتها؟! ماذا فعل هذا الطفل ليستحق إفزاع
غفوته،وسلب دفئه؟! تمنيت لو أستطيع إحتضانه لعلي أزيل برد كانون عن قلبه، …إقتربت من الباب
لعلي أمده ببعض السكينة كما أحيا في الأمومة النائمة…صرخت أريد ماء لم أشرب منذ الصباح،…كنت
أعلم أنه لن يستجيب لي فلم يكن الماء وجهتي،...بدأ يصرخ ويشتم وأنا لا أتوقف عن الطرق على الباب،أريد ماء…الله معك حبيبي…أريد ماء…أنت بطل حبيبي … أريد ماء…أبناءنا كبروا قبل أوانهم… أريد ماء…هؤلاء جبناء أريد ماء نفذ صبري أحد الجنود، فتح طاقة الباب …)مفيش مي سكري تمك،روحي نامي يا بنت ز……يا (……
لم تفشل محاولتي،رأيت طفلي الصغير، الأسمر..عيناه عينا عقاب أذبلهما النعاس كان ينظر إلى ناحيتي وكأنه يقول لي وصلت رسالتك أمي،...بجانبه وقف طفل آخر ربما يكبره سناً أو هو أطول منه قليلا
،…هدأ قلبي قليلاً فقد رويت ظمأي من وجههما أغلق الطاقة وبقيت واقفة بجانب الباب لعلي أسمع صوت أنفاسهما،لم يكونا وحدهما.
سمعت السجان يخلي الزنزانة الملاصقة لزنزانتي ويضعهما فيها …بياض النهار انسلخ من سواده وهم ما زالوا يتعرفون على هويات المعتقلين،وما زالت هناك أبواب تفتح وأبواب تغلق.
لم أستطع سماع صوت آذان الفجر،... لأول مرة أسابق الزمن في الزنزانة كي لا تضيع مني الصلاة …مفارقات عجيبة يصنعها الزمان والمكان … شتت هؤلاء الأطفال تفكيري...لكنهم أخذوا حصة كبيرة من دعائي.
هدأت الأصوات وعاد سكون اللاسكون … إرتميت على الفراش الوتير الذي يحتل نصف مقصورتي …أحيانا كثيرة نطلق الكلمة المضادة للمسميات تخفيفاً من وطأة عذابها،...نوع من الحيل الدفاعية التي
وهبها الله لعباده … أذكر عندما إتهمنا بخنق السجانة عام 1988 وضعوني والأخت إيمان نافع في زنزانة فتحوا في بابها فتحة من الأسفل، كانوا يدخلون الطعام من خلالها،إستشطت غضباً... يعاملوننا معاملة الكلاب، …بكل هدوء ردت إيمان أنا أرى الصورة مغايرة،هم ينحنون لنا إحتراماً عندما يقدمون لنا الطعام …ضحكت... من يومها بدأت بتسمية الأشياء كما تحلو لي لا كما يريدون.
أخيرا لاح صباح اليوم الثاني، ترى ماذا يخبئ لي بين ثنايا أثوابه،... أصبحنا وأصبح الملك لله، مهما خبأ فالملك لله وحده. فتحت السجان الباب،معها جنديان كل يتمنطق بسلاحه: -
يلا يلا قومي بسرعة
إلى أين؟
يلا بدون سؤال...
أريد قضاء حاجتي، وأريد أن أشرب… وبعد جدال فيما بيننا ذهبت وأجرت مكالمة … عادت وقالت ماشي تعالي للحمام لكن بسرعة…
أريد شيئا ألبسه في قدمي...
مفيش
وكعادة هذه الأماكن، تكثر الضرورات وتستباح المحظورات... خرجت أجر نفسي لأصل بيت الراحة
،...ساعدتني حركتي البطيئة على استكشاف المكان،....فعلاً لقد كان هناك باباً مجاوراً لباب زنزانتي، أمامهما المساحة التي تمثل غرفة الإستقبال....، ولجت بي ممر ضيق...عدة أبواب على جانبيه تصدر منها أصوات عربية تدوي كخلية النحل،...لا بد وأنهم يزجون أعدادا كبيرة في الزنزانة الواحدة...أفضى
الممر الى ساحة صغيرة جداً أمامها كوخ خشبي صغير وآخر كبير، فإذا به مكان قضاء الحاجة...ولجته فإذا أرضيته مغمورة بماء النجاسة أردت إغلاق الباب...، رفضت،...وأنا بدوري رفضت إستعماله إلا بعد
إغلاق الباب الذي هو أصلاً عبارة عن ألواح خشبية بينها فراغات تسمح لمن في الخارج التلصص على من
في الداخل،…أمي تسميه بيت الراحة ولكن أني تأتي الراحة والسجانة تطرق الباب وتستعجلني وقدماي تغرقان في المياه القذرة، والبرد الذي قص عظام جسدي،…لم أعلم أن البراز يضرب عن الخروج إلا
ذاك اليوم،...يهديك يرضيك ساعدني على التخلص منك، الا انه ابى ان يفارقنى دون ممارسة طقوسه
الخاصة في الإسترخاء،...إضطررت لمغادرة الحمام والصبر على الآم بطني على الله يجعل لي مخرجاً،...مغسلة يغلفها السواد لا تستطيع تمييز لونها الأصلي وضعت ما بين الكوخ والزنازين،...فتحت
الصنبور... تدفق الماء - وهذه ميزة لا نراها في بيوتنا - فماءنا تسرقه مستوطناتهم- غسلت وجهي ويداي....شربت ما قدره الله لي تحت وطأة برودة الجو وبرودة الماء،... ولجنا نفس الممر،ونفس الصالة
،...لكنها عرجت بي شمالا.... فتحت الباب لامست عيناي ضوء النهار الذي خففت من حدته تلبد سمائه بالغيوم،…كانت قد قيدت السجانة يداي وقدماي،… بقدمين حافيتين صعدت درجات كنت قد خمنت عددها سابقًا،...القسم لاح لي من الخارج، بيوت مؤقتة متراصة "كرافانات "يحيطها سياج كثيف،...جندي فتح البوابة ذات الصيت السيء في الازعاج،ثم أغلقه خلفنا وبقي رهينة داخله،... السجانة وإثنين آخرين رافقا
موكبي على الشارع،...أين ما وجهت وجهي أرى أسلاك تم زراعتها في كل مكان، أبراج حديدية عالية تحمل طبولاً كبيرة، …صرخ أحمد مطر ساخراً ألم أقل لك
"إمضي إن شئت وحيداً…أنت مقتول على أية حال…سترى غاراً…فلا تمشي أمامه…ذلك الغار كمين…يختفي حين تفوت…وترى ألغاماً على شكل حمامة…وترى آلة تسجيل على هيئة بيت العنكبوت …تلقط الكلمة حتى في السكوت "

لم يكن الطريق طويلاً،لكن في ظل البرد،ومعانقة القيد، ووهن الجسد،كان شاقاً…عبرت السجانة بي مبنى جديد هو أيضاً من البيوت المؤقتة لكنه مرتب،...يلفحك دفء المكان منذ اللحظة الأولى لولوجك فيه،...
مكتب مليء بالاوراق والملفات يجلس خلفه رجلاً بملابس مدنية،..يبدو هادئاً،...في مرحلة الكهولة، ملامحه شرقية، … أهتم كثيراً بالإنطباع الأولي لما أراه،...لابد أنه المحقق،...طلبت السجانة مني
الجلوس على بنك خشبي … الرجل يقلب أوراقاً ويفتح ملفاً تلو الملف يدخن السيجارة تلو السيجارة،...لم يلتفت نحونا وكأنه لا يعنيه أمرنا،....مر قليل من الوقت دخل رجل آخر يلبس اللباس المدني طلب ملفاً أشار بوجهه ”هذه...كلها لها“،...أراد البحث في الملفات التي على الطاولة،...قال الرجل الجالس
...قام إلى خزانة بجانبه تناول ملفاً دون أن ينظر إليه وأعطاه إياه…، تمثيلية مكشوفة تستهدف حرق
أعصابي،قلت لنفسي،…إنتبهت لعرجة في رجله …إذاً لألعب معه نفس اللعبة، ركزت نظري على رجليه،إرتبك …بدأ الهدوء يفارقه، وبدا التوتر يظهر في حركة يديه وإرتجاف سيجارته،…لقد نلت منه،حدثت نفسي … طلب من المجندة أن تفك قيد يدي،جلست على الكرسي الملاصق للمكتب،
عطاف كيف حالك
الحمد لله على أحسن حال
أحسن حال؟
نعم على أحسن حال
عطاف أنت ملفك صار كبير … لم أجب
شايفة هذه الملفات كلها إعترافات عليك
هذا دليل على أنه ليس عندي شيء لأنه لو وجد إعتراف حقيقي لكفاكم كل هذه الملفات
"برافو"شاطرة كثير
الموضوع لا يحتاج الى شطارة
طيب خلينا نشوف… أنت تنتمين للجهاد الإسلامي …
واو معلومة خطيرة-علقت- لكنها ليست جديدة،أمضيت بالسجن عشر سنوات تحت هذه المعلومة
ولكنك مازلت جهاد
الجهاد ليس معطفا أخلعه …هي فكرة اختلطت في دمائي مثلما اختلط حب العجل في قلوبكم كما وصفكم الله تعالى)واشربوا في قلوبهم العجل.
اذا أنت ما زلت تشتغلين في حركة الجهاد
حب الجهاد لا يعني أنني ما زلت اشتغل في حركة الجهاد هي فكرة أؤمن بها،أؤمن بالصراع بين الحق والباط ل
يعني قصدك الصراع مع اليهود.
يعني أنت عارف أن وجودكم هنا باطل
عطاف أنت ما زلت تمارسي العمل. في حركة الجهاد -فتح ملفاً آخر- وقال) ع.خ (جاء يطلب منك مساعدة في ملف القدس
طيب...والنتيجة
انت اخبرته لا دخل لك في ذلك
إذاً ما التهمة هنا؟!
لماذا يتوجه إليك لولا علمه بنشاطك في الحركة.
عندنا مثل عربي يقول "صيت الجمل قتله"، أنا قضيت في الأسر عشر سنوات... لا دخل لي بالناس التي تظن أن لي مكانة تجعلهم يتوجهون إلي.
لكن المدعو)خ.ب (قال إنك كنت نشيطة في الجامعة وقمت بإعطاءه مجلة للجهاد وأنك كنت مرشحة للانتخابات عن الحركة
لم يحصل ذلك.
ها هي صورتك وأنت تلقين خطاباً في الجامعة أثناء المناظرة.
خطاب طلابي ليس له دخل بالفصائلية.
المدعو) س. ن (إعترف أنه طلب منك عروس.
ضحكت،...وماذا في ذلك رجل لا أعرفه كان في الجامعة... سلم علي وطلب مني أن انتقي له عروس،...قلت له لا أعرفك، ولا أستطيع مساعدتك في ذلك.
إنت بتتخوثي؟
والله هذا ما حصل.
أصبح يغلق ملفاً ويفتح آخر ويسأل … فجأة؟ قال
أنت ولا إشي …أصلاً إحنا حققنا معك هون لانك ولا اشي..،.الملفات الصعبة يتم التحقيق فيها في المسكوبية…
قلت في نفسي - بدأ دور التحقير مرة بيرفع ومرة بوطي لا بد أن القنبلة قادمة –
صدقت أنا ولا إشي عندي.. ها أنت قد وصلت للنتيجة نفسها
أنا قلت أنك أنت ولا إشي ولم أقل ما عندك اشي
خبصنا نبلش)مقصودة (
انت رئيسة مركز الدوحة الجراحي
) آه بنزل في قيمتي حتى أتفاخر فيلم محروق (قلت في نفسي
نعم أنا رئيسة المركز
أنت متهمة بمعالجة المخربين المطلوبين في المركز
هذا مركز جراحي يقدم خدمة علاجية لمن يحتاجها، وأنا لست محققة لأحقق في هويات من يطلب العلاج حتى لو كان يهودي
أنت كنت تخفي مطلوبين في المركز.
هذا غير صحيح،المركز مفتوح للجميع ممن يحتاجون علاجا ليس ا لا
المركز قام بعلاج مطلوبين مصابين
نعم عالجنا مصابين لكن لا يهمني ان كانوا مطلوبين او غير ذلك،هذه رسالة إنساني ة لا دخل بهوية المري ض.
لم استطع كبح جماح فكري الذي شرد لتلك المرحلة العصيبة،...قفزت صورة مروان إبن الستة عشرة عاماً،قنصوه،...إرتمى على الأرض يتلوى،...شاهده المدير الإداري للمركز،...غامر بنفسه حمله للمركز
،...الجراح المناوب شخص حالته... الرصاصة كانت قد دخلت من جنبه ولعبت لعبتها في أحشائه
وإستقرت في جسده....أدخله الى العمليات بعد الإتصال في أهله والحصول على موافقتهم،.... كانت احشاءه ممزق ة،اضطر لقطع اجزاء كبيرة منها،...لولا عناية الله لكان في عداد الاموا ت
رائحة الدم زكمت أنفي لمجرد إستعادة مشهد الشاب محمد سعيد،نافورة حمراء في فخذه،أتوا به أصدقاءه،سيل من الدماء لا ينقطع غسل نفسه وأصدقائه به.... العملية إستغرقت أكثر من ساعتين عظام الفخذ كانت قد تهشمت،...نجا باذن الله... إثنين من اصدقاءه -الذين أنقذوه –اعلن عن خبر إستشهادهم بعد اقل من يومين من إنقاذه.... الصور كثيرة،وهذا القرد قام بالجريمة ويريدنا كما قال أحمد مطر.. يشتمني ويدعي أن سكوتي معلن عن ضعفه،...
يلطمني ويدعي أن فمي قام بلطم كفه،... يطعنني ويدعي أن دمي لوث حد سيفه،
أفقت من شرودي على صوت طرق الطاولة بيده…
اه…ما بدك تحكي…
عن شو احكي…أنت انسان ذكي عرفت إني ولا إشي…
انت)عرموميت (
شو يعني مش فاهمة ما إنت كنت تحكي عربي منيح
أنت تجمعي النساء وتزورين بيوت المطاردين،وتشاركي في جنازات المخربين، وتزورين أهالي الاسر ى
طيب!
أنت عارفة هذا ممنوع...هذه جريمة يعاقب عليها، أنت بتشجيعهم
ممنوع من مين؟!
من دولة إسرائيل ونعاقب عليه
إنت ممكن ان تعاقبني، لكن لا تستطيع أن تمن عني،لأن هذا يشكل جزءاً من قناعاتي الدينية التي حثنا عليها ديننا
”راح يجيب راسي في الأر ض "لم يكن اللقاء بالطويل ولا بالقصير لكنه انتهى بالتوعد والتهديد بإنه وكما قيل ذكرني فوك حمار اهلي (فقد ذكرني تهديده بألم رأسي... طلب من المجندة إعادتي للقسم بعد إعادة وضع القيد في يدي)
خطت قدماي على صوت ابو دجانة لا يا أخي فلا تقل ها قد خبا صوت النضال …فصراعنا كر وفر وانقضى دوما سجال
النفس الإنسانية غريبة... ففي ظل كل هذا الألم تهديك فسحة للغناء واللحن....كأنها تعيد التوازن
فيها...أعلم ان الصراع لم ينته وأنه من الممكن أن تكون هناك جولات أخرى من التحقيق، وأساليب أخرى يتم استخدامها... جعبتهم لا تنفذ من الأساليب القذرة...ما يهمني أن لا ينقطع حبل الوصل بيني وبينك ربي
...
من نفس الطريق عدنا،...الشمس أرسلت اشعاعتها الواهنة،لتخفف من حدة البرودة في الخارج …المجندة تستحثني، كي أمشي بسرعة، وتدفعني لذلك وأنا أعاند كي أتمتع بإستنشاق الهواء النقي الذي لم يتلوث رغم إختناقه بهذه الأسلاك الشائكة.
وصلنا القسم،...المجند فتح البوابة بعد أن دقت الجرس… على يمين الدرجات كانت مساحة صغيرة محاطة
بالشبك، قد وضعوا الأطفا ل بها،... إنشرح صدري برؤيتهم… كيف حالكم خالتو... شدوا حيلكم … انتم ابطال،... أجابوا ما تخافيش يما …دفعتني السجانة إلى الداخل وهي تصرخ ممنوع الحكي … لم اعرها
اهتماما …طالبت الدخول للحمام … حاولت منعي لكني ولجت الممر فاضطرت للحاق بي وسط سيل من
الشتائم، … وكما السابق بدأت بالطرق على الباب والحث على إستعجالي للخروج، … قلت لها شكرا على الموسيقى الجميلة.... ممكن أعلى شوي،…جوابها كان سيل من الشتائم …قلت أغنية جميلة صوتك حلو.
إستطعت خداع بطني لإفراغ حمولته …أريد ورق …لا يوجد ورق… اذاً سأبقى هنا…قذيفة شتائم خرجت مبتسمة قلت لها الان العيار الثقيل…صرخت على المجند كي يجلب ورق الحمام الخاص بها…أستطيع القول انه بيت راحة…وعلى المغسلة المسحوب لونها توضأت… عدت لمقصورتي... فرغت غضبها في الباب …مسكين أيها الباب ظلمت بين أيديهم...كيف لا تثأر لنفسك
المقصورة تنتفض برداً، قدماي تشاركها مشاعرها،...كلاهما عاريتان،…كم إنقضى من النهار لا أدري،
لا بد أن وقت الظهيرة قد خرج... توجهت للصلاة بعد أن خمنت موقع غروب الشمس اثناء رحلتي القصيرة، …حاولت أن أضبط بوصلة قلبي نحو ربي،لكن تشتت فكري... التحقيق وبرودة جسدي،افشلا الوصل مع الحبيب،…كم هي المشتتات التي تحرمنا برد الوصل في الصيف ودفئه في الشتاء
انهيت صلاتي... تدثرت بدثار امي لعلي أستعيد بعضا من دفء قلبي...فلربما أستطيع أن أكمل وردي من التسابيح والإستغفار … اليوم الخميس أول يوم من أيام السنة الجديدة سنة 2003...اللهم اني اسألك خيرها وخير ما فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها،شيطاني يوسس لي وأي خير فيها وأنت رهن الاعتقال… ربي علمتني أن الخير أحيانا كثيرة يكون محمولاً في رحم الشر كما اللؤلؤة في رحم المحارة …لم أجد في حياتي يفوق الصراع مع الوسواس الخناس عندما تتناغم النفس الامارة بالسوء مع وسواسه…
نشر الليل أجنحته وأعلن صوت الاذان سيطرته على القلوب المحتاجة اليه،الله اكبر انا هنا...الله اكبر لا
اله الا انا... الله اكبر والعزة لي ومن على درب عزتي مشى …سكن قلبي وهدأت الأصوا ت المتصارعة
في رأسي... وقفت بين يديه...شكوت بثي وحزني اليه... والى امي واحبابي دعوت اليه... قلبي بحبه طار اليه...فلا مفر منه إلا إليه …احضرت السجانة وجبة العشاء بعد ان فات قطار الصباح والمساء، الا إنه لم
يكن لي رغبة فيها تمنيت لو كنت قد نويت الصيام

ليلة الجمعة خفتت الأصوات العبرية،وعلت الأصوات العربية،الشباب يتحدثون مع بعضهم البعض يتعارفون، …يصرخون محمد مين عندك اليوم؟… إعتقلوا فلان وفلان و… الله يقويهم وانا حضر عندي
فلان وفلان وفلان و …أب و الشباب سمعنا صوتك، …يصدح صوت حزين يزيده المكان حزنا "ملعون بيه السجن واللي حدد بوابه…محروم شم الهوا ومفارق حبابه "…
وبدأت الأغاني تتنقل من سجين لاخر دون أن يخرج نطاقها عن السجن وكأننا محبوسون بكلماتنا … هذا يغني سجان ابوك يا سجن … وذاك يغني غريب الليل عن سجني والاغرب إنه النسر يقع في سجن الغراب قد تملك سوطا يكويني وتحز القلب بسكين…قد تجعل غلك في عنقي (،…لم ار نفسي إلا وبدأت أترنم وتحاول قطع شراييني … وتصادر شعرا اكتبه بشمالي ان عز يميني… لكن لن اخضع في يوم للظلم بضعف اولين… (
اطفالنا"…يخرجهم منه…يمد لهم حبلا من الوصل الكاذب "يتسلل الضابط المناوب لعرين الأشبال
…يمازحهم ويروي لهم النكات السمجة …يسألهم أ ي الفريقين يحبون يحرضهم على الفريق الاخر…يستجوبهم دون الإيحاء لهم بانهم في موقع استجواب…فهو العدو اللطيف الظريف الذي يقدم لهم
ألواح الشوكلاتة … يتحدث محمد عما أخرجه لساحة المعمعان وقراره وصاحبه في صنع قنابل المولوتوف وإلقائها على العدو…يتحدث عن أمه التي ذهبت ضحية قذائف مدفعياتهم الهوجاء …دمرت بيتهم وحرمته
حضنها الدافئ …قطعت شريان حياتهم … هذا الطفل خرج لينتقم لطفولته التي داستها شريعة الغاب التي
لا وزن للإنسانية ولا للعدالة عندها…واه على قلب الصغير شاخ قبل أوانه يتحدث بصوت رزين وكأنه خبر الحياة،… هل سيستطيع النجاة من حبائل الشيطان،التي يمارسها زبانية المعسكر لإسقاط شبابنا في وحل العمالة ووحل الرذيلة…كم من الأشخاص اعترف عن بداية سقوطه التي كان مقرها ومستقرها هذا المعسكر اللعين…
غاب يوم الجمعة جارًا اذيال السبت الثقيل على قلب الأسرى …شقائق النعمان تفتحت مع فجر الأحد،بوابة العبور فتحت …شاحنات تأتي لتفرغ صيدها، وأخرى تفرغ معدة المعسكر لتنقلها إلى محطات عبور أخرى …كل أسير يحمل في صدره همومه وأسراره… يصارع نفسه وعدوه لتبقى أسراره في صدره… منهم من
ينجح ومنهم من يحمل الآم الإعتراف طيلة حياته… تعذيب ضميره لا ينفك عنه، ومنهم من يسقط في
وحلهم حتى لا يعرف أباه ولا أمه…والأيام تتتالى …محكمة مددت التوقيف… وحذاء إشتمت قدمي رائحته
بعدعشرة أيام من الأسر عله يعالج بردا يخر فيه …طعام تعافه النفس يتكرر تقديمه للأسرى منهم من
يسكت به جوعه،... ومنهم من يعرض عنه رغم صرخات أمعائه…معاناة قضاء الحاجة لم تنتهي، فكل يوم
ملحمة تسطر من أجل الحصول على هذا الحق البسيط …يقترب عداد الأيام من الشهر مع إندهاش المحاميين من إستمرار بقائي في هذا المعسكر اللعين،فما خبروه من عدم بقاء المعتقلات لأكثر من يومين
او ثلاث … العروس التي سألني عنها المحقق تبين انها تشير إلى سيارة مفخخة...مصطلح يتم تداوله في
ظل العمليات الإستشهادية…ضحكت على نفسي الجاهلة … الوالدة كانت خاضت صراعا مع الجنود الذين
كانوا قد أتوا لإعتقالي حيث دفعت إحداهن أوقعتها عن الدرج…وكانوا قد أحضروا رجلا ملثما ليؤكد لهم
أنني المقصودة بالإعتقال بعد أن إمتنع إخوتي من الإفصاح عن إسمي حيث أيقنوا أنني لم أعرف عن نفسي…كانوا قد حملوني على حمالة الموتى أخذوا يهرولون جريا وضعوني على أرضية السيارة العسكرية هربا من غضب والدتي وصراخها وهجومها عليهم…
لم يكن هناك مناصا من إخراج ورقة الإضراب عن الطعام فهي الورقة الرابحة دوما عندما يتحدد وقتها المناسب، …ثلاثة أيام من هذه الوصفة كانت كافية لإغلاق ملف الإعتقال في هذا المعسكر ليبدأ
فصلا جديداً من فصول الصراع في مكان آخر هذا نحن وهكذا سنبقى حتى ننتصر أو يأذن الله بأمره.

تم بحمد الله

الاسيرة المحررة اريج عروق
من مدينة جنين –
تم اعتقالي على حاجز حوارة مدينة نابلس _
تاريخ اعتقالي 28/7/2003 وتاريخ تحرري 24/5 /2007
كنت طالبة في جامعة النجاح في كلية الفنون الجميلة

نتوءات عفنة

كان السؤال يدور في ذهني أين نحن وأين يأخذني بقيودي في هذا المكان المظلم،هل نحن تحت الارض بدأ الخوف يدخل الى قلبي وتفكيري توقف.
ممر طويل مليء بالصمت حولي أبواب بنية اللون صدئة شاحبة كأنها عمالقة مرضى، مرت عليهم السنين و قسوة آلام غير منتهية، وبدأت الافكار تراودني بلا رحمة، والقلق والدهشة يسيطران على أحاسيسي ترى ما الذي يدور خلف هذه الأبواب من هناك وماذا هناك؟
صوت القيود تزحف خلف خطوات أقدام الشرطي والصمت المسيطر على المكان يوحي بإنهماك من يتسمع، ربما يضعون أذانهم خلف هذه الأبواب ليستمعوا الى صوت الخطوات والسلاسل وربما أقدام باتوا يعتادون على سماعها.
توقف سجاني فجأة، وأخرج من جيبه عدة مفاتيح اعتقدت أنه سيقوم بتجربة المفاتيح جميعها لكثرتها فوضع المفتاح بقفل الباب وقام بفتحه ومن ثم أخرج مفتاح آخر من بين مجموعة مفاتيح فنظر الى الرقم فوضع المفتاح داخل سكرة الباب وفتح، ظننتني وصلت
ممر أخر معتم دخل وأدخلني معه، جررت قيودي من جديد، باب آخر كبير فولاذي في نهاية الممر،
مفاتيح أخرى تستفز اقفال الباب، يفتح الباب مكان غريب , ماذا تكون هذه المساحة النتنة الرائحة؟
دفعني الى الداخل بعد ان فك قيودي واغلق الباب الفولاذي خلفه، صوت طقات المفتاح عالي جدا يجرح الصمت النائم في زوايا المكان،

بقيت واقفة بدهشة وصمت لا استطيع التفكير بشيء , فأنا بغرفة قذرة وصغيرة جدا، نظرت حولي، هذاالشيء لم ار مثله في حياتي، هل هي غرفة؟ فلونها كئيب وملمس حيطانها خشن، نتوءات بارزة رمادية لونها مائل للون العفن، او ربما هذا هو العفن فع لا
والاضاءة خافتة متعبة للنظر، وعلى الارض فرشة رقيقية وبطانية رمادية مثل
بطانية وكالة الغوث التي يوزوعنها على النازحين واللاجئين في المخيمات حفرة صغيرة بداخل الغرفة هل هي حمام؟
مغسلة حديدية فوق المغسلة حنفية ماء،تنقط بطريقة غير منتظمة وكل نقطة لها صوت على المغسلة تك تيك تاك، صوت أصبح بعد فترة آداة تعذيب لمسامعي حيطان اسمنتية متعبة كنت اشعر بأنها تضيق فتشعرني بالضيق والتوتر المستمر وفي السقف قطعة مربعة تدخل الهواء للتنفس.شعرت أن الزمن توقف هنا...

الاسئلة تروادني دون توقف...أين..؟ ولما...؟وهل...؟
أين أنا...؟ فهذا سؤال طويل الاجابة لاني لا أعلم شيئا عن المكان سوى اني كنت محتجزة في معسكر حوارة وبعد ذلك وضعوني داخل بوسطة حديدية مصفحة،داخلها قفص صغير حديدي ومقعد حديدي بجانب ذلك توجد نافذة صغيرة شائكة كل شيء من الحديد.
ادخلني الشرطي للبوسطة "سيارة نقل الاسرى"،فتح القفص المقفل بأحكام،و أنا أراقبه بدهشة كيف يفتحه بأنهماك. وأتسأل لما كل هذا الخوف والحذر من فتا ة شابة عشرينية أنيقة المظهر لا يبدو عليها الخوف مطلقا أجلسني على الكرسي مقيدة واقفل القفص الصغير بخوف كخوفه من لبؤة قوية يعتقد انها ستفترسه ان لم يغلق عليها بأحكام.

وانطلقت البوسطة الى طريق طويل لعدة ساعات،تسير في طريق مجهول لا استطيع رؤية شيء من فتحات النافذة الصغيرة سوى اشجار تمر بسرعة واشتم روائح مختلفة كوقود السيارات ودخان المصانع فادرك أننا في زحمة المدينة، وتارة روائح عطرة وجميلة وتارة أخرى روائح نتنة.فتأخذني مخيلتي لتخمين المكان
وصلت البوسطة بعد المشي طويلا الى مبنى كبير ضخم لا ينتهي محاط بأسلاك شائكة كثيرة،توقف السائق فجأة وفتحت بوابة كبيرة صوتها كصوت طيارة حربية، ما هذا المبنى الكبير،أيعقل ان يكون الاسرى داخل هذا المبنى اللعين
دخلت البوسطة الى المبنى الضخم واقفلت البوابة وبعدها توقفت فجأة، فتحت بوابة البوسطة وكانت مجندة شقراء طويلة القامة ترتدي الزي الكحلي "زي الشرطة "فتحت قفل القفص الذي وضعوني فيه ثم احضرت العصبة وعصبت عيني لكي لا ارى شيئا من هذا المكان الغامض
أدخلتني الى غرفة صغيرة، وفكت قيودي، قالت اخلعي ملابسك جميعها فرفضت ذلك،وبطريقة وحشية شدت ثيابي حتى ظننت أنها ستمزقها إن لم أخلعها بنفسي،
خلعت ثيابي قطعة تلو الاخرى وبدأت تتحسس جسدي العاري كله احسست بالاشمئزاز، ورفضت تفتيشها لي بهذه الطريقة، ما الذي تبحثين عنه في مسامات جسدي ايتها الوقحة
كان الخوف واضحاً عليها وهي تتوقع ردة فعل عنيفة مني، وفتشت ثيابي قطعة قطعة ثم
صادرت كل ما املك من اكسسورات واخذتني الى الطبيب لكي يفحصني، دخلت الى الطبيب سألني عن اسمي وكم عمري وهل اعاني من مرض معين وقام بفحص ضغطي ونبضات قلبي وسألني ان كنت آخذ ادوية معينة فأجبته بالنفي كنت أعلم انهم إن اكتشفوا بك مرض فسيستخدموه بالضغط عليك في تحقيقاتهم الباطلة.
أخذتني المجندة من عند الطبيب بعد وضعت القيود في يدي وقدماي ووضعت العصبة على عيني وسحبتني كما تسحب البهائم، كنت احاول التفلت منها لكنها سرعان ما سلمتني الى شخص اخر، نزع العصبة عن عيوني وأخذني فكان يمشي امامي وانا زاحفة بقيودي خلفه الى مكان مجهول الهوية. وسؤالي الآخر لم تم اعتقالي،ولم أنا هنا في هذا المكان الرديء المعتم المخفي المعالم؟ وهل سأقضي حياتي وعمري هنا في هذا المكان؟ جلست في زاوية المكان أترقب كل زاوية في الزنزانة وافكر بها بعمق. هل كل الاشخاص الذين يتم اعتقالهم يضعونهم في هذا المكان اللعين؟ جلست عدة ساعات خائفة اتفقد كل شيء فلا اجد شيئا له علاقة بالحياة
الصمت يعم المكان، المكان مهجوركمقبرة فكأني تحت الارض مقطوعة عن العالم، وفجأة وانا استمع الى الصمت بحذر، بدأت الاصوات تتسابق كأنها كانت ملجوم ة عن الكلام أصوات تتكلم باللغة العربية تنطلق كالخيل الاصيل الذي لن يهزمه ولن يسبقه أحد،منذ وصولي الى الزنزانة لم اسمع سوى العبرية
فقط،، وبدأت الاسماء تتداول بين الزنازين "محمد شو الاخبار "وكيف المعنوية يجيب محمد بصوت
إستيقظ من سبات عميق، "عالية يا جمال لا تخاف صامدون "فالجميع يستمد القوة من الاخر ولو بكلمة، آه على) الكلمة (وتأثيرها على النفس البشرية، باقون وصامدون بإرادة الكلمة فهي مصدر قوتهم وبقائهم على تحمل ألم الزنازيين. فصرخت حينها "شباب،شباب إسمعوني ردوا علي"، وساد الصمت المكان ليستمعوا لصوتي فتكلم أحدهم كانت زنزانته مجاورة لزنزانتي، "هذه فتاة، معتقلين فتاة "، وقال لي "لا تخافي نحن بجانبك"
كان صراخي المرتفع يدل على خوفي وهلعي فسألني من أين انت فأخبرته من جنين فأسعده ذلك، لقد
كان من قضاء المدينة وقال لي "اتعرفين قرية اليامون فأنا منها"
فأجبته "طبعا أعرفها، ما أسمك "وانطلقت بالكلام دون توقف اخبرته عن نفسي، ومن ثم سألني ماذا
تفعلين هنا قلت له لا اعلم بدأت أصوات الرجال تتهافت بين الجميع لا تخافي نحن معك وكوني قوية فبدأ
تأثير) الكلمة (يثلج قلبي المشتعل من شدة الخوف والقلق، وبعد الاطمئنان المؤقت وضعت أذني على
جدار زنزانتي المجاورة لزنزانة الاسير ابن قرية اليامون وناديت عليه وسألته "اين نحن وما هذا المكان "فأخبرني نحن في مركز تحقيق الجلمة اعتقدت اننا في قريتنا الجلمة التابعة لمدينة جنين فقال لي "هي ليست
قرية الجلمة داخل الضفة بل هي منطقة مركز تحقيق بالداخل الفلسطيني المحتل بحيفا", رادوني سؤال فسألته "كم لك من الوقت هنا "فأخبرني انا محتجز منذ ستة شهور،فكان جوابه مثل الصدمة، أدخل الخوف لقلبي بشكل قوي، وخفت أن تطول مدة التحقيق معي, وفي لحظة خاطفة بدأ شاب بمناداة "علم يا علم يا مساد "فرد علم "ايوة شو مالك"
أعرف هذا الصوت وهذا الاسم فانه صوت صديقي علم مساد، فشعرت أن الضوء إنبثق من ممر مظلم، فقد أضاء روحي بعد ما أن بدأت تنطفئ رويداً رويداً فإشتعلت من جديد وناديت "يا علم، علم رد علي انا أريج عرقاوي"
“أريج ماذا تفعلين هنا "صدم لوجودي داخل الزنازين بدأ بالصراخ لم يصدق بأنني معتقلة، فصورتي عند اغلب من يعرفني صورة فتاة يافعة تحب الحياة وتطارد الازياء وتقضي وقتها مع الصديقات في المطاعم والمسابح، فتاة لا علاقة لها بأي عمل أو فكر سياسي
أخبرته أنه تم إعتقالي على حاجز حوارة، بينما كنت في طريقي لرام الله وذلك لاستقبال أختي) هبة (القادمة من أمريكا وخاصة أنه يوم مولدها 28\7\ 2003 فأحببت أن أعمل لها مفاجأة وإحتفل معها بهذه المناسبة،وكانت المفاجأة أنه سيكون تاريخ إعتقالي
وأخبرته أننا نفتقده منذ زمن طويل وهنا علمت بأنه هنا منذ خمسة شهور وأنه
لم يتم حكمه بعد فتفاجأت
بدأت المشي بتوتر في كل زاوية لا أستطيع التفكير بشيء فقلت لنفسي اذا علم الموساد أني معتقلة وموجودة هنا لانه يساري والاحتلال يعتقل اليساريين وخاصة تنظيم الجبهة الشعبية بإستمرار
فتحت الزنزانة المقفلة بإحكام وأدخل لي الشرطي صينية بلاستيكية بدت لي ترابية اللون،لا أدري إن كان ذلك لونها فعلا أم لون ما عليها من أوساخ، كانت تلك صينية الطعام
قلت له وقد فقدت شهيتي "أريد سجائر فقد علمت أنه يحق لي سيجارة واحدة في اليوم الواحد، وبما أني كنت مدخنة فقد كانت السيجارة يومها تعني لي الكثير
وبعد أن أنهيت سيجارتي بشراهة نظرت الى صينية الطعام فهي مستطيلة الشكل مساحتها مساحة ورقة (الذي استخدمه لرسم الاسكتشات قبل تنفيذ العمل على اللوحة. A4)
فهي مقسمة الى مستطيل صغير و ثلاث مربعات اصغر يوجد في كل مربع القليل من الطعام،كان هناك قطعة صغيرة من الخبز مربعة الشكل وقطعة واحدة من الزبدة وعلبة صغيرة جدا مربى بحجم علبة
الكبريت ولا اذكر ماذا كان هنالك ايضا وخاصة بعد ان دخنت سيجارتي لم اكترث للطعام لم اكن جائعة كنت في حالة من التوتر، زحفت الى زاوية الزنزانة التي توجد بها فرشة رقيقة ونمت ولم أدرك شيئا مما حدث معي كنت منهكة ومتعبة الى حد ان القيت جسدي على برش الزنزانة كجثة هامدة ودخلت في نوم عميق جدا، حتى أذكر انه حلمت حلما جميلا....
رأيت اني في الجامعة صباحا، وكالمعتاد جلست في كافيتريا غازي الشيشتري فأحضر لي قهوتي وجلس
معي، وبدأ بقراءة الجريدة كعادته اليومية يقلب صفحاتها ويقرأ العناوين وتارة يقف عند عنوان يلفت نظره، وأنا انظر اليه بتأمل وابتسم لتمتمته وتذمره المستمر على الاخبار التي يقرأها فهو يتذمر دائماً من كل
شيء وأغلب دكاترة الجامعة يجلسون عنده ويتحاورون في الاوضاع السياسية يعشق السياسة لحد النخاع،
كان يسارياً، فأخبرته أني سأتجه الى رام الله لقدوم أختي من أمريكا وإتفقت مع صديقتي سنلتقي هناك ونحتفل سوياً بعيد ميلاد هبة وسنرتب لها حفلاً كبيراً في مسبح الصنوبر، سنسبح ونحتفل هذا فعلا كان حلمي، أشجار الصنوبر ماء زرقاء وأشجار خضراء تحيط المكان والموسيقى العالية وأجواء جميلة،،،
ولكني فجأة أفقت، لا أعلم أين أنا، فتحت عيني فوجدت نفسي في مكان معتم ما هذا وأين أنا لم أعد الى حالة اليقظة والوعي بعد، لم أعلم كم من الوقت إنتابني شيء من الخوف،كأنما يرفض عقلي التسليم بحقيقة إعتقالي
. فتحت بوابة الزنزانة من جديد وقال لي الشرطي بلغة عربية ثقيلة "قوم يلا تعال "قيدني ووضع العصبة
على عينوني وبدأت حكاية زحف السلاسل من جديد وصعدت على درج تلو الاخر وقيودي تصعد معي
بثقلها وصعدت ادراجا كثيرة الى أن توقف فجأة و فك العصبة عن عيني وادخلني الى مكتب يجلس خلفه رجل يرتدي بدلة رسمية،كان شابا صغير السن واصلع و في زاوية المكان مجندة تجلس على كرسي دون ان تتحرك فهي تنتظر الامر من الشاب الاصلع فاجلسني الشرطي على الكرسي امام المكتب مقابل الشاب الاصلع فك قيودي واعطاني سيجارة وطلب لي قهوة واحضر لي كأس ماء، "يبدو انه الاسلوب الناعم في البداية "عرفني عن نفسه - المحقق سويسرا،أنا المسؤول عن ملفك
لم أتكلم، نظرت اليه نظرة إستغراب وقلت أي ملف لم أفهم شيء فأخذ معلوماتي الشخصية جميعها وقال
لي أتسكنين في مدينة نابلس قرب الجامعة وحرك جهاز الكمبيوتر بإتجاهي وأشار بيده على مكان سكني وأشار أيضا أنت تسكنين في هذه الغرفة وبدأ بإخباري بتحركاتي جميعها التي كدت أن أنساها لولا أنه ذكرني بها.
وبدأت حكاية التحقيق المستنزفة ذاكرتي، فقال هل تعلمين لما أنت هنا فأشرت برأسي لا،فأمسك الورقة والقلم وبدأ يعد لي بنقاط التهم،بقيت صامتة أسمعه وشعرت ان الخوف يقلتني أكلم نفسي لاتخافي لا تضعفي يا أريج انت قوية فعدت بعدها لتأثير) الكلمة (التي يستمدون الاسرى قوتهم منها فتماسكت قليلاً
لا أعلم شيء عن ما تقوله ما انا الا شابة لا تهتم الا بمظهرها وصديقاتها وانا حياتي من الجامعة الى السكن ومن السكن الى الجامعة هكذا حياتي
جلس معي ساعات طويلة دون ان يؤثر على مبادئي اوعلى قناعاتي، وعندما لم يجد جدوى معي اتصل
بمحقق اخر ونادى على الشرطي وقال "قيدها بالكرسي "فالكرسي مقيد بالارض فقيدني بالكرسي المقيد
فأمسكت المجندة يدي وأدارتهم لخلف ظهر الكرسي الجالسة عليه وقيدت قدماي وسحبتهما لخلف الكرسي
وسحب يداي الى الخلف أكثر وأوصلت قيد آخر بين يدي وقدمي، وبدأت أشعر بألم شديد شعرت أنهم ينتزعوني للخلف ثم تركني وذهب،خرجوا جميعاً من الغرفة وتركوني مربوطة بشكل مؤلم، شبح من نوع جديد على كرسي حديدي بارد، عنقي يتأرجح بين أكتافي المشدودة للخلف مع
يداي وأقدامي نفقد إحساسها بأي شيء سوى برد القيد
لم يبقى بالغرفة معي سوى المجندة الجالسة على الكرسي في زاوية المكان وهي تنظر لي بحقد وشماتة ذهب،بقيت مكبلة ومقيدة في الكرسي المقيد لساعات طويلة، جاء شخص أخر طويل أشقر مفتول العضلات، دخل الغرفة وجلس على الطاولة ونظر لي نظرة غرور، اسمه) سيجل (كنت ساعتها متعبة جدا من قيودي التي تسحبني للخلف بشدة شعرت بظهري سينقسم الى نصفين من شدة الم، فنظر بوجهه المغرور وقال "سأفك قيودك إن اخبرتيني بالحقيقة، "
ماذا تريد مني
بدأ بسحب القيد للخلف اكث ر واكثر، وبدأ ت أتالم دون ان اصرخ، قررت الا اظهر له ضعفي، ولن اخبره بما يريده فانا كنت أ دعم نفسي بالكلمة القوية "انت قوية، انت ستنهين الامر هنا بكبرياء"
ويدأ الصراخ في وجهي) نو (هذه كلمة عبرية تعني يلا، تكلمي تعرفين هذا الشخص وذالك ايضا وماذا تعرفين عنهم كل المعلومات لدينا ونحن نريد ان نسمع منك انت ما هي معرفتك بهم
سألني عن اسماء عدة وبدأ يسألني لما ذهبت الى هذا المكان واين ذهبت بعدها؟ وجه لي عدة تهم وبدأ باخباري قصص كثيرة، وبطريقة عنيفة كان يطرق الطاولة ويقو ل
هذا الشخص اعترف واخبرنا كل شيء، وداك اعترف عنك وو و
حاول ان يستفزني نفسيا لكي اعترف لتهتز عزيمتي فقلت له
انا لا دخل لي بأحد ولا يهمني احد
ساعات طويلة من التحقيق المتواصل إستخدم الأسلوب العنيف وأسلوب الكلام الناعم والهاديء
دون جدوى قيدي نال من معصمي وطهري، ولكني كلما أحسست هزيمته ازددت قوة حتى تعب وقال للمجندة "نادي على الشرطي لكي ينزلها الى الزنزانة "ومنذ تلك اللحظة بدأت معركة التحقيق،
أنزلني للزنزانة وجلست أفكر من أين جاءوا بهذا الكلام اخبرني بأشياء لا أحد يعلم عنها شيء فلم
أخبر بها أحداً، وبدأ صراعي وسؤالي المستمر دون جدوى، كنت أنام وأستيقظ وصورة المشهد
نفسه تلاحقني نائمة تحت فتحات الهواء تارة تبعث بهواء ساخن وتارة أخرى بهواء بارد جداً أشعر
بالبرد الشديد حتى خفت على نفسي التجمد كأنني جثة حية في ثلاجة الموتى وبقيت في الزنزانة لعدة أيام لم يفتح علي الباب أحد سوى طاقة صغيرة يدخل منها الطعام، تدخل لي ثلاث وجبات بدأت من خلال تكرار أوقاتها أعرف الزمن والوقت، وبعدها عدت لجولات التحقيق من جديد
جالسة في زاوية الزنزانة الصغيرة يضيق صدري من رمادية لونها العفن، ونتوئاتها البارزة، لامست نتؤاتها بأصابعي ملمسها ناعم لونها الممل سلاح اخر يستخدمه المحتل لقتل حلم الاسرى بالالوان والربيع،و بالحرية، او هكذا كانوا يعتقدون ولا يدرون ان الربيع يزهر من عشقنا للارض وفدائنا للوط ن كنت في عزل عن الجميع، لا اعلم متى سينتهي، رأيت بجانب المغسلة قطعة صابون صغيرة تشبهالصابون النابلسي او ما تقوم النساء باعداده في البيت "ربما نسيها هنا عصفور من عصاقيرهم كان هنا قبلي، فالصابون في الزنازين رفاهية يحرم منها الاسر ى
وضعتها على نتوءات الجدران فبدأت تنساب بسلاسة لنعومة الجدار فتمشي بانسياب على حائط الزنزانة، منذ شهر اجلس في زنزانتي مع جدران معتمة قاتلة ل روحي
فأطلقت العنان لنفسي وبدأت أرسم على جميع زوايا الزنزانة اعزف الوطن بخطوط الصابون وانسياب لحن القدس على الجدران يتزين أيامي الرتيبة، عزفت لحن وطن ولحن أسير يأمل أكل خبز الطابون من صنع يدي والدته الطاهرتا ن
شعرت بحريتي تتدفق عبر خطوط الصابون بإنسياب وتناغم، فتحت بوابة الزنزانة وصوت أقفال الباب
وطقاته اقتحمت سمفونيتي التي أعزفها وأرسمها بتدفق وهرمونية خطوط قطعة الصابون على نتوءات زنزانتي العفنة، فتح الشرطي الباب ونظر الى جدران الزنزانة بدهشة تفاجأ من المشهد لا توجد زاوية خالية من الحب للوطن، نعم كانت معزوفة وطن، نظر الى كل شيء بإستحسان وتعجب ومن ثم نظر لي نظرة غضب وقال "يجب عليك أن تمسحي كل شيء "طبعا لم أقبل وقلت له مبتسمة "لن أمسح شيء، أنت من يجب عليك ان تمسحه ان استطعت"
خرج وهو يأكل نفسه غيظا خرج وهو يتمتم بلغة عبرية بلهجة مليئة بالغيظ والغضب لا ادري ماذا كان
يتمم فانا لا افهم اللغة العبرية، لكني عرفت اني كسرت حلمهم حين تغلبت على نتوءا ت الجدران وصنعت
منها لوحتي، بدل ان تكون سلاح الم وتعذيب يحرمني حتى الاتكاء على الحائط، نظرت باعجاب الى ما
صنعت يداي، احتضنت عيناي حلمي المرتسم في كل زاوية من الزنزانة احلم مع كل خطوط وطني
المعزوفة على الجدران المغتصبة والاسيرة مثلي منذ سنين طويلة تنتظر من يحررها من ألوانها القاتمة تنتظر أن تتزين بلون الحرية والسلام فبدأ حواري معها بقطعة صابونة فلسطينية أصلها من زيت شجرة
الزيتون يكاد زيتها يضيء لو لم تمسسه نار فلسطينية ككل شيء موجود هو فلسطيني الهوية، أحسست لبضع الوقت أني كنت حرة وأني حررت زنزانتي حرية مؤقتة وهي تعلم أني لا بد راحلة في يوم ما وسيأتي معتقل آخر تنتزع حريته ويتألم وتبدأ معه حكاية جديدة تطبع على جدرانها حتى يكتمل التحرير. كنت أسيرة داخل وطني الاسير
وفي لحظة فتح الباب واذا بإمرأة تدخل زنزانتي، إمرأة حنطية ترتدي ثياباً غريبة تبدو كأنها بدوية وصوتها خشن، دخلت الى الزنزانة وهي تتلفظ ألفاظاً سيئة على السجان فعدت الى الوراء وانا أنظر اليها
بتعجب من هذه..؟ومن أين جاءت..؟

جلست لعدة ساعات لم اتكلم معها وهي تنظر الي بطريقة استهجان ونظرات خبث فسألتني ماذا تفعلين هنا
ومن أين أنت، أخبرتها لا أعلم لما أنا هنا فأدركت من طريقة طرحها للأسئلة أنها تريد معرفة بعض
المعلومات وأخبرني إبن اليامون أن أكون حذرة في التعامل معها فلم أتكلم بشيء أمامها طريقة طرحها للأسئلة بفضول تريد أن تنجز مهمتها وتخرج من المكان العفن فهي ومع روحها الوسخة والسيئة والعفنة لم تتحمل قسوة المكان،
أدركت بأنها جاسوسة وبعد ما أخبرتني أنها من الناصرة جميع أقاربي في مدينة الناصرة وسألتها عن العائلة فلم تعرفها وهي عائلة معروفة في مدينة الناصرة، شكلها السيء لا يظهر عليها أنها إبنة هذه المدينة
العريقة بقيت عندي في الزنزانة لعدة ايام واخبرتني اسمها فكان اسمها فاطمة ام محمد هذا الاسم الذي دخلت
فيه الزنزانة، كانت تتكلم كثيرا وكانت تسألني اكثر عن حياتي وعن صديقاتي اذكرها في لحظة غنت
للسيدة ام كلثوم شعرت بصوتها كصوت ماتور السيارة الذي ينقصه زيت، وبعد ثلاثة ايام نادى عليها السجان فخرجت ولم تعد، وبقيت وحدي و برغم ألمي ووحدتي في سجني الا انني للحظات تمنيت ان تبقى
تلك المرأة، كنت بحاجة الى شخص يكسر صمت وحدتي القاتلة

كنت متعبة نفسيا لم يسمحو لي بالاستحمام ولا بزيارة المحامي ولا حتى الصليب الاحمر فكنت اذهب الى المحكمة التابعة لمركز التحقيق يدخلوني قليلا وبعد ذلك تخرجني بتمديد للتحقيق معي،
اصعدوني الى مكتب التحقيق المجاور لمكتب للمحقق المسؤل عن ملفي دخلت الى المكتب واجلسوني مقيدة وبدأت حكاية جديدة من التحقيق وهي) الة فحص الكذب (، كرسي اجلسوني عليه مقيدة القدمين وضعوا في
يدي الة لفحص ضغط الدم وقطع حديدية تلامس اصبعين لفحص افرازات العرق ووضع لي جهاز لفحص دقات القلب فباشر بسؤالي عدة اسئلة عن اسمي وعن عائلتي فكنت اعلم ان هذا الجهاز غير قانوني وتم استخدامه معي لترهيبي فكان علي ان اجب بكلمتين فقط نعم أو لا، اكثر من مرة وضعت على هذا الجهاز وعند نفس السؤال ودائما يتخموني بالكذب لان اجابتي لا تلائم طموحاتهم في استخلاص اعتراف يروقهم كنت اغير في مشاعري واحساسي حتى بصدقي في الاسئلة الشخصية واحاول ان افكر باشياء جميلة لم اكن معهم في احساسي وكنت دائما كاذبة بالنسبة للمحققين وهذا كان يغيظ المحقيق
وفي احد أيام الآمي التي لا اذكر كم اصبح عددها اجتمع حولي سبع محققين كنت مقيدة بعدة قيود ليس
قيد واحد وكل محقق يسألني نفس السؤال ينتهي واحد فيأتي الاخر بنفس السؤاال ولكن بطريقة مختلفة يريدوني أن أجب عليهم جميعاً وبدأوا بطرح السؤال كل واحد على حدا ويصرخوا احكي فلم أعلم على من
سأجيب بدأوا بتشتيتي لنزع الاعتراف مني وحاول أن ينهكوا أعصابي وعضلاتي المقيدة والمتعبة ومسكني "سيجل "من شعري ودفعني للخلف وكان يناديني بالكاذبة تكلمي كذابة تكلمي بقيت مقيدة لساعات طويلة جدا لم يسمحوا لي بالنوم مطلقاً، يوقظوني عندما أغفو، بقيت مقيدة لثلاثة أيام، كنت آخذ استراحة بسيطة ويعودون الى تقيدي في الكرسي المقيد من جديد.
هددوني بهدم البيت وهددوني بإعتقال والدتي ووالدي فقلت لهم "لن أكون وحدي في المعتقل والدي
سيؤنس وحدتي"
والدي، انا اعلم كم هو صلب فكنت مثله صلبة وطي بة ولدية قدرة على التحمل وحمل جميع هموم من في البيت واجاد الحلول لهم دائما وهذا ما ورثته عنه القدرة على التحمل وقالوا سنشوه سمعتك فلا أعلم لم لم أكترث لهم ولم يخيفوني صدقاً فأنا عاصرت الإنتفاضة الأولى عندما كنت طفلة أذكرها وأذكر عندما كان
الإحتلال يدخل بيتنا ويفتش عن المطلوبين إعتدت على وجودهم في سلاحهم وكنا نخرج بالمظاهرات من المدرسة عندما يعتقلون أحد القادة أو إستشهاد أحد قيادات الإنتفاضة الأولى وكنت أرى جبنهم خلف عدتهم وعتادهم
تمر الأيام والوجبات تأتي أعلم الوقت من خلال وجباتي الثلاث،وبإنتظار مصيري المبهم لا أعلم ماذا سيفعل معي هل سيحرروني فكانت تفاصيلي اليومية غير واضحة من كثرة الرتابة والبرودة في ليلي أو نهاري لا أعلم كله مظلم وقاتم حتى رسوماتي التي خططتها أصبحت حزينة على حزني ونورها بات يبهت لبهتان الاضاءة وزنزانتي كادت أن تبكي لوجعي وطول انتظار مصيري
كنت نائمة لا يوجد شيء سوى النوم هو المتنفس الوحيد الذي أرى به حياتي وأحلامي الجميلة الباقية في
ذاكرتي قبل إعتقالي، بعد قضائي شهرين في زنازين الجلمة فتحت البوابة وأخبرني السجان انهضي ستخرجين من هنا لملمت نفسي وجمعت ألم زنزانتي وقمت بوداعها فكانت أيام مؤلمة وموجعة ولكن هذا هو الموجود فتعايشت وتقبلت ألمها. خرجت من الزنزانة وعادت قيودي تزحف معي من جديد بدأت أعتاد على صوت زحفها وثقلها
عدت من الممر المظلم المليء بألم ووجع الاسرى وكان يرافقني بكل خطوة ألم كل أسير تركته خلفي في الزنازين فحملت أوجاعهم وإشتياقهم على كتفي الموجوع والمثقل بآل
أمي

حتى وصلت الى اخر الممر فلم استطع فتح عيوني بعد ان ازالو العصبة عنها، كان النور قوي لم ارى
النور منذ شهرين لم استطع فتحهما وادخلت الى البوسطة من جديد وانطلقت هي الاخرى الى مكان مجهول فوصلت الى مكا ن لا اعرفه، بدأت اسمع اصواتا كثيرة اصوات نسائية.ولكن هذه الاصوات لا تتكلم اللغة
العربية جميعها عبرية

كنت خائفة اين تسحبني معهم هذه السجانة التي تتمتم باللغة العبرية فلا افهم منها شي
وبعد تفتشي العاري برغم تفتشي المسبق كنت مجرد ة من كل اغراضي الشخصية سحبتني الى ممر فك ان مليئ بنساء غريبات المظهر والجميع يصرخ ولم افهم أي بكلام لا افهمه، وكل غرفة امر بها ارى امرأة مختلفة ونساء متبرجات ونساء شقراوات وعند مرور السجانة يبدأون بالصراخ عليها وهي تصرخ عليهن
بكلمة هي الوحيدة التي اعرفها) شيكت (تعني اسكتوا، بدأن يتلفظن بالفاظ سيئة وهي تصرخ عليهن كل ذلك وانا امر من جانبهن واتسأل ما هذا المكان وأين أنا الا ان وصلنا الى اخر الممر وفتحت باب زنزانة جديدة ودفعتني الى داخلها واغلقت الباب وبدأت طقات القفل بالمفتاح تعلن انتهاء المسي ر
ذهبت لا يوجد شيء امامي سوى باب حديدي لونه ازرق وله نافذة صغيرة شائكة مربعات صغيرة فنظرت خلفي فكانت هذه غرفة اسوأ من زنزانتي التي اعتدت على نتوءاتها ولونها العفن كانت صغيرة جدا متر ونصف المتر لا يوجد شيء مطلقا فارغة من كل شيء سوى حفرة للاستخدام وبدأت اتفق د
كل شيء في المكان كان مزعجا، شعرت بانهيار لقوتي وتهتك عزيمتي التي كنت استند عليها فتصبرني
انه لن يدوم شيء وجميع النساء تصرخ بصوت عالي ومرتفع فكانت واحدة تصرخ بشكل مستمر كأنها
مجنونة او مصاصة دماء فخفت كثيرا لم استطيع ان اجلس في ذلك المكان القبيح المليء بالشياطين، بقيت عدة ساعات لا أستطيع التفكير بشيء مطلقا والخوف اقتحم كل قطعة في جسدي وبدأت افكر بأهلي هل
يعلمون أين انا وماذا تفعل والدتي الان لا بد انها قلقة
.
كنت آتساءل،هل سأقضي عمري وحدي هنا في هذا المكان اللعين؟ وفجأة سمعت صوت فتاة تقرأ قرآن صوت بعيد فصرخت بأعلى ما أملك من قوة يا فتاة انت التي تقرأين القرآن ردي فأنهيت قراءتها وقالت من هنا بدأت أصرخ وأصرخ أنا هنا آخر الممر قالت إذاً أنت أسيرة جديدة
لا تخافي اهدئي قليلا فهدأت وبدأت بالتكلم وعرفتني عن نفسها اسمها ايمان ابو خوصة من غزة، معتقلة منذ ثلاث سنوات، أنا لم أصدق ما قالته لي فبدأت بطرح الاسئلة دون توقف ما هذا المكان..؟ إنه سجن الرملة. كيف تعيشين في هذا المكان الموحش؟ لا هذا المكان للعزل فضربت سجانة فتم عزلي لمدة ثلاثة ايام، عزل فردي عقاب من ادارة السجن.
يوجد قسم للاسيرات الفلسطينيات داخل هذا السجن المليء بالجنائيات وتوجد ممثلة للاسيرات وأسيرات جامعيات ومتعلمات ومثقفات ويوجد زهرات صغيرات، بدأت أتكلم معها فشعرت بأمان وخاصة انها فتاة من قطاع غزة فانا احب غزة لي عدة اصدقاء فيها اعتقدت اننا سنقضي ايامنا بهذا المكان اللعين وسينتهي الامر. تحدثنا طويلا دون توقف و بدأت اهدأ من خوفي
وفي هذه اللحظة شعرت بان الكثير من أبناء شعبنا يشاركوني ذات المكان وذات الهم وشعرت بطمأنينة تسري في عروقي.
جاءت السجانة لنقلي الى قسم الاسيرات الفلسطينيات مشيت مع قيودي في ممر طويل راودتني طاقة قوية تنبع من النوافذ الشائكة والموصدة شعرت براحة تهيم بكل أرجاء الوطن رغم حصري وقيدي ابتل صدري بروائح فلسطينية رائحة زيتون جنين وبرتقال يافا وعنب الخليل شعرت بنسمة من بحر غزة أنهضت جسدي الهزيل والمتعب من التعذيب فتحت البوابة ووجدت فتيات رائعات باستقبالي مساعدتي على استرجاع اتزاني
وطمأنينتي، حمام سريع وثياب نظيفة كانت قمة الرفاهية في ذلك الظرف الوحشي ومن هنا بدأت قصة جديدة، مرحلة جديدة وحكايات ويوميات إعتقال سجن أسيرات ومراحل مختلفة لمواجهة الاحتلال مباشرة من عمليات اقتحام واضرابات عن الطعام وايام وليالي مؤلمة ومظلمة خلال أريع سنوات ظالمات.

لينا أحمد صالح جربوني
من عرابة البطون سنة الاعتقال 2002
أيام ثلاثون

الساعة الثانية بعد منتصف الليل..ليل هاديء سكون غير اعتيادي..قلق أرق تقلب كثير في
فراشي أفكار شتى تعصف بفكري. كانت انتفاضة الاقصى في أوجها وأحداث مخيم جنين
وأبطاله تحتل عناوين الاخبار على كل الفضائيات.. الابطال الذين رغم قلة عدتهم وعتادهم
استطاعوا ان يكبدوا العدو خسائر فادحة..صوت طرق وهرج ومرج في الخارج قطع علي
افكاري انصت قليلا، اظن ان السماء تبرق وترعد تنذر بسوء احوال..وكانت كذلك بالنسبة لي شققت باب نافذة غرفتي التي تطل على حاكورة المنزل واذا بأشخاص مل ثمون يشبهون خفافيش الليل ينتشرون في الحديقة ويصوبون بنادقهم نحو غرفتي..ظننت اني في حلم..اغلقت النافذة بسرعة وتوجهت نحو النافذة الاخرى واذا بالمشهد ذاته ذات الخفافيش منتشرون في كل الحي وبنادقهم موجهة نحوي
تجمدت في مكاني ماذا يحدث ومن هؤلاء حتى جاء صوت أمي من خلف الباب وأعادني إلي بدلت ثيابي سريعا وأسرعت نحو الباب وما ان الواقع.."لينا افتحي الباب يما وما تخافي "
فتحته واذا بفيضان بشري يقتحم غرفتي اقتربت مجموعة من النساء المجتدات امسكن ني بقوة
كبلوني ودفعوني نحو سريري جلست بصمت وانا اراقب ما يحدث، ترى عن ماذا يبحثون ومن هؤلاء ماذا يريدون، جلت بناظري بأرجاء الغرفة ترى هذه الفوضى التي احدثوها كم سيستغرق ني من جهد ووقت حتى اعيد كل غرض الى مكانة.
.صوت جهور مرتفع نادى باسمي وطلب ان أعطيه رقم بطاقة الهوية تحدث مع آخر باللغة العبرية اقترب مني الاخر ""قومي جهزي أواعي عشان تجيبيهن معك ويالله "
"لم أنطق بحرف نظرت نحوه مستغربة أعاد ما قاله مرة أخرى سألته "وين بدكم توخذوني ومين انتوا "أنهضوني بقوة،انطلقت من أعماقي صرخة قوية "يما بدهن يوخذوني "
شقت أمي صفوف المجندين بقوة وحاولت بكل ما أوتيت من قوة أنت تخلصني من براثينهم، سحبوني بوحشية لم يسمحوا لي بتقبيلها ولم أودع إخوتي.. وضعوا عصبة سوداء على عيوني وأدخلوني سيارتهم بالقوة صرخت وصرخت عل احدا من اهل الحي يخرج ويساعدني كنت اسمع اصوات صراخ من كل صوب، الجنود يصرخون "ارجع ورا"، من الذي يطلبون منه ان يرجع للخلف؟ هل هناك من يحاول مساعدتي؟
رويدا رويدا لم اعد اسمع شيئا.. خرجت من منزلي لا ادري الى اين والاف الأسئلة تتزاحم في
ذهني..برد قارص لم انتبه الى برودة الجو فلم اضع على جسدي ما يقيني البرد ترى ما
المجهول الذي ينتظرني حاولت امي ان تعطيني "جاكيت "لكنهم لم يسمحوا لي باخذه ترى الى
اين وماذا ينتظرني سرحت بافكار بحثت في زوايا ايامي السابقة على فعل قمت به يأخذونني
بسببه، صوت الريح قاطعني يبدو انهم فتحوا نوافذ السيارة يا ويلي الجو بارد جدا لقد فتحوها
اذا متعمدين ايذائي بالبرد...لا ادري كم استغرقنا من الوقت حتى وصلنا، لكني شعرت اني هنا منذ ايام..انزلوني من السيارة اقتادوني لا ادري الى اين كنت اسمع صوت ابواب تفتح وتقفل وصلنا الى مكان اجلسوني فيه تحدثوا في مابينهم ودخل احدهم وعاد بعد وقت قصير
 لقد اعطونا ٢٤ ساعة قبل عرضها على المحكمة.
.ماذا ٢٤ ساعة هذا يعني أني لن أعود للمنزل، وما هذه المحكمة ما القصة.
نهضت معهم وانا افكر بكلامهم سرت بخطى مثقلة تخشى المستقبل والغيب ماذا ينتظرني وضعوني في السيارة يا الله البرد شديد ترى ماذا فعلت امي واخوتي لماذا لم يسمحوا لي بتوديعهم...
تتزاحم الافكار في ذهني والالف الاسئله تطرق راسي صوت جهور صاح بصوت عال ارعبني "يلا انزلي وصلنا "
أبواب تفتح وتغلق، صعدنا ونزلنا أدراج كثيرة لدرجة أني تعبت لم أعد أقوى على المسير توقفت أريد أن أشرب تعبت.
"مكبلة الرجلين ويدي في القيود ومع عصبة العينين، نساق الى المجهول شعرت أنه قام بإجباري على صعود الدرج ذاته مرات ومرات
طرق على الباب أدخلني نزع العصابة عن عيني، كانت غرفة صغيرة فيها طاولة وكرسي وحاسوب ورجل يجلس خلف الحاسوب ويقرأ - لينا جربوني العمر العمل الاخوة الاخوات رقم الهوية.. إحنا بنعرف عنك كل شيء
"...أريد أن أشرب،"
للحقيقة لم اكن اشعر بالعطش ولكن يداي المكبلات للخلف على الكرسي تؤلماني جداً أريد قليل من الراحة لهما.. و للاسف رفض الجندي فك يدي وقال "انا أسقيك "وهكذا بقيت بلا ماء
..نظرت الى النافذه كانت الشمس قد اشرقت قدرت الوقت يعني اكثر من اربع ساعات ترى اين
انا وما هذه المنطقة التي تبعد اربع ساعات عن منزلي، ام ان صعود الدرج ونزوله اخذ كل هذا الوقت. جاء صوت المجند "احكي شو في عندك "
شو بدي احكي اسالني وانا بجاوب ماعندي شي احكي...
ضرب الطاولة بقوة بقبضة يدة وقرب وجهه امام وجهي مباشرة وصرخ بصوت عال
.بدك تحكي بالذوق والا استعمل القوة معاك...
مش عارفة شوبدي احكي عن شو اسال وانا بجاوبك...
انت مابدك تتعاوني معانا..
.وضع العصبة على عيوني مرة اخرى وطلب مني النه وض
بدنا ننزل درج
هل انزل واطلع الادراج مرة أخرى معصوبة مقيدة
فتح باب وباب وباب آخر ترى ماهذا المكان اين انا... يا الله اكاد اموت بردا..جاء صوت المجندة "ادخل جوا.. فوت جوا "
تتحدث عربية مكسرة..دخلت واذا بغرفة صغيرة جدا امتلت حيطانها بالعفن وكان الزمن قد اكل عليها وشرب غريبه جدا ماهذا المكان اصوات صراخ في الخارج ماذا يحدث واذا بصوت يجتاز الصراخ وينادي يا شباب لا تخافوا هاي تمثيلة من المخابرات حتى يخوفوكم لا تخافوا واثبتوا ترى من هذا وانا ماذا افعل عند المخابرات
جلست في زاوية الزنزانه هكذا اطلق عليها الشاب عندما نادى شباب الزنازين بدأت بعمل مسح لذاكرتي وإسترجاع كل الاحداث التي مررت بها، لا أعلم ماذا يحدث ولماذا أنا هنا صوت آذان قطع علي أفكاري آذان وهل نحن قريبون لمدينة عربية بعد أ انتهى الاذان انطلق الصوت ذاته
"يا شباب صلاة الظهر يا اخوان "
فهمت انه احد المجاهدين وهو من رفع الاذان يكنى بابو اسامه كيف ساصلي وانا لم
احضر ملابس الصلاة معي كم انا غبية لماذا لم احضر ملابس معي عدت الى زاويتي
وعدت ابحث في صفحات الماضي عن عمل قمت به استدعى حضوري عند المخابرات راسي يكاد ينفجر من كثرة التفكير اريد ان ادخل الحمام كان في الغرفة نفسها حمام ولكن كان امام الباب مباشرة لا اريد خشية ان يفتح احدهم الباب "تحملي يابنت انا متأكدة اني ساغادر هذا المكان قريبا "صوت ابواب تفتح وتغلق صوت ابو اسامه- ياشباب الغدا واليوم منسف على لحمة خروف
وبدأ الشباب بمجاراته بالحديث فقال احدهم
ابو اسامة انا بدي صحنين لو سمحت عمي ابو اسامه بدي بس لحمة خروف
في كولا ولا ببسي اليوم
بدات اصدق حديثهم حتى فتح باب زنزانتي ودخلت شرطية
بدك توكل..
لا مابدي..
فش لازم كلو يوكل تعال خذ صحن...
نهظت متثاقلة متعبه تناولت منها وجبة الغداء نظرت اليها مرة وللصحن مرة - مالك مش عاجب اكل..
ضحكت "لا عجبني منسف من الاخر كيف مايعجبني وين الكولا..
شو بتقول..
مي بدي مي...
اخذت الصحن وجلست بالزاوية وبدات اتفحص صحن الطعام ماهذا يمكن هذا منسف يهودي لا منسف يهودي غير معقول هذا شيء لا معالم له، رز فصوليا بس ليش هيك مخبص استغفر الله العظيم نظرت للصحن مرة اخرى، بدى وكانه ينظر الي بدوره، وواضح اني لا اعجبه
ابو اسامة المنسف اليوم كان الف الف
فهمت الشباب يتفكهون، غريب امر الفلسطين رغم ك ل الوجع والالم والمعاناه الا انه يستطيع ان يضحك ويتفاءل ويختلق الفكاهة، ربما هذا نابع من ايمانه المطلق بقضيته
فتح الباب "قومي يلا تعالي "نهظت تذكرت اني اريد ان استعمل الحمام "بدي افوت
الحمام ""تعالي بعدين بتروحي يلا هاتي ايديك "وضع القيد بيدي الحمد لله انه لم يكبلهم للخلف امسكت الشرطية بالقيود بالوسط ونزل الشرطي ليضع القيد في قدمي، هل امسكت قيودي خوفا ان اضرب راسه حين نزل يربط اقدامي؟ يا للجبناء، وبعدها وضع عصبه على عيوني اين سنذهب؟ اهو الدرج مرة اخرى؟ يا الله عونك يارب..
صعدنا الدرج لم ننزل صعدت اثنتي عشرة درجة وبعدها ادخلوني غرفة، جلست على
الكرسي المثبت في وسط الغرفة فكت الشرطية القيود، لتعود وتقيدني بالكرسي ويداي للخلف، لم اكن اعلم ان يدي يمكنها ان تحضن الكرسي من الخلف الا حين تشدهما المجندة كما لو انها تود خلعهما من الاكتاف، ابتلع صرختي حتى لا تتشمت بالمي
جلست ولا اعلم كم من الوقت مكثت، تركوني لساعات، ساعة ساعتان وربما اكثر لم
اعد احسن العد، اتحدث العبرية بشكل متكسر نظرت الى المجندة التي تجلس معي وسالتها بلغتها "متى سارجع للبيت؟ وكان جوابها "انت لن تعودي للبيت ابدا
فتح الباب ليدخل منه رجل عريض وطويل جدا جلس امامي ونظر في وجهي اشحت بوجهي بعيدا عنه، بقي على وضعيته يستفزني، حاولت ان اشغل نفسي باي شي حتى خرجت من الغرفة بكل افكاري واحاسيسي ولم اعد اراه، حلقت بعيدا وصلت الى بيتنا امي كيف حالك وكيف هم اخوتي، هل رتبوا غرفتي؟ كيف الاخوال دعيني اضع راسي في حجرك الحنون خبط على الطاولة بقوة افزعني وسلل الخوف الى ذاتي
انت ما بدك تتعاوني معانا ما بدك تحكي
طيب شو بدي احكي مش عارفة عن شو احكي إنت إسال وانا بجاوب
انت مش ناوية على خير بدك تعفني بالسجن احكي عشان تروحي لامك
والله ما بعرف شو بدي أحكي إنت إحكيلي شو اقول وانا بقول
لا انت زودتيها كثير..انت بتصلي وليش مش لابسة حجاب...أنا اعطيتك فرصة وانت خسرتيها...
كان الشرار يقدح بعينيه تجولت بالغرفة بعيناي حاولت أن أسمع أي صوت من الخارج علي أعرف أين انا ولكن دون جدوى...كانت امي تقول لي دائما منذ ان كنت بالثانوية
"اخوي فررني ورا سجون اسرائيل كلها باول عمري وانت يبدو ستلففيني سجون
اسرائيل بكبري"......جرا ئم الاحتلال كانت كثير ة ضد اخوننا في الضفة وغزة مجازر
وقتل وهدم منازل ونحن في الداخل المحتل لم نقف متفرجين كنا نخرج الى الشوارع بمظاهرات حاشدة نندد بجرا ئم الاحتلال كنت انا ومجموعة من الشباب من يقود
مظاهرات الطلاب المدارس لم تستطع ان تعلن الاضراب لانها تابعة لوزارة المعارف لكنا كنا نذهب الى المدارس ونخرج كل الطلاب ونغلق المدارس وفي كل احداث
ومظاهرات كان مدير المدرسة يشتكيني الى امي...فبعد كل حدث كانت امي توبختي بتلك الكلمات....ابعقل!! نبوءة امي تحققت سادخل السجن ولكن باي ذنب ماذا فعلت لم
الاحتجاجات التي خرجت من قرانا ومدننا بسبب اقتحام الاقصى من قبل شارون شارك بها كل الشرفاء وسقط ١٣ شهيدا قبل سنتين، ايمكن ان هذه الاحداث السبب؟ هل سيسالوني عن امر حدث من سنتين.... !
"راح اعطيك كمان فرصة اخيرة تفكري احكي كل شي عندك عشان تروحي لامك.. "
"هل اخبره عن مشاركتي بالاحتجاجات؟ لا لا ربما لا يعرف وربما ليس عن هذا يسال
لا اريد ان اورط نفسي،
لم اعد اشعر بيداي كان الدم توقف عن الجريان بهما هل اطلب الماء علها تفك قيودي
فاحرك يداي ليتدفق الدم بهما من جديد، اذا طلبت الماء لن تفك قيودي اريد ان احرك
قدماي ايضا لقد تيبستا، ما ابشع هذا المحتل يتفنن في التعذيب...الجلوس على الكرسي
بهذه الطريقة مقيد اليدين الى الخلف والقدمين مقيدتان ايضا بارجل الكرسي لا تستطيع تحريكهما بحرية واذا ما نسيت للحظة القيد واردت تحريكهما تنطلق من صدرك صرخة الم تفتت روحك، الافضل ربما ان اطلب الحمام.. وبادب - لو سمحت اريد الحمام....
اجابتني بنظرتها الخبيثة "مفش حدا هون راحوا يوكلو...وقت الغداء "
كم الساعة
...لشو بتسالي عن الساعة
بدي اصلي الظهر...
بعرفش لما يجي الظابط المسؤول..
.تحملي يا لينا كوني قوية لا تضعفي ممنوع ان يشعروا بضعفك او خوفك....معقول كل
هذا الوقت للغداء، طال انتظاري جدا ويداي لم اعد اشعر بهما حقا وقدماي تجمد الدم
بهما صرخة وجع اكتمها رغما عني وبكل ما اوتيت من قوة تمزق روحي لم اعد احتمل
كل هذا الالم وهذه الافكار التي تطاردني حول امي واخوتي يارب قوني على تحمل الشوق لهم...وجعي الجسدي اتحمله واستطيعه..ولكن الشوق والحنين لامي واخوتي كيف ساتحمله يارب اعطيني القوة يا الله لاجتاز هذا الامتحان الصعب ااااه يا امي..
قطع علي حبل افكاري صوت صراخ وضرب ياتي من احدى الغرف تذكرت كلام ابو
اسامه انها مسرحية ليدبوا الرعب بقلب المعتقلين الجدد حاولت جاهدة ان اشتت فكري واشغله بذكريات من الماضي حتى لا اسمع الصراخ الذي كان يعلو ويعلو "خلص خلص تضرب خلص من شان الله بدي احكي بكفي لا تضربوني حرام عليكم.... ""هذا بالتاكيد غير صحيح، هذا فقط لبث الرعب في روحي نظرت الى المجندة- وقلت "
اريد الحمام "دخل ضابط يتمتم ويسب
"اخرته راح يحكي كل يوم قتله من زي هيك راح يحكي هو حمار بفهمش بعرف ان
احنا بنعرف كل اشي ليش ما يحكي ويوفر على حاله كل هالعذاب "ثم نظر الي واكمل.. "شو مابدك تحكي شو قررتي بدك تحكي؟ فكرتي؟".- "بدي اروح الحمام وبدي اصلي الظهر.. "
"اي ظهر الدنيا صارت ليل يمكن المغرب اذن "
... لم اعد اشعر بقدماي ولا بيداي اذا طلبت منه ان يفك قيودي سيشعر بضعفي وتعبي وإرهاقي لن اطلب سأحتمل.. سأل بإستغراب
جابولك اكل؟..
لا.
.يعني من الصبح ما اكلتي..
قلت في نفسي لا أريد أكلاً لكن فك قيودي، خشيت أن يلمس هذا الوهن في نفسي
فصمت
لا أريد أكل لست جوعانة فقط أريد أن أصلي....
شق النافذة، "اطلعي عتمت الدنيا... "
"يعني انا كم ساعة وانا قاعده.. "
"يمكن صرلك 9 ساعات... "
اريد الحمام..
عاد صوت الصراخ وتوسلات الرحمة الى اذاني...
ما تخافي احنا بنضربش غير الي بغلبنا وانت اكيد ماراح تغلبينا، ثم تحدث الى المجندة بالعبرية فنهضت وفكت قيودي

يا الله ما اكرمك الحمد لله دبت الحياة بيدي وقدمي من جديد...لماذا لا استطيع ان اقوم يا رب..استجمعت كل قوتي ونهضت متحاملة على وجعي اعادت القيود الى قدمي ويدي ووضعت العصبه على عيني...
"راح نزلك على الزنزانه تراجعي حالك وتفكري منيح اذا حابة تغلبينا او بدك تحكي وترتاحي "
..لم أجبه بأي كلمة كان الوجع يتعصر روحي عصراً... سننزل درج...أسوأ جملة أكره أن أسمعها، كنت اموت من ألم الأغلال وهي تنهش لحم أقدامي...نزلت 13 درجة او ربما اكثر، فتح ابواب الحمد لله...فكت قيودي ودخلت الزنزانه......القيت بجسدي
المنهك على شيء يشبه الفرشة.... كانت لا تتجاوز ال3 سم مغطاه بغطاء جلدي يزيد
من برودتها...لا يهم اريد ان ارتاح..تذكرت صلاتي كيف ساتوضا وكيف ساصلي لا يوجد معي ملابس للصلاة...ترى كم الساعة الان ليت الشباب يتحدثون،علي اعرف كم الوقت الان.. وان عرفت ماذا يفيدني ذلك....جاء صوت ابو اسامة مؤذنا، اتراه اذان المغرب ام اذان العشاء وقفت بالباب احاول ان اسمع اي شيء فجاء صوت احدهم "يا
شباب هذا اي وقت المغرب؟ "...."لا با محمد هذه صلاة العشا "...كيف حالك اليوم صار معك شي جديد شفت محامي؟"....لا والله يا ابو اسامه لسه ممنوع من ش وفت محامي صارلي 20 يوم مابعرف اي شي عن اهلي"..."بعين الله يا محمد.هاي اناصارلي 50 يوم ما بعرف اي شي عن اولادي وعيلتي....توكل على الله ر بنا كريم بتفرج روح صلي يا محمد "
خطر ببالي ترى هل هؤلاء حقيقيون ام انها ايضا مسرحية لبث الخوف والرعب في
نفوس المعتقلين...توجهت الى زاوية الزنزانة جلست اسندت ظهري على الحائط، النتوؤات التي تخرج من الحائط كانت تؤلم ظهري ابعد ظهري عن الحاءط واخذ راسي
بين يدي، احدث نفسي ترى ماذا صنعت امي؟؟ ولميس وسعيد؟ ترى كيف ابي؟ كيف تعامل مع خبر اعتقالي؟؟ والناس ماذا تقول...قبل اعتقالي بيومين كان اعتقال لفتيات من الداخل وكانت الكثير من القصص تنسج حول اعتقالهن..
نمت تلك الليله طويلا لم يفتح زنزانتي احد، الى ان حان وقت الفطور "تعالي خذي
الاكل". تناولت الطعام الذي لا اعرف ماهو فمعالمه غير واضحة..شي ب يشبه البيض المسلوق ولكن لونه ورائح ته ابدا لا تشبهه بشيء..القليل جدا من المربى كانها بقية من
مربى سقطت من ملغقة ممتلئة دون قصد، وبجانبة لا ادري اهو لبن ام لبنه...مساكين هؤلاء الشباب...معروف ان الرجل يستهلك ويحتاج الى طعام اكثر من المراه...جلست
انظر الى صحن الطعام ليس صحن صينية بلاستيك مقسمه الى اربع مربعات اشكال غير منتظمة، عينات من الطعام،عينه من اللبنه وعينه من المربى وهذا الشيء الغريب البيضة و3 قطع صغيرة من الخبز الافرنجي كما يسموه... وكانهم اتوا بهذه العينات للفحص في مختبر ما وليست للاكل.
ترى اي ساعة سيأخذوني اليوم، لم تفتح الز نزانه لم يستدعيني احدا ترى لماذا
...انتظرت وطال انتظاري.ما الذي استعجله ـ التربيط ام الوجع...ابدا كل مافي الامر
اريد ان اعرف ماذا يريدون..صدع بالاذان ابو اسامه اذان الظهر بالامس لم اصلي واليوم كيف ساصلي...خطرت ببالي فكرة الف نفس ببطانيه واصلي لابد ان الله سيتقبل
مني...توضاءت ولففت نفسي بالبطانية وبدات اصلي انهيت صلاتي اه لو كان معي مصحف لو اخذت مصحفي معي.....طوبت الزنزانه ذهابا وايابا حتى دخت وكدت ان اسقط فالمساحة جدا صغيرة على قول امي "لو بدي انجن ما بتسعني"...طال انتظاري والانتظار بدا يقتلني لماذا لم ينادوني ترى هل سيستعملوا معي العنف اليوم ايتها النفس المعذبة اصبري واحتسبي امرك لله لا بد ان ينتهي هذا الوقت الصعب.."يا شباب الغدا حضرو حالكم لوليمة اليوم شي مميز جدا "...".شو الغدا اليوم ابو
اسامة ". لا، سيكون مفاجأة...".شوقني هل يشبه منسف الامس؟

..تعالي خذي الاكل...
تناولت الصحن ما هذا..
"والله يا ابو اسامه هذا غدا من الاخر برضو هذا الشي الي بيشبه كل شي الا البيض ياجماعه حدا يخبرهم ان هذا وقت غدا مش فطور..
رد ابو اسامه "شكلك ياخوي جديد"..."لا والله صارلي 5 ايام"..."لا تستعجل على رزقك اليوم الجمعة واللهبر واللحمة بيجوا وقت العشا... "
.بقيت انا بين تساؤلاتي،.ترى لماذا لم يستدعيني احد، يبدو انهم اقتنعوا اني لا اعرف
شيء...انتهى اليوم وانهكني الانتظار والتفكير بالمجهول...صدق ابو اسامة وكان موعدنا مع اللحم على العشاء شيء يشبه قطعة دجاج مع ريشها رغم صغرها، وقليل من الارز وربما هذه فاصول يا...لم استطع الاكل فمنظره لا يشجع على تناوله ابدا وضعت الصحن جانبا
انه العشاء ولم يستدعيني احد ماذا يحدث؟ باليوم الاول انهكوني واليوم الثاني كادت روحي تخرج من جسدي واليوم لماذا تركوني هكذا ماذا ينتظرني.....انتهى اليوم
واشرقت شمس السبت...كنت كل يوم على موعد مع شروق الشمس اجهز نفسي
واحضر طعامي وفي تمام السابعة اتوجه الى مكان عملي في احدى المخايط... 3ايام لم
ار شروق الشمس ولا تجلي القمر....لا ادري اين انا وماذا يرودون مني والى متى سابقى هنا..... امي كانت تحدث ني عن معانتهم عندما يذهبون لزيارة خالي...هل ستعود
امي لتعيش الالم ذاته والمعاناة ذاتها...كفى كفى يا عقلي اصمت قليلا اتركني....غدا لابد وان يخبروني ماذا افعل هنا....ليت خالي يزورني فهو اليوم من كبار المحامين في منطقتنا، درس وهو في المع تقل..
جاء الغد ليس فيه الكثير، الانتظار القاتل والقلق من المجهول..وجبات السبت مختلفة
تماما عن باقي الايام التي مرت، فهم لهم طقوسهم بهذا اليوم وشيء متعلق بالطعام....اللهم عفوك ورضاك ماهذا الطعام اعتقد هذه فصوليا وهذا الحب حمص وبيض مسلوق معهم لا اعتقد انعم يتناولون هذا الطعام....منذ الاربعاء لم اعرف طعم الزاد امي اشتاق اليك.... يطلبوني للتحقيق اكيد....انتظرت وطال انتظاري.. عادت اصوات المعتقلين
"ابو اسامه ابو اسامة"..."خير يا شباب مين بنادي"..."ابو اسمة انا محمد من اليامون شو القصة من مبارح ماحد سالني ولا استدعاني"..."خيا محمد اول اعتقال الك"..."اه
اول اعتقال ليش ممكن الواحد يعتقل اكثر من مرة؟"..."اه محسوبك الاعتقال الرابع، يا خوي جمعة سبت مافي ضباط وهم بالعادي بستخدموا هذا الاسلوب للعب بنفسية المعتقل نوع من الضغط والتعذيب النفسي شد حيلك يامحمد وخليك قوي...ولا تخاف السجن للرجال...."،
انا لست برجل انا انثى اذا هذا ليس مكاني اريد ان اعود الى حضن امي..نعم احتاج حضن امي، صحيح اني الان ابلغ من العمر 26 عام ولكني لم اكبر على حضن امي احتاجك جدا يا امي.....
لم تطل غيبتهم "قومي قومي قومي تعالي هون. ".مرة اخرى قيود اخرى يا الله هون علي وهون على امي غيابي عنها...صعدنا الدرج وانا اتحسس طريقي رويدا رويدا...فالقيود كالكلاب التي تعض ولا تترك
...دخلت الغرف فك قيودي وكبلني الى الكرسي نزع العصبة عن عيني بقوة كتمت
صرخة كادت ان تفلت مني، المني اعلم انه تعمد ذلك...هل فكرتي؟؟ تركناك يومين لتراجعي حساباتك وتفكري فماذا قررتي هل ستتعاوني معانا؟....
لماذا ترفض ان تصدقني؟ ايعقل ان تجلبوني الى هنا لان اخي معمر بلا رخصة
رخصة !!....قسم مخابرات يجلبك على رخصة!! مخابرات يعني امن اسرائيل يعني انت لعبت بالامن..
يا الهي ماذا يقول هذا وكيف لعبت بامنهم لست افهم....صمت ليس لدي ما اقول
.اريد محامي..
.احكي كل ما عندك لنسمح بالمحامي
ما عندي شيء اقوله ماعندي شي
ارعد المحقق وابرق والشرر ينطلق سهاما من عينه ينذر بسوء كبير...
كما تريدين،لا تحكي ولتبق هنا
...صرا خه دوى في ارجاء المكان كله هو يصرخ وانا اجتهد واضغط على نفسي كي لا
يلاحظ خوفي نهض واغلق الباب بقوة..ماذا الان يا لينا ماذا سيحدث...جلست انتظر وانتظر وانتظر..هل اذن ابو اسامة الان الظهر ام اذن للعصر.....هنا لا يمكنك معرفت الوقت....دخل رجل عجوز كبير في السن شعره ابيض لحيته بيضاء....ماهذا شيخ معتقل...كل من في الغرفة نهض ليحي يه ترى من هذا.. سالني طيب هل ه و
انت شو بقربلك حسين ياسين....
بكون خالي...
خالك اخو امك اللزم...
نعم..
.بتعرفي انو خالك قعد على نفس الكرسي وبنفس الغرفة وانا حققت معاه خالك كان عنيد وراسه يابس لهيك انحبس 14 سنه لا تكوني مثله، ضعي عقلك براسك،احكي كل شي وعودي لحياتك....خالك ركب راسه وما حكى والنتيجة 14 سنه....احكي كل شي
...ماعندي شي ومابعرف لم انا هنا اخبرني ما الذي تريد ان احكيه وانا احكي –
.انا نصحتك وانت حره....
حاول معي وحاول لكنه خرج يجر اذيال خيبته لم يستطع ان ياخذ كلمة واحدة مني فرحت بهذا الانتصار...
اسمعي انا اعطيتك فرصة وانت مابدك تحكي فكي قيودها...تعالي معي - وين بدنا نروح؟
...حاولت ان اشغل نفسي باي شيء خفت كثيرا كنا نسمع عن اعمالهم القذرة وما يفعلوه مع النساء لم تساعدني قدماي على السير شدتني المجدة من قيود يدي وجرتني، طلب انظري من يجلس على الكرسي ”مني ان اقف امام باب مغلق لكن فيه شباك صغير....
... "لا ارى شيء"... فتح الباب...."انظري جيدا من هنا الا تعرفيه؟.. "
".لا لا لا مستحيل اخي سعيد ماذا يفعل هنا لا لا..
جاء الصوت من الداخل
"ما اسمك "
"سعيد.. "
"اسمك الكامل "
"سعيد احمد صالح جربوني.. "
"قديش عمرك.. "
"24 سنه.. "
.تجمد الدم في عروقي امي ماذا فعلت والضربة اصبحت مزدوجة؟ كيف اخذو اخي ومنذ متى ه و هنا، الدنيا تلف بي كدت اسقط على الارض، تماسكت قليلا، ولملمت شتات روحي رغم
نزول دموعي دون استئذان...اعادني الى الغرفة وقال بعد ان قيدوني
..".شو رايك بدك تحكي ولا اخوك يعفن بالسجن... "
اخي لا دخل له...شوبدك بحكي بس اخي ما دخل له.... "اخي نبض وريد امي هو روحها وهو حياتها كيف تجرؤوا على سلبها اياه امي كيف انت وماذا فعلت اه يا امي سامحيني "
..."بدك تحكي.... "

انت قل لي ما احكي وانا احكي."..
اسمعي ابو العبد عنا فاحكي كل شي احسن الك ولاخوك..... "
"ولكن كيف ابو العبد استشهد في معركة المخيم لا غير صحيح ما يقوله لابد وانه يحاول الايقاع بي"....
ابو محمد عنا فاحكي احسنلك "
...تحدثت الى ابو محمد قبل اعتقالي باسبوع اساله عن اخوانه اخبرني بان ابو العبد استشهد وبعدها لم اسمع اي خبر عنه يبدو ان ما يقوله صحيح
".لينا انا بنصحك اذا بدك مصلحة اخوك احكي عشان يروح عند امك
"بدي اروح الحمام "نظر الي باستغراب.. وكانه عرف ان الحمام هو ملاذي في كل مرة، واني اهرب اليه من هذا القيد وتلك الاسئلة المصدعة
."بدك تروحي على الحمام مافي حمام احكي كلشي عندك اولا وبعدين بنشوف نوديك الحمام.. "
.دخلت شرطية تحمل صنية كبيرة عليها اصناف شتى من الطعام هذا طعام معالمه واضحة جدا.. الحمص والسمك المقلي والسلطة كل شيء جميل ومرتب... قال بمكر: "تعالي كلي "... "
مابدي بدي اروح الحمام "... "
هذا مش اكل زنزانه تعالي كلي وقت الاكل خلص وما في غذا ".. "
مابدي ".... "
بس انت بتحبي السمك كثير شو بتقولي عنه عشقك السمك "
يا للمكر. كيف عرفوا ومن اخبرهم بهذا ".....
"الشرطيه خبرتني انو صارلك 4 ايام من غير اكل لهيك انا طلبتلك سمك
"مابدي شكرا... "
.صدقا. مبدعون في تصميم التعذيب لا يترك اثرا على الجسد لكنه يحفر حفرا في اعماق الروح.....
"اذا ما بدك تأكلي احكي عشان اخوك يروح ولا بدك اجيب اختك كمان وامك "
"اختي وامي لا اكيد بحكي شو بدك..... "
"وين تعرفتي على ثابت ".... "
مين ثابت ما بعرف حدا بهذا الاسم.... "
"الظاهر انت ما بتحبي اخوك ولا اختك ولا امك.... "
"بعرفش والله مابعرف "
.اه انت بتقوليلو ابو العبد...بس ابو العبد استشهد هيك سمعتوا بالاخبار.... لالا ه و بسبع رواح وهاي عنا وحكى كل شي "... "
انا ما بعرف شي... "بدا صوته يعلو ويضرب الطاولة بقوة :..".مابدك تحكي بالمليح بتحكي بالعاطل..انت ابوك ماعرف يربيك وانا بدي اربيك ".....خرج من الغرفة يتوعد، ولم تكن مصادفة ان يدخل اخر مرتد يا قناع الطيبة والحنية...
"مالو بصيح بعرفش يتعامل مع بنت حلوة متلك..ماراح اسمحلو يصيح عليك بعد اليوم شو. احكي الي عندك وما تخافي منو هذا بعصب هيك احكيلي انا وانا بساعدك "
لذت..صمت، صمت وفكري مشغول باخي وامي واختي...ترى هل من الممكن ان يفعلوها ويحضرو امي واختي يا الله كن لهم عونا يا الله كن لهم سندا يا الله ليس لنا سواك يارب...
"انت مابدك تحكي "تغير صوته فجاءة. وعلت نبراته وظهر وجهه الحقيقي لم ينجح في اخفائه لفترة اطول فصمتي اخرجه عن طوره وتصرف على طبيعته...
.- ترى كم الساعة الان لماذا اشعر بالنعاس هل دخل الليل...
قال : دخل الليل وبدات عصافير الصباح بالزقزقة.
اريد الحمام من الصبح وانا اطلب الحمام...
لم يسمح لي ولكني بقيت كلما سالني شيئا اكررت طلبي ا كثر حتى سمح لي باستعمال الحمام، وقفت بباب الحمام طلبت من المجندة ان تفك قيود يدي رفضت. وقفت افكر"، لكن كيف؟؟....".دخلت الحمام وبعد صراع مع القيود استطعت ان اجلس على كرسي الحمام..لا لا ماهذا الدورة الشهرية، ليس وقتك الان ماذا سافعل
من خلف الباب طلبت من الشرطية فوط صحية.... تحدثت اليها بلغة عبرية ركيكة طلبت منها "اولويز "تحد ثت عبر جهاز بيدها وبعد وقت طويل ناولتني باكيت، ما هذا الترف! فانا اعرف انهم يمنعون هذا عن الاسيرات كنوع من انواع التعذيب، فهل هناك فخ اخر... الموقف محرج اعتقد انها اخبرت الضابط بالموضوع..دخلت الغرفة وكانت تعلو وجهه ابتسامة صفراء.... "مبروك مبروك.."حصل المحظور
تمنيت لو ان الارض انشقت وبتلعتني.....قيدتني الشرطية.....بدأ الوجع يدب في بطني ماذا سأفعل الان "......انا م نذ الامس وانا على هذه الجلسة،قلت باستياء اعطيني ورقة بيضاء اوقع عليها وانت املها بما تريد "وبخ وقاحتي حسب تعبيره وبقي يستفزني بالاسئلة

انتهى الليل.اليوم الخامس انتهى ودخلنا باليوم السادس وانا ما زلت اجلس على الكرسي مكبلة اليدين والقدمبن تعبت يا الله اريد ان انام...كلما سهت عيني وانا جالسه على الكرسي كان الضابط يصرخ بصوت عال
"اه بدك تنامي طيب خلينا نخلص الموضوع انا بروح عند ولادي وانت بتروحي تنامي.. "
".ليش ما بدك تصدق انا ما بعرف ليش انا هون ولا شوبدك مني احكي...... "
".انا راح سهل عليك الموضوع مين حسن ومين حسين ومين احمد ومين عمر "
"-..ما بعرف، مين يعني هذول؟؟.."
".- راح اعطيك اخر فرصة، هذول انت اخذتي هوياتهم صحيح "
"صحيح كنت مسجلة لمسابقة وسجلت اكثر من اسم "
..تغيرت معالم و جهه. ونظر الي نظرة كلها غضب سيصرخ الان....."اسمعي انا بحبش اسلوب بعض الضباط هون انهم بصيروا يصيحوا ويعصبوا انا بحب الهدوء لهيك راح اعطيك فرصة ثانية....طيب اخذتي هوياتهم لمين أعطيتهم لأبو العبد لشو...... "
"ابو العبد حكالي انو السلطة عم بتلاحقوا هو ومجموعة من صحابه لانهم مش فتح وبدهن يهربوا ويدخلوا عنا حتى السلطة ما تعتقلهم...... "
"انت ما بدك تتعاوني ولا بدك اخوك يروح وبدك كمان اجيب اختك ليش لا "
..نهض وشرر الغضب يقدح في عينيه "ترى كم الساعة الان"...اخ يا اخي سامحني ياعمري..الله يلعنهم اسال الله ان يربط على قلبك وقلب امي كيف هي الان وانت نور
قلبها"....اطلقت لروحي العنان تحلق بعيدا هناك حيث امي تجلس امي كيفك حالك يا
امي اشتقت لك كثير امي لا تخافي ولا تحزني فالله معنا...امي اخي بخير لا تقلقي عليه
لقد رايته وهو بخير....سافعل كل ما يطلبوه مني حتى يتركوا اخي لن اسمح ان يمسه اي سوء باذن الله فقط دعواتك يا امي..غفوت قليلا وانا جالسة على الكرسي لا اعلم كم من الوقت دخل ضابط اخر...
"انت بعدك هون ما نزلوك على الزنزانة هذول كيف هيك بعملوا جابولك اكل؟
"مابدي اكل بدي اروح الحمام...... "
"انت بتحبي تعذبي حالك ريحي حالك احكي كل الي عندك عشان انت تروحي واخوك
كمان يروح "
"-.اذا بحكي شوبدك اخي بروح"...."طبعا وانت كمان بتروحي "
"طيب قولي شو احكي يعني شو الي لازم احكيه "
.بدا يصرخ بطريقة جنونيه ارعبتني جدا وكان يتفوه بكلمات قاسية وقذرة جدا يتهني باشياء اخجل ذكرها ويهددني لدرجة انني لم احتمل وانهرت بالبكاء....وفي قمة غضبه دخل ضابطين اخرين.....
"انت شو بتسوي ليش هيك بتصيح عليها اطلع برا....
مابدها تحكي....
اطلع برا ممنوع تصرخ هيك عليها.... "
نظر الي المجندة وطلب منها ان تحضر لي كاس ماء....
لم اشرب ساعتها، فقد خفت ان يكونوا وضعوا بالماء منوم او شيء للهلوسة ليتمكنوا من اسقاطي او اي فعل اخر
.".لو سمحت بس بدي اروح الحمام.. "
"صح انت بمحظور.....لازم تروحي الحمام.... "لم انظر في عينيه ولم اعطي كلامه اهتمام الا اني تمنيت امنية السيدة مريم العذاء "ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا "
.فكت قيودي المجندة من الكرسي لم استطع النهوظ ترى منذ متى وانا جالسه على هذا الكرسي اللعين كيف ساقوم الان، اشعر كـأن ملابسي كلها مبللة.تلكأت في النهوض وانا احس ان عيونهم كلها في ترصد ثيابي
".-.مالك شو في ".
"رجلي بوجعوني مش قادرة أقف.... "
رفعتني المجندة بحقد، نظرت الى الكرسي "الحمد لله مازال نظيفا "..دخلت الحمام كانت ملابسي مبللة تماما، ماذا افعل لم يسمحوا لي ايضا بالاستحمام حاولت ان اضع اكثر من
فوطة واحدة ولكن كيف ساسير بهذا المنظر..يا الله كن عونا لي يارب....بقيت واقفة لاريح قدمي لم اخرج الا بعد ان استعوقتني المجندة وفتحت الباب علي....دخلت الى
غرفة التحقيق وكان الضابط الاول الذي اس تقبلني موجودا هناك، كان معنيا ان يكون لطيفا معي....فاستغليت ذلك وطلبت منه ان يسمح لي بالاستحمام فانا هنا منذ اسبوع ولم يسمحوا لي بالاستحمام "...
.كيف ما خلوك تتحممي....... "
.اكملت "انا هون من مبارح حتى ما خلوني انام "... "
.مش معقول كيف بعملوا هيك "...."انا راح اخليك تحكي مع امك او حدا يجبلك ملابس بس مابتحكي اي شي غير بس يجبولك ملابس..
".تمام "

.هنأت نفسي لاني عرفت كيف استغل تمثيليتهم،.اتصل على امي اجابت اختي على الهاتف."..
الو خيتا كيف امي انا منيحة ما تخافوا علي "...... "
لينا اخذو سعيد... "
"بعرف خيتا شفتو هو منيح وين امي... "
"يما يما تعالي هاي لينا "
....اصوات كثير تعج في المنزل...
"يما حبيبتي كيفك يا امي "..
يما انا منيحة.. "
"يا بنتي حبيبتي يما اوعك تخافي خليك قوية تخفيش يما غمه بتزول يما خليك قوية اخوك معك ".... "
.اه يما معي هو مليح لا تخافي "بدنا ملابس جبيلنا ملابس.. "
حببيتي يما، بجيبلكم يما ربنا يحميكم يما ويرجعكم سالمين لقلبي مافي طعم للحياه يما وانت مش هون... "
.يما الضابط بدو يسكر الخط....
.وبدات امي في شتمه وشتم دولته اغلق الهاتف ".....
هيك بصير انا عملت معاك منيح هيك امك بترد لمليح."..... "
امي قلبها محروق على ولادها.... "
"واحنا قلبنا مش محروق على ولادنا الي بموتوا بالعمليات الانتحارية "..... "
كل عمليه بتصير رد على جرائم الاحتلال الي بتصير ضد اهلنا بالضفة وغزة
"....."يعني انت بتايدي العمليات الانتحارية"...."ما بايدها بس هذا شعب اعزل ومافي طريقة ثانية يدافع عن وجودوه عن وطنه"..."يقتل اطفال مش حرام؟؟"....."يمكن بكل العمليات الاستشهادية الي صارت 3 او 4 اطفال راحوا بس القصف على غزة الاف الاطفال راحت انتم اطفال قاعدة على مقاعد الدراسة قصفوتوهم بمنطقة قانا......انت
بدك تذبح هالشعب وما بدك اياه يعترض.. بدك تهين اخته وامه على الحواجز ومابدك اياه يعترض....شباب بعمر الورد استشهدت مابدك يعترض..انتو الي بتقتلوا الاطفال وانتم دمرتم بلادنا "
."شو هذا انت قلبك ملان علينا...حسين جربوني شو بقربك "
.بكون خالي.
.واحمد جربوني..
.بكون ابوي....
يعني فرخ البط عوام مش هيك بقول المثل عندكم.....يعني انت بتايدي عمليات انتحارية
....
.اكيد ما بايد العمليات الاستشهادية لاننا لدينا اخلاق و دين لكن لما مافي غير هذا الطريق فلهم عذرهم ليعملوا ما يستطيعون ليدافعو عن انفسهم
.لم يسالني عن اي شيء ولم يصرخ بوحهي وسمح لي ان اكلم امي وسيسمح لي ايضا ان استحم. اكيد هناك شيء ما قادم فمن المستحيل ان يكون في مغتصب حقك ضابط حسن الخلق، رن الهاتف..
"جابو لك الملابس نص ساعة بجبوهن لهون..عفكرة انت ضعفانه صحيح بنفع نفتح هون مركز لتخسيس كل الصبايا بتيجي صح "
...دخل مجند يحمل معه كيس الملابس وكان يحمل ايضا بيده مصحفين امي لم تنسى ان
تضعه ما، كان يحمل زرفين لا بد ان واحد لاخي ايضا... فكت المجند قيودي وخرجت من المبنى الى مبنى مجاور كان هناك الكثير من السجينات طلب مني الضابط الا اتحدث
مع احد "معك 10 دقائق "

....طرقت المجندة على الباب طالبة مني الاستعجال...كانت المياه باردة جدا وكان
الطقس بارد لم اعرف كيف استحملت برودة الماء.. لكنني حظيت بحمام...عدنا على المكتب ظننت انه سيسمح لي بالذهاب الى الزنزانه لانام قليلا.. لكنه تعجل طلب اجره مباشرة وقال
"انا كنت منيح معاك صح..وانت لازم تكوني منيحة معاي.....شو علاقة بابو العبد
....وانت حكيتي معاه مرة وطلبتي انو تشتغلي معاهم...وحكت يلو انو العملية الجاي لازم تكون قوي وتعلم باليهود "
."انا حكيت هذا الكلام امتى ".... "قبل 4 اشهر"...."صدقا لا اذكر بس اذا انت بتقول انو صار خلص صار، يعني اخي امتى بروح "....
 "وانت بتروحي كمان "لكن احكي.....
طيب شو بدي احكي..
انت من وين بتعرفي ابو العبد وشو علاقتك فيو....
عرفني عليه راسم صديقي...
انت بتعرفي انو هذا مطلوب اول النا قتل كثير اسراءلين....
بس انا من وين بدي اعرف انو مطلوب.... و لو عرفت انو مطلوب شو يعني.....
كنت لازم تيجي وتبلغي عن مكانو كل هذول الي انقتلو على يدو انت شريكة فيهن لو بلغتي عنو كان ناس كثير بعدها عايشه...
.كيف يعني ابلغ عنه؟ يعني اكون جاسوسة على اخي ابن ديني؟ كيف يعني بدك اهل بلدي كمان يقتلوني وينادوني بالعميلة.....
طيب وبعدين شو صار....
.ماصار اي شي بس راسم حكالي هذا ابو العبد ما حكى شي ثاني...
بس راسم حكى غير هيك... وابو العبد حكى غير هيك....
ما بعتقد ا نهم حكوا وما بذكر
....انا بحكيلك انهم حكوا.....
طيب خلص معناها شو مطلوب مني..
مطلوب انك تحكي انت كل الي عندك......
.تعبت يا الله متى سينتهي هذا الكابوس.....
.بكرا عندك محكمة بتعرفي......
محكمة شو.....
لما تروحي بتعرفي بكرا على الساعة 8 كوني جاهزة......
ربما سارى امي غدا يا الله ستكون هذه الليله اطول ليله ستكون.....
نزليها على الزنزانه.
.واخيرا.....دخلت الزنزانه لم اسمع صوت ابو اسامه..؟.سمعت صوت ينادي باسمي لينا جربوني هون...لينا جربوني هون...هل اجيب ام الوذ بالصمت لا اعرفه فلماذا ارد
عليه لينا اذا انت هون بحكيلك راسم مش هو الي حكى الي حكى عنكم ابو العبد
......القيت بجسدي المنهك على ذاك الشيء الذي يشبه الفرشة رغم الارهاق والتعب الا
اني لم استطع النوم انتظر الغد بفارغ الصبر غدا سارى امي، مر اسبوع او اكثر فانا لم
اعد اعرف الايام من بعضها........لم انم سمعت صوت الاذان ونادى ابو اسامة يا شباب صلاة الفجر..........بقية من ساعات قليلة، ثقيلة جدا هذه الساعات...........فتح الباب انها الثامنة امي اشتاق لك يا امي...........دخلت قاعة الم حكمة لم يكن احد لم ار امي ولكن لماذا لم تاتي هل اصابها مكروه....دخل خالي حسن القاعة بصفة محامي سالته عن امي.. رغم اعتراضهم ومنعهم لي من الحديث...حاول خالي الاقتراب مني لكن لم يسمحوا له فسالته بصوت عالي عن امي...
بخير بخير بس منعوهم يدخلو.......الكل بخير.....
لم اسمع ما دار بالمحكمة دقا ئق معدودة واخرجوني لم يسمح وا لخالي ان يسلم علي او يتحدث الي.......اخرجوني بسرعة.....اه يا امي لو رايتك اليوم لرفعت معنوياتي.....عدت ال مركز التحقيق عدت الى معاناتي يارب اسالك ان تكون معي يا الله

وصلنا وادخلوني الى غرفة صغيرة سالتها ماذا الان.....تفتيش...تفتيش شو، مانت كل الوقت حدي لا شفت حدا ولا حكيت مع حدا؟
....هذا قانون لازم تفتيش.......
اغلقت الباب وتركت شقا فيه..... طلبت منها اقفال البابفرفضت وكررت بخوف "ممنوع ممنوع هيك الباب مسكر "ثم امرتني بالتعري كليا، اشتطت غضبا، ما الذي يجري انا
لن اتعرى، رفضت باصرار، فهددت بجلب المجند الرجل لتعريتي، وقفت منكسرة لا املك اي دفاع عن نفسي، لا يوجد في الخارج اي معتصماااه لاصرخ باسمه، انا التي احجل ان ابدل ثيابي امام امي.. ساتقي المجند باطاعة المجندة
...بدات اناولها ملابسي قطعة قطعة وكانت ترفض ان تعيد الي القطعة التي تفتشها
وهكذا وقفت امامها عاريه تماما كما ولدتني امي، كانت دموعي تملء وجعي تمنيت لو ان امي لم تلدني ولم اعش هذه اللحظة تركتني عارية واخذت تناولني قطعه قطعه وتعيد تفتيشها كأنما هذه فرصتها لاذلالي، وتتمتع بذلك
انته هينا.. وعدت.اجلس على الكرسي مقيدة اليدين والقدمين لا استطيع ان امنع دموعي
.......
شو صار معك بالمحكمة...
.مابعرف طلعنا بسرعة حتى ما احكيت مع المحامي.....
لينا انت بايدك تخلصي الموضوع احكيلي شو في عندك...
. بدات اشعر انه لا يعرف شي ولا يدري لماذا يستجوبني، تماما مثلي، وكل محاولاته لاستدراجي فقط......
ماعندي شي احكيه الي عندي حكي ته، بدي اروح الحمام
..كمان شوي بتنزلي على الزنزانه عشان توكلي انت ليش ماعم توكلي بتعرفي انو ممنوع الاضراب عن الطعام بتتعاقبي عليه...
انا مش مضربة بس الاكل الي بجبو بشبه كل شي في الدنيا الا الاكل
يعني اوصيلك على اكل من المطعم احنا بنوكل نفس الاكل...
...ممكن بس انا ما بقدر اوكلو..
ثم.دار حديث طويل حول الاحتلال وحول المقاومة....الى ان نظر الى المجندة
فكي قيودها واعيديها الى زنزانتها.....
.نزول الدرج اهون من صعودة مع هذه القيود....دخلت الزنزانه جلست افكر بكل شيء
وانا انظر الى المصحف ليتني استطيع ان اقرا فيه...ترى ما فعل اخي هل هو بخير كانت عنده ا يضا محكمة ماذا قالوا له راسي يكاد ينفجر من كثرة التفكير....لا اعلم كم طال جلوسي في الزنزانه حتى عادوا وطلبوني مرة اخرى.. جلست على ااكرسي وقيدتني المجندة للكرسي....
كيف حالك ليش ما اكلتي السجانه قالت ما اكلتي.
....اخي روح امتى بدو يروح انت حكتلي احكي وهو راح يروح وانا حكيت كل شي عندي....
لسه في شغلات ما انحكت.
.شو بدك احكي انا جاهزه..
.بتسمعي عن بلد اسمها يطا هذا مرة واحد معاه مسمار بدقو بالحيط والمسمار مش راضي يدخل فلف من الناحة الثانية يشوف شو المشكله لاقه واحد من يطا راكي الحيط براسو وانت شكلك متل اهل يطا...
.انا كل الي عندي حكيتو مافي شي احكيه انت احكيلي شو بدك احكي وانا جاهزة.
..رن الهاتف وخرج الضابط وبدات المجندة تتحدث الي "تمثيلية اخرى "تسالني لماذا
انا هنا ماذا فعلت ولماذا لا اتعاون حتى اعود الى المنزل استغربت الامر ولكن سرعان مافهمت الموضوع فهي لا تلبس اللباس الرسمي تلبس ملابس عادية سالتها كم تاريخ نيسان اليوم الخميس دخلت الى ذاكرتي علي 29اليوم واي يوم نحن اليوم التاريخ
استانس بذكرى جميله تذهب عني وحشة الموقف..عاد الضابط بعد وقت طويل جدا
اعيد يها اى الزنزانه غدا الجمعه لن يكون هناك تحقيق ولا بعد غد سانام كل اليوم اخيرا، لا ازعاج ولا تحقيق حتى صباح الاحد...كانوا قد وزعوا وجبة العشاء دخلت الي الفراش العزيز واستلقيت وغفوت استيقظت على صوت الابواب تفتح هل يعقل اني نمت يوم ين متتاليين لا بد اني منهكة جدا حتى نمت كل هذا الوقت... الضابط المحقق يفتح زنزانتي
.صار جاي يوم الاحد معقول؟؟...
.شايفة جابوني من البيت بيوم عطلتي بعد نص الليل عشان حضرتك.
.يعني لساتنا بيوم الخميس....
لا..دخل يوم الجمعة بس الساعة 2 بعد نص ليل.. معلومات جديدة لا تحتمل الانتظار
قيدوني من جديد وسحبوني الى غرفة التحقيق الجلسة ذاتها على الكرسي ذاته
الان ستخبريني كل شيء
ماذا تريد ان اخبرك
وبدأت الاسئلة ذاتها تتكرر، والتهديدات ذاتها، واداباتي ذاتها
ما الجديد الذي ادعاه قبل قليل؟ واضح جدا ان لا جديد لديه وانما هي اوامر بعدم السماح لي بالنوم ليلتها
.مضت الايام ثقيله تعب ارهاق تعب نفسي...صحيح انهم لم يضربوني لكنهم كانوا
يضربوا روحي، هم يخافون افتضاحهم بعد كتابات المحامية فليسيا لانجر عن جرائمهم
ويحسنون صورتهم عند شعوب الغرب، ونحن فقط من نعرف فنونهم وقذارة نواياهم، ان
التعذيب النفسي الانتظار والجلوس طويلا على الكرسي مقيدة واعتقال اخي والخوف
الدا ئم من ان ي حضروا امي واختي، الشبح الذي نال من اسيرات اخريات والاكياس المقززة التي يلبسونها في رؤوسنا وقذارة هذه الزنازين ووو و انه اكبر من التعذيب
الجسدي لو كان هناك تعذيب جسدي لزال الالم مع الوقت اما هذا النوع من التعذيب
ستضل ندوبه معلمة في روحي..اخبرته بكل ما اعرفة فعلت ما طلبوه مني واليوم
السابع عشر لوجودي هنا لماذا لم يفرجوا عن اخي لا بد انهم كاذبون،لا لا لا اخي سيعود الى امي ولن يحضر وا امي واختي هذا كله فقط للضغط علي..هناك من ينادي علي
.-.لينا محامي..
.- شو يعني...
في محامي بدو يزورك...
من المحامي لا بد انه خالي حسين ا نا واثقة انه هو كم احتاج الى نصا ئحة في هذا الوقت
فهو عاش هذه التجربة من قبل...كنت اسير الى جانب المجندين بسرعة لم اشعر بالقيد
في قدمي كنت اسابق الريح اريد ان اطمأن على امي واخوتي وعلى وضع اخي وصلت خالي حسن..غريب لماذا لم يحضر خالي حسين لابد ان هناك امر خطير..لم يسمحوا لي ان اسلم عيه و جلس المجندون معنا...
خالي طمني كيف امي وشو عم بصير وسعيد روح....
الكل بخير وبسلمو عليك وسعيد ما عليه اشي بكرا عنده محكمة وبروح انت ديري بالك على حالك وخليك قوية لم يسمح وا لي بكثير وقت اجلسه مع خالي لم تتجاوز الزيارة دقا ئق معدودة...انتظرت الغد بفارغ الصبر غدا سيعود اخي الى البيت..
عندما دخلت لغرفة الضابط في اليوم التالي طلبت ان ارى اخي....
لازم تشوفيه لانو انت ياحرام ابصر متى راح تشوفي اهلك راح تعفني بالسجن...عاد اخي الى البيت ولم يسمحوا لي برؤيته لا باس المهم انه عاد الى حظن امي.
.ادخلوني الى الزنزانه، كانت تجلس فتاه في العشرينيات من عمرها وكانت على وجههاحسنة كبيرة، دخلت سلمت عليها وكانت منهارة، تبكي بطريقة هستيرية وبدات تخبرني بقصتها تذكرت كلام ابو اسامه عن "العصافير ""جواسيس الزنازين والسجون "وانه
علينا التعامل مع كل من نلتقيه بحذر بدات تسال اسائله كثيرة جدا، وفجاة عادت وانفجرت بالبكاء لقد احضروا امي واختي..لا ادري ماذا حدث لي شعرت وكان الدنيا توفت عن الدوران اه يا امي ماذا فعلت "لا بد انها تكذب وهي تريد اخافتي "لم اتحدث معها ولم اجبها كنت اسالها عن امور عادية فقط، عن الطقس والملابس وو
.. بعد ساعات اخذوها..كانت الصدمة الكبرى عندما اخبرني الضابط ان هناك مفاجءة
خاصة من اجلي..لا لا هل احضرت اختي غير ممكن ان تفعل هذا اخبرتك بكل ما تريد يا لكم من اوغاد افرجوا عن اخي ليحضروا اختي....حاولت ان اخفي قلقي وخوفي ودموعي التي فرت من عيني رغما عني...
كانت اختي،.لكن اختي ما الها اي علاقة شو دخلها لتجيبوها...
اختك كنز عندها معلومات كثيرة عنك وحكتلنا كل شي..
ترى ماذا اخبرتهم معقول؟ اعتقادا منها ان هذا يساعدني ويفرج عني ترى ماذا اخبرتهم اخ يا شقيقة روحي.. اريد رؤيتك..
طبعا لازم تشوفيها مش اليوم لما نخلص موضوعنا وتحكي الي عندك.. يا الله ماعندي شي حكتلكم كل شي مافي عندي شي جديد شو بدي احكي
.اسمعي انت اول مرة حكتلك انو احكي واخوك بروح واليوم بحكيلك احكي واختك بتروح شو قصة السيارة والبيت الي كنتو بدكم تستاجروهم لشو شو بدكم تعملو...
اولا هذا كلام مش صحيح ولو صحيح مانا هون يعني لو كنا بدنا نعمل ما عملنا بدك تحاسبني على عمل لم نعمله....
انتهى الحديث وانتهيت معه
اريد ان ارى اختي كيف هي.
.بعد ابام كانت جلسة محكمة التقيت باختي اخيرا في زنزانة الانتظار احتضنا بعضنا
بلهف وبكينا واشرت لها الا تتكلم ولا تسالني اي شيء..بدات اسالها عن امي وعن اخي
وكيف العا ئلة وماذا قالوا، وكيف تلقى ابي خبر اعتقالي ولماذا خالي حسين لا يزورني وسالت وسالت كنت اسالها سؤالا تلو الاخر حتى لا اعطيها وقت كي تسالني هي فعيناها اخبرتني بكل شي
..خيتا احنا كلنا مناح وامي منيحة خالي حسين تعبان شوي وكان بالمشفى الجميع بسلم عليك وبيال عن لا تهكلي همنا كلنا مناح وانا راح اروح ما تخافي بس هني بدهم يضغط وا عليك لم تكمل كلامها سرعان ما فتح باب الزنزانه واخرجوها بسرعة...ومرت الايام وانا لا اعرفها من بعضها
قومي عندك محكمة
محكمة شو قبل اكم يوم ك ان عندي محكمة
قومي محكمة بسرعة...
كان الضابط ينتظر بالخارج....
..هاي محكمة عشان تمديد الاعتقال فترة التحقيق.....
يا الله ابو اسامه اخبر الشباب انه هنا بالزنازين منذ 80 يوما يا الله كون عونا لي يارب..
اختي روحت
لا لسة بتروح لما تحكي كل الي عندك...
طي بدي اشوفها...
.لما ترجعي من المحكمة..
.توجهت السيارة تطوي الطرقات احاول ان ارى شيء منها دون جدوى فالسيارة كلها
اسود كانك بزنزانه متحركة حتى كراسيها من الحديد البارد

دخلت الى المحكمة ولو ان خالي اقترب قليلا لسمع صوت نبضي..لم يسمحوا له بالاقتراب او محادثتي، تحدث النا ئب العام وبعدها تحدث خالي لم افهم كل ما دار بالمحكمة فهمت ان الام ر سار لصالحي عندما سمعت خالي يقول "الحمد لله "عدنا الى الزنازين لتاتي بعد وقت قصير سجانه...
حضري اغراضك بدنا نروح من هون.
.بدي اشوف اختي..
بعدين جهزي حالك اخذت اغراضي ونظرت بتفحص لزنزانتي ودعوت عليها بالخراب التام حتى لا يدخلها احد بعدي..سرنا طريق طويل كنت اسير ببطء فشدة القيود على قدمي ويداي المقيدتان للامام تحفر في لحمي، لم اكن اعرف يومها بان علي حمل كيس حاجياتي ايضا
سرت وانا احمل الكيس بيدي المقيدتين واجر قدم اي جرا....وصلنا الى مكان كتب عليه مركز توقيف الجلمة دخلنا، ادخلتني لغرفة لتفتيش..لم اعترض اسرعت وخلعت
ملابسي بسرعة حتى لا يضيع الوقت ويقولوا اني تاخرت واني لن ارى اختي..انتهت
السجانه من تفتيشي اين اختي اريد ان ارى اختي، ادخلو ني الى غرفة...دخلت، كان اسيرات اخريات كنت اعرف اثنتين منهن التقيت بهن بالزنازين واسيرة اعرفها كنا نعمل بنفس المشغل..جلست اقتربت مني احداهن
شفت اختك لميس كانت بالمحكمة اليوم..
يعني معقول روحت ليش ما اجت معك كانت بعد ساعات من القلق والتفكير سمعت صوت اختي تتجادل مع السجانه ترفض انت تفتش ناديتها بكل قوتي
اختي انا هون تعالي.
.لينا خيتا وينك.
هياني خلصي وتعالي
دخلت اختي غرفة التفتيش بسرعة ثم جاءت الي مسرعة، كان شوقها يسابقها، كنت بدوري انتظارها بلهفة، احتضنا بعضنا وبكينا،امسكنا بادي بعضنا بقوة ودون ان نعرف ما ينتظرنا،ا بدانا سويا مرحلة جديدة بعد فترات التحقيق الجاحف.

جيهان فؤاد دحادحة

رام الله سنة الاعتقال : 2006
صراع في الظلام

الجو بارد، نهاية شهر كانون الثاني، والناس منهم النائم في السيارة "الفورد "ومنهم من يحدث أحدهم على جواله وأمي بجانبي تنام من تعب الطريق، فقد كنا بزيارة لصديقة لنا ليومين، طريق طويل شاق، الى أن وصلت بنا السيارة الى حاجز عطارة، لحظات قليلة و كانت سيارة الجيب الاسرائيلي تقف أمامنا،نزل الجندي وطلب بطاقاتنا الشخصية، اخذها وإبتعد نحو سيارته، بضع مكالمات في اللاسلكي ومن ثم عاد برفقة اثنان أخرين وقال:

 جيهان انت موقوفة

تلك الكلمة التي هزت أركاني نظرت مباشرة الى أمي لأرى صدمتها الأولى لاعي تفاصيلها كيف إختلفت، لكن الوقت لم يمهلني
أنزلوني من السبارة وأقتادوني الى غرفة صغيرة في منتصف الحاجز، هناك بدأت الافكار تتزاحم في مخيلتي ماذا سيحصل الآن، قيدوا يديَ وأعطوني جهاز الجوال خاصتهم وكان على الطرف الاخر من يدعي أنه ضابط المنطقة سألني عن إسمي وهويتي ومن برفقتي ومن أين جئت وأسئلة كثيرة ختمها وقال أنت موقوفة لدينا
جاءني الضابط المتواجد على الحاحز باسماً ليلقي علي تحية الصباح

 اي صباح هذا وا نا موقوفة في وطني، انت في ارضي فأي حق لك أن توقفني
 هذه ارضنا) مابتعرفي وين الهيكل (- اي هيكل هذا الذي تزعمون؟ لأي سبب توقفني - ستعلمين قريبا،،

وأمي، إنها تقف وحيدة، دعها تعود للسيارة "؟؟
لا، سنتركها الآن بعد ان تأتي حافلتنا لنقلك،، — الجو بارد وهي إمرأة كبيرة، وليكن بعلمك أنني أيضا لن اتحرك معكم إلا بوجود مجندة وهذا حقي القانوني قال بتغيظ

 ل نفتشك وسحب يدي، افلتها منه وقلت

 كيف ستفتشني انت؟ عندما تأتي مجندتكم هي من ستفتشني نظر نظرة غاضبة واخذ يتحدث بالعبرية عبر مخشيره "اللاس لكي "،، اكملت الطريق الى البرج الذي يضعونه عند الحاجز،، كانو قد اغلقو ا الحاجز بكافة جهاته

دقائق قليلة و جاءت سيارة اسرائيلية اخرى اخرجو من داخلها جهاز وقامو بفحص السيارة التي كانت تقلني،، خلال هذا الوقت جاءت بوسطتهم "سيارة لنقل الاسرى يلفها الشبك السكي من كل نوافذها، وجاءت المجندة، كانت تنظر الي وكأنني كائن جاء من المريخ،ترتعش مرتعبة وهي بسلاحها، و قوية انا بايماني بعدالة موقفي، وبالحق الذي استند اليه ذهني مشتت حول والدتي التي كنت المحها بين الحين والاخر وهي منهارة تبكي بحرقة، ا فقت من شرودي بامي والم جندة تطلب مني نزع جاكيتي
للتفتيش قلت لها ليذهب هذا المجند وفكي قيدي اولا كيف ساخلعه هكذا؟!! نظرت كالبلهاء،ونادت
احدهم ليساعدها بفك قيدي ومن ثم قامت بتفتيشي،،، وطلبت من ي الذهاب ل لحافلة، اخدت اجر السلاسل التي وضعوها بقدمي وامشي للبوسطة ناظرة لامي التي كا نت تضرب وجهها من هول الموقف، وكانت اول دموعي رأفة لمشهدها
صعدت الحافلة بصعوبة اجر سلاسلي،، كان الحاجز مزدحما بالسيارات على كافة جوانبه الناس ينظرون من شبابيك حافلاتهم باستغراب او
استهجان، لا اعلم لكن كنت ارى العالم كمن ينظر من نافذة صغيرة،، كل شيي حول ي تلاشى، سوى
نظرات الجنود بالبوسطة وهم يتحدثون ضاحكين،، سارت بي الحافلة الى المجهول،، ومن عظم هول الموقف هربت لم يستطع عقلي البقاء،، نمت لاصحو كل وقت وارى نظراتهم تغيرت الى استغراب وكانهم يقولون كيف تنام في هكذا وضع،، لا يعلمون انني من عظم توتري اهرب للنوم،، انظر من النافذة لاعي اين وصلوا بي ومن ثم اعود لاغفو ثانية، وهكذا الى ان وصلنا لمكان تس طف به الكثير من السيارات،، انزلوني من البوسطة وسلمو ا
جوالي لاحدهم، تحدثو مع بعضهم ومن ثم ا عادوني الى بوسطتهم، وعدنا الى نفس الوضع اغفو واصحو لارى اين انا لاجد نفسي بمكان اخر انزلوني الى مبنى وهناك قالو لي ستقوم الطبيبة بفحصك،، احاول ان اعود بتفكيري كيف كانت تلك الاحداث، لاجد ان جزءا منها قد غيب، اتذكر انها قامت بسؤالي عدة اسئلة تخص صحتي وما ان كنت حامل وكيف غضبت عليها وقلت لها قلت لك انني غير متزوجة كيف سأكون حامل،،،، بعد فحصهم ه ذا عدت بسلاسلي الى البوسطة وعادت بدورها تسير بي ايضا الى المجهول، بالطريق لوحات تعريفية على الشارع، فهمت من ها ان الاتجاه للقدس،، عدت اغفو لاهرب من واقعي لافتح عيني مرة اخرى واقرا لوح ة مكتوب عليها
المسكوبية مقر للتحقيق الامني "،، فهمت إلى أين
سأصل، وصلنا توقيف المسكوبية قامو بإنزالي من البوسطة نزلت بصعوبة جارة سلاسلي لاصعد درج ينتهي الى باب خشبي كبير،، فتحو الباب
وادخلوني، لادخل محطة جديدة وصراع جديد تفتيش دقيق للحقيبة وكل ورقة فيها، وكل صورٍة
يخرجونه ا يسالوني لمن هي ومن ثم ادخلوني مع مجندة الى غرفة بغرض التفتيش،، التتفيش الان كان ادق لم تدع لي اي دبوس بمنديلي او وشاح البسه حتى الحزام الذي كان بجلبايي صادرته كانت تتناقش معهم بصوت عالٍ خلال التفتيش وعندما انهيت اخرجتني ليضعوا قيد يدي وعصبة على عيني
وسلاسل بقدمي ومن ثم ساراو بي الى طريق مجهول اخر داخل مسلخهم،، وصلنا بعد عبور طويل واحاديث لا افهمها يتحدثونها مع بعضهم كلما صادفنا احد،،
كنت احاول ان استرق النظر من تحت عصبة عيوني محاولة ان اجد اين اضع قدمي وانا امشي دون جدوى
مشينا الى ان اوقفوني فجاة و سمعت اصوات مفاتيح كثيرة احاول ان اتصور ماذا سيحدث الان،، فتح الباب ادخلوني ومن ثم ازالو عصبة عيني اخدت انظر اين انا مصدومة من هول المشهد صورت لي الان رواية كنت قراتها قبل اعتقالي)ستائر العتمة (للرائع وليد الهودلي اخذت اتذكر وصف المكان الذي انا فيه هي الزنزانة بتفاصيلها المعتمة،،، فكوا قيودي، خرجوا واوصدوا الباب،،
بقيت واقفة انظر الى سطور الرواية وانا ارى وصفا مر علي،، تلك الحيطان الاسمنتية الخشنة ذلك البرد القارس فتحة السقف الذي يخرج الهواء منها باردا، حشرات مأسورة في غي اهبها، رائحتها الكريهة

اربع جدران دون اية نافذة استعاضوا عنها بمروحة في السقف يشغلونها حسب اهواءهم الفاسدة ثم تجد في احدى زواياها مقعدا لقضاء
الحاجة،، كانا يومان عصيبان مرا وانا بصراع مع نفسي واحد وعشرون يوما في تحقيق المسكوبية استطاعت ان تأخذ من روحي الكثير لكن معية الله فوق كل شيئ.
في اي اتجاه ستجد الراحة، كل الانجاهات قبلة هنا في هذا الظرف، اقف بين يدي الله اناجيه بقوة "ل تكن ربي داعما لي ولكل القابعين هنا بالزنازين المقهورة كن عونا لنا في هذا الحال إنت الله، انت أعظم من أن
تتركنا ونحن في أشد الحاجة إليك.

توقف الزمن، الساعات لا تمضي وانا في غياهب زنازينٍ لعينة في المسكوبية، تدور المعارك والافكار في رأسي واقف عاجزة امام هذا الكم الهائل من المتناقضات
وكانني منسية هنا لا احد يبحث عني، كان تاريخي كان وهما، لا اجد من يدق الباب ليسمع صوتي ليعرف ان كنت على قيد حياة، مميتة جدا هذه الجدران
في اليوم الثالث جاء السجان وادخل مفتاح غليط في فوهة باب مر عليه
مئات ممن دخلواهذا المسلخ، ليضع السلاسل في قدمي ويربط يداي وعصبة على عيني ويأخذني الى المجهول ازقة طويلة نهايتها باب يفتح
لاجدها تجلس على مقعدها بكل ثبات تعرف على نفسها بانها من ستحقق معي اجلس على كرسي مثبت بالارض بنفس الوضعية بسلاسل وقيود يدين من غير عصبة
وقبل ان نبدا، ملأ الاجواء صوت شاب يضرب بالتحقيق ويصرخ، وكانهم يقولون هذا الموجود
تلك المقدمة كانت تكملة لقولها "كان هنا فلان وكان هنا فلان هل
تعرفيهم؟؟ كلهم كانوا هنا وبكل رجولة وضعوا مابجعبتهم من معلومات وخرجو بسلام سيتوقف مستقبلك وستتغير حياتك ان لم تضعي انت ايضا بشجاعة مابجعبتك
هي حرب ارادة كلهم رضخاو حسب قولهم امام جبروت تحقيقهم فأين المفر. تذهب هي الهادئة الحنونة ويأتي المدعو ابا يوسف بصراخه وجبروته وتهديداته ليتعجرف ناظرا الى جهاز حاسوب امامه
اولئك هم عائلتك، كان والدك انسان مسالم لا يعادي احد فلماذا انت تحاربين،
انني لا احارب بل هو حق مسلوب يجب ان يعاد
يصرخ قائلا
) انت وين مفكرة حالك بكرخانة (
نظرت اليه قا ئلة ماهي الكرخانة انت من تعي فقط ماهي يكرر الصراخ محاولا التهجم وتأتي شياطين اخرين محاولين تهدئته ليأخذوه للخارج وتأتي الحنونة لتهدأ الوضع وتقول
كيف اوصلتيه الى هذه الحاله) هيك عصبتيه (هل الحقيقة مزعجة
؟!
يدور حديث طويل هل تعرفين فلان وفلان لنا
لا اعرف احد
اذا ليكن الفاصل كرسي كذب تجلسين عليه يحدد مدى صدقك
هل هذا الجهاز الذي من صنعكم هو الحاكم بيننا،، ثلاث جلسات والنتيجة باستمرار انني كاذبة، ثم رموا بي بزنزاتي لاضرب اخماسي باسداسي،، لم يكن حليفي الا ارهاق وتعب طويل مميت، إستنفذوا طاقتي حتى كدت أفقد الوعي، فأخذوني إلى الزنزانة من جديد الزنزانة مرتبة غريب ماهذا الاهتمام! وآتى صوت من الزنزانة المقابلة.
أخيتي أنت فتاة صحيح؟؟ قد علمت ذلك من ملابسك،،، قلبي ودعائي معك،،
أقف مشدودة للصوت من هذا؟؟ ما سر هذا الصوت أتراه يكون عصفوراً مثل الذين سمعت عنهم سابقاً كوني حذرة فلربما يكن كذلك،، دار حديث قصير عرفت منه أن أسيراً في غيابي وضع في
زنزانتي لبضع ساعات وغادر، وهو من نظف ورتب الزنزانة، ربما لانه عرف أني فتاة فكانت هذه رسالته لي لأستجمع قوتي من جديد،ومن ثم أتوا وأخذوه حسب قوله هو في إستراحة بعد خمسة أو ست ساعات من التحقيق،،
أعود أنا الى أفكاري وتخبطي من جديد،، هل سيكون الإضراب عن الطعام كفيلاً لأن أطمئن روحي بالإتصالٍ بأهلي؟ عندما طرق السجان الباب في موعد الوجبات التي لا تشبه طعام البشر، أخبرته أني لن آكل الطعام حتى أقوم بالإتصال بأهلي فكان الرد بجلسة تحقيق جديدة بهدوء تقول: محققة جديدة
سنقدم طلبك للجنرال وهو سيرى إن أمكن ذلك،، تستمر جولة التحقيق وتقف بقلمها لتكتب لي عناوينها على اللوح وتدور المعارك، فجأة سمعت صوت أخي، يحاول بكلماته وروحه الطيبة أن يلملم جراحي ويعطيني دفعة من القوة، جولات جديدة من التحقيقات، أساليب إرهاق عصبي وانهيارات قوية وجاء يوم ليقول لي
جهزي نفسك سنقوم بنقلك للسجن،،
كلماته كأنها تقول ستخرجين للحرية، كان نقلي للسجن بمثابة طاقة
فرج،، تم التفتيش المبتذل لكل الجسد العاري ثم تم تسليمي
للبوسطة لنقلي للسجن،، عندما خرجت من باب المسكوبية، ومع أول شعاع للشمس، شدني ما رأيت،،، رأيت الناس تمشي والحياة تسير وأنا التي توقعت أن الحياة توقفت منذ دخلت الى المسكوبية، كانت تمشي البوسطة وأنا أنظر بحرية أين السجن وكيف هو،،
علي أجد فيه إستقرار وزيارة أهل وووو لحظات وتوقفت البوسطة ومن ثم عكست الاتجاه "حدث خطأ وسنعود للمسكوبية"،، هكذا قالوا لي لم أنطق شيء لكن بداخلي توهجت نار مستعرة، هل سأعود الى غياهب زنازينهم من جديد ماذا حدث، ولماذا
عدنا أدراجنا للمسكوبية من جديد لجلسة تحقيق إستمرت ساعات
هو أسلوب ضغط حقير يوهمونك بأن التحقيق انتهى وأنك ذاهب لسجنك ومن ثم يعيدونك الى تحقيق أشرس من ذي قبل، لكن المرة بوقائع جديدة،،
صديقتك هنا وقد قالت عنك مالم تقوليه وسنقوم بمواجهتكم لكن يمنع عليكي قول أي شيء أو الحديث معها، لم أجد الا الدموع عند رؤيتها ورغبة عارمة تريد مني ضمها لقلبي
حزناً على أنها ستذوق ما ذقت في غياهبهم،،

دفعني خارجاً ظنا منه أنه أضعف كلانا بهذا اللقاء،، وبقيت يومين في إستجوابات وتحقيقات ثم جاءوا بخبر جديد
تجهزي سيتم نقلك للسجن
يدور في مخيلتي خبرهم السابق، هل هو فخ جديد أم ماذا، مر الوقت داخل البوسطة وكل لحظة أنتظر العودة، لكن هذه المرة كان فعلاً نقلاً للسجن،، تلموند هشارون يهودا قسم ١٢
برغم سجنهم اللعين الا انه كان بمثابة خروج من جحيم المسكوبية،، لا بدا مطاف آخر برفقة من كن عوناً وسنداً لي بمحنتي بل منحتي من الله، سنة ونصف كانت كفيلة لتقلب حياتي بموازينها خرجت بعدها بإستمرار العقاب على رأيهم بمنع للسفر وتقيد للحريات
لكن هي ارادة الله لا ارادتهم وخيار الله لا خيارهم،، فعليا تغيرت
حياتي لكن وبحمد الله كل شيء للافضل والاجمل،، هم يعتقدون أنهم
يكسرون جماح قوتنا وإرادتنا لا يتوقعون أننا نزداد دعماً وقوة وإرادة وصلابة من جديد،، هي إرادة الله أن لا تخمد حربنا معهم منذ الازلية لأننا أصحاب الحق في أرضنا ووطننا
مقاومة الاحتلال شرفٌ نعتز به، ونتباهى به فما من شعب كريم وقع تحت الاحتلال إلا ومارس المقاومة، وما من شعب قاوم الاحتلال إلا ونال حريته.
إن أسرانا ليسوا مجرد أبناء الوطن المغيبين بفعل السجن، بل هم أبطال ناضلوا وضحوا فأفنوا زهرات شبابهم خلف قضبان السجون،
من أجل فلسطين ومقدساتها، وهم أيقونات الحرية،وحملة المجد

نهاد عبدالله وهدان/صالحية

مكان الاعتقال مخيم الجلزون
6/4/ 1986 تاريخ الاعتقال

واقع وليس حلما

في منتصف ليلة السادس من نيسان من عام ألف وتسعمائة وستة وثمانون وقد كانت ليله عاصفة ممطرة وقطرات المطر تتناغم وتنسج ألحانا أسمعها أغاني وطنية، أنا وشقيقتي نتقاسم فراشاً واحداً، نختبئ من برد نيسان تحت غطاء صنعته يدي والدتنا، فنستشعر دفأها وحنانها وننتعش بالأمان كطفلتين تلوذان في أحضانها أخذنا النعاس ونمنا كما لم ننم من قبل
لكن أصواتا غريبة كانت تتسلل إلى أذني فتوقظ حواسي واحدة تلو الاخرى، أصوات طرق وأقدام ثقيلة حول البيت وصوت آخر عرفت أنه صوت اللاسلكي الذي يحمله جيش الاحتلال على ظهورهم إستيقظت وطرق الابواب في تزايد وإصرار، وسمعت والدتي تفتح الباب وتقول "الاولاد ليسوا بالبيت، ماذا تريدون وجاء صوت يتحدث العربيه مكسرة وثقيله "نحن اليوم لم نأتي لنأخذ أبنائك، المطلوبات نهاد وسناء بناتك.
فقلت لهم صارخاً بوجههم ماذا تريدون منهن وقد كان معهم مختار المخيم فقال توكلوا على الله ولا تخافي عليهن ووالدي والدتي يتقدموا بهدوء نحو الغرفة التي ننام فيها يمنعون والدي من الدخول والدتي تقول استيقظوا سناء ونهاد استيقظو يا أمي وهي تضع يداها على الباب حتي لايدخل جنود الاحتلال الى الغرفة ونحن في الفراش فدفعتها المجندة ودخلت الغرفة وقامت بركل الفراش وقالت) يالله تعالوا (فقلنا سوف نغير ملابسنا ليس عندنا أي شئ ماذا تريدون منا. قمنا بإرتداء الملابس والأحذية وأختي الكبيرة تناولت الجاكيت والشال فلم تسمح لنا بإرتداء الجاكيت ووضعنا الشالات على أكتافنا ودخل مجموعة من الجنود الى الغرفة ومعهم ضابط المخابرات الإسرائيلي كان يدعى)أبو نمر (فقال لوالدتي أعطونا الهويات فردت والدتي نهاد صغيرة ليس معها هوية فهي لم تبلغ االسادسة عشرة من العمر معها شهاده ميلاد في هذه الاثناء كان جنود الاحتلال يعيثون في المنزل خراباً ويقلبونه راساً على عقب تناولت والدتي هوية سناء وشهادة الميلاد وناولتهم للمختار، فقد كان يمشى مع الجنود ويدفعونا أمامهم لنخرج من المنزل
صوت والدي ووالدتي وأختي الثالثة الاكبر منا وهي تبكي لا تتركاني وحيدة والدتي أودعتكم الله، والدي الله يسهل عليكم نظرت الى أختي الكبرى وقلت)ما تخافي ياختي انشالله سوف نكون بخير (وسقط نظري
على ساعة الحائط كانت مطرزة بألوان العلم الفلسطيني كانت تشير الى الثانية والنصف صباحاً، سحبتنا المجندة وتابعنا المسير
وصلنا باب المنزل الخارجي فوضعوا القيود في أيدينا وحاصرنا عدد كبير من جنود الاحتلال المدججبن بالاسلحه ومشيا على الاقدام حتى وصلنا منزل صديقتنا) كفاح (القريب من منزلنا، حيث كانت تتواجد مجموعة كبيرة من الجنود، معهم والد كفاح كان يقف بينهم شاحب الوجه تم إعطائه ورقه لم أعرف ما هي، ولكنه حين رأى وجهينا بين جمع الجنود، قال ربنا معكم ياعمي ما تخافوا
,)كفاح لم تكن موجودة في البيت فقد تزوجت قبل 6 أيام خارج المخيم (
واستمروا بالمشى على الاقدام حتى الساحة)مخيم الجلزون (وفي الطريق كانوا
أعدادهم تزداد ويخرجون من كل زقاق وشارع في المخيم حتى أصبحوا بعدد
جيش صغير، ونزل المطر المبارك من السماء ليزداد بركة دون توقف، إحساس غريب إنتابني عندما رأيت ناقلات الجنود الكبيرة المتواجدة وذاك العدد الكبير من جنود الاحتلال، نظرت الى أختي وقلت "كل هذا الجيش لأجلنا؟؟ أم لحصار المخيم خوفاً من الشباب وضحكنا، كانت ضحكتنا بشموخ وإستغراب مئات من جنود الاحتلال مدججين بالسلاح وعشرات الناقلات لفتاتين أختي بالثامنة عشر وأنا لم أبلغ السادسة عشر! لم تعجب ضحكتنا أبو النمر فقام بضربنا وشتمنا وتعصيب أعيننا لكن قطرات المطر التي تتساقط علينا بقيت تشعرنا بدفي وحنان وصمود المخيم، قطرات على وجوهنا كانت تختبى ورائها دموع في داخلنا، لن ولم نريها لجبروت وظلم جنود الاحتلال,

كلمات والدتي ودعاء والدي وكلمات أختي وكلام العم أبو حافظ في أذناي أتأملهم وأكررهم في عقلي صعدنا الى السيارة وملابسنا تقطر من المطر، تحركت السيارات فينا حتى وصلنا بالقرب من) مغتصبه بيت إيل توقفوا قال المدعو أبو النمر ستحضر صديقتكم) سعاد (فقال المختار لهم هي متزوجة قبل أسبوع أعطوها تبليغ وفي النهار تأتي هي وكفاح لكنهم كأنما لم يسمعوه، ذهبوا وأحضروها ووضعوها في السيارة معنا
السيارات تحركت حتى وصلنا أول محطه الأسر، نزلنا من السيارة القيود في أيدنا وهم يجرونا حيث يشاؤون دون حول لنا ولا قوة،ولكن صوت الأصفاد الثقيلة كان يواسيني بإننا معاً، لا أدري كم ممر دخلنا ولا أعلم شيئاً عن السراديب، عيوني معصوبة وجسدي الصغير ابن الستة عشرة عاماً لم يحتمل ثقل القيد توقفنا فجأة،سمعت سلاسل المفاتيح تفتح باباً تلو الباب حتى أوقفوني أمام الباب السادس، فتح الباب و فكوا القيود الحديدية والعصبة عن عيناي رأيت باب غرفة ولكني وجدت أني وحيدة بدون أختي وبدون صديقتي المكان الذي أدخلوني إليه بارد موحش،كانت تلك زنزانتي، مساحتها حوالي متر بمتر ونصف فيها حمام كرسي، الحيطان من "النتوءات "الشبريزالخشن المخضر من العفن الذي يشهد على الظلم وقساوه زنازين سجن رام الله،ملابسي مبللة وأرتجف من البرد أغلقو الباب بالمفتاح، المرحاض مليء بالأوساخ ولا يوجد ماء للتنظيف ورائحة المكان القذزة تزكم الأنوف، نظرت حولي، وتأكد أنها نوع من أنواع زنازين التحقيق وأيقنت أنني بدأت مرحلة جديدة من حياتي باكراً جداً.
خيوط شروق الشمس بدأت بالدخول من طاقة صغيرة جداً تندمج مع خيوط العنكبوت الواهم تماماً كهذا المحتل الذي يحاول إخفاء الحق أدركت أنه يوماً جديداً.

وقفت وراء الباب أحاول أن أسمع أختي وصديقتي لربما تكونان قريبتان مني.
ثم استندت على الحائط شعرت بوخزات كمسامير تدخل في ظهري.
هناك أصواتتا تأن وأصوات تناجي الله وتقول يارب إستشعرت بخوف ولكن كلمات يارب وصوت آذان الفجر كانا يطمئنان قلبي، ودعاء والدتي ووالدي وكلمات أختي والعم أبو حافظ كانوا يؤنساني في وحدتي، يعيدون لي الراحة والطمأنينة.

هذا المكان الذي لا يوجد فيه مجال للوقوف أو الجلوس على الأرض أو على المرحاض، المكان لا يتسع فرشة للنوم عليها ومقعد الحمام ذو المنظر المقرف لم أستطيع الجلوس عليه أول ليلة لإراحة قدماي
هناك خطوات نحو الباب وأصوات السلاسل تتقدم ويفتح الباب، فإذا هم ثلاثة عناصر يقوم أحدهم بسحبي من الغرفة ودون سابق إنذار يعتدون علي بالضرب المبرح من صفع وركل وخنق، ثم اتجهوا بي إلى مكان آخر، كنت أفكر ترى هل يأحذوني عند أختي، خطوة تلو الخطوة حتى وصلت الى غرفة أخرى كان فيها ضابط مخابرات آخر فقال "هل تريدين الجلوس "فأجبت نعم فضحك ضحكة صفراء وقال: بعنجهية ظناً منه أنه نال مني "لن أسمح له بالجلوس".

باشر بالتحقيق والإستجواب وبأشكال جديدة من التعذيب النفسي والجسدي فكان يقول لدينا إعترافات عليك فقلت ليس لدينا أي شيء فقام بصفعي بيده التي تشبه الهراوة، أحسست أن وجهي الصغير قد نضج، وأن الألم قد ملأني بالاصرار على التحدي
أمسك أكتافي وقام برج جسمي بقوة، إستمر بالتحقيق والأسئلة المختلفة والتهديدات العميقة، حتى تعبت وأعادوني للزنزانة تحقيق يومي لساعات طوال، وكل يوم يستعملون أسلوب جديد وتعذيب
بشيء جديد،علمت فيما بعد أنهم لا يريدون آثاراً على أجسادنا جراء التعذيب حتى لا تدينهم الجهات التي تدعوا لحقوق الانسان او الصليب الاحمر بعد أن قتلوا بتعذيبهم عدداً من الأسرى من قبل
التعذيب تارة بذلك الكيس الاسود ذو الرائحة الكريهة يضعوه على رآسي تارةً وتارةً يشبحوني على كرسي صغير وقصير شبيه بكرسي مقاعد رياض الأطفال لكنه حديدي مثبت في الأرض ويداي مقيدات إلى الخلف وما أصعب أن تترك لساعات طويلة في جلسة مؤذية متعبة في حيز ضيق، تتخدر أقدامك وتكاد تفقد الإحساس بظهرك وتستسلم للموت حتى لا يؤلمك النزاع.
بعد يومين احضروا لي وعاء طعام، لا تعرف له لون، ظننته برتقالي موشح بالون البني من الاوساخ كوب من الشاي اكثر قذاره مسود الجوانب خشن الملمس كأنه لم يرى الصابون من دهر
استمريت عده ايام دون نوم او اكل والاهم من ذلك دون مشاهده اختي وصديقتي، اتنقل فقط بين زنزانتي وغرفة التحقيق التي يتم تغير المحقق فيها كل ساعة او ساعتين، فيتغير اسلوب التحقيق رغم الغاية الواحدة
منهم من يدعي انه يساعدني ومنهم من كان يهددني او بهدم المنزل او بقتل اخت يوذات يوم بدأ يشتمني باسماء قبيحة لا تقال الا للجنائيات الاسرائيليات اللاتي يأتين المعنقل بتهم الدعارة والمخدرات
ثم بدأ يهددني بالاغتصاب، وبدأ يقترب مني بشكل منفر جعلني اكثر تحديا ورفضا لكل محاولاته، فبدأ يحاول تمزيق ثابي ويحاول ايذائي حتى قلت له بصراخ لا اعرف من اين جاء افعل ما تريد فانا لا اعرف شيئا ولا اخافك -

امسك برأسي من شعري وبدأ يضربه بالحائط بقوة حتى احسست انه انفلق نصفين ثم تركني اسقط على الارض بلا حول ولا قوة

يوم آخرمن التحقيق لا أعرف تاريخه أو رقمه، كل الأيام تشابهت هنا،
جاء ضابط مخابرات اخر يدعى ابو نهاد قال لدينا اعترفات ودلائل عليك ولم يعد يهمنا ان تعترفي ستتم محاسبتك على اعتراف الغيروهذه رساله من خليل الوزير لك وإعترف عدد من الشباب عليك سيقومون بمواجهتك فقلت له كيف لبنت في الخامسة عشرة من العمر أن يعرفها أبو جهاد وتعرفه، أنتم مبدعون بالكذب والافتراء، وكل هذا يزيدني قوة من الله حديث إخواني عن تجربة الاعتقال أفادتني جداً، وقولهم انه من يختار هذه الطريق يجب أن يكون على قدر المسؤولية تبعاتها زادني صموداً
واستمر تنقلي اليومي من الغرفه التخقيق الى ذلك المكان تلك الزنزانه القذره ارتكز الى الحائط برغم الالم والجوع والارهاق اتسمع لعل صوت اختي او صديقتي ياتيني من هنا او هناك
بعد عده ايام احضروني الى غرفه تختلف عن ذانيك المكاني ن ـ، غرفة يوجد فيها مكتب ويوجد في طاوله وكراسي فقلت بداخلي "ربنا يسترماذا مخبئ لي هنا "جلست على الكرسي متعبه الجسم و يسي طر علي النعاس وملابس قدجفت وانا ارتديها من حرارة جسدي،اتغاضى عن شده الجوع لاحاول ان اكسب ثانيه من الراحه قبل ما اعيش اسلوب جديد من التحقيق الباب يفتح وتدخل اختي ومن ثم صديقتي سعاد نظرت لهما احذت نفس عميق وتنهدت احسست انه روحي رجعت مع تلك الشهقة التي خرجت مني.
دار حديث بيننا بحديث عرس سعاد ونحن نعلم ان المكان ربما يوجد فيه احهزه تصنت، فقلت نحن ليس لدينا اي شيء،نحن فقط نعمل اعمال اجتماعيه تطوعيه، ايامنا هنا سوف تعدي ا ن شاءالله سنرجع الى بيوتنا،
بعد عده دقائق د حل الغرفه اثنان من المحقيقن قال احدهم بحنق وتغي ظ
انتن لاتردن الاعتراف،ولا تعرفن ماذا ي حدث الان في الم خيم، سيتم اغلاق منازل الشباب الذين معكم، وهذا يعني سيتم اغلاق منازلكم وهدمها ايضا قلت اهدمو واغلقوا كما تشاءون كل بيوت المخيم مفتوحه لاهالينا، والببوت سوف تبنا وتفتح بمشيئه الله.
قال: سيتم نقلكم الى سجن اخر خلال ساعات ستذهبون الى مسلخ ستقومن بالتوقيع على هذه الاوراق
تم تقيدنا بالقيود الحديديه ولكن بدون تعصيب اع يننا، وادخلونا بسياره كبيرة لنقل الاسرى تعرف بالبوسطه تحركت السياره ونحن الثلاثه فيها تحركت السياره الى المنطفه نجهلها ترى ماذا تخبئ لنا هده الرحله سجن اخر، ام زنازين اخرى
وصلنا الى مبنى كبير وقديم اتراه المسل خ الذي خبرنا عنه المحقق؟ او ماذا القبود في ايدينا ولكن هذه المره اعيننا مبصره سلاسل المفاتيح على جانب السجان ليست لسته من المفاتيح بل اكثر من عشر ين مفتاح، ادخلنا في تلك الغرفه كبيره يوجد فيها خمسه من الاخوات ومن بينهم كانت صديقتنا كفاح واثنتان من الاخوات اللواتي اعرفهن الاخت شما سلمه وهي ام لطفلين والاخت سناء، احسست بشعور مطمئن برغم من قساوه منظر الغرف والرطوبه والاسره المعموله من الباطون طابقين وقذاره الاغطيه،انني بحاجه الى النوم
السرير عليه بطانيت ن بدون فرشه او وساده ذهبت للنوم مسرعة فاذا بسجانه تمسكني وتقول
تعالي الى هنا
ماذا تريدين مني
 انت يجب ان ننقلك الى غرفه اخرى هنا
انتم من ادخلتوني الى هنا
انت) كتان (اي صغيره يجب ان تكوني بغرفه اخرى فاخذتني الى غرفه اخرى مع بطانياتي الاثنتين،
كنت وحيدة فيها اخذني النعاس ونمت غلى ذلك السرير من الباطون وتلك البطانيتين احداهم وساده والاخرى غطاء الغرفه مختلفه عن المكان الاول الباب ذوالقضبان الكبير الكاشف لكل مرور السجانات او المساجين الامنين او جنائين استسلمت للنوم، ونمت
بعد اكثر م ن اسبوعين من النوم المتقطع التي بدو ن غطاء و بنفس الملابس احسست بحركه على البطانينه فاسيتقظت من الفزع ماذا يحدث؟
لم يخطر ببالي زلو لوهلة انها الجرادين، جرادين على الفراش ! !
بدات بالمناداة على السجانه، ملأت الدنيا صراخا حتى اتت ومعها مدير المركزكان يدعي)يوني (
تقولون اني صعيره في العمر اقل من السن القانوني اي قانون تتحدثون عنه قانون الطفوله او قانون الطلم والبطش
انت)مخربه (وتريدين ان تعملي عمليات ضدنا هل انت تخافين من هذه الجرادين ولا تخافين منا

ثم غادرت وتركتني للجرذان

فاصبحت عندما نلتقي للعشاء انا واختي وصديقاتي يحضرن لي مايكون بحوزتهن من احذيه، حتى اذ ا تجمعت الدرذان ارمي عليم حذا ء
استمرت المعاناة ولكن وجود اختي بقربي اتحدث اليها من الشباك وصديقاتي، خفف عني، وصرت ارسم واكتب على الحائط بصابون وجدته ومع ايام تعايشت مع واقعي ولكن الخوف في داخلي من هذه المخلوقات استمر يقض مضجعي في احدى اليالي كالعاده وانا نائمة هناك احد يصحيني من النوم استقيظت من نومي فزعه ليس كليله الاعتقال او كليله الجراذين اوكاي ليله كانوا يقتادوني بها الى غرف التحقيق، فتحت عيني فاذا هي فتاة صهيونيه جنائه عارية الملابس وفي يدها شفره تهددني لم افهم مرادها، كيف دخلت هذه الى غرفتي؟ من فتح لها الابوا ب
اخذت انادي باعىا صوتي واصرخ اختي اختي
اخذت صديقاتي تطبل على الباب وينادين على لاتخافي تماسكي، حتى اتى السجانون ابعدوها الى مكان اخر
كانت ليلة مرعبة جدا اتفهم الان مؤامرتهم ضد فتاة في الخامسة عشر من عنرها، وهذا الاسقاط الذي كان بنيته م

في يوم اخر الالم قويا حدث معي شعرت كانه بطني يتقطع من الالم كنت اناجي ربي في صلاتي وفي كل وقت في هذه الليله استغيث يارب كون وخخفه عني فلم يعد جسمي يتحمل انادي على اختي وصديقاتي من الشباك حدوث شيء غريب معي ماهذا
كانت علامات الدوره الشهريه ولاول مره بعيدا عن والدتي وليس لدي اي شي لاستخدامه وفي الصب اح لم اجد ما استعمله لاجلها فاستجمعت كل ما اوتيت من قوة لتمزيق احدى اكمام البلوزمن البلايز الذي ارتديها ظنا مني انهم سوف يوفرون لي الفوط الصحية ولكنهم لم يعطوني سوى محارم للحمام للاستخدامه
بعد اكثر من شهر وانا اعاني من ال جراذين والجنائيات تم نقلي الى سجن اخر بدون اختي وصديقاتي
وصلت سجن نفي ترتتسا)الرمله (الابواب كبيره جدا والسور الشائك مرتفع بفنح باب تلو باب حتى وصلت الباب السادس، ادخلوني الى غرفه للتفتيشي وتسليمي ملابس خاصه بالسجن واغطيه ووساده، وساده لفت انتباهي تطرزعليها باسم الاسيرة)تريز هلسي (والغطاء مكتوب عليه)فيولا ساعاتي(ايقنت انني قي مكان تواجد فيها اخوات رائعات نفتخر بهن ونعتز بهن وحملت البقج تة وساروا بي في اتجاه ابواب متعدد ة
ترى ماذا ينتظري خلف هذه الابواب الابواب
القوني في غرقه رقم سته حيث تتواجد فيها خمسه من الاخوات من غزه هاشم وجبل النار ومن مهد السلام، بدات معه م مشوارمتجدد كل يوم اوليله نختلف عن الاخرى نعلمت كلمات وعبارات وقوانين
مررت بتجارب جديدة منها المضحك ومنها المبكي "انا تذوب بنحن "الكل فداء الفرد والفرد فداء الكل، مغامرات داخل غرف مغلقة لم اتوقعها تلن منها بعض الالم
، كيو م سكب المياه السخنه علي من قبل الجنائيات الصهيونيات وفي ايام الاضراب عن الطعام والرش بالغازمن قبل جنود الاحتلال وزنزانه الانفرادي تختلف عن ما وو و
اختي بقيت في سجن وانا في سجن ولكن وجدت هنا اخوات اذا مرضت يسهرنا على الاعتناء بي والاهتمام بصحتي واذا بردت يغطينني ولا اجوع بينهن ولا اعرى
مرت ايام وليالي واسابيع واشهر وسني ن تعلمت الكثير الكثير من السجن استفد ت من ذاك الوقت القاتل للطفوله كبرت بين القضبان واستوى عودي اصبحت صبيه
،وكهلت مما عايشته في هذه المرحله من اشكال التغذيب
تم الافراج عن جسدي بعد تلك الليالي والاسبابيع والسنين وبقي عقلي وقلبي مع من هن خلف القضيان ومعانتهن مستمرة
خروج من السجن وعودة الى حضن أهلي وأحبائي حكايتي واقع وليست حلم مررت فيه كغيري من أطفال،وأعرف أن الأطفال هذه الأيام يتم إعتقالهم وسجنهم بالقانون الصهيوني الجائر
أسرى فلسطينيين القضيه التي لم تنتهى والقصة الواقعية المخفية في أجندات مهملة
ليس حلماً أن نعيش بأمن وسلام وحرية للأحرار وحرائر المعاناة المستمرة، فلكل شيء نهاية، والحق دائما هو المنتصر في النهاية، وحتما سيتحقق الحلم وسيكون الواقع باذن الله

منى حسين عوض قعدان جنين عام 1999

كالاشجار نموت شامخات

زنازين التحقيق الأول.

في ليلةٍ مظلمة، فتح الباب الأشد ظلماً، وشعرت أ ن الشمس أشرقت رغم كل هذا الظلام، تلك الشمس التي غي بتها ع ن ي قضبان السجن شهران في الاعتقال الاول.

الخروج من السجن شروق الروح بين الجوانح، والحرية التي نناضل لاجلها لا تطيق الابواب الموصدة
في الطريق أمضي وبالبوسطة "سيارة نقل المساجين "ربما ذاتها، أنا التي أعرف هذا الدرب جيًدًا، ولكن هذه المرة، امضي بطريقة مختلفة،امضي اشعراني مغادرة نحو بيتي فهم كاللصوص يخطفوننا ليلا، ويعيدوننا لي لا
تعود ذاكرتي رغما عني إلى تلك الأحداث،الطري ق طوي ل، حاجز في موقع غير متوقع يعترض طريقنا، لم اعلم لماذا تس رب الخوف إلى أعماقي، حاجز من جنود وبنادق يعني للفلسطين ي آلاف الحكايا، حاج ز للشهداء حاج ز للاعتقال، حاجز للذ ل ووو، اي حا جز انت اليوم؟؟
.
ابطأت الحافلة عجلاتها، حافلتي تتسع لحمولة خمسين راكباً، ط وقوها باستنفار مربك، كل العيون تحدق من نوافذ الحافلة، وكل الحلوق تلهث بالاستعاذة من حيش الاحتلال
وانا كما لو اني في حلم، او كابوس سينتهي لا محالة، وستمضي الحافلة بسلام لكني فوجئت بمكبر الصوت ينادي اسمي، ويامرني بالاستسلام والترجلتم النداء بصوت لم أألفه يوما، وبطريقة تحمل التهديد والوعيد
"منى قعدان "سلم نفسك

شعر ت هذه المرة أ ن لاسمي صدًا آخر صدًا لم احبه اكد لقلبي أن شيئا ما سيحصل...

الجميع ينظر حوله، صوت الصمت كان قاتلا، النظرات تجول الباص، لا أحد ينطق شيئا، حاولت أن أوجه نظراتي للجميع، وكأنني أحملهم أمانة إيصال الخبر لعائلتي.
الجو بارد جدا، وأصبح أكثر بردا، على جسد لا يرتدي سوى القليل من الملابس، جلباب أخضر اللون، فد يقي برد النهار، ولكنه حتما لا يحمي الجسد من برد الليل، فالنية الذهاب لعمل معتاد، أعود منه قبل أن يتقلب الطقس من جديد، كان حذائي عاديا، ولو كنت أعلم عن كمين الإعتقال لارتديت الكثير من الملابس، الكثير من الصوف، وحذاء شتويا يقي الأقدام برد المكان، برد الوجوه..
هذه المرة بات شباط أكثر بردا، بات إنتصافه مؤلم للذاكرة، ومجيئه يصاحب غصات روحية..
زاد الصوت أكثر وأكثر، منى سلم نفسك.. منى سلم نفسك..
أقدمت الجندية بإتجاهي بهمجية وعنف، الجميع صامت، الدهشة تملأ قلبهم، تخنق حنجرتهم، لكن السكون كان سيد الموقف آنذاك..
تم سحبي من أمام الجميع، كدت أسمع دقاتت القلوب، وكاد قلبي أيضا يصرخ بالجميع، ولكنني كنت اتفهم عجزهم عن مساعدتي..
تم إنزالي بعنف درجات الباص، وسحبي من ملابسي بوحشية، الجندية تسيطر على كتفي، تشد جلبابي، تصرخ بي تحركني، تدقني بعقب بندقيتها..

دلقوني على الأر ض وشحطوني بها شحطا، كنت لا أرىَ أمامي سوى أشباحًا ضخمة، حتى اجلسوني، وش دوا وثاقَ يداي بالمعاص م البلاستيكية، ول جموا فمي بقط ع القماش..
وأنا ما زل ت أنظر أين أنا وما هذا الذي يجري، والى اين النية الا ن
المشهد قاسيا.. السماء بدأت تنذر بمطر قادم، لا شيء معي، البرد يتسلل عبر أطرافي، بت أشعر بالوحدة، الخوف، الإنتظار.. المجهول..
ما زالت ذاكرتي تلتفت إلى ذاك المشهد.. كيف سولت لهم أنفسهم تركي في العراء دون شيء يقي جسدي برودة الموقف وبرودة الجو..

أفكر بذاك الهدوء الذي كان يسكنهم، كيف لم يخافوا من مقاومة الركاب مثلا؟ من حالة تمرد، من ريح قد تعصف في تلك اللحظة لتنقذ فتاة سحبت من بين الرجال، من بين حمولة باص كامل؟ لعل بنادقهم كانت مصوبة الى الركاب ايضا، فنظري كا محصورا ليلتها
إستمرت الأحداث، وأجبر الجنود الحافلة على تركي وإكمال مسيرها، بدأ هدير محرك الحافلة يعلو وبدأت أنظاري تتبعه، لا أعلم لماذا إستمرت النظرات تلاحق الحافلة، تلاحق الركاب.. إلى أن إبتلع الضباب صوت ذاك المحرك.. وتلك النظرات رغم أنني معصوبة العينين إلا أنني لاحقتهم إلى أن إختفى الأثر.
الآن أنا وحيدة أمام مشهد يجب أن أتقبله، الأن يجب أن أستجمع قواي، باتت الحقائق واضحة.. بات الأمر منتهيا.. الأن يجب الوقوف وجها لو جه مع الحقيقة، يجب التفكير بما يجب أن يكون، التصرف بحكمة ومسوؤلية تليق بشريط الذكرى الذي إجتاحني..
أنا الآن أختا لإخوة ثلاث معتقلين في سجون المحتل.. يجب أن أتصرف بجكمة وقوة تليق بهم وبنا كعائلة مناضلة منذ زمن..
تناولت من حقيبتي بعضا من حبات كعك العيد.............؟؟؟؟؟؟، نعم فقبل هذا المشهد كنا نحتفل بعيد الفطر السعيد، وكنت قد حملت في حقيبتي بعضا منه لتناوله مع كوب قهوة صباحي..
تناولت الكعك كخطوة أولى لإعلان الإضراب عن الطعام، لرفض هذا الإعتقال المجحف الذي لا أعلم سببه، ولماذا حصل.
لقد تناولت لقماتي الأخيرة لأخوض معركة القوة والصبر والتضحية، هذه الكعكة تناولتها، ووقفت وحدي أواجه القادم البغيض المجهول الملامح
رفعوني عن الأرض، وما زلت معصوبة العينين، مقيدة الكفين، لا أعلم إلى أين وجهتي، وماذا سيفعلون.
تم سحبي جرا وعرفت بأنني أقترب من الجيب العسكري لنقلي إلى معسكر "دوتان "هذا المعسكر القريب جدا من مكان إعتقالي، والذي لا يحتاج إلى جيب عسكري للوصول إليه، يا ترى هل خافوا أن تدب القوة بقدمي فأقوم بالهروب، أم خافوا من تحالف الطبيعة معي ضدهم فتهب رياح عاتية تختلعه م
هذا المعسكر كنت أشاهده طوال الوقت وأنا أمر من أمامه يوميا، دون أن أدري ما يوجد داخله، ماذا يحدث هناك، ما الذي تخفيه الأسلاك الشائكة خلفها، ما الجرائم التي ترتكب وراء بواباته الحديدية..
أنظر إليه دون أن أتوقع أن أكو ن يوما أح دى معتقلاته.
الساعة الآن تجاوت الثامنة صباحا وبات تواجدي بالمعسكر حقيقة.. الآن قلبي وحده المتكلم، صراع داخلي إجتاحني.. أنا الأن أرصد كلماتي لأمي، أخاطبها، أحاورها وأسمع صدى صوتها في دفات روحي في أذني حقيقة أمي كوني بخير دائما، سأعود قريبا..
أعلم أنك مريضة، وأن قلبك لا يحتمل خبر إعتقال إبنتك إلى جانب الأبناء، لكن يا أمي هي درب سلكناها.
"بالرضى يكللك قلبي يا إبنتي، يرعاك الله الذي كان وما زال الرجاء لنا..
أنا أعلم أنك قوية، وأنك مهما حصل لن تتحدثي بشيء، أعلم أنك على قدر الثقة والمسؤلية.
رعاك الله ودعائي يما... "
تذكرت اني قبل أن أخرج من المنزل، قمت بتغطية والدتي بالغطاء "الحرام "وخرجت، بعد أن قمت بالإطمئنان عليها..
وعلمت بعدها ان والدتي رفضت أن يمس أحدهم هذا الغطاء، وكأنها أرادت أن تحتفظ برائحتي، بلمسة كفاي لفترة أطول، وكأنها كانت تعانقني من خلاله.. إنها أمي.. أمي التي عانق تني رغم بعدي..
في المعسكر يسرقني التحقيق من حواري مع أمي، ت رفع عصبة العيون، وتبقى الأكف مقيدة..
يحضر إلى داخل الغرفة طبيب بذريعة الفحص قبل الإعتقتال، وعلى الفور رفضت إستقباله، فأنا لا أعتقد أن صحتي تهمهم لجلب طبيب.. بذات الوقت أعلنت لهم أنني بدأت إضرابا عن الطعام، رفضا لقراراتهم، ورفضا لإعتقالي على هذه الشاكلة.
هنا بدأت حرب الأعصاب بإستخدام السلاح النفسي، وإضعاف الأعصاب القوية التي بدوت بها أمامهم..
منى... لا داعي للإنكار، هناك إعترافات مؤكدة، هناك تهم واضحة..
منى لقد ذكروا إسمك يجب الإعتراف، لأن الأمور واضحة..
أنا الآن إتخذت قراري.. لن ت كسر إرادتي، وإستحالة أن أخذل اخوتي، السند المتواجدين وراء القضبان...
أنا الآن على إستعداد للموت داخل السجون على أن أنطق حرفا..
أنا الآن على إستعداد للتعذيب.. للمنفردة.. للشبح.. لأي شيء ولكنني لن أهزم..
طعم كعك العيد سيبقى في جوفي ورائحة كفي أمي التي عجنت تلك العجينة صنعت قوتي....
من هؤلاء؟ رائ حتهم مختلفة، وجوههم لئيمة، محملة بالحقد، انهم لا يشبهون ارضنا ولا زيتنا ولا زيتونن ا
دقات القلب ترتفع وتيرتها، شعرت بمعنى الوقت القاتل، بمعنى الخوف من الوجهة المنتظرة اتبع نظراتهم، تحركاتهم، همساتهم بلغة لا أعرفها تماما، تمتمات قاتلة... ومرة جديدة أين سيكون الرحيل؟

ما زلت معصوبة العينين.. لا اعلم أي شيء عما يدور حولي وحده الظلام سيد الموقف الاصوات غريبة لم تألفها أذني..الكثير من الأحداث.. الكثير من الظلام..
ما زلت في ظلام دامس وشعرت أنني اتحرك.. دقائق مرت وكأنها دهر إلى أين أنا ذاهبة لا أع لم..صوت جيب طرق أذني.. على ما يبدو هناك رحلة جديدة للعذاب..
تم تحميلي في الجيب العسكري وكأنني بضاعة ترمى رميا.. يمشي الجيب وترتفع معه دقات قلبي.. الطريق طويل أنا لا آراه.. بدأ القلق يساورني اين ستحط رحالي يا ترى؟!، انزلوني بوحشية وما زلت معصوبة العينين.. سمعت صوت بوابات ت فتح.. الأولى.. الثانية.. الثالثة صوت الحديد كان يطرق أذن ي... يطرق قلبي وكأنه يحمل بصوته القاتل رسالة مفادها أن ت الآن تتجهين نحو سراديب المجهول..
أنت الآن تحت الأمر الواقع كشف الستار عن تلك الأحداث وإستطعت أن أشاهد بلمح البصر رجل يرتدي لباسا برتقالي اللون.. ولم أعرف بعد أين أنا كلمات عربية أخترقت أذني..جعلتني اتشجع للسؤال.. أين أنا؟ !هكذا خاطبت ذاك الرجل أخبرني بسرعة البرق الجلمة... انا الان أسيرة حقا.. انا الان في اظلم بقعة في مركز التحقيق الأشد... الأقسى لقد سمعت عنه قبلا ولكن لم أضع في مخيلتي أنني سأكون فيه ذات يوم..سمعت من أشقائي عن قسوة التحقيق فيه.عن جبروت المحققين.. وسمعت عبارة بقيت ترن في أذني حتى اليوم.. من يدخل الجلمة يدخل ساحة الموت انا الان وجها لوجه مع وحش سموه الجلمة..ادخل غرفة وأخرى وأجد نفسي في نهاية الأمر على كرسي حديد شعرت ببرودته.. واحسسته يجتث قدرتي على الراحة.. كما لو أني اجلس على حافة قبر.. شعرت بالغربة...
بالوحشة وناديت في سري أمي... شعرت بيدها تربت على كتفي.. شعرت بقوتها تدب في جسدي.. وعادت لقلبي القوة انا قوية انا استطيع.. المحقق ابو المنير ينظر لعيني مباشرة يحاول تخويفي... يحاول زعزعة إطمئناني...
هل تعلمين شيئا عن هذا الكرسي؟! لقد جلس عليه الجهاد الإسلامي بأكمله وأعترف... إعترفي
 يمكن عندهم اشي يعترفوا فيه بس انا ما عند ي
صرخ.. شتم.. سب...كفر وأذني تتلوث مع كل همسة يهمسها كان صوته كعوادم المصانع تلوث سماء الصفاء داخلي.. كان صوته نشازاً يقلق راحة طبلة أذني... كانت كلماته كالمياه العادمة تنجس طهارة روحي...إلتزمت الصمت... فارت الدماء في وجهه وصرخ.. شد ذراعي وأنا على ما أنا عليه.. الآن وقت المواجهة خرج المحقق دون فائدة ودخل آخر مرتديا قناع اللطف... ذئب بوجه حمل.
.نحن نريد مساعدتك... نريد خروجك.. قولي فقط ما تعرفين أنا التي عايشت وتعايشت مع عائلة مناضلة كان لا بد أنني مطلعة على قوانين التحقيق.. سمعت من الأسيرة عطاف ومن أشقائي الكثير من تلك الحقوق ورسخت في ذاكرتي حق التزام الصمت.. كان طوق النجاة بالنسبة لي أنا صامتة هادئة وآلاف الأسئلة تنهال على أذني..
الان وقت المباشرة تخبرينا أين سلاح إياد ونحن سنطلق سراحك فوراا..
ما بعرف حد بهالاسم... ما عندي اي معلومة
..لقد قطعت يمينا صارماً في نفسي وأقسمت أنني لن اعترف لن اتكلم ولو كلف الامر حياتي... سأخرح بكفن ابيض قبل أن اسمح للساني بالبوح... سأقطعه إن كلف الأمر
..فشل التحقيق في كسر عزيمتي وفشل المحققان من إخضاعي... زادت حدة الوحشية نقلوني معصوبة العينين مرة أخرى إلى مكان آخر وعلمت أنه الزنزانة...يا.......الزنزانة لفظ تردد امامي كثيرا.. سمعت عن ظلمتها عن المعاناة فيها.. عن الوحشة... عن الظلم والان ساتعايش مع كل ما مضى غرفة بإنارة خافتة
... جدران رمادية تفوح منها رائحة العفن حتى أن العناكب هجرتها ورفضتها
... لقد قلت غرفة وكأنني أريد التخفيف عن المسامع، حقيقة أن مكان بمتر ونصف سيكون سكن بشري؟ !مكان الاكل...النوم.. الاخراج..نعم إنها الحقيقة نظرت للمكان أبحث عن حدوده ورأيت كيف تحول حمام منزلي إلى حفرة صغيرة في الأرض هنا.. وكيف أنني سأنام بعد سريري الدافىء على فرشة لا تعلو بأكثر من خمسة سنتيمترات عن الأرض.. هناك بطانيتين بلون بني محروق قاتم قاتل للروح.. تفوح منها رائحة تصل اخر ذاك المكان.. رائحة الظلم رائحة الوحشية رائحة العفن.. رائحة اللاانسانية..كيف تحول منزلي الكبير إلى حدود قبر؟ !نحن الآن في شباط فهل استخدم هاتان البطانيات فراشا ام غطاء ام وسادة صحيح اين وسادتي؟ !بحثت مليا واكتشفت أن حافة البلاطة أمام الحفرة التي يجب أن تكون حماما هي ذاتها الوسادة.. نعم ذاتها حقيقة لا خيال..
هل تصدق الأذهان أن لا مغسلة.. لا ماء في هذا المكان!؛ زجاجة صغيرة هي للشرب..للوضوء.. للدخول الى الحمام وما أن تنتهي عليك أن تقرع ابواب الزنزانة مرة والف حتى يؤتى لك بغيرها هذا إن جاء.. هل كنت أشعر بأنني أدق جدران الخزان في كل مرة احتجت بها ماء من السجان؟ !هل كنت اقول نحن نعيد موتنا ونعيد نزوحنا ونعيد كل ما مضى؟ !دققت.. دققت.. قرعت...
قرعت..صرخت...صرخت وصوت بارد يرد من الخارج..لا ماء الا ن
في الصباح أحضروا الطعام.. فطور...عدت بذاكرتي إلى مشهد البارحة..
عدت إلى تلك المجندة التي أخذتني إلى غرفة صغيرة وصرخت اخلعي ملابسك.. رفضت حاولت المقاومة ردت إن لم تسمحي لي بتفتيشيك سيحضر جندي ويفتشك.. خلعت الملابس فتشت ملابسي.. جسدي كتافيات جلبابي..
الجياب..الحذاء.. الجراب.. وحتى شعر رأسي قامت بالبحث بين بصيلاته هل أخفي بين خصلات شعري شيئا؟ عدت بذاكرتي إلى الطبيب الثاني الذي حضر إلى الجلمة يسأل إن كنت أتناول أدوية أو أحمل أمراضا..أيخاف على صحتي أم صحتهم؟ !عدت إلى المشهد من حولي.. الزنزانة.. الظلم المكان الذي يفتقر لأدنى مستويات البشرية..عدت الى صورة امي وألمها..إلى وجه اشقائي وراء القضبان إلى بيتنا الخاوي.. البارد الان ومرة واحدة بقوة وعنفوان... انامضربة عن الطعام
لون الكيس الأسود كان حاضرا في مشاهد إعتقالي، غلفوا به رأسي، قلبي، حريتي.. عادت الأحداث سريعا.. تذكرت كيف قاموا بوضع كيس أسود على وجهي، ضغطوا به على وجهي، حاولوا خنقي، وقطع أكسجين الحياة عني..
لكن باءت المحاولات بالفشل فمن أراد الله له عمرا، لا يمكن أن يسلبه منه بشر..
تتوالى المشاهد.. الأحداث وثورة من الأفكار تعصف برأسي الممتلىء بفوضى كل ما حولي..
الآن أنا أمام مشهد سمعت عنه كثيرا، سمعت وفهمت وأدركت أنني أمام الغطرسة والجبروت.. إما الإعتراف، وأما أن أضحي وباتت خياراتهم بالضغط كبيرة..
سنهدم بيت عائلتك.. وتسرح الأفكار بعقلي ستصبح والدتي دون مآوى، ستتشرد عائلة بأكملها، سنفقد سقف الأمان
سنقتل أخوانك.. وفكرتي سأصبح بلا عائلة، سأكون سببا لفقدان أهلي، ما ذنب هؤلاء، ماذا سأفعل؟
وقوة الله في قلبي، تجيب عني الآن.. يجب أن أكون قوية مهما حصل، مهما فعلوا، لن أتخاذ ل
ساعات التحقيق طويلة جدا.. ساعات سرقت من جفني نومه، وراحته، سرقت عافيتي، وقوتي.. ساعات طويلة كانت تمر وكأنها عمرا..
أن يتبدل عليك في ذات التحقيق أكثر من محقق فذاك الضغط الذي حاولوا، أن يقيدوني به، فكل محقق سيأخذ المزيدمن الوقت وبالتالي المزيد من الإرهاق، المزيد من التعب، المزيد من قلة النوم، شتائم جديدة، ضرب جديد.. ورحلة آهات تطول..
الآن ومع هذا التعب أصبحت أمنيتي أن يتم إنزالي للزنزانة، بت أشعر وكأنها بيتا جديدا، فيه يمكنني أن أخلد للراحة قليلا، كنت أريد ان أغفو لدقائق فقط.. كنت أريد أن أمنح عقلي راحة قليلة ليعود إلى نشاطه في التحققيات التالية، كنت أرغب بهدنة بسيطة أستمد منها قوة المتابعة، والأستمرار في رفض الإعتراف، أو النطق
..
ايام الأسبوع كانت تمر ببطىء قاتل، وكأنها تخدرت، كأنها أصيبت بالتبلد، ورغم كل ذاك إلا أنها كانت أفضل من يومي الجمعة والسبت هذان اليومان اللذان كانا من المفروض أن يكونا يومي راحة، إلا أنهما أصبحا شبحا، أصبحا يومي عذاب، يومين كنت أود أن أسقطهما من أسابيعي، من أيامي، من عقلي..
في هذان اليومين كان يتم تحويلي لأسر السجينات الجنائيات، هل يمكننك أن تتصور المشهد الآن؟
أسيرة فلسطينية، بقضية وطنية يتم وضعها بين سجينات إسرائيليات بقضايا جنائية، أجسام مشفرة بالشفرات، ألسنة تبخ السم، ألفاظ نابية، عنصرية قاتلة، وكره للعرب فادح..
كنت أشعر في كل مرة يتم دفعي هناك، كأنني أدخل فوهة البركان، كنت أتقوقع على سريري، خوفا من أن يتم إرتكابن بي جريمة قتل، كنت أقول أن التحقيق أفضل من هذين اليومين، ففيهما يغلق باب الأسر مع وحوش بشرية، مع أشباح مرعبة تؤذي أكثر وأكثر..
ومرة أخرى التحقيق، ولكن هذه المرة حضروا بنشوة الإنتصار، أبو منير المحقق الذي حضر مبتسما، حضر وكأنه وجد كنزا.. نظر إلى عيني نظرة المنتصر، مبتهجا.. ضاحكا..ساخرا أتعلمين ما هذ ا لا
قصاصة ورق وجدناها في حقيبتك، وأرقام من نريد هاهي مدونة هنا.. وتعلو أصوات القهقهات.. وجدنا ما نريد، وجدنا ما نريد، أوقعنا بك. الآن ستأخذين حكم المؤبد، بعد أن نغتالهم..
أكدت أنني لا أعرف شيئا، ومرة جديدة أنكرت أي شيء.. أصبح يدور حولي، وكأنه بندول ن يدور ويدور، لا مجال للإنكار هاهي الورقة..
في هذه اللحظة كانت صورة والدتي تحضرني، إخوة ثلاثة في الأسر، أبطال قضوا تحت التعذيب، وأرض مسلوبة تدمي القلب..
قوة رهيبة ثارت من فوهة بركاني، جعلتني أثور وأثور، جعلت قوة الله تسكنني، وما كان مني إلا أن قمت بلمح البصر، بسرعة جنونية، قمت بخطف الورقة من بين يديه، وقمت بإبتلاعها، دون تفكير، على الرغم من أنني لا أعلم ما مكتوب في سطور القصاصة، إلا أنني إبتلعتها، وشتت ضحكته الساخرة، وإدعاءه الكاذب
..
جن جنونه، ثار، غضب، تجمع المحققين، أخفوا وجودي كغمامة سوداء، والضرب ينهال على جسدي، والشتائم..
تم إقرار قرار عقابي بالشبح، شبحوني في غرفة، بل زنزانة ضيقة، ساعات لا عدد لها، ألايادي عاليا، الجسد واقفا..
إحتجت الذهاب إلى بيت الأدب، وعلى الرغم من أنني مضربة عن الطعام، أي أن حاجتي له قليلة إلا أنني إحتجت الذهاب بعد هذا الوقت الطويل.. صرخت على الشرطي أمام البيت "بدي أروح على الحمام ""لازم أروح "ما في تروحي إعمليها عحالك أو إعترفي...
وأكد المحققين على ذلك برفض فك قيودي، أو السماح لي بالذهاب، وكأنهم الآن أرادوا الإنتقام، أرادوا كسر عزيمت ي ومرة جديدة...... إعمليها عحالك
أقسمت أنني لن أهزم، فأجبت إجابة المتيقن.. الواثق.. المنتصر... بعملها عحالي وأنت تعال إمسح..
وكان ذاك... لم يسمح لي بالخروج لقضاء الحاجة.. وفعلا قمت بالتبول على نفسي مرغمة فهذه حاجة جسد لا إرادة لي بها..
ضغطي على كبرياءه كان نصرا جديدا أضيف إلى مشاعري،، فنظرته المجنونة بعد أن أخبرته بجملتي بعملها عحالي... وتعال إمس ح النشوة سكنتني.. نشوة الإنتصار..

الفضاء الواسع، السماء الزرقاء، الحرية، الشمس، الهواء كلها مصطلحات بت أشعر أنني أفقدها، أنها باتت تسلب مني.. كيس أسود بات كفنا يكفن النور عن عيني.. بات كابوسا يلاحقني في كل مرة أشعر أنني بحاجة للنور..
تعود بي الذاكرة إلى تلك الأيام، أيام خلت ولكنها ما زالت تطاردني، ما زالت تسكنني، تسيطر على ذاكرتي كلما حاولت أن أتناسى، كلما حاولت أن أخمد هذا البركان داخلي..
الضغط هذه المرة كان قاتلا، شقيقي الأصغر والذي لم يتجاوز التاسعة عشر من عمره أسيرا، واليوم يحضروه ماثلا أمامي من سجن مجدو إلى التحقيق، إذا لم تعترفي سنعدمه هنا، سنقتله..
اليوم باتت ورقة الضغط قوية جدا، فماذا عساني أفعل؟
إنه أخي، شقيق القلب، وصديق الروح، وطفلنا المدلل.. وإنها قضيتي..
لقد حسمت الأمر، وتوكلت على رب العالمين، وأكدت لنفسي أن الله إذا أراد شيئا لا يمنعه مخلوق.. والله يعلم ما يدور في عقولنا وقلوبنا..
بشجاعة.. بقوة.. بتمرد..
"إقتلوه شو أعملكم أنا ما بعرف إشي، ما عندي إشي أقوله "
وخرج أخي من غرفة تحقيقي، وعيني تلاحق طيفه حتى إختفى، وقلبي يتبع خطواته، داعيا، راجفا، يدعو دعاء المتيقن.. اللهم ثبتنا..
خرج أخي وزاد الشتم، زاد الضغط وما كان مني إلا أن تجردت من ضعفي، وتحولت بين ثانية وضحاها إلى إنسانة قوية، شرسة، لا شيء يكسرها لا شيء يضعفها، مدت يد المحقق علي وأنهال بالضرب على جسدي، وقبل أن يحاول، كانت صفعتي أقوى، مسكت بتلك اليد، لتصبح رهينة أسناني.. ضغطت عليها، بقوة لا أعرف من أين جاءت، من الكرامة، من الأمعاء الخاوية،ومن رفض الذل؟
لا أعلم ولكن ما أذكره أنني قمت بعض يد ذاك المحقق حتى سال الدم منها، ووقتها إبتسمت وكأنني الآن أنتصر للمرة الألف.
جاء الخميس مرة أخرى والخميس يحمل معه الظلم، الرعب، الآن سأعود لأقبع في سجن الجنائيات، سأذهب إلى المكان الأكثر رعبا مرة جديدة، ولكن نكهة الخميس هذه المرة جاءت بطعم آخر، جاءت بالطمآنينة..
لقد رأيت بوسطة نقل الأسرى تحمل أخي، ليعاد إلى مجدو، أي أنه ما زال حيا يرزق، ما زال على قيد الحياة..
الحمد الله يا رب، إنك تساندني دوما، الحمد الله أخي ما زال بخير، الحمد الله لم يذهب أحدا ما ضحية صبري، وثباتي..
أهلا بخميس حمل معه طيف من أحب، أهلا بخميس نقل لي صورة شقيقي دون أن يمس بأذى، أنا الآن على إستعداد بأن أقبع عمرا مع السجينات..
وتتوالى المحاولات، وهذه المرة مع الأمعاء الخاوية، اليوم منظر الطعام ليس كالمعتاد، منظره رائعا، ورائحته شهية على غير العادة، أحضروا ما لذ وطاب لكسر إصراري على الإضراب..
ولكن عبثا.. كنت متيقنة أن هذا أسلوب من أساليبهم الرخيصة، فأنا أعلم ما هو طعامهم، ما هو شرابهم وأسلوبهم.. ومرة جديدة أنا مضربة عن الطعام..
شهران كاملان وأنا أحاول أن أكون قوية، أتأقلم مع كل ما هو موجود، لا يسمح بالذهاب للحمام، وكيف يمكن أن تتأقلم فتاة مع هذه الظروف بحياتها الخاصة..
في أيام من الشهور سيتعرض جسمي لتغييرات، والطمث حالة لا فرار منها...
كيف يمكنني أن أتصرف؟
كان موعد دورتي الشهرية، وطلبت فوطا صحية، فكان ردهم إعطائي بعضا منها، صغيرة الحجم، غير كافية..
إنتهيت منها، وأردت الإستحمام.. كانت المدة المسموحة خمس دقائق لا غير، لأخلع ثيابي، لأستحم، لأعود وأرتدي ثيابا...
ولأجل ذلك رفضت، لأنني لا أعلم مكرهم، هل تكفي الخمس دقائق لكل ذاك، وكيف يمكنني الوثوق بهم، ألا يمكن أن يكون هناك كاميرات مراقبة أو غيره من وسائل الضغط؟
عقدت النية للتيمم و أتممت صلواتي متيممة، عاقدة نية مع الله..
توال المحققون على التحقيق معي، ورسخ من بين الأسماء أبو منير، وتلاه وحشا كاسراً، شعرت حينها أن أبا منير أفضل بكثير..
كان الاسم سيمار، إسم بقي عالقا كقوة العذاب، كألم التعذيب، كذاك الصندوق الذي كان يزيد الضعف ضعفا، ففي غرفة التحقيق إذا ما أرادوا أن يتوقفوا برهة، وضعوني به، ذاك الذي لا يتسع لجسد إنسان، فإما أن أبقى واقفة وإما أن أجلس القرفصاء.. وكلاهما مر.
في الغرفة المقابلة سمعت صوتا أعرفه.. صوت مألوف لقلبي، لأذنني..
سمعت صوت صديقتي "أسماء"، تتحدث بكلمات غريبة، إعترفت عنك يا منى، أخبرتهم، والكثير الكثير من الكلمات...
إلتزمت الصمت، وتتحدث دون جدوى وكأنني لا أعرفها، فصديقتي هذه صديقة إجتماعية، لا علاقة لها بأمور السياسة.
أدركت وقتها أن المحققين متواجدين معها في ذات الغرفة لأجل ذلك صمت وصمت.. وبعد ثلاث أيام لم أعد أسمع صوتها، فأدركت أنها خرجت من غرف التحقيق وعادت لبيتها.
والآن ترتفع وتيرة الضغط، من بعيد خيال شاب قادم إلى غرفة التحقيق التي أقبع بها، يفتح ستار النور، وجه شاب في ربيع عمره يقف أمامي..
المحقق : هاي منى يلي حكيتلنا عنها؟
تداركت الموقف بسرعة البديهة وصحت بكل ما إمتلكت حنجرتي من قوة "من وين بتعرفني إنت ولا؟ "
على الفور أجاب الشاب : لا مش هي.
هذا الشاب هو شقيق الشهيد الذي كان كل هذا التحقيق يتعلق به..
عدت منهارة تعبة إلى زنزانتي، الآن لا حاجة لي سوى النوم، والمزيد من النوم، أريد أن أذهب بسبات عميق يخفف عن رأسي أفكاره
في الزنزانة الخاصة بي، شخص غريب لا أعرفه.. ما فتح باب الزنزانة إلا فتاة تقبع هناك، إستقبلتني وأخبرتني أنها أسيرة وأنها تحمل قضية ووووو...
على الفور أدركت أنها بالتأكيد عصفورة من العصافير الذين يتم وضعهم مع الأسرى لأخذ المعلومات منهم.. مرهقة جدا وأريد النوم هذا ما أخبرتها به، وذهبت في سبات عميق، عانقت نومي وكأنني أذهب بعقلي إلى حيث يمكنه أن يجد بعضا من الراحة..
ولم أشعر إلا والفجر يبزغ من بين حنايا المكان... لقد نمت طويلا... طويلا
في الصباح كانت لا زالت متواجدة، بدأت تبادلني الأحاديث، على الفور صددت عنها وأخبرتها أنني لا أعرف شيئا وأنني سأعود إلى المنزل لأنني لا علاقة لي بشيء..
وتوالت المحاولات على مدار أيام... وجاء يوم عدت فيه من غرفة التحقيق إلى زنزانتي.. لا وجود لتلك الفتاة... طارت العصفورة.. لا خبر عنها..
العصفورة..
عاد بي هذا اللفظ إلى الشوق وشتان ما بين العصافير.. الأن أشعر برغبة عارمة لرؤية السماء، لأستنشاق هواء نظيف، كأنني الأن لا أشبه أي شيء سوى الفراغ
..
بت أتساءل عن عصافير السماء، أتراها تسمع ما يغرده قلبي كل صباح؟
كل مساء أقف على حافة الزنزانة، أقرا تعوبذات الله على كل خوف يسكنني، أحاول أن أملأ قفصي الصدري بهواء عليل، ولكن عبثا.. المكان ضبق ويضيق معه صدري.. تضيق معه أحلامي وأمنياتي، وأردد لنفسي هل يمكن أن تمر عصافير الشوق من هنا فتحمل لأمي أشواقي.. أيمكنها أن ت حط فوق أسوار بيتنا في بلدتي، فتهمس في أذن أمي.. أنا بخير يا جبارة لا تخافي.. نحن جميعا بخير..
نحن جميعا نشتاق إليك ولكنها يا حبيبتي رحلة وستنتهي.. أيام وتمر..
هل ستعود محملة بردها لتسكنني القوة مرة أخرى، أم أن العصافير باتت بشر دون بشرية تنقل الأخبار وحسب؟
أترى السماء الآن تبكي مع بكاء قلبي؟
إنني أسمع صوت غمامها من وراء هذه الزنزانة، أسمع صوت السماء وكأنه يواسينا، كأنه يحاول التخفيف عنا، السماء التي تمطر الآن كانت أجمل المشاهد التي أشعر بها، كنت أخرج لأعانق هذه القطرات، وما زلت اؤمن أن رب السماء لا يبعث إلا الخير..
الأمطار رسالة السماء لكل من فقد الأمل، كأنها تقول أنظر إلى الأرض الميتة يحييها الله متى شاء، يرسل لها غيثا يرمم شرخ الجفاف فيها، فما بالك بقلب محمل بالمشاعر، ما بالك بجزء بشري تكوينه أوردة وشرايين، ما بالك بقطعة صغيرة تقتلها مواقف صغيرة؟
حتما سيجبر كسرها خالقها، إنني متيقينة، واثقة من نصر الله.
هذه المشاهد كأنها كانت تحمل رائحة أمي، فتهب على قلبي طيفا ملائكيا يمدني بالنصر، بالقوة، بالجبروت، وأبقى ثابتة على مواقفي، أبقى صابرة محتسبة، وفي كل مرة يهطل الغيث ليروي عطش الأرض من حولي، تلك الأرض التي لا أراها، ولكنني أسمع عناق الغيث لها، فأقول اللهم وقلبي..
تدور بخيالي الأفكار من جديد، تسرح الذاكرة بأيام صعبة عايشتها، وعايشتني ألهبت نار الشوق لعائلتي، لحريتي لأيامي التي كانت تفيض بالأمان، بالعمل، بالعلاقات..
واليوم هنا بين هذه الجدران أبحث عن شيء ولا أعلم ه

أربعون يوما مرت ولا أعلم كيف مرت.. ما بين شبح وضرب، وتعذيب
في الثانية ظهرا، حضر شرطي إلى غرفة الشبح ليخبر المحقق أن منى قعدان ستتحول إلى المحكمة، أصابني القلق، الخوف، كيف سأتحول إلى محكمة وأنا لم أنهي بعد التحقيق، ورغم ذاك التخوف إلا أنني شعرت بنوع من الطمآنينة، بأقل الأحوال سأشاهد بعض الشر.. يمكنني أن ألمح أي شيء سوى الشبح، الزنزانة
،الكيس الأسود ذاك الكيس الذي أخرجوني به..
مرة أخرى سأغادر هذا المكان الذي ما زلت أجهله، ما زلت لا أعلم كيف دخلت إليه، وكأنني دخلت متاهة العمر..
كما أدخلوني أخرجوني، جرا على درجات ذاك المكان، دون أن ألمح أي شيء..
ولأول مرة بعد أن نزعوا الكيس الأسود أشاهد بزوغ الشمس، شعور بالغربة
انتابني ورغم أنني لم أحدق بالسماء إلأ أن النور كان كفيلا بجعلي أبتسم، رغم صعوبة المشاه د
سراديب التعذيب، سراديب الظلام الدامس، منعت حتى تنعم شعاع النهار من الوصول الى ساكنيها، هنا يغتال الاحلم، هنا تهان الكرامة
اخرجوني سحبا الى غرفة صغيرة، قاض يجلس على كرسي، وأنا داخل صندوق صغير، يأسر حتى روحي..
كل ذاك لم يجذب إنتباهي، وحده الصوت العربي شد إنتباهي، يا الله كم مر وقت دون أن أتكلم، دون أن أسمع صوتا عربيا..
كان هذا الصوت صوت محام، أسكنني بالطمأنينة، براحة البال، فقد خفف عني كل ما عانيت بكلماته، شعرت براحة أثناء الحديث معه، أخبرني أن كل شيء
سيكون على ما يرام، تماما عكس الحالة التي تحدث بها القاضي من فوق كرسيه المرتفع، ومن بين جدران غرفته الملتفة بالجنود..
 منى الجميع إعترف ضدك، لن تخرجي من هنا.. هناك أدلة تدينك وإعترافات تجرمك.
كان الصوت العربي يجعلني أصم آذاني عن أي كلام آخر، حاولت أن أشعر بالراحة، فهذا الرجل المسمى قاضيا وما هو في الحقيقة إلا شبح مخيف.. هربت بوجهي ناحية المحامي، وكنت كالنار التي تفور، أريد أن أطمئن على عائلتي، أريد خبرا مريحا يمكنني من خلاله أن أقاوم..
وكان الرد مريحا جدا أيضا حين أخبرني أنه قبل أن يحضر كان على إتصال بوالدتي، وأنها تحمل ه السلام لقلبي وروحي، وتدعوني لأكون قوية... وحدثني أيضا أنها ستكون حاضرة لمحاكمتي، على الرغم من أن القاضي مدد الإعتقال خمسة عشر يوما، هذا التمديد لم يعن لي شيئا، صحيح أنني سأتحول لتحقيق جديد
، وضرب جديد، وإهانة جديدة، سأعود للكيس الخانق، وسيتم جري على درجات ذاك المكان المجهول، سأشبح، وأضرب وأهدد
ولكن بعد خمسة عشر يوما سأرى أمي.. وكأنه خبر الإفراج عني.
سبع دقائق لا غير، هذه هي مدة المحكمة، ولكنها على قلبي كانت وكأنها ساعات طوال، كل ذاك لا يهم، فأنا سأرى والدتي، الفرح تسرب إلى داخلي..
كانت هذه الخطوة بالنسبة إليهم تجديدا للعذاب، والتحقيق، والجبروت، وكانت بالنسبة لشخصي، قوة جديدة تضاف إلى قوتي، وعزيمة أخرى تسكنني..

الآن بدأت أساليب جديدة في تحقيقهم القذر، شتى أنواع الطعام، وما لذ وطاب من الأشربة أمامي، وهدفهم الوحيد إجباري على كسر إضرابي، كسر جبروتي..
أمعائي، كانت تعصر حموضتها، ولكن إصراري كان أقوى من كل شيء..
أقوى من الطعام اللذيذ، ومن أمعائي التي إشتاقت وإحتاجت للطعام..
في زنزانة التحقيق... أو ذاك الخزان الأسود الذي يغلفوننا به، ذاك المكان الذي لا نستطيع أخذ راحتنا فيه، لا شيء سوى القرفصاء في ذاك المكان... وحاولت مرة أخرى أن أدق أبواب الخزان..
رائحة الشواء تتسرب من الخارج، تتسرب من بين شقوق هذا الخزان، رائحة لحم طازج تجتاح أنفي، تجتاح عزيمتي.. وما زال إصرارهم على كسر إضرابي، فما كان مني إلا أن إزداد إصراري، وأعلنت إضرابي عن الماء..
أربعون يوما أعلنت حرب الأمعاء الخاوية، وأضفت لهن عشرة بالإضراب عن الماء، وهدفي الوحيد أن أنال حريتي..، أعانق شمس السماء..
أنا الآن لست بحاجة لأكثر من النوم، كنت بحاجة لأغلاق جفوني... كنت أريد أن أذهب بسبات عميق فقط.. فقد أرهقني التحقيق الليلي.. أرهق جسدي تتابع المحققين.. ساعات الشبح.. وقتل قلبي صوت الضرب لغيري من الأسرى في
الخارج..
مسلسل كانت حلقاته الأصعب على قلبي.. جنائيات، محققين.. ساعات شبح.. تعذيب.. ووحدها صورة والدتي لا تفارق مخيلتي برهة، وحدها ثباتي وعزيمتي وقوتي... إسبوعان كاملان كانت أصعب مشاهد ذاك المسلسل وما كان مني إلا الصبر..
اليوم أنا وأمي سنلتقي.. عذبوني كثيرا، سلبوا نوم عيني، حاولوا جعلي مرهقة، ميتة..
قلب دقاته عالية، توتر.. قلق.. كيف ستحتمل والدتي أن ترى هذا الوجه الشاحب..
بدأت قذارة التحقيق ترتفع وتيرتها، وبدأت حربهم النفسية، رائحتك قذرة، لن تتقبلك والدتك، لن يتقبلك أهلك، نحن الآن نشعر بالإشمئزاز..

هناك في الممر الضيق، لمحت شمسان، وكيف يمكنني أن أمنع فرح قلبي؟
السماء الآن تعانقني ووجه أمي هناك في البعيد يمدني بنوره.. لقد كان الفرح يتسرب عبر مساماتي، يقرأ آيات الله على قلبي، ويخبرني أن كل شيء سيكون على ما يرام بعون الله وقدرته، سيكون الخير رفيق الدرب، فما أعطتني إياه أمي بهذه النظرة الخاطفة ستجعلني قوية حتى النهاية..
أختي كانت أيضا مرافقة مع أمي، وكأنني إمتلكت بدل القوة ألفاً..
حاولوا كسري وإهانتي أمام والدتي وشقيقتي، من خلال جري على الأرض، وتقييد يدي..
جسدي نحيل لا كما عهدته والدتي، ولكنني أخبرتها أن الأجساد ستعود عندما نعانق الحرية..
ست دقائق هربت بها بنظري مع والدتي، حاولت أن أشحن عزيمتي وصممت أذني عن الإستماع للحكم، كل همي كان وجه أمي.. وجه النور والراحة..
لو قتلوني مرة أخرى لن أشعر بالخوف فقوتي اليوم تضاعفت..
بعد أن أشبعت قلبي، ونظري، وروحي من والدتي، حاولت أن أستفسر من المحامي، ماذا حدث في المحكمة، وماذا جرى فأنا لم ألتفت لأي شيء..
أخبرني المحامي أن المحكمة مددت الحكم ثمانية أيام أخرى..
لا يهم، لا يعني ذاك شيئا، لا خوف، لا كسر، لا ذل، فليكن ألف يوم فليكن مدى الحياة..
انتهت يوم الثلاثاء محاكمتي، وسأعود إلى حلقات تعذيبي.. ولكنني أنتظر الثلاثاء القادم لرؤية والدتي..
بالشبح حتى يوم الخميس، ذاك اليوم المشؤم الذي سأعود به إلى الجنائيات، أحداث تتكرر، بروتين قاتل..
حاولوا نزع الإعترافات، حاولوا كثيرا.. وليلة الإثنين كان الأصعب فغدا محكمتي المرتقبة، غدا سألتقي والدتي.. أخواتي..
لكنهم كسروا شغفي في تلك الليلة ففي تمام الساعة العاشرة حضروا وأخبروني أنني لن أشاهد أمي، وأنني سأتحول للسجن، لا للمحكمة، وسأحكم مؤبدا يجعلني أتعفن وراء القضبان..
كيس أسود، ليل طويل، ظلام مضاعف، عنصرية، ظلم، تعذيب إهانة..
بذاك الكيس، وبالأيدي المقيدة حملوني في جيب عسكري، وإلى أين لا أعلم..
الطريق طويل جدا، وقلبي ينتفض.. روحي تضيق..

على حاجز سالم قذفوني، وأخبروني أنني خرجت، ويمكنني العودة إلى البيت..
هذا الليل طويل، كيف يمكنني أن أعود دون أن أدري أين أنا، لا سيارات في المكان، لا بشر، الوقت متأخر جدا، وجدا
طال بي الإنتظار، وعيناي تحوم في المكان هل أنا حرة فعلا، أم أنها لعبة أخرى لأعادة إعتقالي..
أنظر هنا، وهناك، عل أحدهم يأتي..
سيارة من بعيد، وكنت أرغب الركوب مهما كانت هذه السيارة رجل طاعن في السن، أوقف سيارته، وإستغرب من فتاة في منتصف الليل هنا.. أخبرته قصتي، ونقلني مشكورا إلى جينين المدينة، معتذرا عن عدم قدرته على إيصالي بلدتي، حاولت معه مطولا أن يذهب مرافقا لي إلى البيت، لأقوم بشكره ودفع تكاليف النقل والتنقل، ولكنه رفض ذلك، معتبرا أن ذلك أقل واجب ممكن القيام به..
من المدينة، سيارة جديدة أوقفتها، للعودة إلى المنزل..
الساعة الثانية عشر ليلا، كيف يمكنني أن أعود وحيدة إلى المنزل، كيف يمكن أن تتلقى والدتي خبر عودتي، كان شعور الخوف يلازمني، فأنا الآن إن عدت وحيدة إلى المنزل ربما تكون نهاية والدتي..
قررت أن أحط رحلي في ديار خالي، ليكون ملازما لي في رحلة عودتي إلى حضن والدتي، وهكذا كان..
أخذني خالي وعاد بي بالمنزل، طرق الباب وكان صوت الخوف يأتي من وراء الباب..
صوت أمي راجفا، هل حصل شيء لأبنائي؟
لا الجميع بخير ولكن المفأجاة أن منى هنا وراء الباب معي..
فتحت أمي وسعادة الكون تسكنها، تسكنني.
أمي التي أقبلت تأخذني بين ذراعيها، وأنا أحاول أن أبعدها..
أمي أستحم وأكون ملازما لك، رائحتي يا أمي كريهة، دعيني أستحم، وسأكونفي أحضانك طوال اليوم، طوال الليل يا أمي..
دخلت أحاول أن أنفض عن جسدي كل تلك الأيام، دخلت أنفض عن روحي كل المعاناة، وقبل كل ذاك كنت أرغب بكأس من الماء أكسر فيه ألمي، عطشي، وجفاف الروح طوال تلك الأيام..
في الحمام جسد عار، وأيد عاجزة عن مساعدة نفسها، الشبح كان قد أخذ من كفاي قوتهما، حتى بت عاجزة عن مساعدة نفسي في الإستحمام..
دخلت أختي تمد يد العون لجسدي المثقل بالألم، المثقل بليال طوال، تمد يد العون لتنزع عن جسدي ركام ذاك المكان المقرف، كانت تريد أن تنفض كل الأيام الغابرة عن جسدي، كانت تريد أن تعود بي منى الجميلة..
الألم الأكبر كان في روحي، عائلة تشتت جمعها، عائلة لم تلتق معا إلا أيام معدودات، أشقاء ثلاثة وراء القضبان، فرحتي التي شاهدتها في عيون الجميع ناقصة في صدري، غصة تسكنني، عائلة لله درها قدمت كل ما تملك، فرحتهم كنت أراها بحاجة لمشهد آخر حتى تكون كاملة..
كالأشجار نموت واقفات.. هكذا كنت وهكذا أقسمت اليمين طوال الدرب وطوال الحياة، حكاية صفعتني فأدركت كيف تكون القوة، وكيف ت خلق العزيمة، ومن أين يولد الصبر..
تجربة أضعفت جسدي فأصبح نحيلا لا يقوى على شيء ولكنها علمتني أن هناك طعم أشهى من طعم الماء العذب، وهناك شيء ألذ من الطعام المتنوع..
عرفت أن هناك أشياء لا تباع ولا تشترى وأن كرامة الإنسان قبل كل شيء..
عزيمة شحنتني بالقوة حتى النهاية، وكل خطوة تعثرت بها صنعت مجد روحي..
كان الكيس الأسود تجربتي القاتلة التي من خلالها شعرت ما تعنيه الشمس كل صباح، فبت أعانقها يوميا، وكأنني أكتنز منها ما أستطيع..
وصوت والدتي كان موسيقى وجودي، خزنته ما بين دفات قلبي، وكأنني كنت أتحضر لتجربة جديدة، كنت أحاول أن أصغي لأوتار أمي الصوتية، وأحولها لا إراديا لموسيقى أعود إليها كلما أردت، وإحتجت ذاك..
كانت الحرية سماء قلبي.. وكانت السماء بكل ما فيها متعة ناظري صباح مساء وفي كل وقت..
كانت رائحة قهوة أمي تجتاح روحي، وكنت دائما أحاول أن أصغي لترانيمها كلما تحدثت، كان شعور الفقد الذي عايشته مرغمة في ذاك التحقيق عقدة التعلق التي أشعلت نيرانها في قلبي، فبات حضن والدتي اكثر الأماكن دفئا، وأكثرها قربا من القلب، كان أكثر الأماكن أمنا وأمانا..
كنت أحاول أن أتشبع بكل شيء من حولي، وكأنني أتأهب لرحلة جديدة من الإعتقالات..
شريط في الذاكرة يعيد نفسه في كل مرة أكون بها وجها لوجه مع نفسي، ملامح غدرت وجهي فباتت مختلفة، ذاك الليل القارس الذي قذفوني فيه وحيدة، متجمدة، تسكن أطرافي القشعريرة، في مكان بعيد، في ليل خال من كل شيء سوى الوحوش الضارية، تلك العتمة خلقت مني منى جديدة كلها عزم..
كيف يمكننك أن تتخيل الحدث في تلك اللحظات، كيف لعنقك أن يتناسى كيسا قاتما، قاتلا كان ي لف حوله في كل مرة أرادوا نقلي بها، كان نور الله محرم علي من قبلهم، وكانت العتمة تلفني طوال تلك الفترة..
صورة الجنائيات لم تفارق مخيلتي، أرادوا التخلص مني بطريقة قذرة، كانت أذني بحاجة ماسة لمعانقة طبيعة أرضي، علها تغسل ما علق بها من كلمات نائبة، وألفاظ قذرة وشتائم لا يحتملها العقل، كنت بحاجة لأعيد الإستماع إلى كل شخص يتكلم العربية، بعاميتها الجميلة، كدت أتناسى الحديث في ذاك العالم الصامت من لغتي..
كنت أرغب بمصافحة الورد، الشجر، وكانت العصافير في السماء تبعث الراحة لقلبي فأبتسم وأخاطب نفسي "عصافير "
رحلتي كانت صراع عنيف من خلاله إستطاعت أمعائي نصري، وإستطعت أنأحطم جبروت القوة كما كانوا يعتقدون.
كل التفاصيل رحلت معي، كانت الأصعب الأقوى، الأعنف، كانت ذاكرة أخرى تجالس ذاكرتي، صوت المحقق لازمني فترة طويلة، حتى إستطاعت أو كادت أذني أن تتخلص من صوت دوشتها، صوته داخل قوقعتها..
أيام طويلة حاولت أن أتاكد أن نومي صادقا وأنني الآن على سريري، وأن هناك وسادة حققيقة تحت رأسي، لا عتبة لا حفرة حمام قذرة..
أيام طويلة سراب كان كل شيء أمامي.. وكل ما كنت أردده كالأشجار نموت شامخات.. كالأشجار نموت واقفات..

عهود عباس عبد الله شوبكي سنة الاعتقال 2004
المكان نابلس- مخيم عسكر القديم

طفولة في غياهب السجون

هي الأيام المعبقة بالجراح والذكريات، طفولة بريئة كانت تنتظر قدرها المحتوم على تعداد أرقامها، لا تعرف ماذا يخبئ لها الزمن سوى علامات سؤال نقشت على جسد الساعة.
كانت الساعة الحادية عشرة ليلا ً من شهر رمضان وخمسة أيام من نوفمبر في الوقت
الذي أدرس فيه استعدادا لامتحان التاريخ.
كنت دائمة أتسلل إلى غرفة والديّ لأنام بجانبهما،أخذت فرشتي وذهبت لأنام حيث أشعربالراحة، لكن في تلك الليلة كان خاطري معكراً فالرئيس أبوعمار نقل يومها بالطائرة للعلاج في فرنسا.
أمي أبي تصبحان على خير،أرجوكما أيقظاني فجراً لأكمل دراستي.وهنا بدأت أبحث عن حلم لأجعل منه يوما ً جديداً، وما لبثت أن استسلمت للنوم حتى استيقظت على أصوات طرقات مخيفة على الباب،أصوات ذئاب معجرفة تأبى الأذن اعتيادها، وحشية هي، مستفزة، ومقرفة، تصدع الرؤوس ليستيقظ أبي وأمي وإخوتي جميعاً.
فتحت أمي الباب فإذا بهم حشود يجوسون في بساطيرهم القذرة ويحتلون الغرف
والممرات ويعتلون السطح ويصوبون بنادقهم اللعينة اتجاهنا.

أوقفونا صفاً واحداً: "هويات هويات"، اقتادوا أبي وإخوتي إلى غرفة التحقيق معهم، وأنا وأمي إلى غرفة أخرى. لم أكن أعلم حينها أنني المقصودة، فكثيرا ً ما اقتحموا منزلنا واعتقلوا إخوتي سابقاً ولاحقاً، وكنت أظن الأمر ككل مرة.
وفجأة رأيتهم يلقون بدفاتري وكتبي المدرسية أرضاً،ويبعثرونها في كل مكان. حزنت جدا ً عليها، وأصبحت أفكر كيف سأعيد ترتيبها بعد رحيلهم، وكم سأستغرق من الوقت في ذلك، وكيف سأحصل على ما أتلفوه من كتب. البيت كله قلب رأساً على عقب، وأثناء حالة الهذيان التي أخذتني بعيداً،إذا بصوت أخي يقول "لا فش توخدوها، هاي بنت صغيرة ". وبين اندهاشي وألمي جاء ضابط محتل وأخدني إلى ممر البيت وأعطاني هاتفا ً، كان على الخط الآخر ضابط مخابرات يحاول استجوابي،قال لي: "إنت بتعرفي ليه احنا عندكم؟ مين صاحباتك؟ "وسألني أسئلة كثيرة كانت إجاباتها)لا(، حينها أخذ ضابط الاحتلال الهاتف وقال لي "يلا رح تيجي
معنا"، صرخت أمي وهي تبكي وقالت: "وين رح تا خذوها؟". كنت أرتدي بيجامة أطفال
تناسب سني حينها، ألوانها رمادية وكحلية مرسوم عليها أرنب. وهنا ذهبت أبحث عن ملابسي وحذائي وشالي لأرتديها.تلبكت أثناء البحث عنها؛ فهم يحيطون بي من كل صوب. وإذا بصوت
أبي يقول:)لاتخافي، الله معك (حينها استعدت قوتي التائهة بين غبار الفوضى اللعينة.

مرة أخرى أصوات أقدامهم،أشكالهم المخيفة، وجهوهم الملونة، وأصوات كلابهم، وجنازيرهم أصوات مزلزلة.

ودعت أبي وأمي وإ خوتي ومضيت إلى قدري المجهول.أحاطوا بي من كل صوب، عُ صّ بت عيناي، وكُ ل بشت يداي ورجلاي، واقتادوني إلى الجيب بعد إلقائهم قنابل الغاز ووابلا ً من الرصاص الحي.
رحلة جديدة تنتظرني، هنا قاطعت أفكاريأصوات مخاشيرهم)اللاسلكي المخصص
للجيش (وأسلحتهم وكلابهم الموجودة داخل الجيب ل تأخذني إلى صمت يعج في داخله صمت آ خر يغيبني عن الوعي تمام اً، وف جأة تسلل ضوء أزرق إلى عينيّ المعص بتين،أيقنت حينها أنه ضوء ليزر للمجندين داخل الجيب يعمدون إلى إزعاجي.
هنا فقط أدركت أن عمري كان خمسة عشر عاما ً، وبدأت أخمّن قدري وأعد الليالي المنسية،بدأت أستجمع قواي المخفية، أما عن ذاكرتي الشقية فهي ما زالت شقية. وهنا... حلمت ذات ليلة
جاء القطار
هجرت البيت إجباراً هاجمني طوعا ً الليل في إنطواء مررت عبر الدروب دون أن أراها سمعت أصوات اليمام سكون الليل يقتلني الضوء الأعمى أيقظني
والمسافات في ابتعاد
صمت الضمير يؤلم قد سار القطار
وهنا على سفح الجبل الملتوي تعريا ً عواء الذئاب الكريهة
حيث اللعنة المتعبة
حيث الأشباح المستيقظة لكن...عيناي تنامان
تأبى النجوم المبيت
تبعث بنورها في الليالي
مسافر... مسافر... الليل امتد على أجساد الساعة
تمرد بظلمه ولم أركع...
وحقائبي مفرغة... أودعتها..لعلني يوماً أعود
وما زال يمر القطار
يمر.. عبر الزمن القاهر للنسيان
عبر ذاكرة حُفت بالشقاء
عبر السكون المشرع للصداء كفى بك
دعنا نبدأ... انتفضت الأرض مشرعة يديها للسماء هذه الصلاة
دعوات المصلين للاستسقاء بكت السماء حباً بالاتقياء... جهراً بالصباح
الشمس تهيم بغيوم الإله
والمعبد قائم في انتظار
صَدئت مفاتيح القطار وعدنا...غرباء...غرباء
حاولت أن أنظر، لم أستطع، لم أرَ شيئا ً، لكنني كنت أسمع)الجيب العسكري (وهو
يسير،أصواتهم الصاخبة وهم يتحدثون)العبرية(، وفجأة توقف)الجيب العسكري (وأنزلوني، وإذا بصوت أغانٍ عبرية مدوية، اقتادوني إلى مكان وأجلسوني فيه على طوبة إسمنتية دون أن أعرف أين أنا،وكنت مازلت معصبة العينين ومكلبشة اليدين والرجلين.
لم أعد أحمل في ذاكرتي سوى فراغ مؤلم كضباب يشوش المكان، كزهرة مصفرة
أرهقتها الرياح العاتية.
"الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله "صوت الآذان قادم من بعيد، لكنه هز المكان، وطغى على أصوات)الموسيقى العبرية المزعجة(، وقتها أحسست بطمأنينة،ارتحت وخمنت أني في مركز التوقيف في حوارة، فالمسافة التي سارها الجيب العسكري من بيتنا إلى هذا المكان قصيرة، وأصوات الآذان القادمة من القرى المجاورة قريب بما يكفي لصدق تخميني،إذ أنا في حوارة.
هل سقطت روحي من جسدي؟ أم ما زلت أصارع الحياة؟ طفولة بريئة إنتحلت الشقاء، وقلب أدماه الظلام، تباً لذلك الألم الذي كان يضرب رأسي وكأن ذاكرتي تقوم ببعض أعمال الصيانة، ففي كل دقيقة كدت أرى فتُاتاً من أيام مضت.
عزلة المكان وحلكة الليل توحي لي بأن هناك شيئاً ما ينتظرني، حاولت أن أقاوم الصمت
المعبأ أمام تفاصيل المشوار،أمام خفقان القلب،أمام البرودة التي عربدت داخل عظامي، نعم فالليالي الساكنة أبكتني من خلف صمتها القاتل، أوجعتني في أعماقها المنسية على رصيف الذاكرة، لكنها الأجدر بالحب من بين حقائب الزمن؛ فهي ما زالت تواسيني.
الكلمات المبعثرة بالإستفهامات التسع، صراع الصدى يأكلني حتى بزوغ الفجر، مرة أخرى "الله أ كبر الله أكبر "صوت الأذان هو صوت أعظم من كل أصوات التائهين في معاجم الحياة، صوت أعطاني جرعة قوة جعلتني أقف شامخة صلبة،صوت أعاد ذاكرتي لنفسي. نعم،
صحيح) اليوم الجمعة(، وإذا بالمجندة تضع يدها على عينيّ وتفك العصبة، لم تغمض عيناي أبد اً بالرغم من أنني لم أكن أرى شيئا ً، لكنني كنت زاهدة متصوفة في الصمت القابع في أعماقي، لأرى من حولي ثكنة عسكرية مليئة بالجيبات العسكرية المصفحة والمجندين، طلبت من المجندة حينها الذهاب إلى الحمام لأقضي حاجة،أمسكت بي وأنا مكبلة اليدين والرجلين،
وساقتني إلى الحمام، فإذا بزنازين في الداخل فيها شبان فلسطينيون، منهم الطفل ومنهم الشاب ومنهم العجوز، جميعهم صرخوا بصوت عالٍ : "الله محيي أصلك أخت رجال، أنت في حوارة(.
لم أسأل أين أنا، لكن الكل هناك أجابني، وكأنهم يقرؤون سؤالي، أو ربما هذا ما كانوا يحتاجون سماعه حين كانوا في مثل موقفي.
أخذتني المجندة مباشرة إلى الجيب العسكري المصفح)الهمر (المتوقف على
مدخل مركز التوقيف حوارة والمحاط بالعديد من المجندين، ووضعتني داخل الجيب من الخلف، وجلست المجندة في المقعد الأمامي بجانب المجند السائق، دقائق معدودة وتحرك الجيب العسكري المصفح بعد أذان الظهر مباشرة، الساعة تشير نحو الثانية عشرة ظهراً.
رحلة جديدة إلى المجهول، هذه المرة في ظل الشمس المشرقة في حضرة الأضواء
الساطعة.
هو الوضوح أرى فيه الوجوه، أرى فيه كل جماد الأرض قد أعلن إعصاره في وجه
محتل غاشم، أرى فيه كل أطفال فلسطين الذين لم تعد حقائبهم المدرسية موجودة، فكسروا عظمة
من أجسادهم وغمسوها ببحر دمائهم ليخطوا بها كلماتهم.هنا فقط في ظل النهار ألم جحف تعلمت كيف اقرأ الشمس من بين أغصان الشجر، تعلمت أن أكون غريقة في عيون الأطفال المنسيين في عمق الحروب،نعم إني غريقة. إني غريقة في أعين الأطفال
البريئين من كل ذنب
المنسيين في عمق الحروب
المصلين بين زقاق الوطن
المشردين بين ثنايا الأرض
القابعين خلف الزنود السمراء
الباحثين عن كسرة خبز نظرات أقسمت على البقاء دموع سقطت من طيور العقاب
جراح عاهدت ألا تضام
ساروا هناك...
باحثين عن براءة انتحلت الشقاء
عن قلب أدماه الظلام
لاتلمني إذا أعلن القدر عنفوانه لا تسقط روحي من جسدي تيقن يا ذاك جراح الزمن أشرعت في بحيرة أحزانهم يا طفل الإعصار لاتنحني جانبا
فالشط اكتساه النسيان
انظر عبر المجهر المنسي فأنت خلف صمت عاند الأصداء
فأنت خلف صمت قتل الأصوات والشمس في عبور هاهي... رياح الغدر كست هذا الزمان
ارتعشت أسرارها في ظلال الطرقات وأرقام وهبت نفسها للتعداد
قم وإنهض ياطفل الإعصار "الله ذو الجلال والإ كرام"لا أعرف، ها أنذا اليوم أسلك طرقاً وبلدات لم أعرفها من قبل، لم أمر عليها يوماً، هي قرى ومدن فلسطينية فيها أطفال ورجال ونساء مارة،أنا أراهم لكنهم لا يرونني، تمنيت لو أن أحداً جاء وأخرجني من مكاني الضيق.
أدركت حينها أن قصتي ليست كغيرها، هي مختلفة حد الأماكن الغريبة، حد العزلة
المستيقظة في ظل عبث الفوضى المتراكم عبر الطرقات، الطريق طويل جدا ً، بدأت الشمس
تغيب نحو العمق، نحو المجهول، تودعني رويداً رويداً، وأنا عطشى كعطش الصحراء الرملية، مرهقة، متعبة، تائهة،أنا مع نفسي أعاني حرب الاعصاب، لا أريد أن يقف الجيب في أي مكان، لا أريد الوصول إلى أي مكان،أريد أن أبحر في جمال الكون، حديث الذات للذات لأجهض روحي.

توقف الجيب وأنزلني أمام معتقل لم أكن أعرف إسمه، لكنني رأيت سُمك بابه الكبير
جدا ً، المخيف للوهلة الأولى. حاولت أن أترجم ذلك بكل لغات العالم، صعقت، لجمت، حاولت أن أبحث عن النهاية فكانت البداية،إنه أصعب الأبواب على الإطلاق. لم أكن أعرف ما معنى أقفال وأبواب عديدة، لكنني فهمت بعدها،أيقنت بأنني أخوض تجربة قاسية جدا ً، وأن هناك شيئاً ما شيئاً ينتظرني.
ساقتني المجندة إلى داخل هذا المكان، ومن ثم أغلقت الأبواب وسلمتني إلى شرطية
ترتدي الزي الأزرق يحيط خصرها مفاتيح عديدة، وعصا طويلة سوداء اللون، ومخشير أسود، وكلبشات حديد، بدأت أقرأ ظلم المكان المنتهك لكل القوانين الدولية، المنتهك لحقوق الإنسان والأطفال، البرد، وعزلة المكان، والإحساس المتزامن مع القسوة والجبروت.
وضعتني الشرطية في غرفة صغيرة للتفتيش، وأسئلة كثيرة تدور في عقلي، لكن لا
إجابات لا معاني. هنا قامت الشرطية بتفتيشي وصارت تتحدث باللغة العبرية، لم أفهم ما تقول، لكنها طلبت مني التفتيش العاري صرخت رفضت وبكيت ولكن دون جدوى وتم تفتيشي وتفتيش ملابسي،بعد الانتهاء من تفتيشي أجلستني على كرسي إلى أن جاء الضابط.
ساقني الضابط والشرطية إلى مكان داخل المعتقل، مشيت عبر ممرات وزوايا ثم
صعدت درجاً، فإذا بمكتب طبيب، سألني إن كنت أعاني من أمراض أو شيء ما، ثم أخذوا معلومات مني إسمي الرباعي وعمري والتقطوا لي صورة وأنشـؤوا ملفاً بإسمي.
كان صدى كلماتهم وهم يتهامزون مع بعضهم عني "كَتان") طفلة (تشعرني بالظلم المنتهك لحق الطفولة،لحق الإنسانية. لم أستطع إقصاء الصمت من داخلي فهو متربع على عرشي، غطرسة عنيدة مشبعة حد الظلام، مؤلمة حد المخاض.

أنزلوني الدرج لأخرج على ساحة رأيت فيها شابات أشكالهن مخيفة،إنهن سجينات
مدنيات إسرائيليات اعتقلن بسبب سرقات وقتل ومخدرات ودعارة..إلخ. كانت بعض وجوههن مرعبة كأنهن) زومبي (أشباح لم أرى مثلها في حياتي قط. هنا أحسست برهبة وخوف عميق جدا ً، وصرت أتساءل: "لو يضعوني معهن ماذا سيحصل بيّ"؟ بدأت أبكي وأصرخ: "مابدي أروح عندهن، ما بدي أظل هون".
أدخلوني داخل ممر طويل، على يمينه غرف صغيرة، وكذلك على يساره، علمت فيما بعد أنها غرف للسجينات المدنيات،في وسط الممر باب حديد سميك على شكل شبك مقفل، قام
الضابط بفتحه فإذا بثلاث أسيرات يوزعن الطعام على الغرف،وكانت من بينهن قاهرة السعدي.
صرخن:"أسيرة،أسيرة جديدة". هنا أحسست بطمأنينة، فتح الضابط باب الغرفة التي كانت تحمل رقم1 وفك الكلبشات عن معصمي ورجلي، كانت القيود تضغط يدي وتؤلمني جداً، وقد تسببت بجروح في يدي.
دخلت الغرفة، كان فيها خمس أسيرات، زهرات قاصرات، جميعهن دون سن الثامنة عشرة، سلمن عليّ وعرفنني بأسمائهن)آية عويس وهبة جرار من جنين، يسرى عبده من نابلس، إسلام العدوين من بيت لحم، غادة مخامرة من الخليل(، أصبحت سادستهن، سألتهن:"أين أنا؟"أنت في سجن)نفيترتيسيا، الرملة
أجلسني مباشرة لتناول طعام الإفطار، فنحن في شهر رمضان، وعندما دخلت الغرفة كان المغرب قد حل، مسافة طويلة جداً قطعتها من مركز التوقيف في حوارة إلى معتقل الرملة
.

لم أتمالك نفسي من البكاء، ولم أتمكن من تناول الطعام،إذ كيف أتناوله وأمي وأبي
وإخوتي ليسوا بجانبي؟ لم تغب صورة والدتي ووالدي عن ذهني، كنت أتشبع بخيالهم طوال الوقت، ومن هنا بدأت اللحظة الفارقة في حياتي الطفولية الراسخة رغم الصعاب.
كنت على موعد مع إنتظار حياة مؤجلة، صقلت شخصيتي وصنعت مني طفلة كبيرة حملت على عاتقها القضية والوطن، وحملت من أسرها مالم تحمله في حياتها، نعم فقد عشت في مقبرة لكنها للأحياء، ومن هنا أقول للحكاية ولقصتي بقية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى