الثلاثاء ١٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٩
بقلم بسام الطعان

ترنيمة من نور

هي زنبقة.. ترنيمة من نور.. تسبيحة من عبق.. نهر من عسل.. وأغنية أتلوها بيني وبين نفسي..

هي زنبقة.. وشم على القلب.. ربيع في النفس.. وشذى يجوب البال..

هي زنبقة.. نبتت في شفتي.. كبرت في عيني.. زينت أعتابي بالمطر وبالغناء.. وأزهرت فيَّ غصون اللوز والزيتون..

هي زنبقة.. ضحكة عذبة.. أسقطت عليَّ من طيباتها ظلاً.. وجعلت بيني وبينها موعد العشق والهيام..

هي زنبقة.. أشعلت عتمة روحي.. تجددت في قلبي.. فأعلنت ولائي لها..

زنبقة تسللت من بين الحضور، أطلت عليَّ كالبدر رويداً, حيتني بكل وفاء، فرأيت في عينيها الصافيتين الواسعتين تتماوج أنهار، تتراقص أقمار، وتتمايل أزهار، رحبت بها, فجلست إلى جانبي، جلستها قادتني من ساعدي إلى اقتراف المحبة، وكل شيء فكرت فيه وأنا أنظر إليها، بلحظة واحدة ردت عليه، بنظرة من عينيها، فشهقت غبطة وأنا أحس بها قريبة إلى قلبي، حبيبة إلى نفسي بصورة لم استشعرها نحو غيرها..

لم يكن ذلك أول لقاء بيننا، كثيراً ما التقينا في المناســبات والأسواق، وما أكثر ما تبادلنا الأحاديث الودية، والمداعبات البريئة، كنت أحترمها، وأقـّدر ثقافتها، واستقامة تفكيرها، وكانت هي الأخرى، تحترم ذكائي، وتعجب برزانتي، لكنني لم أفكر أبدا أن تتجاوز علاقتي بها تلك الزمالة والصداقة البريئة الصادقة..

نعم في تلك الليلة المليئة بالندى، ابتدأت المحبة تنسل رغم المتاريس، انتقلت مشاعري إليها، وتغيرت نظرتي لها تماما، بدت مثل كرزة مشتهاة إذ رأيت في عينيها بريقا لامعا لم أره من قبل، وعندما رأيت على شفتيها كلمات حب غير مسموعة، احتواها هديلي، فأفرغت عطرها في دمي، وأعطتني خفق الفؤاد، وأسقطتني على شرفة الحب السندسي..

هي.. كما الندى تاج على زهر، أقبلت عليَّ بكل حواسـها، تصغي إلى كلامي المتودد باهتمام متزايد، وبعد أن وجدت للمسة يدي طعما آخر لم تتذوقه من قبل، راحت يدها تذوب في يدي مثل قرص الشمس خلف الموج..

كان الآخرون يحتفلون، يغنون، يرقصون، يهرجون, وكنا نحن ننظر إلى بعضنا نظرات الاستعطاف بكل ما في عواطفنا من المسامع، ولم نكن نبالي بكل النظرات التي كانت تطوقنا، وإنما بقينا نقايض بعضنا لمسة بلمسة، وضحكة بضحكة، وهمسة بهمسة إلى أن اكتمل عشقنا في منتصف الليل..

تضايقنا من ضجيج الراقصين وتهريجهم، فقمت وقامت ورائي كأنها كانت تنتظر أن أخرج لتتبعني، في تلك الليلة, كان جديد موعدنا، كنا على ضفة الليل وحدنا في الحديقة، بين جدائل العبق، نستجمع العشق في باقة ونسـتنشقها لنطيب بها النفس، نوزع أحلامنا للندى ولضياء القمر، نغني ما في داخلنا شعرا، ونجعل من حبنا بحرا..

كنا صامتين والفضاء يشم رائحة عشقنا، وكل منا يفتح بستانه هنيئا للآخر، وينتظر أن يبدأ بالكلام، فما كان مني إلا أن حملت في ثنايا القلب أغنية عشق وغنيتها في دجى عينيها، هبت علينا نسمة باردة، وكانت النجوم وقتذاك تنظر إلينا وتغار منا.. أعطيتها كل مفاتيح روحي ودفئي، فبادلتني بمثلها، مددت يدي إلى شعرها، غرســت أصابعي في خصلاته، فبدأت عيناها تقولان الوهج وترسمان الألق، ثم مدت يدها إلى كفي الخصيب، طالبة بعض الحرارة، وحين استقرت يدها في كفي:

"ألمسة من كوثر سكنت يدي؟"

على أجنحة محملة بالأماني عدنا إلى الصالة، عدنا ونحن نمتلك الدنيا، لأن التفاهــم وتكامل التعارف بين روحينا قد تم، دخلنا وأيدينا متعانقة وتتحدث بدلا عنا، ثم افترقنا ونحن معنا من ثمر العشق سلال، ومن الأحلام سلال، ومن الشوق للقاء جديد سلال..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى