الخميس ١ تموز (يوليو) ٢٠٠٤
بقلم منى الطحاوي

تعالوا نزين فضاءنا بحقوق النساء

حين عرفت الصحافية الإيرانية الشابة شادي صدر، قبل أربع سنوات، أنها حامل بطفلة، ظلت تبكي لعدة أسابيع. فقد أحست بحزن شديد من فكرة وجود ابنة لها تواجه القيود المفروضة في بلد يمنعها من القيام بأبسط الاشياء. لكن شادي أصرت على منح ابنتها حياة إيرانية أفضل بالكتابة عن قضايا المرأة.

وشادي كاتبة صحافية ورئيسة تحرير «نساء في إيران»، وهو موقع إخباري إيراني دولي على الإنترنت، تستخدمه لطرح قضايا المرأة الايرانية. وقد أكملت لتوها امتحانات ممارسة مهنة المحاماة، وتريد إنشاء منظمة حكومية من محاميات يتولين الدفاع عن حقوق المرأة في إيران.

وقد دفعتني شادي للبكاء عندما سمعتها تتحدث عن حركة المرأة العراقية في حفل توزيع جوائز في نيويورك أخيرا. فكل عام، تكرم النسخة الإنجليزية من الموقع الذي أديره، 21 امرأة ساعد عملهن على تحسين حياة النساء والفتيات. ويختار القراء النساء اللواتي نقوم بتكريمهن ونقدم لهن الجوائز في احتفال نطلق عليه «21 قائدة للقرن الواحد والعشرين».

هذا العام حصلت شادي على جائزة الشجاعة في الصحافة. وحين ألقت كلمتها في الاحتفال الذي أقيم في نيويورك، أبلغتنا شادي أن الهدف من حركة المرأة الإيرانية هو «جعل المجتمع والحكومة يتأكدان من أن الحل الوحيد للأزمة الاجتماعية للمرأة هو الاعتراف بحقوقها المتساوية وتطبيق مبادئ حقوق الانسان». وهو هدف تسعى إليه الكثيرات منا في العالم العربي

وأنهت شادي كلمتها ببعض النماذج الإيجابية عن التقدم، أو على الأقل، الأمل في تحقيق التقدم في إيران. ووصفت ببلاغة، هذه النماذج بنجوم ساطعة مستمرة في التألق وسط الظلام.

كانت خاتمة كلمتها هي ما دفعني للبكاء. فقد قالت «ربما لا يرانا أحد، ولكننا هنا ونترك بصمتنا في العالم حولنا. أؤكد لكم أنكم إذا ما نظرتم حولكم بعناية، فسترون آثارنا»

كم من النساء العربيات يعملن بجد ولا نسمع عنهن؟ كم من النساء العربيات يكافحن ضد الظلم، بصمت؟ كم من النساء العربيات يمهدن الطريق لبقيتنا لمتابعتهن ولا نسمع عنهن، ولا نقدر عملهن؟

عندما تذكرت كلمات شادي، تبادر الى ذهني ضرورة التوقف وتقديم الاعتراف والاعتذار أيضا...

وسأبدأ بالاعتراف:

خلال الشهور الماضية، كتبت عن العراق وفلسطين والسعودية ورواندا واميركا وبريطانيا، ولكني تركت شهورا عديدة تمر، وخلالها ضاعت فرص عدة للكتابة عن المرأة والقضايا التي تهمها.

أما الاعتذار، فهو مقدم للقراء، من الرجال والنساء على هذا التجاهل. إن وظيفتي هنا في نيويورك، تجعلني خجولة بصفة خاصة من هذا الإهمال. أنا مديرة تحرير موقع «أرابيك ويمن» على شبكة الإنترنت www.awomenenews.org ، وهو موقع إخباري مستقل، لا يسعى للربح، يغطي قضايا مهمة للمرأة. ولذا أطلع يوميا على العديد من الروايات عن النساء وقضاياهن في جميع أنحاء العالم.

أما الدافع إلى الاعتراف والاعتذار، فقد جاء بعد سؤال طرحته أخيرا، على صديق في لندن حول عدم تلقي رسائل من قارئات، حيث قدم لي إجابة بسيطة: أنك لا تكتبين عن قضايا تهم المرأة. وكان صادقا في ذلك!

أضع عنوان بريدي الإلكتروني في نهاية مقالي في «الشرق الاوسط»، وفي كل أسبوع أتلقى الكثير من الرسائل من القراء. وأقدر هذه الرسائل تقديرا عاليا، فهي تقدم لي فرصة لا تعوض لمناقشة قضايا مع أشخاص مثلي ومثلك، وليس مع مسؤولين حياتهم بعيدة عن كلماتهم. تلك الرسائل مهمة بالنسبة لي لأنني أفتقد «الشرق الأوسط» كثيرا، والاطلاع على رسائل القراء في القاهرة وبغداد والظهران وعمان، تمنحني طعم الحياة في الشرق الأوسط
ناقشت عددا من القضايا مع نوع محدد من القراء الذين كتبوا لي.

فعلى سبيل المثال، تابعنا قصص التعذيب التي حدثت في سجن أبو غريب، وعرفنا حتى أسماء بعض الجنود الأميركيين المتورطين في هذه الفضيحة.

ولكن، هل نعرف فضائح أخرى استهدفت النساء ولم يبلغ عن ضحاياها؟
مثلا، هل نعرف معلومات حول السيدة الأردنية الشابة، التي توفيت بعد أن أطلق قريب لها النار عليها ست مرات، وهي في سرير المستشفى بعد ولادتها؟

ربما يسأل أحدنا عن «جريمتها». هل السبب هو ولادتها لطفل من دون أن تكون متزوجة، وأن قريبها، الذي أرداها قتيلة وسط دهشة الطاقم الطبي الذي كان يتفرج، فعل ذلك لـ«غسل شرف أسرتها»؟

تقول صحيفة «جوردان تايمز»، أن هذه هي ثالث حادثة «جريمة شرف» في الأردن خلال أسبوع. ترى، أين التحليلات الصحافية الغاضبة؟ وأين المعلقين الغاضبين وإداناتهم لمثل هذه الجرائم التي ترتكب بدم بارد؟ أين رجال الدين ولماذا لا يدينون مثل هذه الجرائم؟

مهما كان رأيكم في الفتاة الأردنية التي قتلت بهذه الطريقة البشعة ورضيعها يرقد إلى جانبها، أطلب منكم ألا تحكموا عليها. ضعوا في أذهانكم أنكم لا تعرفون ظروف وملابسات قصتها وما حدث لها، كما أنكم لستم القاضي المخول بإصدار الحكم عليها.

قريبها تولى كل هذه الادوار وهذا جعله مجرما. كل يوم وفي مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك العالم العربي، تقتل النساء لدوافع شكلية فقط!

حاول العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، إجازة تشريع يهدف إلى تشديد عقوبة السجن على الرجال الذين يرتكبون مثل هذه الجرائم، إلا أن البرلمان الاردني رفض ولمرتين، المصادقة على التشريع. علينا جميعا أن نتساءل إذن: لماذا؟ فدون وجود مثل هذه التشريعات ستصدر المحاكم أحكاما بالسجن لفترات قصيرة على مرتكبي هذه الجريمة. فقد حكم العام الماضي على رجل قتل شقيقته الحامل بالسجن لمدة أربعة أشهر فقط!!

القتل بدافع المحافظة على الشرف نموذج مثير للحزن للمظالم التي تواجه النساء العربيات. هناك العديد من القصص المثيرة للحزن التي لم نسمع بها، وقصص أخرى إيجابية يجب أن نعرفها سعيا لاكتساب القوة والتفاؤل.

انتهيت في الآونة الاخيرة من قراءة كتاب مثير للاهتمام جعلني أشعر بالحاجة الكبيرة للاستماع إلى النساء مباشرة، عنوان الكتاب هو The Good Women of China من تأليف صحافية صينية تدعى شينران.

ولدت شينران في الصين عام 1958 وانتقلت إلى لندن عام 1997، وكانت تقدم خلال حقبة التسعينات، برنامجا تشارك فيه المستمعات عبر الاتصالات الهاتفية، إذ يحكين على الهواء عن حياتهن.

كان البرنامج Words on the Night Breeze يبث كل مساء، وكان بمثابة منبر للنساء الصينيات يحكين خلاله مختلف تجاربهن في الصين الحديثة.

أحلم ببناء جسر مماثل لأخواتي العربيات، ليتمكن من خلاله، من الحديث عن تجاربهن وحكاياتهن، فهي قصص لا تقل أهمية عما كتبته حول العراق وفلسطين والسعودية ورواندا وأميركا وبريطانيا.

أود أن أحث هنا أخواتي العربيات اللواتي يقرأن صحيفة «الشرق الاوسط» على إرسال قصصهن وتجاربهن إلى عنوان بريدي الإلكتروني:

mona2@nyc.rr.com

لقد وصفت الصحافية الإيرانية شادي صدر نماذج التقدم بالنجوم المضيئة التي تبدد الظلام.

أطلب من اخواتي العربيات ألا يبخلن علي بنجومهن لكي نبدد معا الكثير من الظلمات.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى