الاثنين ٢١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
بقلم حسين أبو سعود

حب الحسين أجنـّهم

علم واحد سقط في كربلاء قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام بعد قتل حامله وقطع يديه، ارتفعت بدلا عنه مئات الألوف من الأعلام والرايات في جميع أنحاء العالم، في أمريكا وأوربا واستراليا وحتى في الصين واليابان.

يوم واحد من العطش، نتج عنه جريان الماء الزلال البارد على شكل ما يسمى بالسبيل في أرجاء الدنيا باسم عطاشى كربلاء، وامتدت مائدة عامرة تعرف بـ (سفرة أبي عبدا لله) منذ ألف عام ويزيد وتقدم فيها ألوان الطعام والشراب وفي كل البلدان ويتسابق الناس بالتشرف في المشاركة فيها. وقد رأى العالم بأم عينيه كيف أن هذه المائدة لا تطوى ولا ينتهي معينها.

وإن عدة خيام بالية أحترقت في اليوم العاشر من محرم شيدت بدلا عنها أجمل وأروع مبان العالم وزينت بالذهب الإبريز وأفخر أنواع الرخام والمرمر والمرايا.

وصارت خزائن الأضرحة تحتوي على النفائس التي لا تقدر بثمن قدمها الملوك والأباطرة على مر العصور.

ولو جمعت الدموع الجارية حزنا على الحسين ومن معه لجرت منها انهارا لا تتوقف.
و لا أبالغ إن قلت أنه ما كتب ولا قيل في رجل مثل ما كتب وقيل في الإمام الحسين وصار يرثى بكل لغة ولهجة ولا يمكن بحال من الأحوال حصر هذه المقولات والمكتوبات وجمعها مطلقا.

وقد كرهت وجود الحسين وأهل بيته عصابة مارقة فقتلتهم وسبت ذراريهم، فوضع الله حبهم في قلوب المسلمين اجمع بل وتعدى ذلك الحب الى قلوب غير المسلمين أيضا حتى لم يبق منصفا في العالم إلا وأشاد بالحسين ونهضته الكبرى، حتى المهاتما غاندي وهو ليس من أهل الكتاب كما هو معروف قال بأنه تعلم كيف يكون مظلوما فينتصر، تعلم ذلك من الإمام الحسين المظلوم.

وأكاد أجزم بأنه لا توجد طائفة إسلامية في العالم لا تكن الإحترام لهذه الشخصية الإستثنائية مع إختلاف نظرتهم نحوه عليه السلام.

وما أن يهل هلال محرم من كل عام حتى يتحول العالم إلى قطعة من حزن وتتشح القلوب قبل الجدران بالسواد.

وقد يختلف غير الشيعة مع الشيعة في مظاهر الإحتفال بالمناسبة، أقول بأن الشيعة أنفسهم يختلفون فيما بينهم في الطقوس والشعائر ولكنهم يتوحدون مع غيرهم في كون الإمام الحسين قتل مظلوما، ولكن لماذا كل هذا الشرف وكل هذه الكرامة التي أعطيت للإمام للحسين؟

والجواب هو أنه كان يريد الإصلاح في أمة جده المصطفى، حاملا بذلك راية مقدسة حملها قبله الأنبياء والمصلحون، فهو في الإصلاح وإرث آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى.
أليس الحسين كان يبكي على القوم في يوم عاشوراء لأنه لم يكن يريد لهم أن يدخلوا النار بسببه، وكم دعاهم إلى أن ينسبوه ليروا من هو و لا يقتلوه.

أليس هو الذي قبل عذر الحر بين يزيد الرياحي الذي أوصلهم إلى ما هم عليه عندما ضيق عليهم الخناق منذ وصولهم كربلاء حتى يوم العاشر حيث المصرع، وصار للحر الرياحي شأن من الشأن بمجرد تركه معسكر بن سعد وانضمامه إلى معسكر الحسين، وكذلك الحال مع زهير بن القين الذي كان ينتمي إلى مدرسة سياسية مختلفة تماما.

الحسين وريث الحسن الذي أصلح الله على يديه فئتين من المسلمين وهو وريث علي بن أبي طالب الذي منع الناس من تقاسم غنائم وقعة الجمل والذي منع جيشه من سب وشتم المخالفين والذي أمر بحمل الحليب إلى قاتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي وأوصى بالأسير خيرا، والحسين وريث الذي أرسله الله رحمة للعالمين الذي سأل أهل مكة يوم فتحها عما هو فاعل بهم، فقالوا له: أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: اذهبوا فانتم الطلقاء دون أن يعمل بهم تقتيلا وتشريدا انتقاما لما حدث في الماضي كما يفعل الفاتحون.

إذن ماذا يريد الحسين منا كل عام في ذكراه وصوته الحزين ما زال يتردد في الآفاق: هل من ناصر ينصرنا؟

فهل يتفق المسلمون الآن على نصرة الحسين، ينصرونه بالقلم والفكر والتآزر والتعاون والمحبة والإيثار، ينصرونه بالسير على نهجه المسالم وهو يقول اكره أن ابدأ القوم بقتال.

فيا أيها الناس، الحسين ليس لطائفة دون أخرى، فالحسين لكم جميعا فاتبعوه، وتنافسوا في حبه وخدمته، وليحب كل منا الحسين بطريقته ولا تعتبوا على البعض في أساليبهم فلقد أجنهم حب الحسين، وليتعلم كل منا منه ، فهذه مجالسه العامرة مدارس للنور والعلم والهدى.

فالحسين هو الباقي لأنه الحق والباطل هو الزائل لأنه كان زهوقا.

وفي ظل العولمة والطفرة الإعلامية الكبرى وتكاثر أجهزته من أنترنيت وأقمار صناعية وفضائيات فالحسين قادم نحو العالمية سريعا ولا يسبقكم إليه غيركم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى