الجمعة ١٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٩
بقلم الحسان عشاق

حفار القبور والعجائز الثلاثة

مقوس الظهر، ارفع السروال الى حد الركب، بين الفينة والاخرى ابصق في اليد لأتحكم في الفأس، ارفعه الى الاعلى، انزل بكل ثقلي، تنفلت آهة، الجسد يتفصد عرقا، ما اصعب ان يخونك الجسد في ارذل العمر، اقرب المقربين يتبرمون، يحكم عليك بالوحدة وعيش في شباك العزلة القاسية، تنغرس الفأس بصعوبة في الارض، الحفرة بدأت تتسع، يستوي الشكل والمقاس، ازيل التراب بالمجرفة، على حافة القبر اجلس، اسحب سيجارة رديئة، بشراهة ادخن وارتشف من كأس الشاي البارد، الاف القبور الممتدة على لمح البصر، الارض عطشى، لا تمل من استقبال الجثث، خمسون عاما اقتات من نبش الارض، تجهير الاسرة للراحلين بالتابوت وبدونه على جناحي التكبيرة و الفاتحة، الفأس والمجرفة بالشدو يزفان العريس الى السفر النهائي، تخشع الروح من شدة النواح وانهمار الدموع، ادوات الحفر ترفض الخشوع، كل يوم يودع فقيد، اكثر في بعض المرات، يأتي النحيب والبكاء و العويل، لطم الخدود والصدور، يتولد الخشوع لصلاة الجنازة وقراءة الفقيه، توضع الاحجار على حوافي الرمس، يهل الوحل الندي على القبر، يرش بالماء المعطر، تستوي الربوة، يتفرق الجمع، الكل يمضي الى اوقات فراغه، ينسحبون في تثاقل فرادى وجماعات، حيرة، برودة، خوف اكيد، يمضغون الاحزان في صمت، كل واحد يرسل دمعة، يطلق كلمة، يودع الراحل حسب رابطة الدم والعرق والنسب، اميز ذبذبات الحزن والكذب في تعابير الوجوه.

يعم الهدوء في الفضاء الواسع، المسيج باللحود ورخام الشواهد، بضعة بقرات وغنم ترعى، المقبرة مليئة بالأزبال والنفايات البشرية، المسلم لا يحترم، لا في حياته ولا في مماته، مقابر الكفار والملاحدة افضل، اطهر، انقى من مقابر المسلمين، احرك النظرات وامشى الهوينى، لعلي امسك بهواء عابر معقم من رائحة الموت، ابو العتاهية كان صريحا وصادما عندما انشد (يبكي عليه قليلا ثم يخرجه**فيمكن الارض منه ثم ينساه) رحمة الله عليه.

انفض حذائي من الغبار، البس جلابي الابيض ادس الراس في الطاقية، حين أفلت من عقال طقوس الدفن، اقبض ثمن طمر الاحبة بدون وخز للضمير، اسرع الى الحانة، أغسل حبات عمري بالراح، أزيل الصدأ عن العظام، احشو راسي في كؤوس النبيذ الرديء وادخن لفافات الحشيش لا بعثر الصور البائسة، الاشباح في ذهني تحتاج الى مبيد، افتض بكارة العزلة واغتصب الصمت الاخرس هربا من فتنة الاجترار، الجنازات تولد الارق، تنقر الصدر وتشتت المخيلة، سنوات انتقل من كابوس الى كابوس، اجسادا تتلوى بالحوباء، كلمات منمقة في يوم حداد، مزدحم الراس بالسؤال الرابض في الذاكرة كجسد محنط ينتظر التابوت، ولدت لا كون حفارا للقبور، ورثت الحرفة من والدي، نحن سلالة حفاري القبور، مهمتنا ان نجهز الاجساد للرحلة الاخيرة، ارزاقنا مخبأة في الهياكل التي هربت منها الروح صاعدة الى السماء، في الموت يأتي الشبع والكساء، يأتي الخراب والدمار، العداوة و البغضاء، المحبة والوفاء و التقوى.

 كيف الحال غرموت...؟

 بخير الحمد لله

 نتلقاو في العشية نديرو شي جلسة

 كاين الروج....؟

 موجود

 مزيان غادي نجيب معايا لعشا والقطعة

 مع السلامة

مند زمان ارحل من بيت الى بيت، اشارك في طقوس التابين وتقديم العزاء، لا اذكر يوما حضوري الى عرس، حضوري يعمق الاشمئزاز والخوف، يراني الاخرون رمزا للتطير والشر، رسول ملاك الموت، انني اكثر شهرة من الفنانين والمغنيين وممثلي الشعب، دفنت قبائل ودواوير واحياء...من يرمقني في الزقاق والمقاهي يفور نبعه، يتجهم، يمتقع لونه، ما احوجني الان الى نظرة متسامحة لا تشيخ، لا تفردني في عز الشيخوخة، الى ادعية تفضح دواخلي البريئة، حتى في ذروة الحاجة، لا اشتهي الموت لاحد، الارواح تنسل من الابدان في لحظة سهو، بالأمس كان الرعد والغرق والنار ولسعات الافاعي تحصد الرؤوس، اليوم تعددت الاسباب وارتفع عدد الموتى، حوادث مرور، امراض واوبئة فتاكة، حفار قبور اليوم ليس كحفار الامس، اصبح الاقبال عليه كثيرا، الجميع يخيط كفنه في صمت وينتظر ان تدق ساعته، حفار القبور لا يقرا الفاتحة، ولا يمهر خاتمة النهاية، لا يصوغ بالعطر والورد فردوسا، يرسم قبرا ويسكنه العابرون في ثوب ادم.

تكرع كؤوس الراح بتلذذ، ينفت دخان الحشيش الوطني، تحصد بالخمر سنابل الواقع الصدئة، في الجمجمة يحفر القبر المؤقت للفرحة العابرة، حفار القبور يموت اختناقا، تركوه عاريا يتيه في العواء، على استيحاء يهرب منهم، ينزوي من اكتساح الصور الكئيبة، يفني ساعات اليقظة في الخمرة، لا شيء في الدماغ غير الرماد وعناوين الموتى، اشتهي مخيلة نقية كنقاء الماء في الغدير، بهية كإشراقة شمس الصباح، رائحة جسمي مغسولة برائحة الاقحوان والياسمين، ترتاح قامتي المحشوة بالقحط والظمأ، خطيب المنبر شيطان رجيم، يفتي ان الخمر والجنس حرام..؟ لعنة الله عليه الى يوم القيامة، لا محرمات حين يتوق الجسد الى الرقص خارج اسوار ووكنات النواح، طرد عفاريت الهم لا يحتاج فقط للصلوات وطقوس التعبد.

الندماء يثرثرون بدون انقطاع، حين ارتفعت حرارة الجسم، بدأت الدنيا تتلون بلون الانشراح، طقطقت الكاس على مائدة صغيرة، اثرت الانتباه، اشرت لهم بالسكوت واضعا السبابة على الفم، انفتحت كراسة الذكريات على مصراعيها، اسرار المقبرة تعلق على حبل الغسيل، تخرج على يدي العشرات من حفاري القبور، اخطبوط من المقرئين الفاشلين دراسيا، والايدي العاملة وبائعي صفائح الماء، حين تأتي سيارة الاسعاف، بمكاملة واحدة، يحضرون كالجراد، بالأمس كان الموتى يحملون في محامل من خشب، لم تكن لا هواتف نقالة ولا سيارات، في الجوف العطشى تفرغ الكاس، لهزم المرارة امط الشفتين، تمتد الى قطعة لحم مشوية، حكيت عن مكر السحرة والمشعوذين والدجالين الذين يدفعون الضحايا الى ولوج اماكن اكثر رهبة، لتعليق التمائم والاحجبة في النباتات الوحشية والاشجار، سقطت في الذاكرة صور النسوة اللواتي ضبطتهن ليلا ينبشن قبرا لإعداد وفتل الكسكس بيد الميت، كن مجهزات بقنينة الغاز وطنجرة ولحم وخضراوات وتوابل، لطمتهن المفاجأة، حشرجاتهن خنقت اصواتهن، استسلمن حين راين المدية تلمع في يدي والكلب مستعد للانقضاض، كبلتهن الى ان حضر رجال الامن، ساوموني بمبلغ مالي مهم، رفضت لأنني احترم الموتى، الموتى مصدر رزقي و اولادي، تكلمت عن العفاريت التي تخرج ليلا، ترتدي هياكل موتى لتحرسهم، الاحياء الذين دفنوا احياء، المقبرة حزمة اخلاق تكسرت على احجار العربدة، تلاشت عبر السنون تعويذة الاحترام، انهزم الخوف القابع في سكون الليل.

امشي في المدفن عبر المدفن، امسك بالقلق والرغبة الحارقة في الانسحاب، الحياة معترك وعقاب إلاهي، مملوءة بأهازيج العربدة والدموع، لا باس من شرب الانخاب على شرف الغائبين، ليبحر النحيب مع المعزي الذي لا يعود، وجهي الشبيه بكهف تسكنه العناكب، الجسد مترهل يقف على حزمة عظام، نفذ العمر لم يبق إلا التجاعيد على الجلد، اكوام من الزفير والشهيق والانين والآهات تتسلق الدماغ، نظرات الاشفاق والسخرية والتطير تلسع الظهر، القوة اغتالتها عنقاء الزمن، دهسني شبح الخرف، الحركات الموحية بالوجود بدون قيمة، فرسان الموت لا يقرعون الطبول في سمائي، تخف شدة وقوة الصخب والضوضاء والنواح، نبضات القلب تتزايد عند الحفر، الفأس ثقيلة جدا، يمتص بعنف ما تبقى في هيكلي من ضوء المسافات، يحدث هذا عندما اتوقف عن العمل، ليس بسبب المنافسة بل لان لص الموت هرب الى جهة مجهولة.

 الحاج غرموت كيف داير...؟

 الحمد لله على كل شيئ

 القضية ناشفة و الوقت واقفة

 اعوذ بالله..

غرموت لقلب خرج من الجلسات الساخرة المفعمة بالفكاهة وخفة الدم، غرموت لقب مركب تركيب مزجي يعني (غار الموت)، كان ذلك مند خمسة عقود واكثر. نجلس على ابواب المقبرة، ندخن لفافات الحشيش،نكرع كؤوس الخمر، قرابة الشهرين لم نحفر ولا قبر، نسبح في العطالة، نستدين لنشتري مستلزمات الاحتفال اليومي، نهرب من صخب الوقت وادرانه، ندفن الاجساد في سكرة ونشوة تغتال طائر الوعي، نترك الهموم تتحنط في مدافن الماضي، يسود المرح ويتعطل التذمر، الساعات تفر منا، تخلى الشوارع من المارة، تمر سيارة الامن، الوح لهم، يردون التحية، طفلة شعتاء شبه عارية، تركب ظهر امها، فارسة تلهو بالفرس بدون لجام، بدت لحظ تئد ان الاشياء من حولي تبحث عن معنى للحياة، سيارات وشاحنات قليلة تعبر الطريق، غير بعيد يسمع صوت سيارة الاسعاف، عم الهدوء، مشاعر القلق تجتاحني، تأملت رفاق المقبرة والخمرة، هؤلاء الذين يعدون شهودا على انطفاء الاف الرؤوس وتمكينها من المقام الابدي، منشغلون بالاحاديث عن النساء والنبيذ، يعيشون في زمن اخر، يضحكون ملئ الاشداق، يمطرون الفراغ بالقفاشات، تجاهلت النظر اليهم، يستحضرون الايام الخوالي، يسقط الماضي في الحاضر، يمتزجان، يلتحمان بعنف في اللحظة.

 وا الحاج غرموت

- اشنو كاين...؟

 شوف اشنو جاي في الطريق..؟

 ثلاثة لعيالات شارفات

 هدوك راه قراعي الروج معكسين

اعوذ بالله من غضب الله

مزحة، سمجة، وقحة، سخيفة، ارجل مقوسة، اجساد محدودبة تبحلق في الفراغ، خطوات ثقيلة، ادمغة مشتتة موزعة بين المجهول والعدم على وشك حجز تذاكر الرحيل، خرج صوتي واهنا مـتلعثما (كلنا سنمر يوما) خاطبت نفسي، فلا جدوى من الكلام، لا جدوى من اسداء النصح، وتكدير الامزجة، يعيشون عتمة في العقول، يخلطون بين الجد والهزل، حين تلعب الخمرة في الادمغة، لا فرامل، لا محرمات، لا طابوهات، فلا احد سال يوما ان كان حفار القبور مرتاح بما يفعل وبما يشعر، يشربون لأجل هذه اللحظات المميزة المسروقة من عمر الزمن الكئيب، اجساد على مذبح النسيان متروكة كعلامة استفهام، يحملون قرابين لالهة العربدة، خلقوا ليتمردوا على العادات والتقاليد، يملؤون الفراغ بالشغب و الفوضى لنسيان ساعات الحداد، بنفض الجمع حين تفرغ اخر زجاجة، وتتبعثر الكلمات في اللسان، نتبادل التحايا، نضرب الموعد لجلسة اخرى...؟ اراهم يتفرقون، يترنحون، شيعتهم الى ان ابتلعهم الظلام، اتأرجح ذات اليمين وذات الشمال اتلصص خطوي، ادخل البيت، وجدت صعوبة في دفع المفتاح في القفل، جربت رزمة المفاتيح كاملة، اتمدد على السرير الخشبي، امتطي مركبة الخيال يلسعني الامس البعيد بعنفوان، في اجواء بؤسي اطوف، ابحث عن نقطة الضوء في قرص الشمس، انتعل شوارع وازقة المدينة، بلهفة اعتصر زبد الاحلام المهيضة، ستة عقود آكل من صدقات وعائدات الجثث، اشبه الارض التي تبتلع الاجساد، كلانا يطلب المزيد، الموت انقذني من الجوع، فتحت منزلا، كونت عائلة، ارتدي صمت المقبرة، اتنفس هواء المقبرة، احفظ اقوال وطقوس المقبرة، سور الكتب المقدسة والاحاديث، مقرؤون غشاشون يجثمون على سفوح الجنازات، يفاوضون المبلغ مقدما لتلاوة آيات ترسم الحزن والسكينة فوق الرؤوس المفجوعة الخائفة من الموت الرابض في ثنايا السر الالاهي.

 لماذا يموت الناس...؟

- ان الله يريد ذلك

- ولماذا الله يريد ذلك...؟

 لأنه خالق الكون والبشر والشجر واليه سنرجع

حاول المقرئ المسربل بالبياض اقناع طفل فقد والده، يمشط على راسه الصغيرة، يمسح دمعه، اسئلة الطفل اكبر من فهم المقرئ السطحي، تأرجحه على سنابك الحيرة، لكنه متسلح بسيل مبررات تقتص من عوالم الخرافة والاساطير، (انتم السابقون ونحن اللاحقون) يمضمض بها الفم بصوت اشبه بالبكاء، يلبس الدور جيدا، ينصهر في اللحظة،ينحث كسرة الخبز فوق النعوش، في المساء يركض فرحا الى تاجر الممنوعات، يعشق تدخين القنب الهندي، يجلس ويسحب سلاحه الثمين، عود انبوبي طويل مزخرف (السبسي) تلصق في اخره قطعة خزفية صغيرة مقعرة (الشقف) يتم حشوها بمسحوق القنب الهندي (الكيف)، يرجم عفاريته الداخلية بالعشبة المخدرة، يحشو الشقف بالكيف، يتناول الولاعة، يشعل النار، يسحب الدخان، يتركه في الصدر لثواني، يسافر الى عوالم فيروزية، عندما ينتهي ينفخ بقوة، تطير الجمرة، لاعب كولف حقيقي، في السابق كان يغني في الاعراس، ضبطوه يتحرش بمتزوجة، ابرحوه ضربا ورفسا، انتشر الخبر بين الناس، سدت في وجهه الابواب، بدا يتردد على المقبرة، ولان صوته جميل وعازف على العود، وجد مكانه بين المقرئين، سموه بالمغني، حين يسكن دودة الادمان في الدم، يغني اغاني عبد الحليم وفريد الاطرش.

اناس الشلة، مدهشون، رائعون، عشرة عمر، نختلف في طريقة التفكير، تجمعنا ضبابية العيش، جمعينا ينقع روحه في شلال البقاء، نسير في ظلال التآلف نتدثر باسمال ذات سموات مثقوبة، نتسكع في ملكوت الله، اعرف انهم متذمرون لأني لم اعد اساهم في ليالي العربدة، اعتاش على العطايا، ابتلع راضيا رشاش الغمر واللمز، انا زجاجة خمر منفلثة من شباك الموت، مثلما اشاروا على النسوة الثلاثة في ذلك اليوم، امشي بينهم مرتديا جلباب الجفاء القاسي، بدأت في الابتعاد، اهرع وحيدا الى فضاء الانعزال والانطواء، معتزلا ضجيج الشلة ورائحة المقابر.

 الحاج غرموت راه المعيشة ولات قاصحة كلها يضرب على راسو

 فعلا

 راك عارف كلشي ولا غالي

 اييه

لم احقد عليهم، كلمات قاسية لكنها الحقيقة، نصف عام اقتات واعربد من عرقهم، لم اعد اقوى على الحفر، خارت قواي، احلت على التقاعد، الزبون غير راض على بطئ الحفر، مرات عدة اجلس ممعنا وارتشف الغرابة، كيف يبكون الاحبة، يستعجلون الدفن ويتباكون على الحفر البطيء، فوق الجبين يدي تلمس غبار الشماتة، اراهم يحفرون خنادق عديدة للجنازات، الوح لهم لكنهم منشغلون بالحفر، احس بثقل الفأس والمجرفة على كتفي، امضي وحصاني الهرم تحتي، رؤيا اندملت طينا وغبارا، فؤوس الشلة تلمع من بعيد، ولحن الفراق يباعدنا، اودع ظلا في الظلام تلوح له اللامعنى، وحيدا اكبل عجزي، اطمره في تجاويف دمي الملوث، ترفرف أعلامي المنكسة في العتمة، ابقى معلقا بخيط التحدي ولم اعلن الانسحاب، احاول ترميم نفسي، في ملكوت العدم اهندس الفراغات، فوق هامة شجتها السنون أحمل ثقل الوقت، اتلهى بكلمات تذبل وتموت في كل ثانية، مهجتي مضمخة بأمل لا يعدم الرجاء، لاتملص من أنياب اليأس والافراد، وامتطي صهوه الفجر بقوة الف حصان، افتح بطن المقبرة وازرع فيها رموسا تكفي لأجيال، لا شيئ اسمه المستحيل، اسرح بخيالي اضع خططا للاتي من الايام، ليس هناك استسلام ولا عجز، الاشواك القديمة اكثر ايلاما، لا وقت لاقامة سرادق لعزائي.

السماء ملبدة بالغيوم، نشرات الاخبار تنذر بالعواصف الرعدية، لحظات قليلة بدأت تمطر، رحت افتش عن اسلحتي في زوايا البيت، لبست معطفي الجلدي، افكار كثيرة ترتطم في الجمجمة، رجوت الاله ان يمنحني القوة، الا يغلق الباب في وجهي، كما فعل الاهل واصدقاء العمر، اعتقلوا لصوص الفرح من الحوباء، سلخوا كرامتي وصفدوني بالعجز والحيف، الظلام يخيم في المقبرة، اطفو على افواه الريح، اغتسل من دموع السماء، تتشطب في دواخلي اخطاء الامس دفعة واحدة، اضرب الفأس في التراب الندي، ينغرز الى حد الوتد الخشبي، اشعر بالحرارة فاستل من وهج الجنون شعرة الانتشاء، تنبجس ينابيع الرشاقة والخفة في الدم الفوار، الساعات تفر من يدي واسلحتي تطاوعني، ازداد اصرارا وصلابة، قوة خفية أشعلت خلايا تبتغي الفناء، نباح الكلاب يرتفع غير بعيد، يكسر سكون الليل الاخير النامي في وقتي، تمددت على الارض الموحلة، باحثا عن الامتزاج الشقي لأجالس ارواحا على ابواب الفردوس، في لحظة الاحتضار اغرق، استريح ‬من ‬سفر ‬طويل، الرحيل يضغط بقوة يستعجل الغياب... ‬‬‬‬‬‬‬‬
في الصباح اندهش الزوار، وحفارو القبور والمقرئين وبائعو صفائح الماء، جوف المقبرة مفتوح، عشرات القبور انحفرت دفعة واحدة، بحثوا عن غرموت لم يجدوا له اثر. تناسلت الشائعات لكن الاكيد ان جسد غرموت لم يخنه في اللحظات الاخيرة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى