الخميس ٢٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٧
بقلم حسين حمدان العساف

حوار مع الفنان المسرحي عصام المانع

لم تربطني به علاقة ولا صداقة، ولكنني أعرفه، ويعرفني منذ أن كنا معاً بمدرسة عدنان المالكي في الحسكة، العام 1959 أيام الجمهورية العربية المتحدة في مرحلة النهوض القومي بقيادة عبد النا صر، كان في الصف الرابع الابتدائي، وكنت متقدماً عليه بصف، كان لطيف المعشر محبوباً من زملائه، ظهرت موهبته في التمثيل والخطا بة وجودة الإلقاء منذ ذلك الوقت، وكان في مدرستنا يومذاك معلم متميز، يقال له عبد الكريم عدي، ربما كان من مدينة (حماه)، كان خطا طاً، يهوى الفن، لمس موهبة هذا الطفل، فاحتضنها، ورعاها، وكان يدربه على إلقاء الشعر والتمثيل، وأذكر أنه كان يدرّب عصاماً على إلقاء قصيدة شهيرة،كانت الجماهير تردّدها، وكناّ نرددها معها أيضاً، تندّد بجريمة عبد الكريم قاسم في إعدامه عبد الوهاب الشواف وناظم الطبقجلي ورفعت الحاج سري بالموصل .

قل للزعيم الأوحــــد قل للكريم المفرد

قل للجلا وذة الطغاة الراجفين من الغد

فألقاها عصام في مسيرة جماهيرية غاضبة، اشتركنا فيها، عمت مدينة الحسكة، أجاد إلقاءها، ثم توالت نشا طاته بعد ذلك في المسرح ممثلاً ومخرجاً ومؤلفاً وحاضناً المواهب الناشئة في محافظة الحسكة التي أقام فيها، ثم في محافظة ديرالزور التي انتقل إليها فيما بعد . ثم نضجت تجربته المسرحية، فأخذ ينتقل من نجا ح إلى آخر، وشعرت بالاستياء، وأنا أتصفح جريدة (الفرات) التي تصدر في مدينة ديرالزور، وهي تتحدث عن لجنة من وزارة الثقافة قامت بتكريم الفنانين في الحسكة، وتجاهلت تكريم من ساهم في تنشيط الحركة المسرحية بمحافظة الحسكة، وكنت أتمنى أّنْ يكون التكريم موضوعياً ومنصفاً . يسرنا أن نلتقي الفـنا ن المسرحي الموهوب عصام المانع في الحوار التالي :

 نتعّرف بإيجاز إلى بطا قتك الشخصية :
 عصام المانع الخليفة، مواليد ديرالزور 1949م، متزوج ولي ثلاث بنات، وأحمل شهادة أهلية التعليم الابتدائي .
  من أغراك بالمسرح، ومن هي الشخصيات المسرحية التي استهوتك،وتأثرت بها ؟
 الذي أغراني بالمسرح هي الرسالة التي يحملها المسرح عبر مقوما ته الاجتماعية والإنسانية والفنية التي تترجم من خلال اللقاء المباشر مع المتفرجين وتفا عله مع قضايا تهم الناس والمجتمع التي شد تني كي أكون واحداً ممن يساهمون في ترجمة الرسالة إلى واقع فعاّل، والشخصيات المسرحية التي استهوتني وتأثرت بها، مروان نحاس وفيصل الراشد وآخرون .
  كيف تعلّمت أصول التمثيل؟ من الد راسة الأكاديمية؟أم من الهواية والممارسة؟
 لم يكن في الماضي وأقصد من بدايا تي عام 1957 ولغا ية بداية السبعينات معهد مسرحي أو د راسات فنية، فكان الاعتماد على موهبتي وهوايتي وممارستي لأمور التمثيل المتنوعة التي لفتت الانتباه، وشجعني عليها جمهور الحسكة، مما جعلني أتعلم أصول التمثيل، وأتابع مسيرتي المسرحية .

  حدثنا عن بداية رحلتك مع المسرح، ونشا طك المسرحي في محافظةالحسكة .
 بداية رحلتي مع المسرح طويلة، تمتد إلى ثلاثين عاماً منذ عام 1957 شملت مراحل في التمثيل والتأليف وآخرها في الإخراج، وقد تسلمت مهاماً فنية(مديراً للمسرح المدرسي في الحسكة، ورئيس المكتب التنفيذي في فرع الشبيبة بالحسكة، وفرع الطلائع) الأمر الذي وفّر لي الأجواء المناسبة لمضاعفة ونجاح أعمالي .
  هل جّربت الإخراج المسرحي؟ ما المسرحيات التي أخرجتها؟
 طبعاً من بداية السبعينيات تفرغت للإخراج المسرحي أكثر منه للتمثيل، واشتراكي في مهرجان الهواة التابع لوزارة الثقافة آنذاك ونجاحي فيه بالإضافة إلى مهرجانات الشبيبة عبر مسرحيات عديدة منها (جثة على الرصيف)،(مغامرة رأس الملوك جابر)، (مسرحية البيدر)، (الطريق إلى الوجود)،( قصة حديقة الحيوان)،(الوصية)، (الزير سالم)، (حمار الشاهد)،( ثورة الزنج).... الخ .
  كيف رأيت واقع المسرح في محافظتي الحسكة وديرا لزور، وما الصعوبات التي كانت تعترض عملك المسرحي في المحافظتين؟
 الواقع المسرحي في محافظتي الحسكة وديرالزور، واقع يحقق الانجازات والقفزات المبدعة من خلال نضال العاملين فيه واجتهاد هم الشخصي، وهذا يدل على عدم تجاوب المؤسسات الثقافية أمام طموحه الذي يفوق كل تصور، ويحتاج إلى تفهم لأهمية المسرح ودوره الطليعي، ومن ثم دعم الفرق الفنية المجتهدة بكل الإمكانيات المادية والفنية وتفريغ بعض العاملين أو تخصيص رواتب لهم، لأنهم لا يملكون أي مصدر مادي يعينهم على العيش والإبداع، أما الصعوبات، فهي التي تحدثت عنها منذ قليل، ولولا أنني كنت مسؤولاً فنياً لما تحقق ذلك .
  كيف رأيت مستوى الكادر المسرحي في تلك المحافظتين؟ أعلى المستوى المطلوب؟ وماذا كان ينقصه؟
 الكادر المسرحي في محافظة الحسكة كادر متميز سواء في المدينة نفسها أو القامشلي وحتى المناطق الأخرى، وهناك مواهب عديدة احتلت مكاناً في المسرح السوري أمثال اسماعيل خلف، وليد عمر، عدنان عبد الجليل، سمير ايشوع، فيصل الراشد، جمال جمعة، جميل مطرود، اسكندر عزيز وكثيرون. أما في ديرالزور فإن الكادر لا يقل أهمية عن سابقه الحسكة إنما لايجد الاهتمام اللازم، ويعا ني من عدم توفر المقومات المادية التي تساعده على بلورة اندفا عه وعطائه ويحا ول إثبات وجوده من خلال حماسة بعض الشباب الهواة أمثال، حزام سفان، بسام سفان، أيمن عبد القادر، إسماعيل حسو، عبد الحميد عزاوي، مدالله الشاهر، محمد القاسم، ورغم كل هذه الظروف في المحافظتين فإن المهرجانا ت المركزية أثبتت أن المستوى المطلوب كان جيداً، ويسعى العاملون فيه إلى تحقيق قفزات سريعة نحو النجاح المأمول .
  هل تذكر الأسماء المسرحية الناجحة التي كنت تتعامل معها على خشبة المسرح في المحافظتين؟
 هناك بلا شك أسماء عديدة تعاملت معها بنجا ح خلال مسيرة حيا تي المسرحية، كانت سنداً لي في نجاحا تي وإبداعي .. أذكر منها مروان نحاس، عدنان البوش، فؤاد الراشد، فيصل الراشد، أحمد مشهور، جميل مطرود، حمدوش، خليل اقطيني، يونس خلف .. وآخرين، أما خلال وجودي في د يرالزور، فلم أشا رك في الأعمال المسرحية كمخرج بل كمتابع ومشجع وحريص على الاستمرار في المسرح، وموجه فقط .
  تتداخل الاختصاصات في الأعمال الفنية، مثال على ذلك العمل المسرحي والسينما والد راما التلفزيونية والأغنية، فتجد الفنان المسرحي يكون مرة مخرجاً وأغلب الأحيان مؤلفاً أو معداً وهكذا في بقية الفنون الأخرى. لماذا هذا التدخل؟ وهل من ضرورة للتخصص الفني؟
 من الطبيعي أن يتوفر الاختصاص في العمل الفني، ومن الضروري أن يتم التركيز على قضية واحدة لضمان نجاح العمل، وكما يقول المثل (بطيختين بإ يد وحده ما تنشال) كذلك في العمل الفني، وقليلون من يستطيعون تحقيق ذلك، إنما هم الاستثناء. وبالنسبة لي فقد حققت ذلك عندما شعرت وباعتراف النقاد أن لدي مؤهلات الإخراج أقوى، فكانت نهايا ت أعمالي منذ السبعين ولغا ية الثمانين تتعلق بهذا الفن دون ممارسة الفنون الأخرى التي أمتلكها .
  هل قمت بجولات مسرحية خا رج المحافظتين؟ حدثنا عن أثرها في جمهور المشاهدين.
 الجولات المسرحية كانت داخل القطر عبر المهرجانات الخاصة بالشعبية ووزارة الثقافة، ولاقت الارتيا ح الكبير لدى المشاهدين، وقد نلنا عدة جوائز هامة من خلال المشاركات التي أظهرت الواقع الناجح لتطور المسرح في الحسكة .
  تتردى حالة المجتمع المعيشية، فا لمجتمع يعا ني من إحبا طات متراكمة متنوعة، هل يجد المجتمع في مسرحه متنفساً له؟ أم ما زال المسرح متخلفاً عن مجتمعه؟
 أنا لست مع المسرح الذي يستخدم التنفيس عن المجتمع، ولا المهدىء له، بل أنا مع المسرح الذي يعبر عن آمال وطموح الناس ويصور واقعهم ويعالج قضاياهم، ويساعدهم على تغيير كل السلبيات التي يعيشونها، وهناك فجوة كبيرة بين مسرحنا والمجتمع ... وصارت الأعمال الاجتماعية غريبة عن بعض // المسرحيين // الذين يرون فيها انحطاطاً لمستواهم وأعمالهم وهذا هو الخطأ .. فالعودة للمسرح الاجتماعي هو الفهم الحقيقي للمسرح ودوره الريادي .
  يرى النقاد أنَّ المسرح السوري يمر بأزمة؟ ما سببها؟ وما السبيل لخروجه منها، واستعادة دوره المطلوب؟
 عندما يلامس المسرح قضايا الناس وحاجاتهم ومعاناتهم، فإن ذلك ينهض بالمسرح، ولا يخلق أزمة، والركض وراء المسرحيات العالمية التي لايستفاد منها في الإسقاطات العصرية أو الاستخدامات المحلية والإنسانية كان من أحد الأسباب التي أوقعته في هذه الأزمة، ناهيك عن عدم الاهتمام العام بتأصيل المسرح العربي عموماً، كان واحداً أيضاً من أسباب أزمته، فالمسرح يجب أن يلامس بشكل يومي واقع وهموم الناس، وكل ما بعده ليس شرطاً أساسياً لاستعادة دوره .
  ربما شعرت بخيبة أمل ممن أكرموا غيرك، وتجاهلوك، ماالمعيار الصحيح السليم الذي ينبغي أن يتبع لتكريم الفنان؟
 لم يعد هنالك شيء يشعرني بخيبة الأمل في هذا الزمن الذي يحوّل الحقا ئق والأصالة إلى تزييف وهشاشة، وتجاهلي في التكريم أثار في نفسي حفيظة التأكيد على الأصالة، فلا شك بأن هنالك فارقاً بين من كرموا في عمل واحد أو أثنين في محافظته، وذهب إلى دمشق، وبين من أ سّس المسرح الشبيبي بشكل خاص، وواحد من مؤسسي المسرح بالحسكة والعاملين فيه ضمن المناطق والريف، واللفتة الكريمة من السيد اللواء محمد نمور النمور بضرورة تكريمي كان محط تقد ير وإعجاب على إصراراه الذي نفذه منذ أشهر ضمن احتفال كبير، وقد وعد ني الدكتور رياض نعسان آغا بتكريمي في أول وأقرب مهرجان، وأنا أنتظر تنفيذ الوعد، وهذا من حقي، لكنني غير متفائل. فالمعيار الصحيح للتكريم يجب أن يكون موضوعياً وضمن أسس محددة يؤخذ بعين الأعتبار القدم والدور الذي لعبه الفنان في النهضة المسرحية وأهمية الأعمال التي قدمها وأثرها في المجتمع. لا أن تكون المعايير شخصية ومزاجية ونفعية.
  ماذا تحدثنا عن مشاريعك الفنية في المستقبل؟
 ليست لدي مشاريع فنية حالياً، وإن كنت تواقاً لاستئناف عملي الفني بعد انقطاع دام سبعة وعشرين عاماً، وأحا ول مع الأصدقاء تحقيق ذلك إن توفرت الظروف الملائمة لذلك.
 ما توجيهك للأجيال المتعاقبة على خشبة المسرح اليوم بحكم تجربتك الطويلة في العمل المسرحي؟
 على الأجيال المتعاقبة والحالية أن لاتنخدع بالأعمال العالمية و ما فوق مستواهاالفني كي يقال عنها مهما كانت النتيجة، وأن يتم تركيزها على المسرح العربي، وتشجع التأليف المحلي، وتقدم أعمالاً اجتماعية، وأن تطالع كثيراً حول أصول المسرح، وتد رس عناصره بدقة، وتجتهد في الأعمال، وتتعب على تنفيذها، وأن لايغيب عن بالها بأن الفن بلا أخلاق هو (السراب الخادع) وأن
لاييأ س العاملون في المسرح من كل الصعوبات التي يعانون منها ... بل المتابعة والبذل والعطاء والاعتماد على الله في كل الأمور .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى