الأربعاء ٧ حزيران (يونيو) ٢٠١٧
بقلم سماح خليفة

ذات حلم...

عاصفة... اسم على مسمى، تلك الفتاة الجامحة الصلبة القوية. ما زلت أذكر وجهها جيدا، ما زلت أستقرئ نظرات التحدي في عينيها جيدا، فتاة في ريعان شبابها لم تهدأ يوما. لم تغف ذاكرتي عن صورتها يوما. طالبة في المرحلة الثانوية فارعة القامة شقراء الشعر خضراء العينين ترتدي مريولها الأخضر وكوفية أبو عمار تزين كتفيها والحجر اللاهب يلثم يدها.

هذه الصورة في مخيلتي مرتبطة بالشارع الرئيس المقابل للبلدية شرقا ومقابل بيتنا في نفس الوقت غربا، يؤدي إلى مدرستي الابتدائية ومن ثم ينساب يسارا إلى المدرسة الثانوية المجاورة.

عاصفة لم تعصف في ذلك اليوم باكرا، كان الهدوء يرفل بظلاله على أرجاء الحي ورائحة القهوة تعبق بالمكان من بيتنا وحتى غرفة المعلمات في مدرستنا.

ساجدة المعلمة الجميلة الراقية الهادئة ذات الابتسامة الجذابة لم تهنأ بفنجان القهوة الذي يقبل يديها صباحا ولا حتى في نهاية الدوام؛ فصباحا سكبته إحدى طالبات الصف الأول على تنورتها الغجرية الموشحة بخضرة سهول طوباس وجبالها البهية. وأما في نهاية الدوام فقد سكبنه الطالبات أثناء خروجهن من الصفوف وهن مذعورات من صوت إطلاق النار من صهاينة أنذال انغرسوا كشوكة في حلق الشارع الرئيس المؤدي إلى بيتنا.

حدسي كان ينبئني بأنها عاصفة، رجمت دبابة هؤلاء الأنذال أثناء مرورهم من ذاك الشارع واستفزازهم أهالي الحي.

انتشيت لذلك المشهد فقد كان حدسي في محله؛ دبابة إسرائيلية تغلق الشارع المؤدي إلى بيتنا، وعاصفة تقود مجموعة من الصبايا والشبان الملثمين يرشقون الحجارة. فما كان مني إلا أن أشارك في هذا الحدث بفرح ممزوج بالخوف؛ فأنا أعلم أن هذا الحدث سيتبعه غاز مسيل للدموع لتفرقة المتظاهرين ثم منعا للتجوال، فكيف سأصل البيت في هذه الحالة؟!!. لم يطل حديث الجوى هذا حتى قطع حباله صوت جهوري من أحد الشباب: "ألست أخت سعيد يا فتاة؟! ماذا تفعلين هنا؟ انت صغيرة على الحجر" خطفني بين ذراعية كالمارد واجتاز بي تلك المعمعة من طريق التفافية حتى أوصلني باب البيت. لحظات حتى بدأت قنابل المسيل للدموع تنفجر في الفضاء.

صعدت الدرج أحبو وأنا أستنشق الغاز، أضرب الدرابزين أنادي ولا مجيب. وهذا طبيعي ففي مثل هذه الظروف سكان الحي يرصدون الابواب والشبابيك ويغلقون اي فتحة أو منفس لعدم تسرب الغاز ويتركون كيسا من الفحم داخل الغرفة وقطع من البصل والكولونيا. يرمون جزءا منها في الشوارع قبل الإغلاق حتى يسعفوا المتظاهرين ويتركوا الباقي يتنشقون رائحته.
أذكر كيف أصبح العالم حولي في تلك اللحظة ضبابا وغبت عن الوعي. رأيتني ملفوفة بقطعة بيضاء بجانب أحد القبور بين يدي شخص لم ألحظ وجهه، وآخر يمر به يسأله: "من هذه؟"....
"هذه سماح استشهدت"....

ما إن سمعت هذا حتى نهضت من حلمي مفزوعة فتحت عيني فإذا بهدوء يجتاح المكان ولا أثر لمسيل الدموع. دفعت الباب ودخلت. نظر الجميع إلي باستنكار: "أين كنت حتى هذا الوقت؟!" وأما والدي: "لماذا كل هذا التأخير؟!!. لا حول ولا قوة إلا بالله، لو أصابك مكروه ماذا سيحدث لي؟"

"!!لا تخف يا ولدي لن يصيبني أي مكروه"


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى