الأربعاء ٨ شباط (فبراير) ٢٠٠٦
بقلم محمد الحنفي

رؤية إلى الإسلام والإرهاب أم إلى المسلمين والإرهاب

الجزء 1 - 2

تقديم:

لقد تلقينا مجموعة من الأسئلة على عنواننا الإليكتروني من السيد عيسى بطرس مفادها:

1) لماذا نجد للإسلام اتجاهات دموية منذ البداية في إفريقيا، وفي آسيا وفي أوربا؟

2) لماذا نجد أن الدول الإسلامية متخلفة؟

3) لماذا يعتقد المسلمون أنهم خير أمة أخرجت للناس؟

ونحن منذ البداية نجد أن السيد عيسى بطرس ينطلق في وضعه للأسئلة أعلاه من كون الدين الإسلامي هو دين الإرهاب وهو قول مجانب للحقيقة، والواقع في نفس الوقت.

فنحن في تعاملنا مع أي عقيدة –مهما كانت هذه العقيدة- يجب أن نميز بين العقيدة التي تمتلك حق الوجود وحق الشيوع بين الناس، وبين حاملي تلك العقيدة باعتبارهم أصحاب مصالح طبقية لا يدرونها ولا يدركون مواقعهم من علاقات الإنتاج. كما أنهم لا يدركون مدى ما يمارس عليهم من استغلال أو ما يمارسونه هم من استغلال على الآخرين. ولذلك لا يمكن أن نساوي بين الديانة اليهودية، وما يقوم به اليهود، وبين الديانة المسيحية وما يقوم به المسيحيون، كما لا يمكن أن نساوي بين الإسلام، وما يقوم به المسلمون.

و حتى لا نغرق السيد عيسى بطرس في المتاهات التي لا تسمن ولا تغني من جوع كما يقولون فإننا ندعوه إلى التماس الإجابة على أسئلته من خلال معالجتنا ل:

1) الإسلام والإرهاب، أية علاقة.

2) واقع الإسلام وواقع الحكام.

3) أزمة الدين الإسلامي وأزمة مؤدلجيه.

4) هل يرجع انتشار الإسلام إلى دموية الإسلام أم إلى دموية المسلمين؟

5) تخلف الدول الإسلامية هل يرجع إلى الإسلام أم إلى تبعية الدول المسماة إسلامية؟
6) لماذا يعتقد المسلمون أنهم خير أمة أخرجت للناس؟

لأن الإجابة التي يمكن أن تكون مباشرة على أسئلة السيد عيسى بطرس لا يمكن أن تفي بالغرض نظرا لطبيعة الأسئلة نفسها التي تفرض المعالجة الشمولية لعلاقة الإسلام بالإرهاب التي يمكن أن نعتبرها علاقة تنافي، ولكن عندما يتحول الأمر إلى علاقة المسلمين بالإرهاب فإن الأمر يختلف لحضور المصالح الطبقية في ممارسة المسلمين.

الإسلام والإرهاب.. أية علاقة:

إننا عندما نرتبط بالبدايات الأولى لظهور الإسلام نجد في القرآن: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" والتأكيد هنا يجب أن ينصب على الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، لأنها هي الأصل في جميع الديانات. ونظرا لأن ما كان يدعو إليه في البداية كان يتناقض مع المصالح الطبقية للأرستقراطية القرشية. فإن الإسلام وجد نفسه محاصرا ومقموعا من قبل تلك الأرستقراطية. لذلك اضطر المسلمون إلى ركوب كل المسالك التي تؤدي إلى ضمان حماية الإسلام حتى يستمر كمعتقد على وجه الأرض. ولذلك فكل ما قام به المسلمون إبان الدعوة الأولى إلى أن توفي الرسول لا يتجاوز أن يكون دفاعا عن الحق في الوجود ضد كل الذين كانوا يسعون إلى استئصال العقيدة من النفوس سواء كانوا داخل الجزيرة العربية أو خارجها. وبعد موت الرسول بدأت تتكون مصالح أخرى لها علاقة بحاجة المسلمين إلى دولة تحميهم. اضطر المسلمون إلى بداية العمل في هذا الاتجاه والقيام بتحديد مسؤولية الحكم، والقيام بما تستلزمه تلك المسؤولية التي تستلزم المحافظة على وحدة العرب في الجزيرة العربية في ذلك الوقت حتى لا نقول وحدة المسلمين، لأن الجزيرة العربية في ذلك الوقت لا تضم المسلمين وحدهم، بل كانت تضم إلى جانبهم اليهود والنصارى الذين سماهم القرآن بأهل الكتاب كما جاء في إحدى آياته "يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله". والعمل على وحدة الجزيرة العربية مع الإقرار بتعايش الإسلام مع المعتقدات المخالفة يعتبر أساسيا لقيام دولة عربية على ارض الجزيرة حتى لا نسميها دولة إسلامية لكونها لا تستند إلى تصور للدولة ورد في نص القرآن الذي لم يرد فيه إلا قوله تعالى: "وأمرهم شورى بينهم" وأما ما ورد فيه مما يتعلق بالحكم بما أنزل الله " وأن احكم بينهم بما انزل الله " فهو خطاب موجه إلى الرسول، وفي مرحلة لازال المسلمون فيها يسعون وبكل الوسائل للحفاظ على العقيدة الإسلامية. ولتجنب أن يصدر حكم بناءا على رغبة ذاتية في مرحلة لم ترق فيها البشرية بعد إلى مستوى بناء الحكم الموضوعي بعيدا عن الحسابات الذاتية الضيقة. وانتقال العرب إلى ضم العراق وبلاد الشام لا يمكن اعتباره إلا استكمالا للوحدة العربية والعمل على تحصين تلك الوحدة خاصة وأن منطقة العراق كانت تقع تحت نفوذ الفرس، ومنطقة الشام كانت تقع تحت نفوذ الروم. وبعد قيام الدولة الأموية اصبح الأمر مختلفا تماما لأن دولة بني أمية اعتمدت في قيامها واستمرارها على ما كان يسمى في ذلك الوقت بالفتوحات الإسلامية التي اعتمدت نفس المنهجية التي اعتمدها موحدو القبائل العربية في عهد أبي بكر وعمر بالخصوص لاستغلال تلك الفتوحات لاستدرار المزيد من الغنائم على الفاتحين، وعلى مركز الدولة، وعلى سكان الحجاز الذين تم تحييدهم مقابل تخصيص جزء من الغنائم إليهم حتى يكونوا دعما لبني أمية في الجزيرة العربية. فالأصل هو السعي الى الحصول على مزيد من الغنائم والفرع هو إقناع الناس بالدين الجديد. وهذا الأصل هو الذي أدركه سكان شمال إفريقيا، وشرعوا في مقاومة الفاتحين باستماتة، بل وانتقموا من بعضهم كما حصل بالنسبة مع عقبة بن نافع إلى أن قام موسى بن نصير بجلب المتفقهين في الدين، وحفظة القرآن الكريم والحديث الشريف من اجل تعريف الناس بالدين الإسلامي وإقناعهم به فاقتنعوا بما وصلهم عن الإسلام وانخرطوا بدورهم في الفتوحات، ولكن لأجل إنقاذ الشعوب من الحكم المستبد وتحصين شمال إفريقيا من هجمات الأوربيين، وقد تحقق ذلك بعد انتقال الفاتحين إلى الأندلس بقيادة طارق بن زياد وهو مغربي، وإحراق السفن حتى ييأس الجند من العودة إلى المغرب. ومخاطبتهم بقوله "أيها الناس البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، فليس لكم والله إلا الصدق والصبر"،و هي خطبة تبين إلى أي حد يصدق طارق بن زياد ومن معه في تحصين الدين بمهاجمة الأعداء. وتحرير الأندلسيين من استبدادهم حتى ينشأ في الأندلس كيان يشكل درعا يحمي سكان شمال إفريقيا من المهاجمين الأوربيين، وهو ما حصل فعلا، ولعدة قرون. وانطلاقا من هذه الرؤيا. فإن الإسلام كعقيدة لا علاقة له بما يجري في كل مراحل التاريخ الإسلامي بقدر ما له علاقة بأدلجة الدين الإسلامي التي انطلقت مباشرة بعد مقتل عثمان، وتكون الفرق الإسلامية التي صارت تدعي كل منها بأحقيتها في الحكم. وصارت تؤول آيات القرآن، وتختلق الأحاديث لدعم تأويلها. كما هو الشأن بالنسبة لشيعة علي، وشيعة معاوية، وآل الزبير والخوارج. وهذه الفرق لازال بعضها مستمرا إلى يومنا هذا، ولازالت تستغل الدين وتؤدلجه من اجل الوصول إلى السلطة التي تصبح بوصولها سلطة إسلامية.

ولذلك فالإسلام ليس دينا يدفع إلى ممارسة العنف ضد الآخر، لأنه دين قائم على الحكمة والموعظة الحسنة. بل إن من يلجأ إلى العنف وباسم الدين الإسلامي هم المسلمون الذين تكونت لديهم مصالح طبقية تدفعهم إلى استغلال الدين كأيديولوجية لحماية تلك المصالح حتى ولو أدى الأمر إلى إرهاب الآخر. واستغلال الدين هو الذي يدفع المسلمين إلى اتخاذ مظاهر معينة تجعل الآخر يعتقد أن ما هم عليه هو الإسلام. والواقع ليس كذلك، لأن الإنسان في نظر الإسلام بأصغريه، بلسانه وقلبه، لا بلباسه وهيأته.

وفي تعاملنا مع الإسلام تعاملا علميا يجب أن نستحضر أن الدين الإسلامي هو دين نسبي وليس مطلقا لاعتبارات نذكر منها:

1) أن اصح نص وصلنا نزل على أساس وجود الأسباب التي عرفت فيما بعد عند المفسرين ب "أسباب النزول" أي أن كل آية وصلتنا وردت بالنسبة لسبب معين.و السبب يرتبط بالزمان والمكان.

2) أن القرآن يجب أن ينظر إليه على أن آياته منها ما هو ناسخ، ومنها ما هو منسوخ.

3) أن العديد من الصحابة في تقريرهم لأحكام معينة تجاوزوا ما ورد في القرآن من أحكام لا تتناسب مع الشروط الجديدة التي عرفها تطور المجتمعات.

4) أن بعض اجتهادات الفقهاء ذهبت إلى أنه إذا تعارض العقل مع النقل قدم العقل كما هو في مذهب أبي حنيفة النعمان.

5) أن اندماج المسلمين في هذا العالم يقتضي الأخذ بما تم الاتفاق عليه على المستوى العالمي. كما هو الشأن بالنسبة للمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان التي تضمن حفظ كرامة الإنسان. التي هي الغاية القصوى التي يسعى الإسلام إلى تحقيقها كما جاء في القرآن " ولقد كرمنا بني آدم"

والذين يتعاملون مع الدين الإسلامي على انه دين إطلاق، وأن النصوص الدينية هي نصوص اطلاقية. فإننا إذا تعاملنا معهم كذلك علينا أن نقر ب:

1) أنه صالح لكل زمان ومكان، وهو ما يقتضي أن يكون نظاما شموليا ينفي كل ما سواه. وبناء على ذلك.فنصوصه أيضا مطلقة، واطلاقيتها تقتضي عدم الأخذ بأسباب النزول التي تقرر النسبية ولا الأخذ بالناسخ والمنسوخ من الآيات والأحكام فكل ما ورد في القرآن يجب الأخذ به. وكل ما قام به الصحابة يؤخذ به بقطع النظر عن صلاحيته أو عدم صلاحيته لهذا العصر، وكل الأحاديث الواردة يؤخذ بها بقطع النظر عن صحتها أو عدم صحتها وكيفما كان كتاب الحديث الذي وردت فيه.

2) أن النظام الذي يطبق الإسلام هو نظام إسلامي قائم على أساس انه نظام قائم بأمر الله لتطبيق شريعته على الأرض، والمكلفون بإقامة تلك الدولة هم أولو العلم من الفقهاء الذين لهم الحق في الولاية على المسلمين نيابة عن الله في المسلمين.

3) أن الشريعة الإسلامية تعتمد النقل القائم على التأويل الأيديولوجي للنصوص من اجل استصدار أحكام تتناسب مع ما يريده الفقهاء، وحسب تصورهم للنظام الإسلامي الشمولي.

4) أن كل من خالف الشريعة الإسلامية حسب تصور الفقهاء ليس إلا معاديا للإسلام تجب محاربته من خلال محاربة مروجيه الذين يعتبرون كفار أو ملحدين تقام في حقهم الحدود جزاء لهم على كفرهم وإلحادهم.

5) أن حقوق الإنسان هي بدعة غربية تجب محاربتها، وتكفير كل من اخذ بها، واستغلالها في شروط محددة من اجل تحقيق أهداف معينة ليتم التراجع عنها بعد ذلك وتصير حقوقا غربية تتناقض مع ما جاءت به "الشريعة الإسلامية"، يجب نبذها ومحاربتها حتى لا تلتصق بفكر وممارسة المسلمين.

وهؤلاء الذين يتعاملون مع الدين الإسلامي هذا التعامل إنما هم مؤدلجون للدين الإسلامي منذ مقتل عثمان بن عفان إن لم نقل منذ موت الرسول. والذين لازالوا مستمرين إلى يومنا هذا، ويزدادون فرقا بفعل تطور الصراع وتنوعه. وهؤلاء المؤدلجون للدين الإسلامي الذين سميناهم في بعض كتاباتنا بالمتنبئين الجدد، يكونون:

1) إما من الطبقة الحاكمة أو في خدمتها. وأدلجتهم للدين الإسلامي تهدف إلى استغلاله بالقدر الذي يخدم تأبيد سيطرتها على السلطة التي تسخر لخدمة مصالح تلك الطبقة ومن يسبح في فلكها، ومن اجل تحقيق شرعية ممارستها في أذهان الجماهير التي تتعرض للاستغلال والابتزاز والقهر باسم الدين.

2) وإما من الأحزاب البورجوازية أو البورجوازية التابعة لجعل سياستها وبرامجها ذات سند شرعي يجعل الجماهير الشعبية تقبل بها لاستنادها إلى الدين الإسلامي.

3) وإما من الأحزاب الإقطاعية التي تعتمد أيديولوجيتها على الفكر الخرافي والفكر الغيبي والفكر الديني. ذلك الفكر الذي يعادي العقل والمنطق، ويغرق في الغيب والخرافة ويتمسح بالدين الإسلامي لاكتساب الشرعية.

4) وإما من الأحزاب التي تسمي نفسها إسلامية والتي قامت على أساس ادلجة الدين الإسلامي سعيا إلى تضليل الناس بتلك الادلجة لجعلهم يعتقدون أن تلك الأحزاب هي التي ستجد الحلول لجميع المشاكل على أساس إسلامي في حالة وصولها إلى الحكم حتى يتحقق قيام الدولة الإسلامية على يدها، وحتى يكون الإسلام هو الحل، والواقع شيء آخر.

وانطلاقا من هذا التعامل الأيديولوجي مع الدين الإسلامي ومع النصوص الدينية. فإننا نجد أن الدين الإسلامي هو دين الحكمة والموعظة الحسنة.أما المؤدلجون للدين الإسلامي الساعون إلى تحقيق مصالح طبقية هي التي تقف وراء كل أشكال العنف الدموي التي تمارس باسم الدين الإسلامي. أما الدين الإسلامي في حد ذاته فهو بريء من تلك الادلجة. وإذا كان هناك شيء يؤخذ على النصوص الدينية هو قبولها للتأويل الأيديولوجي المغرض الذي تحول مع سيادة الجهل والفقر والمرض إلى الاعتقاد بأنه هو الإسلام الحقيقي. وكثرة التأويلات الأيديولوجية أعطت انطباعا بأن الإسلام يتعدد بتعدد الدول والفرق والأشخاص والطبقات الاجتماعية، لأن كل واحد وكل جهة تؤوله بما يخدم مصلحتها الطبقية. ويحول ذلك التأويل إلى وسيلة لإرهاب الأفراد والجماعات والدول. ولذلك يمكن القول بأن العلاقة بين الإسلام والإرهاب هي علاقة تناقض. أما علاقة ادلجة الدين الإسلامي بالإرهاب فهي علاقة استلزام منذ قامت تلك الادلجة إلى يومنا هذا.

واقع الإسلام وواقع الحكام:

وانطلاقا مما رأينا في الفقرات السابقة، فإننا يمكن أن نميز بين مستويين في الواقع الإسلامي: مستوى واقع الإسلام، ومستوى واقع الحكام المسلمين.

فواقع الإسلام كدين، لا يمكن أن يختلف أبدا عن جميع الديانات الموجودة على الأرض، ومن حقه أن يتواجد، ومن حقه أن يتحول إلى قوة مؤثرة في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي، ولكن كمنظومة من القيم التي تتفاعل مع منظومات قيمية أخرى ذات مصادر متعددة ومتنوعة، وتتطور بفعل ذلك التفاعل كنتيجة لاستيعاب مستجدات ذلك العصر ليستمر التفاعل والتطور الى ما لا نهاية. وهو ما يوضح بجلاء أن واقع الإسلام يتجسد في واقع القيم التي تساهم في بناء الشخصية المتزنة السليمة، الخالية من الأمراض الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية، والقادرة على فرض تحقيق كرامة الإنسان وحقه – كإنسان – في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي لا تتحقق كرامة الإنسان إلا بها. وهذه القيم استنباط من النصوص الدينية، ومن سيرة الرسول، ومن عمل أهل المدينة كما يقولون، أي من الكتاب والسنة. كما يمكن استنباتها في الواقع الاجتماعي بالحكمة والموعظة الحسنة. ويمكن تطويرها بإنضاج شروط تفاعلها مع القيم الإيجابية أنى كان مصدرها. ويمكن اعتبارها نتيجة لكل الممارسة الإنسانية الإسلامية في تطورها وتفاعلها مع الواقع في تحوله وتغيره عبر الأزمنة والأمكنة في نفس الوقت. أما إذا تعارضت القيم المسماة "إسلامية" مع إنسانية الإنسان. فهي قيم غير إسلامية، أي أنها قيم أيديولوجية التي لا علاقة لها بالقيم الإنسانية. فالقيم الأيديولوجية هي قيم لا تهم إلا طبقة معينة تسعى إلى أن تصير قيما للمجتمع ككل. وادلجة الدين الإسلامي تسعى إلى جعل الدين الإسلامي معبرا عن مصلحة طبقة معينة تسعى إلى إلباس قيمها مسحة الإسلام، وتسمي نفسها توجها "إسلاميا" وتنهل من القيم المتخلفة في عصور الظلام. والمتمثلة بالخصوص في نفي كل من خالف رأي تلك الطبقة سواء كانت بورجوازية أو بورجوازية تابعة، أو إقطاعية، أو يمين متطرف يستغل الدين الإسلامي. ولذلك نرى أن التنافي سيبقى قائما إلى ما لا نهاية بين القيم الإسلامية/الإنسانية، وبين القيم الأيديولوجية اللا إنسانية.

ولذلك فواقع الإسلام قائم على الخلط والتضليل وعدم التمييز بين القيم النبيلة الإسلامية/الإنسانية، وبين القيم الأيديولوجية التي تسعى كل طبقة مؤدلجة للدين الإسلامي إلى فرضها على جميع أفراد المجتمع سواء تعلق الأمر بالطبقة الحاكمة أو بالأحزاب المعبرة عن مصالح الطبقات المستفيدة من ادلجة الدين الإسلامي بما يصطلح على تسميته بتوجهات "الإسلاميين" المغرقين في التطرف المؤدلج للدين الإسلامي حتى لا نقول "التطرف الديني" لأنه لا وجود لشيء اسمه التطرف الديني. وهذا الخلط القائم في الواقع الإسلامي هو الذي يجعل الكثيرين يعتقدون أن الإرهاب من طبيعة الإسلام، بينما نجد أن الأمر ليس كذلك إذا ساد الوعي بضرورة التمييز بين القيم الإسلامية/ الإنسانية الحقيقية، وبين القيم المنبثقة والمترتبة عن ادلجة الدين الإسلامي. وللوصول إلى امتلاك ذلك الوعي يجب الانكباب على إعادة النظر في كل القراءات التاريخية والراهنة التي يعتمدها مؤدلجوا الدين الإسلامي. والقيام بالكشف عن الأوهام الأيديولوجية المبثوثة فيها والتي لا علاقة لها بالدين الإسلامي، وفضحها والكشف عن تناقضها مع القيم الإسلامية/الإنسانية النبيلة، والعمل على محاربتها في الواقع على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية.

والذي يجب أن يتصدر إلى إعادة النظر المشار إليها هم اليسار المتضرر الأول من ادلجة الدين الإسلامي بعد أن يعيد النظر في ممارسته تجاه الدين لا بالتخلي عن المنهج العلمي الذي يجب اعتماده في التعامل مع مظاهر ادلجة الدين الإسلامي. باعتباره قوة مادية قائمة في الواقع يقتضي المنهج العلمي استحضارها في التحليل العلمي. وإلا فإن ما قام به حسين مروة، وفرج فودة، وغيرهما سيبقى يتيما، وسيبقى مجرد أعمال فردية لم تتحول بعد إلى ممارسة يسارية تسعى إلى تحييد الدين في الصراع الطبقي. وبدون ذلك يبقى اليسار مهمشا، وتبقى ادلجة الدين مقصد كل متهافت إلى حماية مصالحه الطبقية على حساب تدجيل الجماهير وتدجينها وتضليلها باسم الدين الإسلامي.

أما واقع الحكام الذين يتشكلون من الطبقة الحاكمة ومسؤولي أجهزة الدولة، فإنه يتميز بالاستغراق في الاستغلال الهمجي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي الذي يمتد على مدى ساعات اليوم، وأيام الشهر، وسنوات العمر. وهذا الواقع يفرض استمرار انشغال الحكام بما يجعل الجماهير الشعبية الكادحة تعتبر أن ما يقومون به عمل مشروع. ومشروعيته تتمثل في قبول الجماهير الشعبية الكادحة بممارسة الاستغلال عليها. واعتبار ذلك الاستغلال قضاء وقدرا والقضاء والقدر مفهومان لهما علاقة بإيمان المسلم والحكام، من خلال فقهاء الظلام المؤدلجين للدين الإسلامي لصالحهم. يحاولون توسع مفهوم القضاء والقدر ليشمل كل الممارسات التي تمارس على الكادحين من قبل المستغلين ومن قبل الحكام في نفس الوقت، وتحريف المفاهيم الدينية بإعطائها مدلولات تتناسب مع مصلحة الحكام ومن يسبح في فلكهم يعتبر أهم ما يميز واقع الحكام. ولذلك نجد أن واقع الحكام مرتبط ارتباطا جدليا بأدلجة الدين التي تختلف بحسب الطبقة التي تلجأ إلى تلك الادلجة بعد الوصول إلى الحكم. فالبورجوازية الصغرى لا تؤدلج من الدين إلا ما يتناسب مع توفيقيتها وتلفيقيتها، لأنها تأخذ من كل أيديولوجية ما يناسبها، والبورجوازية تحاول أن تجعل ادلجة الدين مكملة لأيديولوجيتها ومدعمة لها. والبورجوازية التابعة، ونظرا لأصولها الإقطاعية المتخلفة فإنها تزاوج بين الأيديولوجية التبعية وادلجة الدين الإسلامي حتى تعطي الشرعية لممارستها التبعية لمراكز الهيمنة الرأسمالية، والإقطاع الذي تقوم أيديولوجيته على الغيب والخرافة والأساطير يلجأ بدوره إلى ادلجة الدين الإسلامي لإكساب الخرافات والأساطير شرعية التداول باعتبارها جزءا من الدين الإسلامي، واعتبار الإيمان بها جزءا من الإيمان. واليمين المتطرف الآتي من عمق ظلام التاريخ يسعى إلى تحميل الدين الإسلامي من التأويلات الأيديولوجية ما لا يتحمل، وما لا يقبل عقليا، فكأن الله اختارهم دون سواهم، وتحيز إليهم دون باقي الطبقات الاجتماعية، ودون باقي البشرية، فمنحهم القدرة على القيام بتأويل كل شيء إلى درجة تحويل النصوص الدينية إلى مجرد مقررات أيديولوجية وبيانات سياسية مدنية ومنحطة لا علاقة لها بالتاريخ ولا بالواقع، ولا بالدين الإسلامي ولا بالعقل ولا بالمنطق الإنساني أو الصوري.

ولذلك نجد أن واقع الحكم له علاقة وطيدة بالطبقة الاجتماعية التي تحكم، وجميع الطبقات تستغل الدين الإسلامي عن طريق الادلجة بدرجة تتناسب مع حاجة تلك الطبقة إلى تلك الادلجة وفي شروط معينة. والطبقة الوحيدة التي لا تلجأ إلى ادلجة الدين الإسلامي هي الطبقة العاملة التي يتفق الجميع على استهدفها بالتضليل الأيديولوجي حتى لا تمتلك وعيها الطبقي الحقيقي الذي يجعلها تلجأ الى اعتبار الدين الإسلامي من مقومات المجتمع الروحية، ومصدر القيم النبيلة التي تساهم بشكل كبير في سلامة المجتمع من مختلف الأمراض الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية في حالة وصولها إلى الحكم إلى جانب المقومات الأخرى التي تزخر بها المجتمعات والتي لا يمكن إلغاؤها بجرة قلم، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال عدم اعتمادها في التحليل الموضوعي للواقع في مختلف تجلياته حتى يتبين ما يجب عمله للاستفادة منها في الاتجاه الصحيح.

وانطلاقا من هذا التحليل لواقع الاسلام ولواقع الحكام يتبين أنه من اللازم اعتماد مبدأ التمييز بين الاسلام وبين الادلجة من جهة وبين الحكام كمؤدلجين للدين الاسلامي لحماية مصالحهم الطبقية حتى تكون رؤيتنا للاسلام وللحكام موضوعية بعيدة عن كل أشكال التحليل القائم على المصلحة الذاتية الفردية أو الطبقية وصولا الى القول بضرورة تحييد الدين والتزام الجميع بعملية التحييد هذه التي تقودنا الى استبعاد كل عوامل التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي القائمة على الاستغلال الايديولوجي للدين.

فهل نصل فعلا إلى تحقيق هدف تحييد الدين في التعامل الأيديولوجي والسياسي؟

فهل ترقى مختلف الطبقات الاجتماعية إلى مستوى الاقتناع بضرورة تحييد الدين؟

أزمة الدين الإسلامي وأزمة مؤدلجيه:

وتبعا لما رأيناه في الفقرات السابقة نجد أنفسنا أمام سؤال ملح هو: هل يعرف الدين الإسلامي أزمة معينة؟ وإذا وجدت تلك الأزمة، فما العمل من أجل تجاوزها؟ ألا تعتبر أزمة الدين الإسلامي هي مجرد تجل بشكل أو بآخر لأزمة مؤدلجي الدين الإسلامي؟ وهل يمكن اعتبارها أزمة للمسلمين جميعا؟

لعله من غير المقبول ومن غير المنطقي القول إن الإسلام في أزمة، لأنه لو كان في أزمة لما استطاع الاستمرار كل هذه القرون من الزمن، ولما استطاع الانتشار في كل القارات الخمس. فأزمة الإسلام كانت تعالج في حينها عندما تنفرز فيظهر أنه من الضروري أن يعمل الوحي على تجاوز الأزمة الحاصلة بنزول آية أو آيات تنسخ ما قبلها لتزل الأزمة. وهكذا منذ نزول أول آية "اقرأ باسم ربك الذي خلق..."إلى أن نزلت آخر آية "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا". وأي حديث عن أزمة الإسلام بعد نزول آخر آية إنما هو من باب الاختلاق لأنه إذا قلنا إن الإسلام في أزمة، فإننا سنضطر إلى القول بأننا في حاجة إلى الرسول الذي يتلقى الوحي من الله من اجل معالجة الأزمة القائمة فيه. وهو أمر غير وارد لاعتبارات كثيرة نذكر منها:

1) أن محمدا كان آخر الأنبياء.

2) أن القرآن كان آخر الرسالات.

3) إن تطور البشرية يقتضي امتلاكها لمناهج البحث التي تمكنها من معرفة حقيقة الإسلام.

4) إن وقوفنا على أسباب النزول سيمكننا إلى حد كبير من الشروط الموضوعية التي اقتضت نزول القرآن في تلك المرحلة دون غيرها. ولماذا لم يعد في الإمكان حصول أزمة في الإسلام؟ وهل يمكن أن يوجد حل إذا افترضنا وجود تلك الأزمة بعيدا عن وجود رسول يتلقى الوحي من الله؟

وما دام غير وارد للاعتبارات التي ذكرنا، فإن أزمة الإسلام ليس إلا افتراضا نظرا لعدم انسجام التأويلات التي تتعارض مع الواقع المتحول على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية. وهذا الافتراض ليس إلا تضليلا للكادحين عن حقيقة أزمة مؤدلجي الدين الذين لا يستطيعون جعل تأويلاتهم تنسجم مع الواقع. لأن التأويلات الأيديولوجية لا تعبر إلا عن المصالح الطبقية. ومن طبيعة جميع المصالح الطبقية لطبقة معينة،أنها تتعارض مع مصالح الطبقات الأخرى. والطبقة الوحيدة التي تتناسب مصالحها المتجسدة في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية مع مصالح الطبقات الاجتماعية الأخرى هي الطبقة العاملة.

ولذلك فالأزمة ليست أزمة الإسلام بقدر ما هي أزمة مؤدلجي الدين الذين تختلف درجة أدلجتهم من طبقة اجتماعية إلى طبقة اجتماعية أخرى باستثناء الطبقة العاملة المستهدفة بتلك الادلجة كما رأينا في الفقرات السابقة هي التي لا تؤدلج الدين الإسلامي، ولكنها في نفس الوقت تقع ضحية ادلجته.

فما هي الأسباب التي تقف وراء ادلجة الدين الإسلامي؟

إن الأسباب القائمة في الواقع والتي تجعل جهات معينة تلجأ إلى أدلجة الدين الإسلامي يمكن تصنيفها في:

1) كون الجهة المؤدلجة للدين الإسلامي تعيش أزمة طبقية تجعلها مهددة بالذوبان، والاندثار ثم الزوال بصفة نهائية، فتلجأ إلى عملية الادلجة التي تمكنها من تضليل الكادحين، وإخضاعهم للاستغلال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي حتى تتمكن تلك الجهة من ضمان استمرارها، وإيجاد حلول لأزمتها.

2) كونها تفتقد أيديولوجية محددة وواضحة كما هو الشأن بالنسبة للأيديولوجية البورجوازية وأيديولوجية الإقطاع، وأيديولوجية الطبقة العاملة. لذلك فهي تلجأ إلى ادلجة الدين الإسلامي حتى تفك أزمتها الأيديولوجية لتتمكن من تضليل الطبقات المستهدفة.

3) كون المجتمعات الإسلامية تعاني من انتشار الأمية في صفوفها وخاصة في الأرياف، وهوامش المدن مما يجعل الأميين اكثر تقبلا لأدلجة الدين الإسلامي باعتبارها إسلاما.
4) كون هذه المجتمعات تعاني من تدني مستوى المعيشة لدرجة أن غالبية أفرادها لا يستطيعون القدرة على مواجهة متطلبات الحياة مما يجعل معظم متعلميها ذوي وعي متدن بسبب تدني المستوى التعليمي.

5) ارتفاع درجة الفقر، وكثرة الذين يعيشون دون مستوى الفقر الأمر الذي يترتب عنه عجز غالبية السكان عن الحصول على الحاجيات الضرورية التي من جملتها الحصول على الحق في التعلم.

وما هي الأهداف التي تحققها تلك الجهة من ادلجة الدين الإسلامي لتجاوز أزمتها مرحليا؟

إن الجهة المؤدلجة للدين الإسلامي العاملة على تجاوز أزمتها، تسعى في هذا الأفق إلى تحقيق أهداف محددة نجمل بعضها في:

1) جعل غالبية الكادحين تعتقد أن تلك الادلجة هي الدين عينه بمن فيهم المتعلمون أو أشباه المتعلمين الفاقدين للوعي بخطورة ادلجة الدين الإسلامي.

2) ضمان وحدة الطبقة التي تسعى تلك الجهة إلى خدمة مصالحها الطبقية.

3) تجييش الكادحين والمقهورين على جميع المستويات وراء الجهة التي تؤدلج الدين الإسلامي باعتبارها "مجاهدة" تسعى إلى نشر الدين الإسلامي والمحافظة عليه والدفاع عنه.

4) توظيف ذلك التجييش للوصول إلى مراكز القرار والتمكن من فرض الرؤى والتصورات المؤدلجة للدين الإسلامي على المستوى الرسمي من خلال القوانين والقرارات الرسمية.

5) جعل الدين الإسلامي تعبيرا عن برنامج حزب الجهة المؤدلجة للدين الإسلامي مما يجعل الكل يعتقد أن ذلك البرنامج هو الإسلام، وأن العاملين على تحقيق ذلك البرنامج هم المسلمون.

6) تحقيق التطابق بين الجهة المؤدلجة للدين الإسلامي وبين المجتمع الذي يدين بالإسلام. وهذا التطابق هو الذي يقف وراء تكريس كل أشكال التضليل الأيديولوجي باسم الدين.

7) جعل السيادة الدينية التي تتحقق بواسطة ادلجة الدين الإسلامي وسيلة لتحقيق السلطة الدينية على المجتمع الذي يصير خاضعا لارادة مؤدلجي الدين الإسلامي.

8) توظيف السلطة الدينية التي تملكها الجهة المؤدلجة للدين الإسلامي إما لتأييد الطبقة الحاكمة في شروط معينة، وإما إلى تحقيق السيطرة على السلطة السياسية في حالة رفض الطبقة الحاكمة لتوجهات مؤدلجي الدين الإسلامي بسبب تعاظم أمرهم على مستوى الكرة الأرضية بسبب توفر الإمكانيات المادية والمعنوية أمامهم. وبسبب تداخل مصالحهم مع مصالح الطبقة الرأسمالية التابعة وجميع الذين يكرسون استغلال الكادحين، ما لم يتحمل اليسار مسؤوليته التاريخية في فضح وتعرية أسباب واهداف ممارسة ادلجة الدين الإسلامي، وما لم يستعد قوته وقدرته على جعل الكادحين وطليعتهم الطبقة العاملة يمتلكون وعيهم الطبقي في أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية. فإذا تحمل اليسار مسؤوليته التاريخية وفق برنامج محدد، فإنه يستطيع أن يعمل على تفكيك ادلجة الدين الإسلامي، ويرفع من الغشاوة عن أعين الكادحين فيستعيدون بذلك وعيهم الطبقي، ويشكلون قوة رافضة لتلك الادلجة ومقاومة لها، ومحاصرة لمؤدلجي الدين الإسلامي عن طريق فرض حياد الدين في ممارسة السياسة التي تصير تعبيرا عن الصراع الأيديولوجي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي القائم في المجتمع. والذي يقوم به البشر الذين يجدون أنفسهم مضطرين إلى الانخراط في ذلك الصراع، ومساهمين فيه كل من موقعه الطبقي الاقتصادي والاجتماعي، وانطلاقا من اقتناعه بأيديولوجية معينة، وانتمائه إلى حزب سياسي معين لا علاقة له بأدلجة الدين الإسلامي.

وبهذا التصور يمكن أن نستنتج أن الجهة المؤدلجة للدين الإسلامي تحمل أزمتها معها، وأزمتها في عجزها عن امتلاك نظرية عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي. وأن ادلجتها للدين الإسلامي ليس إلا تعويضا عن ذلك العجز المستميت والمستمر، وأن تجاوز تلك الأزمة التي يعاني منها مؤدلجو الدين الإسلامي لا يتحقق إلا بإعادة النظر في ممارسة الادلجة في حد ذاتها بهدف التخلي عنها عن طريق القول بتحييد الدين الإسلامي في الصراع القائم في المجتمع حتى يأخذ الصراع مساره الطبيعي وينتج التطور المنشود في حياة البشر بالانتقال من تشكيلة اقتصادية اجتماعية متخلفة إلى تشكيلة اقتصادية اجتماعية متقدمة.

وهذه الخلاصة التي وقفنا عليها في الفقرة السابقة تجعلنا نطرح السؤال:

ألا يعتبر تطور الصراع الطبقي في اتجاه الانتقال من تشكيلة اقتصادية/ اجتماعية متخلفة إلى تشكيلة اقتصادية/ اجتماعية متقدمة هو الذي يشكل عمق أزمة مؤدلجي الدين الإسلامي في مختلف مستويات ادلجتهم، وعلى اختلاف الطبقات الاقتصادية/ الاجتماعية التي ينتمون إليها؟

إننا في الواقع، وبدون اللجوء إلى ادلجة الدين الإسلامي، نجد أن أية طبقة اجتماعية لها أيديولوجيتها التي تناسبها وأن دور تلك الأيديولوجية في عرقلة امتلاك الكادحين لوعيهم الطبقي الذي لا يأتيهم إلا بامتلاكهم لأيديولوجيتهم الاشتراكية العلمية، التي توحد صفوفهم وصفوف طليعتهم الطبقة العاملة التي تقودهم بواسطة حزبها الثوري لتحقيق عملية الانتقال وعبر الصراع المعقد والمتعدد الأوجه، من المجتمع الرأسمالي التبعي أو الرأسمالي، أو ما قبل الرأسمالي إلى المجتمع الاشتراكي. إلا أن أيديولوجيات مختلف الطبقات، وبسبب طبيعتها الاستغلالية التي يمكن الوقوف عليها بسهولة لا تقوى على الاستمرار في تضليل الكادحين وخاصة في المجتمعات المحكومة بأنظمة رأسمالية تابعة. ولذلك نجد أن اللجوء إلى ادلجة الدين الإسلامي باعتباره دين غالبية الكادحين في البلاد الإسلامية المحكومة بأنظمة رأسمالية تابعة حتى تؤدي تلك الأيديولوجية الدينية دورها في تضليل الكادحين، والحيلولة دون امتلاكهم للوعي الطبقي وخلق عداوة مطلقة بينهم وبين أيديولوجيتهم الحقيقية "الاشتراكية العلمية" باعتبارها أيديولوجية "الكفار" و"الملحدين" وفي ظل غياب يسار قوي ومتمكن وسائد في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي ونظرا لضعف الإمكانيات المتوفرة لدى اليسار القائم أو انعدامها، والتي تمكنه من نشر أيديولوجية الكادحين بين الكادحين أنفسهم وعلى نطاق واسع، ونظرا للأسباب التي أشرنا إليها سابقا، فإن الكادحين سرعان ما ينساقون وراء خطاب ادلجة الدين الإسلامي. وأن تلك الادلجة غالبا ما ترتبط بالكادحين ارتباطا عضويا. وأن هذا الارتباط العضوي يقيم سدا منيعا بين الكادحين وبين أيديولوجيتهم الحقيقية. وهو ما يعني انتقال أزمة مؤدلجي الدين الإسلامي إلى المستهدفين بتلك الادلجة الذين ينفصلون عن واقعهم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي، لينخرطوا في واقع مؤدلجي الدين الإسلامي الذي ليس إلا واقعا متصورا من خلال شعار "الإسلام دين ودولة" وشعار "الإسلام هو الحل" وشعارات "الجهاد" و"التكفير" وشعار "تطبيق الشريعة الإسلامية" والكادحون عندما ينخرطون في واقع مؤدلجي الدين الإسلامي المتصور يجدون أنفسهم قابلين راضين بالاستغلال الممارس عليهم من جميع الطبقات المستفيدة من الاستغلال الذي يصير في نظر الكادحين "قضاء وقدرا"، يعتبر جزءا من الإيمان الذي يترتب عنه انتظار الجزاء الأوفى من الله تعالى يوم القيامة حيث يجازى كل بقدر عمله " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره". وفي مقابل انتظار الجزاء يتجيش الكادحون وراء مؤدلجي الدين الإسلامي من اجل تنفيذ مخططاتهم الإرهابية التي يسمونها "جهادا" لاستسراع الجزاء الأوفى من الله كما يتوهمون.

والأزمة التي يعاني منها الكادحون تنقلنا إلى استحضار أزمة اليسار التي تتخذ لها ثلاث مستويات رئيسية:

المستوى الأيديولوجي بسبب عدم حسم العديد من فصائل اليسار مع الأيديولوجيات اليمينية البورجوازية والبورجوازية التابعة والإقطاع واليمين المتطرف. ولذلك فتبني اليسار لأيديولوجية الاشتراكية العلمية التي تعرف تفسيرات وتأويلات تصل إلى درجة التناقض أحيانا مما يجعل اليسار غير منسجم بسبب اختلاف المواقع الطبقية/الاجتماعية للقيادات اليسارية. وبسبب اختلاف خصوصيات البلدان التي ينتمون إليها، واختلاف التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية التي يعملون على تفكيكها، واختلاف مستويات فهمهم بسبب اختلاف مستويات تكوينهم. ولتجاوز الأزمة الأيديولوجية يجب قيام اليسار بتعميق النظر في الاشتراكية العلمية، وفي قوانينها المادية الدياليكتيكية والمادية التاريخية، والقيام بدراسة معمقة لمختلف التجارب الاشتراكية، والوقوف على عناصر القوة والضعف فيها، والاستفادة من كل ذلك لصالح تطور وتطوير الاشتراكية العلمية، والخروج بخلاصات تستحضر ضرورة الوحدة الأيديولوجية لليسار في أفق تجاوز الأزمة الأيديولوجية التي يعاني منها.

والمستوى التنظيمي الذي يختلف باختلاف التأويلات الأيديولوجية الاشتراكية العلمية نظرا لطبيعة القيادات اليسارية البورجوازية الصغرى التي لا تستبعد مصلحتها الطبقية في تأويل قوانين الاشتراكية العلمية، وفي ابتداع الأساليب التنظيمية التي تناسب تأويلاتها،الأمر الذي خلق أزمة تنظيمية بين أحزاب اليسار. وهذه الأزمة ومن هذا النوع وقفت دائما وتقف وستقف حائلا دون قيام وحدة يسارية مستقبلا نظرا للتناقض القائم بين التصورات التنظيمية المختلفة. ولذلك يجب أن يفتح نقاش واسع بين مكونات اليسار الحقيقي والديمقراطي حتى تتبين الصيغة المناسبة لتحقيق الوحدة التنظيمية تبعا لتحقيق الوحدة الايديولوجية حتى يستطيع اليسار القيام بدوره في قيادة الكادحين وطليعتهم الطبقة العاملة وبتصور يتناسب مع التحولات التي يعرفها الواقع وفي مقدمتها العولمة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، حتى تقوم حركة اليسار من جديد على أساس السعي إلى قيام عولمة مضادة، ومناضلة وموحدة لنضالات الكادحين عبر العالم.

والمستوى السياسي الذي يتجلى في اختلاف مواقف مكونات اليسار من مختلف القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية، بسبب اختلاف التأويلات الأيديولوجية، والتصورات التنظيمية وبسبب اختلاف مصالح قيادات اليسار ذات الطبيعة البورجوازية الصغرى. لأن المواقف السياسية هي التعبير السياسي عن الانتماءات الأيديولوجية والتصورات التنظيمية. ولذلك نرى ضرورة تفعيل التنسيق والتحالف في أفق اتخاذ مواقف سياسية مشتركة حول مختلف القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية المحلية والوطنية والقومية والعالمية وخاصة في ظل سيادة عولمة الاقتصاد الرأسمالي العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في أفق وحدة الموقف المنبثق عن الوحدة التنظيمية المترتبة عن الوحدة الأيديولوجية.

وبذلك يتجاوز اليسار أزمته الأيديولوجية والتنظيمية والسياسية ليصير قويا وقادرا على دراسة الواقع بمختلف تجلياته بما فيها التجلي المتجسد في ادلجة الدين الإسلامي الذي يحتاج من اليسار دراسة علمية ومدققة من اجل الوقوف على طبيعة الادلجة وكيف يتم التمييز بينها وبين الدين الإسلامي الذي يجب النظر إليه باعتباره مكونا من مكونات الواقع التي يجب أخذها بعين الاعتبار في التحليل العلمي نظرا لكونه مصدرا للعديد من القيم التي تلتصق بحياة الناس، حتى يقوم اليسار بدوره ومن موقع الارتباط بحياة الناس الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية في مناهضة ادلجة الدين الإسلامي عن طريق فضح وتعرية الممارسات التحريفية التي يقوم بها المؤدلجون، لا من اجل التحول إلى مؤدلجين جدد للدين الإسلامي، ومن موقع اليسار، بل من اجل نفي ادلجة الدين الإسلامي، والعمل على تحييده حتى يبقى بعيدا عن الاستغلال الأيديولوجي والسياسي، ويصير كما كان "وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا" ويصير أمر الناس للناس كما جاء في القرآن "وأمرهم شورى بينهم".

الجزء 1 - 2

مشاركة منتدى

  • السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جزاك الله خيرااما بعد بخبرتى المتواضعة امام سيادتكم لقد رايت انكم اصبتم الهدف نحن نحب النصاري واهل الكتاب لانهم خلوقيين وقد امرنا ديننا بذلك لقدوتنا سيد المرسلين وخاتم النبين محمد بن عبد الله

  • قال الرسول في احدى غزواته للصحابه(لاتقطعوا شجرة ولا تقتلوا شيخا ولا طفلا ولا امراه فهل بعد ذلك الاسلام هو دين دموى
    ان كان هو كما قلت فمن الاولى ان نقتل الاطفال والشيوخ والمراه
    كان رسول الله حريص ع الشجر والنباتات يالها من روعه ورحمه ياليت يتحلى بها مستعمرين بلادنا الاسلاميه

  • رويبضة العصر ومحاربة أسلمة حياة المسلم في البلاد الإسلامية

    العجيب الغريب
    أولئك الذين يدعون انهم مسلمين ويتكلمون في الدين وكأنهم فقهاء فيه وهم في نفس الوقت يحاربون منهاجه وهم لا يفقهون ، خاصة أولئك أصحاب الاتجاهات الفكرية المختلفة والذين يعتبرون أنفسهم جهابذة الثقافة والفكر ويتفننون في صياغة الأفكار لفظيا وأدبيا وفلسفيا في خدمة توجهاتهم الفكرية التي ينتمون إليها والتي في مجملها تحارب الإسلام ومنهاجه وما فرضه الله على الإنسان وأمره به ، لاهثين خلف أهوائهم وملذاتهم وشهواتهم الدنيوية، متسترين خلف مبدأ الحرية وحرية الرأي.

    سنوات من الضياع خاصة بالنسبة للبلاد الإسلامية التي اتبع زعمائها وتبنوا اتجاهات فكرية مختلفة كالماركسية والاشتراكية والشيوعية والرأسمالية والعلمانية والليبرالية والماسونية وغيرها من ابتكارات فكرية شيطانية تهدف إلى محاربة الإسلام ومنهاجه الرباني.

    السؤال
    ماذا جنى منها الإنسان المسلم وماذا جنت البلاد الإسلامية من تلك التوجهات الفكرية على مدار تلك السنوات الضائعة ؟
    هل جنوا غير الفساد الفكري والتخلف العلمي والفساد الاجتماعي والأخلاقي والفساد المالي والاقتصادي والفساد السياسي
    والعجيب الغريب بالرغم من فساد تلك الأفكار نجد أصحاب تلك التوجهات الفكرية ما زالوا يتفننون في كيفية محاربة الإسلام والمنهاج الرباني ويزعمون بأنه لا يصلح لحياة الإنسان ويصورنه وكأنه جرثومة وعار وتخلف ورجعية و.. و..

    كيف تدعون أنكم مسلمون وأنتم تحاربون الإسلام ومنهاج رب العالمين؟
    أحقا أنتم مسلمون وتحسبون أنكم تحسنون صنعا أم تخدعون أنفسكم وتخادعون الناس

    أم أنتم من ينطبق عليكم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    " سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الـرويـبـضـة؛ قال: الرجل التافه ، يتكلم في أمر العامة "

    أقول لكم اتقوا الله إن كنتم مؤمنين .. قال الله تعالى :
    " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغدٍ واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون "

    وتقوى الله توجب إخلاص العبادة له وحده لا شريك له، والتسليم لحكمه، والرضاء بقدره، والخضوع له، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، ومراقبته والتوكل عليه، ومحبته، والخوف منه، ورجائه، وشكره، والولاء له، والبراء من أعدائه، وما إلى ذلك مما يجب لله.
    قال تعالى :
    " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " .

    فحياة المسلم هي لله بأمر من الله يا من تتخابثون وتخادعون الناس وترفضون المنهاج الرباني

    أقول لكم يا من تستخفون بعقول البشر
    إن الدين الإسلامي كفل حرية تداول الرأي والتعبير عنه قبل بكثير من قيام الأمم المتحدة وإعلانها العالمي لحقوق الإنسان بتخصيص المادة رقم 19 لرعاية وحماية عملية إبداء رأي وتعبير الإنسان في الكرة الأرضية.
    ولكن عندما نتكلم عن حرية التعبير وإبداء الرأي ، نتكلم عن الحرية المسئولة والبناءة وليست الهدامة. ولأجل ذلك ، جعل الدين الإسلامي لعملية التعبير عن الرأي بعضا من المحاذير والحدود ، والهدف من ذلك قطع الطريق على شواذ المجتمعات ومرضى النفوس والذين لا يخلون من أي مجتمع كي لا يقوموا باستغلال هذا المبدأ استغلالا سيئا.

    وهنا سؤالي لكم يا جهابذة التوجهات الفكرية المختلفة والتي من خلالها تنادون بالحريات
    أليس من حقنا كمسلمين موحدين أن ندير شؤون بلادنا الإسلامية بالمنهج والفكر الإسلامي والذي سبق من خلال تطبيقه كانت بلادنا منارة في كل مجالات الحياة في حين كانت باقي دول العالم في ذلك الوقت تعيش في ظلام

    نسأل الله العزيز الحكيم أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه
    ونسأله تبارك وتعالى أن يرد كيد أعداء الإسلام في نحورهم ويجعل تدبيرهم في تدميرهم
    انه على كل شيء قدير

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى