السبت ٤ حزيران (يونيو) ٢٠١١
بقلم محمد سعيد الريحاني

رسالة أخيرة مفتوحة إلى وزير التعليم المغربي

ما بين ثورة «سلمية تدرجية» تستهدف «تغيير العقليات» وثورة مبنية على «عصيان مدني» يتقصد «تغيير النظام السياسي»، يبدو، السيد الوزير، ما دام المغرب في حاجة إلى ثورة حقيقية تحرك عجلاته ليلتحق بالركب الإنساني المتقدم، أنكم انتصرتم للخيار الأول، خيار الثورة الناعمة.

النية، السيد الوزير، سليمة ولكن السياق، هل كان سليما حتى يضمن شروط النجاح؟

هل يمكن القيام بثورة في «قطاع وزاري واحد»، هو قطاع التعليم، في ظل «حكومة محافظة» تعمل في ظل «حزب وحيد»؟

مفهومكم ل«هدم أسوار المدارس»، هل سبقه تفكير في «هدم أسوار الإدارات التعليمية» محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا كي يطلع الموظفون على أسباب ومبررات الشطط والأذى الذي لحق ويلحق بهم؟

هل يمكن الحديث عن «مخطط استعجالي للنهوض بقطاع التعليم في المغرب» لتدارك ثغرات «الميثاق الوطني للتربية والتكوين» مع الاستمرار في التركيز على ركنين اثنين فقط من أركان مربع المؤسسة التربوية وهما التلميذ ومناهج التدريس مع التمادي اللامبرر في إخراج المدرس والإدارة من المعادلة؟

السيد الوزير، ليس التطميع والإغراء ما يجعل المواطنين يقبلون على التعليم: توزيع المحافظ والأدوات والوزرات والبدلات والدراجات وغيرها. وليست إلزامية حفظ وترديد النشيط الوطني مرتين في الأسبوع ما يجعل المواطنون يحبون الوطن ويجتهدون في دراستهم. وليس دخول الحواسب إلى المؤسسات هو ما يجعل المدرسة المغربية «عصرية» ما دامت الحواسيب تدخل أحيانا مؤسسات غير مجهزة بالكهرباء وأحيانا أخرى تحل ضيوفا ثقيلة على موظفين لا يفقه أحد منهم أبسط تقنيات تشغيل الحاسوب...

السيد الوزير، إن ثورة «قطاعية» من عيار الثورة التي تخوضونها في قطاع التعليم هي ثورة استثنائية بدأت انطلاقتها من خط النهاية بنفس الطريقة التي قرأ بها فلاديمير بروب الحكاية.

إن البداية الحقيقية، السيد الوزير، ليست هي «هدم أسوار المدرسة» كي تدخل ساحاتها القطعان التائهة من الأغنام والأبقار والماعز، ولكن البداية الحقيقية هي «هدم أسوار الإدارة التعليمية» وقبل ذلك هي «هدم أسوار الحزب الوحيد» الذي يتحكم في كل دواليب الإدارات المغربية في كل القطاعات الحكومية والذي قضت الأحزاب المغربية أربعين عاما من عمرها وهي لا تراه فسمته «حزبا سريا». ولعدم قدرتها على رؤية «الحزب الوحيد» حُكِمَ عليها أن تبقى للأسف مجرد «جمعيات سياسية كبيرة». وحده «المخزن»، باسمه الواضح والصريح، كان ولا يزال «حزبا سياسيا قويا». ولأنه الوحيد، فقد كان ولا يزال «الحزب الوحيد» في المغرب.

السيد الوزير، إن مفهوم " الحزب الحاكم" في المغرب لا ينبغي أن يحيل على الحزب الذي "عُيّنَ" " أمينه العام أو رئيسه لتسيير الحكومة. إن "كل" الأحزاب المغربية" الجالسة" داخل قبة برلمان ليست أحزابا سياسية "مستقلة" ما دام ليس لها لا سلطة التقرير أو التنفيذ أو حتى المشورة. إن هذه المدعوة تجاوزا بالأحزاب السياسية هي بكل بساطة مجرد "جمعيات سياسية كبيرة" قبلت بأن تلعب دور "تيارات" سياسية داخل "الحزب الوحيد" الذي يسميه المغاربة "المخزن"، الحزب الذي "أنهى التاريخ" وصار لا يؤمن ب "النضال" ولا يسمح لأحد بأن "ينتزع" حقّا. إنه "الحزب الوحيد" الذي " يُنْعِمُ" و"يَهِبُ" و"يَمْنَحُ" بدء من القرارات والتعليمات وانتهاءٌ بالحقوق والواجبات... وبذلك، صار "المخزن" في المغرب شأنه شأن "حزب اللجان الثورية" في ليبيا و"حزب البعث" في سوريا والعراق و"الحزب الوطني" في مصر و"التجمع الدستوري" في تونس....

فإذا كان "الحزب الوحيد" في العالم العربي صار دينا وصار رئيسه المعلن أو المضمر "مقدسا" أو "إلها" فوق المحاسبة والمناقشة، فإنه بالتالي صار يضرب للدارسين مثالين: المثال الأول هو مثال الحزب الوحيد "المعروف والمسجل قانونيا" والذي يعمل بشكل "علني" في مصر وتونس وسوريا والعراق والجزائر... أما المثال الثاني فهو مثال الحزب "غير المسجل قانونيا وغير المرئي" والذي يعمل بشكل "سري" رغم أنه الفاعل "الوحيد" في الساحة. في ليبيا كان اسم هذا الحزب هو "حزب اللجان الثورية"، وفي المغرب يحمل هذا الحزب اسم "حزب المخزن"، وفي الخليج العربي له أسماء دينية وعشائرية...

وعليه، السيد الوزير، فإن محاربة "الحزب الوحيد" في المغرب تعني القطع مع أصوله في الداخل ومع خريجيه من الوافدين من مدارس "الحزب الوحيد" في بلدان المشرق والمغرب الكبير. إن محاربة "الحزب الوحيد" في المغرب تعني محاربة فلوله من تلاميذ "البورقيبية" النجباء كما تعني محاربة فلول تلاميذ "البعث" من السياسيين المغاربة.

لعل الذين لا زالوا ينتصرون ل"التونسة" و"البورقيبية" يأخذون الدرس من انتفاضة 17 ديسمبر 2010 التونسية والمحرقة التي أقامها التونسيون لمن أراد من حكامهم أن يجعلوا من تونس شواطئ للأجانب وفنادق للأجانب وخدم للأجانب. كما أن الأطر التي لا زالت متشبعة بروح "البعث" والإقصاء لعلها تستنتج من سقوط "صدام حسين" في قلب ساحة "الرشيد" ببغداد يوم 17 أبريل 2003 الدرس الذي ما بعده درس. أما الذي لا يفهم دروس التاريخ فسيجد من يفرضها عليه بالقوة بإخراجه من التاريخ...

إن دعاة "التونسة" و أتباع "البعثية" من الوافدين على تسيير البلاد بعد 1998 لهم الأثر الإضافي في إطلاق العنان للفساد الإداري في قطاع التعليم المغربي المتعفن أصلا. فليس"سرا" أن تلجأ الدولة للتلاعب بنتائج الامتحانات بعد سنة 1998، كما ليس سرا أن تتواطأ النقابات في العملية من خلال " تهريب" منخرطيها "سرا" ضمن لوائح الترقي وإهمال "الباقي" من "المتبقين" الذين يسمون أنفسهم تجاوزا "مواطنين". ليس الأمر سرا، فلقد شاهد الجميع خلال شهري أبريل وماي من هذه السنة 2011، خلال الإضراب المفتوح لأساتذة السلالم الدنيا (السلم 8 و9)، ألا أحد من منخرطي "النقابات الخمس الكبرى" بقي في السلمين المذكورين وأنهم "هُرّبوا" إلى السلالم العليا مكافأة لهم على توقيعهم "السلم الاجتماعي" وقراءتهم الآية التي تطمئن السلطة لغيرها: "وكفى الله المؤمنين شر القتال".

السيد الوزير، لم يكن الأساتذة المصنفين في السلمين 8 و9 يعلمون حقيقة أمرهم حتى دخلوا في إضراب مفتوح شهري أبريل وماي من هذه السنة 2011 ونزلوا إلى الشارع في العاصمة الإدارية، الرباط، ليكتشفوا الخدعة الكبيرة التي نسجها لهم "الحزب الوحيد" وأذنابه من النقابات والأحزاب الصورية التي يمكن تسميتها ب"بلطجية النظام السياسي" حين يحتاج النظام إلى بلطجية سياسيين أو نقابيين يحافظون على التوازن لفائدة "المخزن"، "الحزب الوحيد"، مقابل إتاوات وبقشيش وترقيات. وهذا ما يفسر تحول الأحزاب السياسية وجماعات الوعظ الديني على السواء إلى مؤسسات ل"الإفتاء" بخطورة الفتنة في الظرف الدقيق الذي تمر منه البلاد التي تتعرض للمؤامرة الخارجية. وهذا أيضا ما يفسر هرولة النقابات لتوقيع "سلم اجتماعي" لمدة ثلاث سنوات في عز "الربيع العربي"، وخروج الحقوقيين المغاربة إلى كاميرا وميكروفونات التلفزات الرسمية ل"ينفوا وجود معتقلات سرية" في مغرب الألفية الثالثة كمعتقل تمارة الذي تظاهر قربه بالمئات قدماء المعتقلين به مطالبين بإغلاقه!...

السيد الوزير، الثوار يبقون ثوارا لأن غايتهم هي "دخول التاريخ". لكن التاريخ لا يدخله إلا ذوي الرؤية التاريخية والمواقف التاريخية والجرأة التاريخية وبوابتها هو الانتقال من النضال على التفصيل إلى النضال على الكل، ومن تغيير التفصيل إلى تغيير طريقة التفكير، ومن شعار "هدم أسوار المدرسة أولا" إلى فعل "تفجير أسوار الإدارة أولا"... وهذا النوع من النضال، السيد الوزير، لا يحتاج في خطوته الأولى إلى "المعرفة" ولكن إلى "الجرأة".

كانَ اللهُ في عَوْنكمْ.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى