الجمعة ٩ نيسان (أبريل) ٢٠١٠
بقلم ريما خضر

رماد الأحلام.. 

مشهد أصابعهما أثار الحزن في نفسها، وتركَ الدمع يتخمر في عينيها قليلاً قبل أن ينسكب في كأس عمرها المكسور.

على نفس المقعد وفي ذات الحديقة كانت سلمى تجلس حين مر من أمامها ذاك الشاب مع خطيبته، كانت أغصان عمرهما تتشابك بكثافة في غابة أحلامهما لتكتمل الصورة وهي تحتضن بحنان محبسي خطوبتهما.

كان من المفترض في مثل هذا اليوم قبل عامين أن تتزوج سلمى من حبيبها تمام ، ولكنَّ طموحه ربما جعله فريسة روضَت بسهولة على أيدي أولئك الحمقى.

أولى الجمرات..وأحرّ الدمعات تحرق ذاكرة سلمى عندما تعود بىلة الزمن إلى ذاك اللقاء الأخير.

كان تمام شابٌ طويل القامة، أبيض البشرة، ذو منظرٍ لبق ووسيم، كان محط أنظار فتيات الجامعة، فكنَّ يحاولن التقرب منه لا لجماله وحسب ، وغنما لخلقه العالي ، وللطريقةالجميلة التي يعبّر فيها عن أفكاره ولرومانسيته المطلقة في التعامل خاصةً مع الجنس اللطيف.

عندما التقته سلمى بالصدفة أول مرة ، كان ذاهباً يقصد مكتب عميد الكلية للسؤال عن الإجراءات اللازمة لإيقاف تسجيله في السنة الدراسية المفترضة، وسلمى كانت آنذاك تتجه إلى نفس المكان ولكن لغرضٍ مختلف.

كانت الدهشة حينها أنَّ سلمى لا تعرف بأنَّ تمام معها في نفس الكلية(كلية الحقوق) وهو لايدري ماالذي جذبه إلى برمودا عينيها.. ليغرق هناك في مثلث الكلام ويبقى الصمت بلا هوية لتلك الصدفة الحمقاء التي جمعتهما.
تكتمل الحلقات العشقية بينهما، ويكتمل المشهد الجميل لينتج مسلسل حبهما بكل هذه الجودة ولكنَّ الإخراج كان ينقصه عنايةً إلهية ، ليبقى تمام بطل سلمى الروحي، وبطل نبض حبها الأول.

مضت اللقاءات الجميلة.....وتمت الخطوبة بقبولٍ من العائلتين أيضاً ، ولكنَّ تمام كان يبني منزلاً لأحلامهما الكبيرة ، فقرر أن تكون أعمدة منزله لائقة بمعشوقته السمراء..لهذا وعد سلمى أن يعمل إلى جانب دراسته لكي يتخرجا ودونما أي انتظار لأي وقتٍ إضافي لمباراة نبضيهما، ليعرف قلب كل منهما من هو الحكم في مبارزةتعلّقهما العشقي ببعضهما.

فحين يكون فريق المباراة العشقية هو شرايينٌ مفتوحة دوماً لتنفس الصباح الأجمل في مرمى العمر القادم ، وحينها لابدَّ من الفوز دوماً بقبلةٍ تُنسي هموماً وشوطاً من الألم الماضي.

تنهمر دموع سلمى أكثر وأكثر كلَّما اقتربت الكرة لترتطم بحاجز ذاكرتها.

وتتذكر ذاك اليوم اليتيم حين جاء تمام فرحاً ليخبرها بأنه وجد عملاً في شركةٍ خاصة وبمرتبٍ مغري، وبدوام بتناسب مع دراسته وجامعته، تفرح حينها سلمى كثيراً لأنها وبعد فترةٍ قصيرة سيتوج حبها لتمام بالاستقرار الأبدي، فلم يبقَ إلا بضع شهورٍ للتخرَّج من الكلَّية، والمرتب الذي سيقاضاه تمام سيكون كافياً لاستكمال بناء منزلهما الصغير حجماً والمتسع لأحلامهما الكبيرة.

فهل من تشرَّدٍ عاطفي يقي بعد ذلك ثوب انتظارهما من الضياع؟؟!

أتراه القماش الأحمرقد لوثته تلك الصبغة السوداء التي كانت مخبأة في وكرِ أصحاب تلك الشركة ؟؟

لملي يا سلمى أزرارك المفقودة من قمصان الأيام الماضية..وتشبثي بحياكة الوقت اللازم للنسيان..وللعزاء أيضاً.
تمام بدأ يتغير كثيراً تجاه سلمى، وبدأت عصبيته تزداد بعد فترةٍ ليست بالطويلة من بدء عمله في تلك الشركة، وزاد إرهاقه جداً، وملامحه فقدت نضارة الشباب.

تفكر كثيراً سلمى في وضعه ولم تجد افضل من والدته لانفراد بها لطالما كانت تكنُّ لسلمى كل الحب وتربت على كتف القدر الجميل والصدفة الجمل التي جمعت ابنها تمام بفتاة راقية مثل سلمى..
 مرحباً خالتي.
 أهلاً سلمى الغالية، الحمد لله أّنكِ أتيت بمفردك وبدون وجود تمام هنا، فانا أرغب في الحديث معك في أمرٍ هام يا ابنتي.
 وأنا أتوق للسماع أيضاً...تفضلي خالتي.
 أود ُّ أن أسألك يا سلمى عن وضع تمام معك، فهو قد تغًير كثيراً بعد أن بدأ يعمل في تلك الشركة، ولا أخفيك يا بنيتي بأنَّ وضعه الصحي لا يروق لي أبداً وكذلك عصبيته التي لا مبرر لها.
 هل تعلمين يا خالتي بأنني أتيت إليك لأبحث معك في نفس الأمور؟؟فتمام قلَّ اهتمامه بي كثيراً وأنا بدأت أختنق جداً في هذه الدائرة الفارغة التي أرسم أقواسها بأفكاري الهوجاء تارةً، وبالبكاء تارةً أخرى.

يزدادُ تمام ابتعاداً عن سلمى، عن أمه، عن عائلته، ويضّيع أحلامه اللاذَّوردية في متاهة لم يكن احد يدري حدودها وخطوطها ولا مخرج لهذا الضياع.

ذات ليلة..يعود إلى المنزل بعصبية لا مثيل لها، ويقتحم غرفة نوم أمه ليسألها عن مصاغها الذهبي بطريقة وحشية، تخاف كثيراً والدته منه ومن هذه التغيرات التي اقتلعت ابنها الجميل من أرض الوعي والمسؤولية لتزرعه في رماد الانحراف.

يأخذ مايريد ويذهب إليهم...كانوا بانتظاره في السيارة السوداء..يعطيهم مارصدته أمه للأيام السوداء، ليشتري غراماً من تلك المادة المخدرة التي سممت شبابه ، وبدأت تنخر عمره منذ أن أعطاها بطاقة عبور إلى جغرافيته وزلزلتها.

رأته والدته من النافذة الصغيرة وبجواره أحدهم، يخزه تلك الإبرة في الوريد وبعدها ينزل تمام من السيارة ويدخل المنزل مصطهجاً بمخدرٍ يتقحم ربيعه الأخضر ليحرقه ، ويجعل بيادره بقايا باكية على أحلام سلمى..ووالدته.

يوقظ سلمى سيل الدموع فجأةً من حزنها، فتقرا الفاتحة في قلبها على روح الحب الذي مات مرتين...مرةً عندما أخبرتها الخالة (والدة تمام) بأنَّ ابنها مدمن على المخدرات، والأخرى عندما مشت في جنازة أحلامها التي دفنتها مع جثة تمام.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى