الاثنين ٢٠ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٠
قراءة فى قصص
بقلم ربيع مفتاح

«سعادة السوبر ماركت» لضحى عاصي

عادة ما يتخفى الكاتب وراء الشخصيات التى يقوم ببنائها فى العمل الفنى. تتعددالشخصيات وتتنوع أبعادها ومشكلاتها لتشكل فى النهاية مجموعة من القيم المعرفية التى يريد المبدع أن ينقلها إلينا من خلال إطار فنى جمالى. كما أن الشخصية الدرامية غالبا ما تعانى من وجود خلل فى تكوينها فقد كان هاملت ضحية التردد وماكبث ضحية الطمع وعطيل ضحية الغيرة ثم جاء الكاتب المسرحى النرويجى ابسن ليحول تلك المأسى من أوساط الملوك والأمراء إلى شخصيات الحياة العادية مثلما حدث فى مسرحية "بيت الدمية" عندما بدأت الزوجة نورا تتمرد على الأوضاع المتردية المحيطة بها ثم التمرد على زوجها من أجل الحصول على حريتها الحقيقية
وفى قصص "سعادة السوبر ماركت" تركز الكاتبة ضحى عاصى على مجموعة من الشخصيات المأزومة التى فشلت فى التكيف مع الواقع والتواصل مع الأخرين

فى قصة "تمثيلية" ورغم أننى أرى أن العنوان غير مناسب لهذه القصة لمحتوى هذه القصة المتميزة ودلالتها المتعددة حيث أننا أمام بطل بلا بطولة لأننا أمام واقع جديد وتحديات جديدة. وعلى لسان الراوية وهى الإبنة التى تخاطب أباها

« تشعر أنك سقطت من هذا البرج العالى. وأن كل سعادتك التى كانت فى السوبر ماركت.. كل انفعالاتك واختياراتك وتدقيقك..... كل عنجهيتك وأنت تطلب
أعطنى ربع لانشون وربع بسطرمة.. لأ ..الجبنة دوبل كريم..
كأنك فارس مغوار تجمع صنوف الطعام... كأنها غنائم حرب... صوت خرفشة
الأكياس والتى توحى لك أن الغنائم كثيرة... شكلك وأنت تصرخ فى أهل البيت أن يأتوا ليساعدوك فى حمل الغنائم.... لم يكن إلا انتصارا وهميا فى حرب أمام شاشة البلاى ستيشن»

إن كل بطولة هذا الأب قد ارتبطت بتوفير الحد الأدنى لمتطلبات أسرته البسيطة
"ربع لانشون وربع بسطرمة"

هذه هى كل غنائمه. إنه نوع من الانتصار الوهمى

لقد نجحت الكاتبة من خلال أسلوب سلس جدا فى طرح واقع مأساوى شديد القسوة

فى قصة "بالونة" يطرح الراوى الغائب العليم هذا السؤال:

ــ من يريد أن يغتال الصحفى المعروف محمد جلال؟
يطرح الراوى هذا السؤال وهو يعلم ونحن معه نعلم أيضا أن هذا الصحفى لايشكل خطرا على أحد. ربما جركن الجاز الموجود بجوار سيارته قد فجر الشخصيات من داخلها. والسؤال هو: هل نحن فى حاجة إلى انفجار البالونة كى نكتشف أنفسنا
وواقعنا والإخرين؟ أم أن انفجار البالونة لن يغير الأوضاع. مجرد انفجاربالونة
وتبقى الأمور على ماهى عليه؟. إنه الصراع بين الثبات والتغير

وفى قصة "ليلة مايسة" فشلت مايسة فى الحصول على الدفْ الذى تتمناه وتبدأ القصة دون تمهيد أو مقدمات لتدخلنا الكاتبة فى عالمها مباشرة:

يبدو أن الحنين أن يشاركنى أحد الفراش. وأنه إذا ما تقلبت أثناء نومى لامست يدى جسدا بشريا يشع حرارة إنسانية. أصبح حلما يصعب تحقيقه. وقتها أدركت أن الأقدار ممكن تعاند الإنسان حتى فى أبسط الأمانى

بعد أن فشلت مايسة فى زواجها الأول وعندما توقعت أن تعوض مافقدته فى زواجها الثانى وقفت المخدة حائلا وفاصلا بينها وبين زوجها صالح الذى قال بصوت متململ
محتضنا مخدته:

ــ مايسة تصبحى على خير واستغرق فى النوم تاركنى لأصدقائى كلاب الجيران وصوت السيارات على الأسفلت

ورغم أن السرد هنا بضمير الحاضرإلا أنها عنونت القصة ب "ليلة مايسة"
أليست هى ليلتها؟ ولماذا لجأت الكاتبة إلى أسلوب التورية؟ إنها حيلة فنية
ربما أرادت بها أن تقول: إن وجود حالة مايسة بين النساء كثير وليسن حالة
شخصية خاصة بها كما أن اسم مايسة أقرب مايكون إلى معنى الماس والمقصود
أنها جوهرة ثمينة مثل الماس لايعرف قيمتها الرجال وهذا ما حدث فى زواجها
الأول والثانى

فى قصة "الثالث" تطرح الكاتبة ضحى عاصى سؤالا فى قمة الخطورة والأهمية؟

هل لابد من وجود ثالث فى حياتنا الزوجية كى تستقيم هذه العلاقة وتستمر؟
طرحت ذلك من خلال شكل فنى واقعى يحدث فى حياتنا وذلك من خلال فاتيما المغربية فتاة الفيس بوك والتى تتسم بكل الصفات التى يتمناها الرجل من رقة ودلال ودلع وجرأة بعيدا عن الأجواء المحنطة والتقاليد المعرقلة للاستمتاع بالحياة الزوجية
التى تتسم بالروتين. لقد كشفت الكاتب من خلال هذه القصة الازدواجية التى يتعايش معها الرجال الشرقيون وكذلك النساء. هذه الازدواجية التى تقف فاصلا بين الرجل والمرأة فى مجتمعنا فى الاستمتاع بالحياة وهى ارث شرقى متدثر بالعادات والتقاليد غالبا وبالدين أحيانا. إن فاتيما تعطى هانى مايعجز الحصول عليه من هبة خطيبته والتى صارت زوجته بعد ذلك. تقول الراوية الغائبة العليمة:

هل فاطيما هى الحلم الذى يبحث الذى يبحث كل منا عنه. أما هبة بالنسبة له الواقع الذى غالبا مانهرب منه إلى الحلم أم أن ارجال يحبون التعددية؟

لكن لماذا لم تحاول هبة مع هانى أن تعطى ماتعطيه فاطيما حتى تقترب منه. من وجهة نظرى الإدانه هنا مشتركة بين هانى وهبة. بين الرجل والمرأة. انها الازدواجية التى نعانى منها جميعا رجالا ونساء وماذا لو كان الثالث عشيقا حتى على الفيس بوك. فإن الزوجة تكون على طبيعتها وحريتها معه ومن ثم تصبح فى قمة التحرر والمتعة معه وقد تكون فى قمة التحفظ والرتابة مع زوجها عندما قامت هبة بأداء دور فاتيما فتاة الفيس بوك استطاعت أن تحل كل مشاكلها مع هانى وتختم الكاتبة قصتها:

" أحبت هانى وتزوجته واحتوته دائما من خلال البديل. كانت دوما له الثالث
الذى يبحث عنه ويهرب إليه. انتهت فاطيما مع الوقت وخلقت شخصيات أخرى
أحيانا مروة أو سلوى أو محمد أو أحمد.. عاشت معه دائما حلاوة البدايات
لم تسأمه ولم يملها.. حتى فى لحظات الانفجار النفسى كان يجد دائما الثالث الذى يحتوى غضبه ويرده إليها "

إنها لعبة الازدواجية . لعبة الشخصية والقناع

وفى قصتى "صالة ديسكو" و " شمبانيا "تبلور الكاتبة أزمة التواصل ـ أحيانا ـ بين الرجل والمرأة فقد تقوم المرأة بفعل أشياء تحت دوافع معينة وتترجم هذه الأفعال
من قبل الرجل بطريقة أخرى وبمفهوم مختلف. فى قصة صالة ديسكو يبدو أن بطلة
القصة تعانى من مأزق ما فهى تذهب إلى صالة الديسكو كى تشرب وترقص وتنطلق مع الأجواء الصاخبة هذا هو كل ماتريده نبيلة بينما أيمن المقيد بالمنصب.

كان يطمع فى شىء بعد الرقص ولذلك كان اصراره على أن يأخذ رقم موبايلها
لكن نبيلة ركبت سيارتها الفارهة وانطلقت دون أن تنظر إلى الخلف

وفى قصة شمبانيا تقوم المرأة وهى الشخصية المحورية فى القصة والتى غاب عنها زوجها فى سفر ولأنها تحب زوجها فهى تحضر بدلته تشمها وتحتنضها وتعبر بكلمات عن مدى حبها له ولكن فى نفس الوقت تستدعى رجلا تعرفه الذى يسكب الشمبانيا على جسدها ورغم أنها لم تبادله اهتمامه بجسدها إلا أنها تركت له جسدها وقد شكل لها هذا اللقاء كابوسا ولكن كما تعلق الراوية أنها قد انتصرت لأنوثتها المقهورة بمعنى أخر لم يستطع حبها لزوجها أن يحميها من أنوثتها المتمردة إنها أزمة انشطار الذات والتمزق بين الحب والرغبة تشكل علاقة الرجل بالمرأة المحور الأساسي فى معظم قصص المجموعة ومع ذلك فقد انتقلت من الهم الخاص إلى الهم العام، ومن ثم حققت فضاءً إنسانيا واسعا. وقد عالجت الكاتبة هذه العلاقة بوعي شديد وجرأة كاشفة لكثير من المسكوت عنه فى حياتنا، وتتنوع هموم القصص ففى قصة أمشير ومن العنوان حتى النهاية تتبلور قيمة التغير وأنه القانون الأساسى فى الحياة وفى قصة " حلاوة شمسنا تتكشف لنا معالم الزيف والعادات الاجتماعية التى تكون قاتلة أحيانا كما أنها تبرز حالة وقوع الرجل الزوج تحت تأثير سيطرة الأم أحيانا وفى قصة صرخة نرى كيف يؤدى الاحتياج المادى ‘لى تقديم التنازلات إلى حد فقدان الرجولة

السرد والحوار

السرد فى معظم قصص المجموعة هو سرد بسيط رأسى والوصف يميل إلى
الاختزال من خلال لغة سهلة بعيدة عن التقعر تصل إلى المتلقى دون عناء
كما يوجد تعددية فى ضمائر السرد بين الحاضر والمخاطب والغائب وقد نجحت الكاتبة فى توظيف هذه الضمائر حسب محتوى كل قصة ومناخها ففى قصة تمثيلية السرد بضمير المخاطب لاختزال المسافة واستحضار شخصية الأب وفى قصة بالونة السرد بضمير الأنا الحاضر المشارك فى الأحداث لأن الأزمة هنا هى أزمة الشخصية المحورية تجاه الشخصيات الأخرى وكذلك فى قصة مايسة السارد فيها هو الأنا الحاضر المشارك وفى قصة الثالث السرد بضمير الغائب العليم المعلق على الأحداث وقد ساعد ذلك على نقد الرجل وازدواجيته جاء الحوار باللهجة العامية مناسبا لمستوى الشخصيات الثقافى والاجتماعى قادرا على نقل الأحداث وكاشفا عن أفكار الشخصيات. فى قصة حلوة يابلدى جاء الحوار بين بطلة القصة والضابط كالأتى:

ـ إنت ازاى تسمح لنفسك تكلمنى بالطريقة دى. إنت فاكر نفسك بتكلم عيل صايع ولا مجرم ولا قبضت عليا معايا مخدرات. إنت بتكلم أستاذة جامعية محترمة طبيبة صيدلانية. مواطنة شريفة وأنا دلوقت حالا عايزة أعرف إيه السبب اللى يخليك من حقك تمنعنى أنى أدخل العريش؟

كما تفوقت الكاتبة فى استخدام المونولوج الداخلى وهو حوار الشخصية مع ذاتها
وقد كتبت المونولوج أحيانا باللهجة العامية بحيث ظهر وكأنه جزء من السرد
وقد يعيب عليها البعض ذلك إلا أننى أرى أنها كانت موفقة فى توظيف ذلك فنيا
بصمة الكاتبة وأسلوبها الخاص بها وهمومها الخاصة والعامة كل هذا شكل سمات
التميز والتفرد لهذه المجموعة القصصية الجديرة بالقراءة


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى