الاثنين ٢٩ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢١
بقلم الحسان عشاق

سفاح بحيرة الضفادع

هوى بالفاس على الارض الندية، مسح العرق عن الجبهة، الحفرة بدات تكبر وتاخذ المقاس المراد، الحقل بحاجة الى بئر لسقي الشجر والبشر، عشرون مترا تفصله عن نهر تحت ارضي هكذا قال له المهندس الفلاحي الذي اجزل له العطاء، نهر بامكانه سقي مئات الهكتارات دون نضوب، ترمي في وجه الفلاح كمشة فرح طفولي، تلهث العيون الثاقبة، تقيس المسافة لانبجاس سر الحياة، الفأس تعرق في اليد الصلبة والمدربة، الضربات المتأنيه والمركزة ستاتي بالخير العميم، غير بعيد قوارب صغيرة تجوب البحيرة التي تمتد على الاف الامتار، اشجار كثيفة تحيط بها من جميع الجوانب، اشجار عالية تنشر الظلال على صفحة الماء البراقة، الصياد الشاب المفتول العضلات يرمي الصنارة المثبتة في انبوب معدني بحركة مدربة، يسقط الخطاف المطعم ويحدث صوتا اشبه بفتح قنينة مشروب غازي (بلوووف) دائرة صغيرة تكبر لتمتد على مسافات لتختفي، في صخب النهار يركض الأطفال ويغطسون في الماء البارد، يتصايحون، يتنادون بالصفير، يهربون من خيوط الشمس الحارة ويدفنون الاجساد في المياه، يسحب الصنارة عاليا تبدا عملية الانقباض والانكماش والتمدد، قطعة الفلين الطافية جهاز انذار، تظهر وتختفي مع حركة الجدب الخفيفة، يضغط على دوار البكرة بكل ثقله ليجمع الخيط ويعيد الخطاف، تتقوس العصا وتكاد تنكسر، يتماوج الزورق يفقد الصياد توازنه، السمكة عنيدة وذات وزن ضخم، حاول مرات عدة تخليص الخطاف لكنه فشل، اندفعت في المخيلة الظنون، الخطاف عالق في جدع شجرة او قطعة حديد دائما ما تقع حوادث مشابهة، نزع القميص الاحمر والسروال القصير والقبعة الزرقاء، لا وقت يتسع لممارسة طقوس الانتظار وطرح الاسئلة، غطس بكل قوة مثل دلفين، ينفتح ثقب في السائل يبتلع الصياد وينغلق تاركا بضعة قفاعات ودوائر، الارتطام يطفو على بحيرة الأصوات، انساب في المجهول يتعقب القوة الخفية مثل سمكة، بضعة امتار وبدات تظلم، خيط الصنارة بوصلة تقوده الى حيث الخطاف، اراد نزعه تحسس بكلتا يديه اين علق، البحيرة لم تعد كما في السابق صافية المياه نقية، الثلوث اكتسحها مند سنين، بقايا الاطعمة والاكياس البلاستيكية السوداء والزجاجات الفارغة وحفاظات الاطفال والنساء ترتاح في الاعماق، بقع زيوت المحركات يزين الضفاف، مصطافون يغسلون السيارات بالمحاليل وتقدف المياه العادمة في البحيرة، تفقد اللون، تفقد العطر والرونق والجمال، انقرضت انواع كثيرة من الاسماك، طيور هاجرت الى مناطق اخرى، لم تنفع شعارات المحافظة على البيئة ولا اليافطات المحذرة المعلقة على الجوانب، القانون في الوطن مغيب لا احد ينتفض ويمسح غبار الاستهتار عن السماء، المياه موحلة تحجب الرؤيا ولزقة، كل حركة توقظ سحابة بنية من القاع، يتكور الخوف في العوالم المبهمة، خرج مسرعا من الغابة الموحشة والغامضة بعد اقل من دقيقة، في الجوف ثمة رسائل مشفرة بلا عنوان، الاعماق مكان بلا ضجيج يغتال الهرج، تنفس الهواء النقي، ضوء النهار يشع بلا نهايات، غابات اشجار وهضاب وتلال تدب بالحياة، غردت العصافير في الاشلاء، ملأ رئتيه بالهواء واعاد الغطس مرة ثانية، الكيس الملفوف بداخله ما يشبه جثة تدحرج الى الاعماق، انقطع خيط الصنارة من شدة الثقل والجدب، مرر اليد على طول الكيس هبوطا وصعودا، اقشعر البدن وانتابه خوف شديد، خبط برجليه بقوة وقفل عائدا الى السطح، سبح الى الضفة تنفس الصعداء، تسلق تلة و بضعة صخور مستعينا بجدوع الاشجار، استوى واقفا نادى باعلى صوت ملوحا بيديه.

 هناك جثة في قاع البحيرة
 كيف عرفت
 لمستها بيدي
 علينا اخبار الشرطة
 نعم

انتشر الخبر بسرعة البرق بين المصطافين، توقف الفلاح عن الحفر وحبلق بعيدا واضعا كفه على الجبهة لاتقاء اشعة الشمس، الخبر يرسم علامات الاستفهام في لون العبث والبراءة، الفظائع والجرائم الوحشية والرعناء تشد الانتباه، بحيرة الضفادع مسرح لجريمة شنعاء، المكان قلب حزين عمته الفوضى في رمشة بوح، ينسدل الركح فوق متاريس الدهشة والابتعاد عن المتاعب، اختفت زوارق الصيد والفسحة من وسط البساط المتحرك، عندما تحضر السلطات ينزوي الخارجون عن القانون والمشتغلون بدون رخص، ربضت الزوارق على الضفاف المسيجة بالسيارات والوافدين على البحيرة للاستجمام، توارى المصطافون الذين ينشرون عريهم المباح على الجنبات، الانشواء تحت اشعة الشمس مطلب ملح، يلقي الموت رعبا في صلب الوقت وفي عيون الصباح، اطفأت في لمح البصر احلام النهار الواسعة، مركبات تغادر الى وجهات مختلفة بحثا عن الهدوء وقضاء الوقت مع الاولاد، تفرقت جموع الحشاشين والمتحرشين بالفتيات في الماء واليابسة، ينسحب الذين يطوفون على حقول السعادة، يدركون قيمة السكينة بالابتعاد عن نرفزة الاعصاب لكي لا تتجعد وتتلعثم الادمغة في اللاجدوى، ما اقبح ان تعيش ذكرى حزينة ومؤلمة على مائدة التذكر، تستزيد جرعات اليأس والقنوط والشفقة، شيئ مقرف مجالسة الوجع في استرخاء، عائلات تجمع الافرشة والطنجرات، تهدم الخيام الصغيرة المصنوعة بقطع الثوب اتقاء لاشعة الشمس الحارقة، حاسة الشجاعة في الابدان اصابها العطب ولا وجع يثور، الجرح اعمق ما يكون والكل مهموم واضمحلت الاخوة والتآخي في خبر كان، في هذا الزمن العجيف يستحسن ان تكون عبثيا لاتهتم بشيء أو لشيء تجنبا للضغط النفسي وحالة الاضطراب والارتباك.

كل النظرات المتسائلة والحيرى مشدودة الى اصحاب البدل الكاكي المنهمكة في ترميم وقع خطوات الفجيعة، الحسرات تشتد حول الاعناق المشرئبة، بعض النسوة يلطمن الصدور فوق تضاريس التافف، النهار يفتح فكيه ليسرق الفرحة المشتهاة من المصطافين والعابرين، الصخب العالي وتوافد كائنات بشرية تحمل اختام العبوس يشل الحركة التجارية، عربات الوجبات السريعة والمشروبات المثلجة والسجائر ابتعدت، تلاشى دخان اللحوم المشواة على نار الاعواد والفحم، تسلل الخوف عميقا في القلوب كالسكاكين والحسرة تعبر بين الهمهمات القادمة من اعماق التذمر، افكار ثقيلة تضغط على المخيلات الحالمة، الفرح يلبس ثوب القرف، الموت يفرخ شعورا كئيبا بالفراغ والوحدة، اشواك تنغرز فى المسام واللسان، ثمة شباب يلتقطون صورا لمسرح الجريمة، الحشود المشدودة الى الضفة الاخرى المحاصرة بالشريط الاصفر تزداد تجمهرا، الضفاف مكتظة بالمشاعر الهاربة من قواميس السخط واللعنات، افرازات الرعب الناتج عن الوعي الاكيد بالموت.

الشريط الاصفر يحاصر المتلصصين والباحثين عن الفرجة، عشرات العيون تحدق من شقوق الهلع كائنات تصدر الاوامر، تنهي وتامر، ترغي وتزبد، تسب تلعن وتركل الفضوليين، السيارات الموشومة تقيئ ثلة من المحققين بلباس ابيض ناصع، بعضهم يحمل صناديق تحوي ادوات لجمع الادلة وملابس الغطس، الصياد الشاب يشير بالاصبع الى مكان الجثة، لسعته كمشة اسئلة لاهثة في ساحة تنزف وجعا، سحبوا منه البطاقة وضربوا له موعدا في المخفر، اعادة ذاكرة المشهد ضرورية لمسد القمقم ليطلع العفريت الرابض بين التفاصيل، محقق يصطاد بمنقار التذاكي الهمسات، اخر يهش قطيع التدافع والتكدس، صفعة اشعلت نجوما على خد متحرش يهذي بلعاب الفحولة، صرخة منفلتة من جرعات الالم وهروب على تخوم الضحكات، غطاسون مدججين بقنينات الهواء مشدودة الى الظهر، اقنعة والبسة مطاطية خفيفة، احذية سوداء واسعة تشبه المجاديف، ارتموا من الزورق في حركات مدروسة، اختفوا لبضعة دقائق يستكشفون قاع البحيرة، تظهر الجثة ملفوفة بعناية اشبه بالمومياء محشوة في كيس اخضر ومثقلة بصفائح حديدية منعا للطفو على السطح، التقطت مئات الصور، مشاهد مرعبة مرت وخيالات تركض بعيدا، قطع بوليستي الحبال، سحب السحاب الحديدي، حرر الراس وظهر وجه فتاة في ربيعها الثامن عشر، غير بعيد تاتيه كمشة الاهات والحسرات، يقف مشدوها امام الجسد البض البارد، قبل ازهاق الروح حتما لم ينفع عويل التضرعات و التوسلات، جففت ينابيع البكاء ولا رحمة ولا شفقة، المجرم اشبه بالفاس يقطع سيقان الأشجار، يحفر الارض الصلبة و الندية، وحش اقتحم باب الجحيم من نزيف الثقة العمياء، يغوص في الشرايين نصل الاسف العميق، الفتوة والشباب اغتالهما الظلام، الزرقة غزت الجدع والاطراف، اضيف الكيس الاسود الى الكيس الاخضر في تقميط الجثة، حملت في سيارة اسعاف الى المشرحة، بوليستي فانوس يحارب العتمات في الاجساد المنسية بدون حرارة، دليل للاموات الذين يضيعون في قبضة السفاحين والقتلة، مند سنوات يجر خلفه وحشة المسافات البعيدة ويبني مقطوعات حزينة ملوثة بالدم المتخثر والروائح النتنة، يتعقب الادلة لتسطع اشعة الحقيقة في الهياكل الفارة من الدنيا والمغادرة قهرا لتهدا الارواح الشاردة والهائمة، يعبد الطريق لمعاول حفاري القبور لحجز رحلة اخيرة لتوديع الحياة بقطعة كفن، نفس الخطوات المملوءة بالاهات والمشاهد تعاوده بالالم، يجري وراء الفجيعة والدموع والسهر والبحث والتمحيص، استدعاءات وتعقب واستنفار امني، غربلة المحاضر وقراءة الايفادات بتمعن وتروي لاستجلاء المستور، لن يتوقف حتى يجف منه الجلد ويحتضنه العياء والكسل.

فحص مسرح الجريمة بعناية فائقة، عيون مدربة تلتقط دبدبات وتشعل جمهرة الاسئلة المحلقة، تجالس الفجيعة في نباهة لكي لا تموت الأجوبة في المهد، من علو يقارب عشرون مترا تخلص القاتل من الجثة، سحبت على الارض ودحرجت من على الحافة، صوت الارتطام في المياه احدث ضجة عالية، دزينة من الرؤوس منحنية تلتقط الادلة المنسية في تلابيب الاستعجال، نشاط يعم المكان الكل يبحث عن حبل لشد القاتل من الرقبة، بقايا اثار عجلات ظاهرة للعيان، السحل وكشط الاعشاب الجافة لم تخطئها عين المحقق بوليستي الذي يرتشف نسخة من الاسى والاسف، يمتعض من تشعبات الفقد الملغز للذين ابتلعتهم رقصة الثقة الزائدة وضاجع الشر صرة احلامهم ولم يجدوا في الوقت العصيب قوارب النجاة.

لا جديد في النشرة الجوية في الراديو والتلفزة، درجات الحرارة مرتفعة والسماء صافية، الغائبون يسجلون نازحين في طابور الاختفاء، والعابرين في تجاعيد القتل تفتح لهم محاضر تمهيدا لطقوس القصاص، الموجات الصغيرة المنكسرة على الضفاف تشبه المتفرجين في وتيرة الخفقان، اعقاب السجائر وعشرات سدادات قنينات الجعة والخمور مرمية في ساحات مواقف السيارات وتحت الكراسي الاسمنتية المعدة للجلوس، المجتمعات المتخلفة اكثر تلويثا للبيئة، توضع صفائح لجمع النفايات في الازقة والشوارع وتفضل الرؤوس البليدة القاء القاذورات على الرصيف انتقاما من عامل النظافة الحلقة الاضعف في مؤسسات الشعب، في الليل تتحول البحيرة الى منتجع يجدب السكارى والباحثين عن الرعشة الكبرى، الدوريات الامنية تغيب بالاتاوات والهدايا، السكون يخيم على البحيرة في الظلام الا من نقيق الضفادع، لا احد يعرف سر تسمية المنتجع السياحي والبيئي والايكولوجي (ببحيرة الضفادع)، فالضفادع تتواجد في جميع البحيرات، في الوقت الحاضر غاب الاهتمام والانتشاء باسماء الامكنة، اغاني السكارى والاحاديث الصاخبة مقدمة للمشاجرات الدامية، بعض السكارى حين تلعب الخمرة برؤوسهم يسوقون السيارات بجنون ويوقومون بدورات حول البحيرة المليئة بالمنعرجات الصعبة للتباهي واظهار المهارة و علو الكعب في السياقة، لا شيء يفصح عنه مسرح الجريمة، ولا شيء في الهواء، البحث عن بيارق الانتصار امر شاق وطويل، فك شيفرة الجريمة يمر عبر طرق ابواب السكارى حراس البحيرة الدائمون وتقليب في ملفات المختفين الكثيرة.

فوق طاولة التشريح حرر الجسد بالكامل من الحبال والكيس الاخضر، القتيلة عارية بدون ملابس ولا قماط النفي، في نظراتها البراءة والبريق، العيون منتفخة يكتنفهما الذعر، ضاع جمالها بين أيدي عفاريت الموت، توقف وقتها الثمين ساعة كتم الانفاس، مطلوبة مند وقت الميلاد لعدالة القتلة، المدينة تعج بالاف المنحرفين والمهووسين، وجرائم القتل متشابهة الفظاعة كحبوب السمسم، فوق طاولة التشريح البيضاء اصبحت دفترا من الكلام والتخمينات والملاحظات، مشروع للتنافس بين المحققين على سلم الصعود، الارواح المزهوقة تفرخ في الدماغ شعورا كئيبا بالوحدة، سوار ذهبي في المعصم، ثمة احرف منقوشة باللاتينية، جثة بدون هوية ستتردد في زوايا النسيان بعد حين، التقطت دزينة صور من زوايا مختلفة، ليس للجثة ما تخفيه، تقدم نفسها بحثا عن الروح التي طمست، اثار الخنق ظاهرة على العنق، اصابع القاتل مطبوعة بحدة، الوجه الطفولي يحمل عدة كدمات، فكر بوليستي بصوت مسموع ان القتل حدث ليلا، لم تمض عليه سوى بضعة ساعات، الطبيب الشرعي يؤكد حصول الاغتصاب المؤدي الى الافتضاض، بقايا السائل المنوي عالقة في المهبل، جمعت العينات في كيس ابيض، المختبرات ستتكلف بتحديد الحمض النووي للقاتل، لكن الادارة تفتقر الى ارشيف، في الدم المتخثر كميات قوية من المخدر، فتش داخل الكيس الاخضر ثمة قصاصة للاخبار عن طلب طباخة للعمل في محل للوجبات السريعة، دقق كثيرا في الحبال المقمطة للجثة، يحاول لملمة كل التفاصيل الصغيرة والكبيرة، من التفاصيل الصغيرة يمكن حل الغاز الجرائم الاكثر تعقيدا، المحقق الناجح من يدخل مخيلات المجرمين والقتلة يفكر مثلهم.

الأيام تجري مثل خيول جامحة في البراري، روح بحيرة الضفادع طيف فوق الرؤوس، اسماء الراوي لم تعد صورة بدون هوية ولا اسما مجهولا في قائمة المختفين، المعلومة الدقيقة عند اعوان السلطة والمخبرين، استدعيت العائلة المكلومة في فلذة الكبد، اسماء طالبة في معهد للفندقة، تدربت في عدة مطاعم ومحلات شهيرة للماكولات السريعة، تقدمت للعمل بناء على اعلان بالجريدة، خرجت ولم تعد، ظل الهاتف الخلوي يرن واطفأ بالمرة بعد ساعات، خضع الخط الهاتفي للفحص والتدقيق، استخرجت اخر المكالمات التي اجريت معها، انجز تقرير عن مصدر اخر اشارات الهاتف الخلوي، البحث سيشمل قطر مساحته قرابة كيلومتر، مهمة معقدة ومستحيلة، انكب بوليستي على استنطاق عمال محل الوجبات السريعة (سناك الوجبات الشهية) الذي وضع اعلانا يطلب عاملة، اجمعوا على ان الشابة جاءت فعلا وقابلت المدير، غادرت في حدود الساعة الواحدة بعد الزوال، صاحب المحل رجل في عقده السابع، تغزو الوجه لحية بيضاء وعلى الجبهة نقشت شامة الصلاة، اجاب على جميع الاسئلة ومكن المحققين من شريط فيديو للمقابلة التي اجريت مع الشابة وغيرها من الباحثات عن العمل، استبعد جميع العمال من دائرة الشك.

 جميع الذين يعرفون اسماء الراوي تم استجوابهم ونعمل حاليا على الارقام الهاتفية للذين تواصلوا معها و٠٠٠
 اذن لازلتم في اول الطريق
 نعم سيدي
 عليكم مضافعة الجهود لا نريد انتقادات ولا اتهامات بالتقصير وغياب الكفاءة المهنية٠
 حاضر سيدي

شريط الفيديو لمحل الوجبات السريعة الذي يرصد الحركات في الشارع لم يسجل اي شبهة، الفتاة القتيلة ترتدي تنورة زرقاء مرقطة وقميص ابيض وقبعة، في اليد حقيبة وردية تعبر الطريق في خطوات واثقة الى الرصيف الاخر، لا احد تحرش بها او عاكسها، توقفت برهة وتكلمت عبر الهاتف الخلوي، الواحدة بعد الزوال وقت اجراء مكالمة لم تدم سوى بضعة دقائق، يخبو الحماس يوما على صدر يوم، جميع المحاولات المؤدية الى القاتل كللت بالفشل، اعيد استنطاق الادلة عشرات المرات، اعتقل مئات المنحرفين والمتحرشين وذوي السوابق في الاغتصاب والضرب والجرح، تعثر الامل في اقتلاع شوكة في خاصرة الادارة، محبوس في دائرة مغلقة، شعبة مكافحة الجريمة تستقبل يوميا جرائم مختلفة، على جمرة المسؤولية يقضي ساعات طوال يفتش في المحاضر، يمد الليل اصابعه المبتورة ويصعد الى مآذن الزفرات، وقتيلة البحيرة تشاكسه تركض في الدم، في الشارع الكبير جدبه شجار بين شابين حول فتاة انتهزت الفرصة واختفت بين الزحام، الدم يغلي في العروق، انتهى شوط السباب والشتائم والتدافع والتهديد، سحبت السكاكين ذات الاحجام الكبيرة، تدافعت الاجساد الخائفة واتسعت الدائرة، العيون مشدودة الى سكاكين الطعن والذبح والسلخ، جميع المصائب تاتي من وراء النساء علق احد المتفرجين مطلقا ضحكة عالية، قابيل قتل هابيل من اجل امراة، البحث عن الطاعة والخضوع والإمتثال والاستفراد بالشيئ طرق تؤدي الى العنف، الوطن يفتقر إلى أبسط مقومات العيش الامن، والاخلاق اللائقة، والى لمسة مسالمة من الذوق العام، تظهر السيارة الموشومة، فر المطلوبان للقصاص كل من جهة، لاحقهما الشرطيان المتمنطقان بالمسدسات المندلقة عند كل حركة، حركاتهما ثقيلة بسبب الوزن الزائد.

الهاتف لا يكف عن الرنين، صوت الاحذية في الممرات والادراج يشوش الاذهان، فرك عينيه رفع السماعة، زفر بقوة خرج مسرعا يركض نحو الفجيعة، طابور من السيارات الموشومة يتحرك في اتجاه بحيرة الضفادع، بشر قليل يسطف على الضفاف، فصل الصيف انتهى مند شهر، انتهت العطلة المدرسية، غابت صرخات وصيحات الاطفال، الصيادون القلائل يتابعون المشهد من بعيد يمتطون صهوة الدهشة، الأسى يرنو من أحداق المتحلقين، السماء ملبدة بالغيوم، قطرات مطر خفيف مضفورة بالوحشة تبلل الاجساد، بوليستي يفغر فاه امام المشهد المروع، ثلاثة جثث دفعة واحدة، اكياس ممددة على الارض الندية، القاتل ضرب بقوة واختفى، احد الساكنة القريبة كان يتريض في الصباح الباكر وشاهد الاكياس المرمية على الضفة اليسرى المحاذية للطريق، اقترب وتحسس ما بالداخل، ارعبه الامر وقفل راجعا، اتصل بالشرطة واخبرهم بالمكتشف، جثت هربت من ذاكرة الاحبة إلى ما بعد اللامكان، وجوه فتيات في ريعان الشباب، احدى الجثث تلطم منها رائحة التعفن، للجلد البشري اثناء الاحتراق رائحة السمك العفن وجيفة الحيوانات المنسية في الحقول والساحات، اغلقت الانوف بالايادي، تصاب الاصابع بالرجفة والذهول، تغص الحناجر بالحشرجات، كل الاسئلة العميقة تنبح في الراس، يقرا في حضرة القتيلات آيات من الكتاب المقدس، وعلى ارخبيلات الاجسام الباردة الصاعدة ارواحها الى السماء تعويذات عن سواد القلوب والضمائر والارتكاسة والخيبات، اثار الخنق بادية على الاعناق، كل ما تبقى من ادلة في الشهقة الأخيرة من انطفاء الفانوس والرغبة العارمة في البقاء.

 ثلاثة قتلى دفعة واحدة
 بنفس الاسلوب
 نحن امام سفاح متعطش للدماء وازهاق الارواح
 علينا تغيير خطط البحث والعودة من نقطة البداية
 حسنا

يجالس الهزيمة في استسلام والضغط يزداد كل يوم، السفاح اشد احتراسا لا يترك اثرا ولا دليلا، عائلات الضحايا شكلوا لجنة لمتابعة القضية، وزعوا ملصقات بها صور القتيلات الاربعة على المحال التجارية وفي الشوارع والاحياء، وضعوا ارقام الهاتف للاتصال ليل نهار، تقارير اعلامية ترصد مجريات التحقيق، القتيلات يظهرن في نشرات الاخبار، تحذيرات لفتيات المدارس والجامعات والمعاهد للاحتراس من الغرباء والمتحرشين والتبليغ عن اي شيئ مشبوه، السيارات الموشومة تربض امام المؤسسات التعليمية، خلية التحقيق تتلقى يوميا مئات المكالمات وتقدم دزينة من المشتبهين،جار يشك في جاره الغريب، امرأة تقسم ان ابن الجيران المدمن على حبوب الهلوسة قاتل محترف، قارئة الودع تؤكد ان القاتل مخلوق يمشي على اربعة، لاشيء يمنح مفاتيح القضية، الفشل يخترق الجماجم كضوء الغروب الشاحب، ومصادر المعلومات تشح بالتقسيط، الدوريات الليلية لم تات بالجديد، والمخبرون المدسوسون على جنابات بحيرة الضفادع طول النهار لم يكتشفوا شيئا، فرقة التحقيق تنعجن في دوامة مغلقة، المطارق الكبرى تهوى على الرؤوس، سيهجر المحاضر التي ضاجعها طويلا، صعب ان تتهجى يوميا اسماء القتيلات،كيف يدخل البيت ويخبر الزوجة والاولاد ان الذئب لا يزال حرا طليقا في البراري، والمدينة تقف على خط الخوف العام، السفاح يسبق اجهزة التحقيق بمسافات كبيرة، حتى التحريين المتخصصين في تعقب اعتى المجرمين عجزوا عن ايجاد خيط يقود الى السفاح، اعيد تمحيص الادلة والقرائن عشرات المرات، غربلة ايفادات المقربين والاصدقاء غربلات دقيقة، نبش في تاريخ الفتيات العاطفي، مجرد علاقات عابرة ليست ذات اهمية، القاسم المشترك بين القتيلات انهن يتحدرن من اوساط فقيرة، جميلات، ذوات قوام رشيق، ينضبن بالحياة سنهن لا يتعدى العشرين ربيعا، حاصلات على شواهد من مؤسسات عمومية وخاصة، يترددن على المحلات والمطاعم بحثا عن الشغل، حتى شبكات التواصل الاجتماعي لم تقدم جوابا شافيا، الحسابات الفيسبوكية للقتيلات ليس فيها ما يثير الانتباه، دردشات عن فارس الاحلام والحب والمستقبل، نزلاء المصحات العقلية مسافرون الى عوالم غير مرئية، لوائح المرضى الذين يتلقون العلاج في العيادات الخاصة ليس فيهم مشتبه واحد، تم استنطاق اغلب المنحرفين جنسيا في المؤسسات السجنية لكن ولا دليل، اثار العجلات لم تفض الا اية نتيجة، بوليستي لم يرفع راية الاستسلام واعلان الهزيمة، الاف الساعات من العمل الدؤوب في استنطاق الادلة بنعومة وعنف تبخرت ودقت الاوتاد في الدم لكنه يواظب النبش والحفر في ردهات المجهول.

ضاقت من حوله الارض، الانهزام يتعنثر في الدم، الساكنة تطالب راس المسؤول، وقفات احتجاجية امام المخافر، شعارات تدين تراخي القبضة الامنية وغياب النجاعة، البرد القارس و النقي يصفع الوجه، السماء مثقلة بالسحب الداكنة، الاشجار تتمايل يرتفع صفير الرياح والاسلاك الكهربائية، طاف على بحيرة الضفادع بالسيارة المهترئة، حواجز امنية عند المداخل الاربعة وتحقيق في هويات الداخلين والخارجين، عبر المرآة الداخلية يشاهد الدخان الاسود المتسرب من العادم، الطريق المبللة خالية من الزوار والضجيج، قوارب الصيد مركونة على جنبات الضفاف، تسائل ما الذي يدفع القاتل للتخلص من الضحايا عاريات مقمطات داخل كيس ويلقين في البحيرة، اية علاقة تربط القاتل بالبحيرة، ولماذا البحيرة دون سواها، واي مختل هذا الذي يزهق ارواح الابرياء، فكر الانثى تفاحة مشتهاة تذكر بدفئ الشمس ورائحة الانهار والينابيع، رائحة القرنفل والبنفسج وورد وخزامى وعسل، الانثى كوكب لؤلؤي يضيئ الافئدة عندما تضيق الارض، ترجل من السيارة لسعه البرد القارس، احكم لف الشال الابيض على الرقبة، زرر المعطف الاسود الثقيل وتقدم بخطوات وئيدة الى الحافة المطلة على البحيرة حيث تم التخلص من اول جثة، الارض موحلة والانزلاق والسقوط امر وارد، تنفس الصعداء من بقايا حدس يتدلى من عناقيد الخلايا ومن عيون توسدت صور الدم والدود والصديد، صمت جميل ولذيذ يشعر بالخذر يسري في العروق، تأمل في جمال الفضاء الواسع اللا محدود، داب في عمق السكون، احس بالراحة وبثقل يرحل من سراديب الصدر، شيع سربا من طير البقر فوق شجرة عارية، غير بعيد جرار يحرث الارض، بقر يلتهم العشب الجاف على جنبات الطريق، قطرات المطر تبعثر هدوء صفحة الماء وتنتشر الفقاقيع الصغيرة التي تختفي في لمح البصر، المطر لن يغسل الدم المراق على ضفاف البحيرة ولن يعيد الذين كتبت لهم شهادة الوفاة غدرا، ولن تحمل الريح التي تصفر رائحة الموت عن الارض، الشيطان يعشعش في الاشياء الخبيثة، الهاتف الخلوي يتقيؤ رنة حزينة.

 الو
 عليك الحضور حالا
 ماذا يجري
 هناك الجديد

السيارة المهترئة تنهب الطريق، الاف الاسئلة تمطرق الدماغ، طائر السنونو مكسور الجناح مطلوب الى جلسة رجم اخرى، الجلد والعظام والجمجمة كدموا من كثرة الرشق والغمز واللمز، مند زمان يحتضن السخام في الرئة يتلقى الضربات ويلتزم الصمت، لا تلتفت الى الوراء قال له المسؤول الكبير، قم بواجبك بما يرضي الله والضمير، اعداء النجاح يختبؤون في كل مكان ينتظرون هفوة،سقطة، خطأ صغير لينهشوا لحمك، هؤلاء الاقزام ابليس تعود منعهم، تحت الشفاه المريضة والحسودة قنابل موجهة عن بعد تنفجر لحظة التراشق بالكلمات وشد الحبل، افضل شيئ في الحياة ان تكون نفسك بصبر بادخ، الطريق خالية من المركبات، قطرات المطر ترقص فوق الهيكل الحديدي بايقاع رتيب ومتجانس، مساحات الزجاج الامامي تطقطق، البرودة المنفلثة من الفتحات في السيارة تدس القشعريرة في الجسم.

في المستشفى عشرات المحققين يطوقون غرفة العمليات، جسد مسجي يتنفس اكسير الحياة من الانابيب، يعتاش على ادوية تقطر في العروق، روح تصارع دقات عقارب الساعة، وجماجم تستعجل الشفاء بحثا عن اجابات، الشابة المكبلة اليدين والرجلين ارتمت من سيارة على جنابات الطريق السيار، سيارة رياضية فورد موستانج حمراء ذات سقف اسود والذي يصعد ويطوى ويتمدد، السائق اعطى معلومات دقيقة عن نوع المركبة لكن لم يستطع تذكر ترقيم لوحتها بسبب الامطار الغزيرة التي تحجب الرؤيا، اعتقد فاعل الخير ان للامر علاقة بحادث عرضي، خفف السرعة وتوقف لتقديم المساعدة، السيارة المشبوهة انطلقت في سرعة جنونية، اتصل بالشرطة وتم نقل الضحية في سيارة اسعاف الى المركز الاستشفائي، الانتظار الممل يغوص في الاعماق ليقطع الاوردة، يحرث الاسئلة العميقة من جديد، حل لغز جرائم بحيرة الضفادع معلق في غرفة الانعاش،الاطباء يؤكدون ان حالة الشابة مستقرة، الجراح والكسور المزدوجة تتعافى، الابحاث تمتد الى جميع السيارات الرياضية الحمراء فورد موستانج داخل الوطن، يدفن الراس بين الملفات الخرساء المكدسة فوق رفوف الاهمال، يتمترس حذرا خلف جدار المعلومات العصية على التطويع، تصل الحواس إلى مستوى آخر من عسر الفهم والتلبك، الاف السيارات الرياضية الحمراء، تحرك المحققوون في جميع المخافر وطنيا، حملات مكثفة على سيارة فورد موستانج، اهتدى الى خيط رفيع في الهزيع الأخير من شعلة البحث والتقصي.

عند مدخل الباب الرئيسي للمستشفى طابور طويل من المرضى، القاعات مليئة بالصراخ والاهات، دماء وضمادات، ضجيج وانين ووجوه الناس القلقة المتعبة والحبلى بقلاع القهر ملقاة فوق الكراسي الاسمنتية والاسرة المتهالكة، صاحب البدلة البيضاء يطوف على المرضى في تافف، ثمة ممرض يوصي افراد عائلة بنقل قريبهم الى مصحة خاصة للتداوي الجيد، شابة تتمرغ في النواح وجه شاحب يحبو في مشية مترملة، طفل ينقع اياديه في بركة مياه، رائحة اليود تكبس على المكان تمرغ الهواء، الحياة في المشافي تمتزج بالموت والتعافي والانتظار والامل وقلة الحيلة، الشابة بدات تتعافى وترسل ابتسامات من وراء الزجاج، ابتسامة تخيط الحرقة المنبلجة من الاحداق وستسرج صهوة الحقيقة وتخط الأسطر الأخيرة من سفر ازهاق الارواح، العائلة تقيس اوردة الشفاء، بوليستي يضع امام عينيه لائحة ملاكي السيارات الرياضية فورد موستانج الحمراء، فرق المحققين تتعقب ملاكي السيارات المشبوهة، يغربلون الهويات والخلفيات واوقات تواجدهم صبيحة الجريمة الاخيرة، تم استبعاد المئات من دائرة الشبهة، اخرون غيروا عناوينهم او باعوا المركبات، اللائحة بدات تضيق وقريبا سيتم ترويض الاوجاع والمخاوف، المسؤول يرغي ويزبد ويلعن،يتهم ويتوعد من اختناقات الضغط يمطر المتقاعسين بوابل من رصاص التقصير، روتين يومي لاظهار الاهتمام، اللائحة تضيق والخروج من النفق المظلم على بعد خطوات، تهللت الاسارير وانقبضت.

 يا الاهي كان دائما امامنا
 من سيشك في قاضي ابن وزير يغير السيارات كما يغير الجوارب ويتابع عن كثب تحقيقات رجالات الامن
 تبا كان قريبا منا....
 وكنا قريبين منه.... سنسطر نهايته ونعرف خبايا واسرار واسباب القتل

الشمس تبتسم لعيون مرهقة، سنابل القمح تتمايل على وقع نسمات الهواء واشعة الشمس الدافئة، ترسم على حواجز التفتيش دوائر في حجم الاحلام، الطريق المتربة محفرة، المركبات تهبط وتطلع ترتفع القعقعات، شاهد سيارات الشرطة تقترب من المزرعة الكبيرة المسورة بالاسلاك الشائكة، تخلف ورائها سحابات الغبار الكثيف، استل بندقية قنص اطلق عشرات الاعرية النارية في اتجاه سيارات الامن، طار سرب من عصافير الدوري وبضعة حمامات وقبرات في السماء، اصيب الزجاج الامامي بطلقات مركزة وتناثرت قطع الزجاج، اعاد حشو البندقية بالرصاصات في خفة، فرملت السيارات وتوقفت عن التقدم، الوضع اكثر خطورة مما يتوقعون، لم ينفع مكبر الصوت في حمل المطلوب للقصاص على الاستسلام، الجو يحقن بالغضب والنرفزة، لاول مرة تواجه قوات الامن بالرصاص الحي، الموقف الحرج انسى جميع التفاصيل الصغيرة للوجوه التي سودها السهر بحثا عن الجاني، وتحت وقع الدهشة اختبأ حماة الامن وراء المركبات، الجماجم عالقة في طلقات الحيرة، العيون تسبح في سماوات الغضب المهيض والمر، الزجاج يتهشم والمصابيح الامامية تتناثر في كل اتجاه، عجلات تفرقع ويسمع صوت خروج الريح، الطلقات مصوبة بشكل دقيق تهش زوارا غير مرغوب فيهم، الوقت يمر عصيبا والنبضات ممسوسة بالرعب.

 اين هو المسؤول الذي لا يحسن سوى الصراخ والتهجم٠٠٠ لماذا لا ياتي ويظهر براعته في اعتقال المجرمين.
 في وقت الشدة يرفضون بشدة الصفوف الامامية
 صوت الرصاص يرعبهم
 هذه هي الادارة في الوطن الصغار يدفعون الثمن بدلا عن الكبار وهم من يجني ثمار الانتصارات.

الاجساد تغلي من الداخل، على تخوم ساحة قلة الحيلة يتهامس الامنيون، الانتظار مؤلم وشاق والشجاعة انعجنت في ماسورة بندقية، الهواتف اللعينة لا تكف عن الرنين، الموقف يحتاج الى دبابات ومدرعات، الدعم سياتي قريبا، الهضاب تزحف بالصدى نحو الساكنة القريبة، تسلق القرويون الاشجار بحثا عن فرجة سقطت من رحم الاقتتال، شرطي بزي رسمي يمشي الاربع يبحث عن مخبا هربا من زخات الموت، الأسطر الأخيرة من سفر الولادة على بعد طلقة طائشة، الطريق الى العالم الاخر يمر عبر مغامرة وهفوة صغيرة، بوليستي يستعيد مواقف اكثر خطرا، منحرف يحمل سكينا في حجم سيف عنترة بن شداد يهدد المارة، يجدف على الله، الاجساد الخائفة تهرول في كل الاتجاهات، السيارات الموشومة تفرمل بقوة، يندفع من الهيكل الفولاذي رجالات مدججين بالهراوات والمسدسات، توجه نحوه ممسكا بالمسدس، امره بالقاء السلاح الابيض، جدب عربة للماكولات الخفيفة واسقطها ارضا، مزق واقي الشمس و المطر لاحد الدكاكين، ركل بقوة باب منزل، انهال على رجل عجوز ساقته قدماه الى حمام العنف، طعنة قاسية في الصدر اسقطته ارضا بدون حراك، سحب المسدس صوب بدقة واصابه في الراس، علت التصفيقات على طول الزقاق الشعبي، التحذيرات لم تنفع في استسلام المنحرف، طلقة واحدة كانت كافية لاعادة الهدوء الى الزقاق، لم يبق سوى قطرات دماء مسفوحة على الاسفلت سكب عليها البنزين واحرقت، جرافات وكاسحات تقترب من مكان الموقعة، طوافة تحوم في السماء الواسعة تتجول بعنفوان، تلتوي الاعناق، سرب من العصافير يلاحقها، طلقة تصيب مقدمة الجرافة التي تدب نحول المنزل بحذر شديد، ترتد الرصاصة وتستقر في جدع شجرة،تهبط الشفرة على الحائط الامامي، يتهاوى الباب ويسمع ذوي السقوط، الهدوء يلف المكان، تراجعت الطلقات العشوائية، يسمع هدير محرك مركبة يبتعد رويدا رويدا، سيارة تنهب الطريق المتربة والمحفرة في سرعة جنونية، انتهى شوط القنص وبدا شوط المطاردات، لعن بوليستي الزمن البئيس نافضا الغبار من على يديه ورجليه، ولعنات السماء على مجانين الأرض، ظلوا منبطحين على الارض اتقاءا للرصاص، ترتجف الاشلاء من رائحة الموت، ساعة من الخوف والقلق والاحتراس الشديد،كل يمضغ في صمت البسملة والتعويذة، متكئين على انتهاء عرس الطلقات لكتابة اخر وصايا التوبة، الحادث الغريب يتصدر نشرات الاخبار، الكل يسال عن هوية سفاح بحيرة الضفادع ان كان مختلا عقليا او متعطش لسفك الدماء.

 تبا لقد هرب من الباب الخلفي
 علينا ملاحقته الا ان يستسلم
 اعتقد انه لن يستسلم سيخوض حربه الى اخر نهاية
 لم يبق امامه اية خيارات
 الخوف ان يصطدم بسيارات او عربات ويرفع من معدل الضحايا
 الله..... الله

لاحقته خمسة سيارات على الطريق المتربة بين الحقول الخضراء، الغبار يرتفع في السماء، صوت المحركات تزأر صعودا وهبوطا، تتمايل، تتارجح، تهتز، المركبات تطوي المسافات طيا، تلوح سيارة الهارب يضغط على البنزين وتختفي عن الانظار في المنعرجات، داخل حجرة محكمة الاغلاق وجدت ملابس نسائية ذات مقاسات متشابهة، حمالات النهود وتبابين، حقائب يدوية مختلفة الاحجام، اشرطة فيديو للضحايا، داخل المرآب عثر على اكياس خضراء وبكرات حبال مشابهة لتلك التي استعملت في التخلص من الجثت في بحيرة الضفادع، في رمشة عين تحول المنزل الريفي الى خلية للمحققين، طوقت المزرعة التي تمتد على مئات الهكتارات من جميع الجوانب، السيارات الموشومة تستدرج الاخرين الى حظيرة الفرجة، انفتح ثغر جهنم على مصراعيه، عيون مشدوهة تنفخ في صور حركت بجمالها ذاكرة الفحولة والهوس، سرير فاخر يحمل بصمات وقع حروب الالتحام العنيف، طاف بوليستي في الباحة الواسعة، تحت شجرة رمان مورقة ثمة رفش وفاس، حبلق كثيرا في ربوة اشبه بالقبر، تقدم بخطوات متمعنا، متفحصا، مستجليا حقيقة الامر، غير بعيد عظام انسان او حيوان، عمود فقري وقفص صدري اكثر بياضا بفعل الشمس، امسك بالفاس ضرب ضربات متلاحقة واصطدم بشيئ صلب، امسك بعصا بكلتا يديه واستمر في النبش، سحب جمجمة، ثم عضد، ثم زند، نادى باعلى صوت على فريق المحققين، بدات عمليات الحفر وتقليب الارض شبرا شبرا، استخرجت أكوام الهياكل العظمية المدفونة في البستان، مقبرة جماعية تضم رفات شابات فقدن بوصلة الحياة في لحظة سهو واغراء من شخص مجنون، جماجم فاغرة المحاجر دخلت في طي النسيان، توقف الوقت لديهن حين ادركن انهن وقعن في المصيدة، والجدران لاتشهد على الجرائم ولا تحنط الصرخات ولا تستجيب للتوسلات، افراح الاشرار تولد من الحشرجات والشهقات والانين، الامن على بعد امتار من الهارب، من سيربح سباق السرعة، خمن اثناء المطاردة اللصيقة من اين سيبدأ تلاوة لائحة الاتهام حين يستسلم الهارب، اعتقد ان المطلوب للعدالة لن يغامر بالقفز من علو شاهق، خاب ظنة حين شاهد السيارة تطير في الهواء في اتجاه الطريق السيار، ارتطام بالاسفلت يحدث ضجة عالية، شاحنة من الحجم الكبير تفرمل، تنزلق، تتكلم العجلات في الاسفلت،ترتطم بقوة بسيارة فورد موستانج الحمراء المكشوفة، اثار العجلات اسود فاحم يمتد على عشرات الامتار، لم يتبق سوى هيكل منعجن واجزاء الفولاذ متناثرة هنا وهناك على بعد مسافات، جثة ممزقة الاشلاء اطراف مبتورة ودماء في كل زاوية، ضرب بوليستي كفا بكف، رفس الارض بقوة، نظر الى السماء معاتبا، لا يهم بعد الان تحليل الشخصية واسباب انجراف قاضي متزوج ولديه ابناء و ينتمي الى عائلة مرموقة الى سفك دماء بريئات كل ذنبهن انهن وثقن في الوسامة ورائحة العطور الثمينة، الجنون لايستثني لا الاغنياء ولا الفقراء.

 اتعلم لماذا اصبح يلقي بالجثث في البحيرة بدلا من دفنها في البستان
 لا علم لي
 اصيب بكسر في حادث مروري قبل سنة تقريبا.... يداه اليمنى بها شبه اعاقة مستدامة
 اللعين

رائحة اليود تكبس على الردهات والحجرات وقاعة العمليات الجراحية، انين واهات تنفلت من وراء الابواب الموصدة، الشابة تعافت بدنيا من التجربة القاسية والرهيبة، وحدها تملك مفاتيح الدوافع والاسباب وراء القتل المختار، وحدها تملك خيارات اسدال ستار النهاية على مسرحية الدم، فلم يعد هناك متسع للاسى والاسف، فالموت تسببه احيانا الامراض والاوبئة،ومجانين قلوبهم خالية من نبضات الرحمة، تحرش بها قرب من مؤسسة لتكوين الممرضين لاحقها بالسيارة، رفضت في البداية حين اصر بلطف و تحت تاثير كلمات الثناء استجابت، توجها الى مقهى خارج المدينة على الطريق السيار، في الاربعين من العمر تقريبا، امطرته بالعديد من الاسئلة، والاسئلة لاتدل على المعرفة، فاغلب الوجوه في الشارع وفي العمل هي علامات استفهام، الكلمات المنثورة في الاحاديث المقتضبة رموز مبهمة مليئة بخطايا التمثيل والتقمص، والرجل المحترم والانيق لايسكن في نجاسات الشك، لفظت آخر أنفاس الظنون في لجة التعامل الراقي، اثناء العودة وقف في الطريق فتح صندوق السيارة بحثا عن شيئ ما، قبل ان تستوعب ما يقع غرس في عنقها حقنة من المخدر، غابت عن الوعي واحست به يكمم الفم منعا للصراخ، يكبل اليدين والرجلين، اقاما في منزل لا تعلم اين، مارس عليها الجنس بقوة وافتض بكارتها، تحركت السيارة في اليوم الثاني لوجهة مجهولة، اعاد حقنها للمرة الثانية في حدود الساعة الثالثة صباحا والجو ماطر والبرد قارس، لطمها الوعي كقبضة شرطي، فتحت الباب وارتمت في الفراغ، الناجية من قبضة السفاح ومن وليمة الموت، كتب لها عمر جديد، والمحقق بوليستي اخفى ملامح التعب، اغلق محضر الاستماع وتمتم.

 الاعمار بيد الله.... الاعمار بيد الله


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى