السبت ٢٧ حزيران (يونيو) ٢٠١٥
بقلم هاجر عبد الله مساعد

سقوط القمر

ما أجمل هذه اللحظات، يوم الخميس الذي ننتظره بفارغ الصبر ، قهوة ساخنة، هدوء تام، صباح مشرق ونسائم هواء عليلة تداعب أطراف جريدتي وأنا متكئ على تلك الشجرة في شارع النيل في مدينة الخرطوم جالسا بقرب الحاجة فاطمة ( ست الشاي) ، سيدة في الخمسين من عمرها التي تجرعت كؤوس المشقة والعذاب ، توفي زوجها ليتركها وحيدة مع خمسة أبناء ، عملت في بيع الشاي لتعيل أسرتها وتساعد ابنها البكر الذي يعيل الأسرة بدوره بعمله سائق حافلة مواصلات عامة ، وجدتني الأذن الصاغية لحكاويها الشيقة التي تسرح بي إلى عالم يخلو من هموم الدنيا وألامها وتجلية ذهني من مشاغلي اليومية والقضايا التي لا تنتهي،و أجواء المكتب والهواتف التي لا تنفك عن الرنين،حين سمعت صوت سيارة متجهة بالقرب من مكان جلوسي ،التفت فوجدت أنها سيارته يحاول ركنها بالقرب من سيارتي...
فريد يا ااا فريد ..
أه أعلم هذا الصوت جيدا.. ومن يكون غيره .. وهل يعقل أن يكون يومي طبيعيا دون مقاطعة فوكس .
صديقي وعزيزي فريد ... أه كم تغمرني السعادة.
إن شاء الله دائما ولكن ما هو هذا الأمر الذي يجعلك سعيدا إلى هذا الحد؟!
فوكس رافعا ذراعيه عاليا إلى السماء كأنما يخاطبها وجسده لا يكاد يتحمل تلك السعادة : ألا تشعر بما أشعر يا فريد .. أحس وكأن الفن يسري في دمي ..و لساني لا ينطق إلا شعرا..
نظرت إلى فوكس متعجبا : فجأة انقلبت الموازين وأصبحت شاعرا،فوكس يا صديقي هل أنت على ما يرام ؟! الجو ليس ساخنا كما أظن فلو كان كذلك لعذرتك وقلت أنها (ضربة شمس )..
التفت إلي فوكس وكأنما أسارير الفرحة ترقص حوله:لا يا عزيزي أنا بكامل قواي العقلية لكن قد جاءني خبرعظيم وسيفرحك كثيرا ، هاتفني قبل قليل صديقنا أيمن وقام بدعوتنا لحضور افتتاح أضخم مسرحية له على الإطلاق بعنوان( سقوط القمر) في مسرح أم درمان* القومي الليلة في تمام الساعةالتاسعة والنصف مساء،وقد أصر على مجيئنا بشدة ..
جميل جدا كم يسعدني السماع عن أيمن بعد هذا الزمن الطويل، لقد سمعت عن هذه المسرحية كثيرا فهي تحكي عن قصة رومانسية تاريخية، أرى أن أيمن قد نال مراده ووصل إلى القمة كما كان يتطلع . . كم هو مخلص ودؤوب هذا الرجل لقد حقق نجاحات عظيمة في مجال المسرح.
أجل أجل.. مثلك تماما يا فريد فلك سمعة طيبة داخل وخارج البلاد ونجاحاتك يتداولها الناس في أحاديثهم في كل مكان لا سيما لشاب عبقري في عمر30..إلا أن الفرق بينكما أن أيمن يخصص وقتا للتسلية والرفاهية بعكسك أنت تماما ..لذا هيا قل أنك موافق ..
استفزتني كلمات فوكس الأخيرة وتنهدت قائلا : إيه.. أما أنت فلديك كل الوقت للتسلية ، حسنا لنذهب إن كان هذا ما تريده.. أمري لله .
قفز فوكس نحوي وضمني بقوة حتى أحسست أني سأختنق : كم هو جميل استفزازك.. أقصد إقناعك.... إذا علي الذهاب حالا لإلغاء جميع مواعدي وتنسيق أموري، وبعدها سآتي إلى منزلك في تمام الساعة السابعة والنصف للذهاب سويا...
ضحكت كثيرا عندما تابعت خطوات فوكس المتراقصة فرحا متجها إلى سيارته ، ركبها ثم اختفى بلمح البصر ،سمعت قهقهات حاجة فاطمة ثم استطردت قائلة : والله يا ولدي صديقك الأجنبي هذا شخص ظريف جدا ويعزك معزة شديدة ، صداقتكما غريبة ولكنها جميلة ، أين تعرفت عليه ولماذا ترك بلاد الغرب الساحرة بجمالها وجاء إلى هنا ؟
عاش فوكس يا حاجة فاطمة مع أسرته في السودان منذ زمن طويل ، ,عندما قررت أسرته العودة ، رفض الذهاب وبقي في السودان ، درس القانون في جامعة الخرطوم حيث تعرفت عليه ، تخرجنا منها سويا ومازلنا نعمل معا حتى الآن ، واجهته صعوبة في بادئ الأمر عندما أراد العمل في قسم التحقيقات لكونه أجنبيا ، ولكن بحكم سنينه التي عاشها هنا ورغبته العارمة في العمل معنا وافقوا عليه .
والحمد لله لكم سمعة طيبة وصلت إلى خارج البلاد ، عرفت هذا كله من خلال الجرائد والأخبار يا ولدي ، قمتم بحل أصعب القضايا ولا تعرفون المستحيل .
رفعت الحاجة فاطمة يدها للسماء داعية بصوت الأم الحاني :
اللهم وفقهم ونجحهم في مسيرتهم .
قبلت رأس الحاجة فاطمة ثم قلت هاما بالرحيل : إن شاء الله يا حاجة فاطمة ، يسمع منك المولى عز وجل ، علي الذهاب الآن وهذه مصاريف لك ولأبنائك ..
لم تدري حاجة فاطمة ما عساها قوله سوى البكاء عندما مددت لها يدي حاملا النقود ،دعت بصوت متقطع قائلة : شكرا ليك يا ولدي ، أدعو الله أن يفتح لك جميع سبل النجاح ويسعدك كما تسعدنا .
عدت إلى سيارتي مبتسما أفكر في فوكس وأول لحظات لقائنا، كم هو رائع هذا الصديق ،كلما ضاق علي أمرا يظهر فجأة لتسليتي ،صدقا لا أدري إن كان يتعمد فعل هذا ، ينقلني من عالم الحزن إلى عالم آخرأكثر فرحا ، فلن أنسى أبدا أنه قبل ثلاثة أشهر كيف نقلني من حزني الشديد عند وفاة والدي فقد أصبحت وحيدا بعد فراقه ورحيل الذكريات الجميلة معه، فلم يبقى لي سوى شقيقتي نور المتزوجة وتقطن بمدينة القضارف* ولم أستطيع رؤيتها ورؤية طفليها إلا في إجازاتي القليلة خلال العام .
عدت بعدها إلى منزلي في أركويت* وانغمست كالعادة في أعمالي اليومية والقضايا التي علي قرائتها وإنجازها ، هممت بعدها بارتداء ثيابي استعدادا للذهاب وصليت صلاة المغرب ، وصل فوكس في تمام السابعة والنصف، رن جرس المنزل فأسرعت لأفتح الباب ، دهشت كثيرا عند رؤية فوكس أنيقا في مظهره ، وقف أمامي كما يقف الممثلين ممسكا بأطراف بدلته واثقا ثم قال :
والآن ما رأيك يا صديقي ، ألا أصلح بأن أكون (جيمس بوند) هذه الليلة ، فلا أظن أن هناك منافسا لي في الوسامة و الأناقة .
نظرت إليه مشدوها بابتسامة عميقة قائلا :
صدقني ستسرق الأضواء هذه الليلة.
شكرا لك يا فريد .. أه كبريائي أنساني أن أمدح تأنقك ، يبدو أن الأسد قد خرج من عرينه أخيرا، أجل هذا هو المظهر الملائم للمحقق النابغة.
حسنا كفاك سخرية وهيا بنا ..
انطلقنا إلى المكان الذي ستقام فيه المسرحية وعند وصولنا وقبيل ترجلنا وأنا أكد أغلق باب السيارة حتى اصطدم بي أحدهم على عجلة من أمره فبادرني بالإعتذار، كان المكان مكتظا جدا بالرواد والحشود ملأت الساحة وعلت أصوات أبواق السيارات دون توقف، كانت اللافتة معلقة في أعلى مبنى المسرح من الخارج وعنوان المسرحية (سقوط القمر)غطى ضوءه ظلمة الساحة والمباني التي تحيط بالمسرح ، فعلا إنه القمر.
يبدو أنها مسرحية ذات سيط عالي جدا .. فوكس أين هي التذاكر ؟
هاهي معي هيا بنا للدخول ؟
استطعنا الدخول بسلام إلى الداخل بعد معاناة فالانتظار كان طويلا وسط هذه الحشود ووسط الصفوف الطويلة أمام البوابة ومن وسط الحشود علا صوت بدا لي مألوفا.
فريد ، فوكس ، أصدقائي ...
التفتنا فإذا به صديقنا أيمن مسرعا إلينا كان ينتظر وصولنا قرب البوابة .
ضمنا إليه بلهفة المشتاق قائلا :
أصدقائي الأعزاء كم أنا سعيد لرؤيتكم بعد هذه المدة وإنه لشرف كبيرلي حضوركم ..
طبطبت على ظهر أيمن قائلا :
بل هو شرف لنا حضور أعظم إنجاز لك يا صديقي واستغلال فرصة رؤيتك مجددا .
أجل هذا صحيح ، كم اشتقنا إلى الأيام الخوالي وقصصك الشيقة ، يا صديقي على الرغم من هذه السنين إلا أنك مازلت شابا لم تتغير، قالها فوكس منتظرا نفس الإجابة في قرارة نفسه فأنا أعرفه جيدا يحب أن يمتدح دائما.
ضحك أيمن لإطراء فوكس ثم قال :
صدقني اشتقت إليها أكثر من أي شيء آخر ، أما سر شبابي فالفضل في هذا يعود إلى زوجتي العزيزة تقوى التي تساندني دائما ، إنها ممثلة قديرة وقد تقابلنا في إحدى المسرحيات المشتركة حيث اجتمع فيها عظماء الممثلين ، أعجبت بتمثيلها وطلبت منها الإنضام إلى طاقم عملنا فوافقت .
نظرت إليه بدهشة صاحبتها سعادة لسماع هذا الخبر المفرح .
أه أجل سمعت عنها الكثيرلا اصدق هذا ، كم أنت محظوظ وموفق الاختيار يا صديقي تهانينا .
وجدها فوكس فرصة مناسبة للتعقيب على ما قلته قائلا :
أجل وقد ظهرت في أكثر من مقابلة تلفازية وإذاعات الراديو، إنها سيدة رفيعة الذوق وإنسانة خلوقة وذات علم واسع ولها شهرة فنية مقدرة إنها مثال يحتذى به حيث قدمت صورة طيبة للعالم العربي والغربي عن المرأة السودانية بزيها التقليدي وتراث بلدها فكما أذكر طالبت دول عديدة حضور السيدة تقوى إلى بلدانها لعرض مسرحياتها وخاصة مسرحية ( ست البنات )التراثية التي لاقت رواجا كبيرا في المغرب ومصر ولبنان ، كم أهنأك يا صديقي فأنت تستحقها لأنكما صنوان في النجاح.
شكرا جزيلا لكما وأتمنى من كل قلبي أن تدخلا قفص الزوجية عما قرييب ، هيا بنا إلى داخل الصالة لتنعموا ببعض الهدوء ولأعرفكم بالبقية ، إنهم يتدربون في الداخل فمازال الوقت مبكرا على العرض.
أثناء مسيرنا حدثنا أيمن عن ما مر به في مسرحياته السابقة وعن مسرحيته وقصتها فقد كانت تحكي عن قصة حب عفيفة بين فتاة سودانية قروية لها من الجمال ما يسحر الألباب و جندي فقير كانت مخطوبة له في زمن الاستعمارالانجليزي للسودان ولكنه استشهد عندما انضم لثورة اللواء الأبيض* بعدها وقع ضابط الجيش الانجليزي ضخية حبها حتى أعماه لكنها أحبت وطنها ولم تستطع خيانة أرضها فقام بقتل جميع أفراد أسرتها ،منها وعدت نفسها على الإنتقام منه فسلمت نفسها للقدر فقبلت الزواج منه ولكن سرعان ما ثأرت لأهلها وخطيبها بتسميمها للضابط وعندما علم الجيش الانجليزي بما فعلته قاموا بإعدامها شنقا، وأخذنا الحديث حتى وجدنا أنفسنا أمام صالة صغيرة يستريح فيها الممثلين ويتدربون فيها أرضيتها من خشب وغطت الألواح الكبيرة لأشهر الرسامين السودانيين جدرانها، كل لوحة تحكي قصة معينة وستائر مخملية حمراء اللون على طول ممر الصالة أضافت إليها الرهبة من عظمة المكان وفخامته ، وغرفة على يمين الصالة بها أصناف الأزياء القديمة والحديثة حيث يقوم الممثلين بتبديل ثيابهم فيها وارتداء ما يناسب أدوارهم ، وبجانبها ممر يؤدي إلى المطبخ ،وفي نهاية الصالة الباب الخلفي للمسرح الذي يدخل منه الممثلين للصعود إلى المسرح علت ساعة ضخمة في منتصف حائط الصالة مشيرة إلى الثامنة ، أخذنا أيمن إلى مجموعة من الناس كانوا جالسون يحتسون الشاي في ردهة بالقرب من غرفة الأزياء، كان طقم الجلوس الذين يجاسون عليه من الجلد الفاخرا رمادي اللون وأنغام صوت الفنان الراحل (نادر خضر) *في المسجل أطربت جميع الحاضرين حتى نباتات الزية والورود التي غطت تلك الردهة ذات الجدران البيضاء و كأنما هي مهيئة لاستقبال أحد الملوك .
يا شباب أريد أن أعرفكم بفريد المحقق العظيم وفوكس مساعده المخلص ، أتذكرون لقد حدثتكم عنهم ؟؟
رد شخص من بين الجالسين قائلا :
كيف أيعقل ألا نذكرهم ؟ ولكنك لم تخبرنا أنك قمت بدعوتهم ، مرحبا بكم أدعى عمر .
قدمه لنا أيمن مشيرا إليه قائلا:
هذا هو الممثل عمر الذي سيقوم بدور الجندي الفقير ، كان السيد عمر شاب في الثلاثين من عمره أسمر اللون طويل القامة، له طلة بهية ووسامة عالية ، شخصية بها نوع من الخيلاء وتبختر في المشية .
ثم تابع أيمن تعريفنا بالحاضرين :
أما هذا فهو علي الذي يقوم بتمثيل دور الضابط الانجليزي.
والمضحك في الأمر أن السيد علي كان صاحب بشرة فاتحة تميل ملامحه إلى الملامح العربية أكثر من السودانية متوسط القامة قليل الامتلاء في الأربعين من عمره ، كان متغيب عن البلاد لمدة عام كامل لكن الحنين إلى المسرح وأجوائه أعاده إليها مجددا.
أما هذه فهي السيدة القديرة علياء التي ستقوم بدور الأم والسيد نجيب سيقوم بدور الأب .
كان كل من السيدة علياء والسيد نجيب من الممثلين الكبار في السن ولهم تاريخ عريق في التمثيل ، على الرغم من مر السنين إلاأن السيدة علياء لا تزال محافظة على رشاقتها وشبابها بعكس السيد نجيب الذي كان ممتلئ الجسد قصير القامة و أصلع ، أهلكه تناوب الأمراض على جسده ومع ذلك يكن للتمثيل مكانة خاصة في قلبه وتغمره المتعة عند اعتلائه خشبة المسرح فهو منزلهم الثاني كما يقولون .
دعني أعرفهم بنفسي يا أيمن ، أنا كمال و أقوم بدور نائب الضابط الانجليزي، مرحبا بكم .
التفت إليه مبتسما مسلما عليه، فقد سمعت عنه كثيرا هذا الرجل المغربي وكم هو محبوب في المجال الفني فهو شخص دؤوب في عمله وله وروح دعابة عالية و ابتسامة لا تفارق وجهه ، رجل في الأربعينمن عمره نحيل البدن صاحب بشرة سمراء .
وزعت نظراتي فيما بينهم مبتهجا قائلا :
أهلا وسهلا بكم، سررنا بلقائكم .
كعادته فوكس أحب وضع بصمته بإضفاء جو من الطمأنينة قائلا :
أهلا بكم يبدو أن التوتر باديا عليكم ، فالمسرحية ليست عادية والحشود التي في الخارج معتمدة عليكم ، لكني واثق من أنكم ستنجحون بإذن الله .
رفع أيمن يديه للسماء داعيا :
نرجو ذلك .
أه كم هذا الزي لعين لا أستطيع التحرك به جيدا أوووف، التفت الجميع ليعرف المتكلم ،كان صوت آنسة تقترب منهم خارجة من غرفة الأزياء.
عرفنا بها أيمن مشيرا بأنها الآنسة حسناء ، والتي تمثل دور خادمة البطلة في قصر الضابط .
حسناء هذان الشابان هما صديقاي المحقق فريد وزميله فوكس.
أه،أهلا بكما ، تشرفت بلقائكما وأعتذر على ما بدر مني قبل قليل فأنا أعاني مشكلة مع هذا الزي مما زاد من توتري فلا بد أن تكون الثياب مريحة حتى يستطيع الممثل التمثيل بارتياح، قالت قولها هذا ثم التفتت لتنظر إلى انعكاس صورته على المرآة الصغيرة التي كانت تحملها في يدها دون أن تبدي اهتماما لأي تعليق يمكن أن نعقبه على كلامها.
وجه فوكس حديثه لها بإنشراح قائلا :
لا عليك يا آنسة ، لا تخافي ستبلين حسنا إنشاء الله.
ضحكت في قرارة نفسي من تصرفات فوكس ، آه لن يتغير هذا الشاب ..
دوى صوت ضحكات عالية قاطعت حديثنا لتجذب انتباهنا إليها محاولين معرفة مصدرها.
أنتم الممثلون .. مصيركم مجهول .. تتبادلون القهقهات .. وآلامكم مدفونة في الصدور....
التفتنا جميعا لنعرف مصدر هذا الصوت فإذا به رجل جالس في ركن مظلم من أركان الصالة ولم أستطع التعرف على وجهه كل ما رأيته كان جسد هزيل متكئا على الحائط ممدا أحد أقدامه للخارج مرتديا حذاء يبدو عليه القدم وممسكا بعصا بجانبه ، سألت أيمن عن هوية هذا الشخص فعلمت أنه كان من أشهر الممثلين الشباب قديما يدعى السيد عثمان وقد اعتلى منصة هذا المسرح كثيرا وقد حاز على جوائز كأفضل ممثل في السودان وبلدان عدة، اعتلى قمم النجاح ، إلا أنه عندما أعلنت الحرب وسيطر الاستعمار على البلاد سابقا كان من الشباب المتطوعين للجهاد ليحارب مع غيره من الشباب المجندين ضد العدو ، وبعد الانتصار عاد إلى دياره لكن للأسف كان قد تعرض لصدمات جن بسببها وأمسى التشرد مصيره فلم يعد يدري من هو أو يعي ما يقوله إلا أنه يقضي معظم وقته في زيارة هذا المسرح ولا ينطق إلا شعرا وكيف لا وقد عرف بذكائه الحاد سابقا وذاكرته الذهبية التي تحفظ بسرعة تفوق أسرع ألة حفظ بيانات،عند زيارته للمسرح يعيده الحنين إلى ذكريات الأيام الخوالي ،وأعطي كامل الحرية للتفسح في المسرح والبيات فيه تقديرا لتاريخه العظيم فالمسرح موطنه ، كم آسي لحاله... تسآلت بعدها عن ما يقصده من هذه الكلمات التي دندن بها قبل قليل، فلا ينطق الإنسان بهكذا كلمات إلا من تعرض لشيء آلامه.
حاول أيمن صرف انتباهنا عما رأيناه قبل قليل قائلا :
صديقاي تفضلوا بالجلوس ..ماذا أحضر لكم شاي بحليب أم خاليا منه ؟.
لا بأس بشاي بالحليب ، شكرا يا أيمن .
سألت أيمن وأنا في حيرة أنظر يمينا وشمالا قائلا :
ولكن يا أيمن أين هي زوجتك ؟!
التفتت إلي علياء مبتسمة ثم بادرت بالإجابة قائلة :
إنها في الداخل تتدرب على خشبة المسرح ،مسكينة هذه الفتاة ، لم تعرف طريقا للراحة مخلصة في عملها ، تتدرب على أدوارها باستمرار دون توقف ، حتى نحن لا نستطيع مجاراتها كم أفتخر أن أؤدي دور والدتها.
احمر وجه حسناء غيظا واكتظت عيناها لكنها حاولت إخفائه بالنظر إلى مرآتها الصغيرة التي كانت تحملها والتي لم تتوقف عن النظر خلالها ثم قالت :
أليس هذا ما يجب عليها فعله فهي صاحبة أهم دور في هذه المسرحية .
اندهشت جدا لردة فعل الآنسة حسناء أدركت حينها أنها تكن غيرة شديدة من السيدة تقوى، التفت إلى فوكس فتلاقت نظراتنا تلتها ابتسامة ساخرة .
ليس من الجيد أن تبدأي شجارا في هذا الوقت يا حسناء.
أها تقولون هذا الكلام لتضعوا علي اللوم إذا لم تنجح المسرحية ، أليس هذا ما تقصده يا سيد علي.
أجل لا تقوموا بلومنا إذا لم تنجح هذه المسرحية ، فالمسألة متعلقة برأي الجمهور وردة فعله .
كان مصدر هذا الصوت المرتفع هو السيد عمر الذي زاد من توتر الجو فلم يكن الوضع يدعو إلى الاطمئنان ، مما زاد من حيرتي فلم أكن أعلم أن فيما بينهم خلافات داخلية ومشاحنات ، فما يظهرونه للناس عكس ذلك .
كان السيد نجيب جالسا في كرسيه مطأطأ رأسه لم يبالي بما يجري حوله، وبما أنه كان أكبرهم سنا فكان مدركا أن مايقومون به ليس سوى مضيعة للوقت فلم ينطق بكلمة واحدة.
أسرع السيد كمال لتهدئة الجو قائلا :
هيا يا جماعة هذا الوقت من ذهب ما علينا إلا نحاول تشجيع بعضنا ورفع المعنويات ، أليس كذلك يا أيمن ؟!.
كان الحزن والخذلان باديا في وجه أيمن لكن كان من واجبه إعادة المياه إلى مجاريها والسيطرة على الوضع قائلا:
أجل بالتأكيد فأنتم أناس ذووا خبرات عظيمة وسمعة فنية واسعة ويشاد لكم بالبنان ، فلا تجعلوا تلك المشاعر التي في قلوبكم تفسد عليكم مسيرة نجاحكم وأنا مدرك أن هذه المشاعر نابعة من توتركم ، لذا استرخوا جميعكم ولتتكاتف أيدينا سويا.
التفت إلينا أيمن طالبا منا أن نجلس في مكان بعيد عن هذه الضجة واعتذر بشدة عن ما حصل قبل قليل، فما حصل كان أشبه ببركان انفجر بعد ركونه فقد علت الأصوات وأخرج كل شخص ما في نفسه في الوقت الخطأ ، لكن ما عسانا فعله سوى تأييد القول بأن هناك العجيب خلف الكواليس.
سمعنا قهقهات عالية ، صمت الجميع والتفتوا ليعرفوا مصدر الصوت للمرة الثانية ، فإذا به الرجل العجوز قام من مكانه واتكأ على عكازه ،كان صاحب وجه شاحب كثرت فيه التجاعيد التي رسمتها مشقات الحياة وآحزانها، ذو بشرة بيضاء وجسد هزيل ،له شعر أبيض طويل وكثيف وعينان سوداوان لا يمكن التعرف على ملامحه إلا عند التدقيق في وجهه، يمشي منحنيا موطأ الرأس ثيابه بالية ومرقطة ، كأنما خرج من أحد الكهوف إلى عالمنا هذا ، توجه إلى باب المسرح وعند وصوله فتح الباب وقبل دخوله التفت إلينا ووقعت عيناه في عيناي ثم قال :
تعلموا التمثيل فأتقنوا صنعة الكذب.
هاهو ذا يعود بكلماته الغريبة كأنها ألغاز،أحسست في نظراته تحديا وكأنما يخاطبني قائلا :
إذا كنت بذلك الذكاء الذي يقال عنك فعلك معرفة مقصدي من هذه الكلمات.
علي الذهاب لإحضار زوجتي فقد طال مكوثها في المسرح انتظراني هنا ، سأعود حالا.
لم يطل ذهاب أيمن إلا بضع دقائق حتى فتح الباب والدموع في وجهه وحاله يرثى لها ، صرخ مستنجدا بنا .. الحقوني فزوجتي لا تتحرك وليس لها نبض وهي ممدة على أرض المسرح أرجوكم ساعدوني وواصل بكائه بطريقة هستيرية.
صعقنا جميعا بما سمعنا وهرولنا مسرعين إلى الداخل فإذا بجثة السيدة تقوى ممدة على الأرض قست نبضها فعلمت حينها أنها قد فارقت الحياة ، التفت إلى أيمن والعبرة خنقتني وقد استصعب علي النطق ، صعقة وقعها قوي على أيمن وعلينا ، استجمعت قواي ثم قلت له متجنبا ملاقاة عيني بعينيه :
أحسن الله عزاءكم يا أيمن .
سقط أيمن على الأرض جاثيا على ركبتيه ، اتسعت حدقة عينيه ، تسارعت نبضات قلبه ، يتلفت يمينا وشمالا تائها في عالم حزنه عاجزا عن انتشال نفسه منه ، وضع يديه على وجهه باكيا عاجزا عن النظر إلى جثة زوجته .
كان الجميع في حالة صدمة لم يستوعب أحدا المشهد الذي أمامهم وبدؤوا يتساءلون عما يرونه أمامهم ، سقطت الآنسة حسناء بطولها على الأرض باكية ثم قامت السيدة علياء بحضنها لمواساتها،وأنا بدوري لم أفهم ما يدور حولي فكيف لي مجاراة ما حدث كأي قضية أخرى فالسيدة تقوى هي زوجة أعز صديق لنا ، طالبت الجميع بعدم الاقتراب من مكان الجثة حتى لا يفسدوا أي دليل قد يقودنا للوصول إلى سبب الوفاة ،عندها تحتم علي العودة إلى شخصية فريد المحقق والبدء بإجراءاتنا المعتادة .
هاتفت مركز الشرطة لإحضار طبيب شرعي ورجال شرطة ومباحث وجميع ما يستلزمنا في هذه القضية ، وأثناء ذلك كان فوكس يقوم بإجراء بعض التحقيقات مع الحاضرين داخل المسرح وإخطار جميع القادمين لحضور المسرحية أنها قد ألغيت ، وبعد 10 دقائق كان طاقمنا حاضرا في مكان الوفاة .
كانت ساحة المسرح كبيرة كاشفة لا يغطيها سقف لتضيف سحر الطبيعة إلى المكان ،به ما يقارب 400 مقعد ، ستائر المسرح مرفوعة عنابية اللون لا تسدل إلا عند إقتراب وقت بدء المسرحية ، أما المسرح فكان تصميمه يعكس صورة البيت السوداني قديما ،على الجانب الأيمن من حائط المسرح لوحة بها رسم باليد عن منظر طبيعي من أرياف السودان ويمين اللوحة باب يؤدي إلى الصالة التي كنا بها ، وزعت على أركان المسرح أواني فخارية كان السودانيون قديما يستعملونها للزينة في بيوتهم ، في الجانب الأيسر من الحائط علقت لوحة بيضاء وبجانبها وضعت طاولة من خشب بها مزهرية، اكتشفت أيضا باب آخر في هذ الجانب يؤدي إلى حديقة صغيرة خارج المسرح ، أما في منتصف المسرح وبالقرب من جثة السيدة تقوى وضعوا طاولة خشبية بها كرسيان ، الغريب في الأمر وجود كأس ماء مكسور بالقرب من جثة الضحية تفوح منه رائحة قوية به قطرات من الماء وبصمات تم التعرف عليها بأنها بصمات الضحية ، وصل طاقمنا في ذلك الوقت وبدأ الجميع أعمالهم وحدد الطبيب الشرعي زمن الوفاة كان في تمام الساعة السابعة وعشرون دقيقة وعندما تفحصها جيدا حلل سبب وفاتها أنها تعرضت لاختناق ، كان ذلك باديا من ازرقاق وجهها ، لفتني الطبيب إلى خطوط حمراء خالطتها الزرقة حول عنق السيدة تقوى، كان باديا أن هذه الخطوط أخفيت ببدرة بيضاء ليست كالتي تسعملها الفتيات ، ولم توجد أي آثار للدماء،نظرت إلى ساعة يدي فوجدتها تشير إلى الثامنة والنصف طالبت بأخذ عينة من الماء إلى المعمل ليتم تحليلها، وقفت بعدها وقفتي المعتادة متمعنا المكان حولي مخاطبا نفسي :راجيك كتير الليلة يا فريد ، لله يحلنا بس .
بعد انتهائه من تحقيقاته وقف أمامي فوكس منتظرا أن أرفع رأسي عن دفتري الذي أدون فيه لأخبره بما أفكر فيه ، سمعت قهقهات مشابهة لتلك التي سمعناها في الصالة ، التفت كل من كان في المسرح ، فإذا به الرجل العجوز مرة أخرى جالسا في أحد الكراسي أمام المسرح مراقبا المشهد الذي أمامه كمن يشاهد تمثيلية أمامه ، أحسست أنه سينطق بشي غير عادي كالمرة السابقة وأنه سيكون تحديا آخر لي لذا لم أدري ما الذي دفعني الإمساك بقلمي والاستعداد لتدوين ما سيقوله ربما كما يقولون (الحاسة السادسة ) وخاصة للمحققين أمثالنا، وحصل ما توقعت، نظر في عيني مباشرة بنظرتة الثاقبة تلك التي تجعلني متسمرا وكأنما هو سحر يلقى علي ثم قال :
الجمهور يهتف بحرارة ، نظرت بعينين دامعة معتلية ذلك المسرح تبادله النظرات ، مد يده وانحنى قائلا ، مابها عروس بلدي ، عاشت رهينة الحزن ، تنظر مرارا وتكرارا إلى لوحة بيضاء ،وأطبق الصمت عليها ،ثم دندنت ، ويا حرب ماذا فعلت بمتيمي اقتلعت قلبي ودفنته في الجراح ، غدوت دمية في قيد فراقه وبالغناء تتواعد الأطياف .
صمت الجميع برهة إلى أن قام الرجل العجوز من مكانه يتكأ بعكازته متوجها إلى خارج المسرح ، عندها التفت إلي فوكس قائلا :
فريد .. ما هذا الذي كان يقوله العجوز؟
لا أدري يا فوكس .. صدقني لا أدري ..جاوبته وأنا في حيرة من أمري أفكر في كل كلمة نطق بها الرجل دونتهافي دفتري، لكني سرعان ما جمعت أفكاري وطلبت من فوكس احضار جميع من في المسرح للجلوس في المقاعد لاستجوابهم ، جلس الجميع كل ينظر إلى الآخر لا يصدق ما يدور حوله ، خيم جو من الخوف والتوتر على الجميع ودموع الآنسة حسناء لا تنفك عن التوقف ، أما أيمن فحاله يصعب وصفها واضعا يديه على رأسه مسندا ذراعيه على قدميه ، لا ينطق بكلمة كأنما شل لسانه.
حسنا بما أن الجميع هنا لابد لي من إخباركم بأنه علي استجواب الجميع في وفاة الآنسة تقوى فهذا إجراء ضروري كما تعلمون ليسهل علينا الوصول إلى لغز هذه القضية ، حسنا يا فوكس أريني ما عندك .
سألت عمال الصيانة والديكوروعمال المطبخ عن أماكن تواجدهم من الساعة السابعة إلى السابعة وعشرون ، فأجابوا أنهم كانوا قد انتهوا من أعمالهم قبل ذلك الوقت وغادروا لأداء صلاة المغرب في تمام الساعة السابعة وخمسة عشر ، أما بقية الممثلين فلم يبارحوا مكانهم من الساعة السابعة حتى وقتنا هذا إلا لأداء الصلاة أيضا .
نظر إلي أيمن محمر الوجه ، وقد خرج من صمته أخيرا قائلا :
فريد يا صديقي ، لا جدوى من البحث في هذه القضية ، ما الفائدة في ذلك وقد رحل أعز إنسان إلى قلبي ، أصبح جسدي هامدا لا يقوى على الحراك ،كيف لي أن أستمر في هذه الحياة من غيرها ، كانت هي الحياة التي أعيشها ، حسبي الله ونعم الوكيل ..
دنوت من أيمن محاولا تطيب خاطره قائلا :
الله يصبرك يا أيمن ، هذا هو قضاء الله وقدره ، ولن نستطيع الإحساس بمدى ألمك يا صديقي مهما فعلنا ،حقا آسف لخسارتك .
حسنا ما الذي تظنه يا سيد فريد ، أهي جريمة قتل، انتحار أم ماذا ؟ سألني السيد نجيب بصوت حازم ..
لا أستطيع أن أؤكد لك يا سيد نجيب سبب الوفاة ، فكل ما أراه حولي حاليا يدفعني إلى الافتراض ولكن عليكم جميعا إطلاعنا على كل شيء حتى التفاصيل والأمور التي تعتقدون أن لا قيمة لها قد تساعدنا في معرفة سبب وفاة الضحية الضحية؟..
أخبرني يا أيمن هل لاحظت شيئا غريبا على زوجتك مؤخرا ؟
كانت تقوى هادئة ومبتسمة دائما ، منهمكة في عملها ، وقد كثفت معظم وقتها مؤخرا في إنجاح هذه المسرحية، لم أرى فيها شيئا يدفعني إلى القلق.
وكيف هي علاقاتها الاجتماعية ؟
إنسانة محبوبة جدا من الجميع ولا أعداء لها ، إلا أن صداقاتها محدودة جدا فهي لا تثق بالناس بسهولة ، تحب التعرف على جميع أنواع الشخصيات وتستطيع التعامل معها .
وكيف هي علاقتها مع هؤلاء الممثلين ؟
علاقة طيبة جدا ، فهي علاقة عمل لا أكثر ، قلما تدور خلافات بينها وبين البقية فلا نتناقش إلا في أمور العمل .
أه أجل... أذكر أنني رأيتها تبكي ولكن عندما اقتربت منها مسحت دموعها بسرعة وابتسمت كأنما شيئا لم يكن وعندما سألتها عن سبب بكائها قالت بأنها تلقت خبر محزن ولم تطلعني على التفاصيل بل سرعان ما غيرت الموضوع وقالت أنها ذاهبة لإنجاز أمر ما .
في أي يوم كان هذا يا علي ؟
في يوم الإثنين على ما أذكر.
هل لديك تعليق على هذا يا أيمن ؟
في الحقيقة أجل أذكر أنني رأيتها على غير عادتها ذلك اليوم والحزن كان باديا على وجهها ، أخبرتني أنها تلقت أسوأخبر في حياتها وهو خبر وفاة أعز صديقة إلى قلبها .
ممممم.. هكذا إذا ... حسنا هل لدى البقية أي قول يود إضافته ؟
أجل .. أذكر أن نقاشا حادا دار بين السيدة تقوى وأيمن صباح البارحة تردد فيه اسم عمر كثيرا .. أليس هذا صحيح يا أيمن .. رمقت حسناء أيمن بنظرات حادة كأنما تريد بها لومه في وفاة الضحية.
احمر وجه أيمن غيظا من تصرفات حسناء ومضايقاتها الدائمة له فلم يستطع الصمت هذه المرة وانفجر غضبا بصوت عال :
يكفي هذا يا حسناء مضايقاتك أصبحت لا تطاق ، وليس من شأنك التدخل في حياتنا الشخصية ، ألا يكفي ما سببته لزوجتي المسكينة من أذى ، ألست أنت من كان السبب في مرضها الأخيرودخولها المشفى .
ماذا ؟؟ ها ... هكذا إذا ، تريد القول أنني السبب في كل ما جرى ..
انتظروا لحظة ؟؟ يبدو أن هناك الكثير من المعلومات التي يجب عليكم إيضاحها .
فوكس .. أريد التحدث معك على انفراد ؟
حسنا .. أنا قادم.. ما الأمر يا فريد .
أريد منك تقصي السبب الحقيقي حول بكاء الضحية وجميع المكالمات التي أجريت في يوم الإثنين ، وأريد منك أيضا معرفة عنوان المشفى وتاريخ دخولها له والسبب ، وقم بإرسال رجال تحريات إلى ذلك المشفى لتحري الأمر بعدها تابع التحقيق مع البقية بينما أحقق مع أيمن وأكمل البحث في هذا المكان.
لك هذا يا فريد .. يا رجال انضموا إلي لحظة .
تركت فوكس مع بقية الرجال لينجزوا ما طلبته منهم ثم أخذت أيمن بعيدا عن البقية حتى يستطيع التحدث بحرية أكبر.
صديقي أيمن أعلم أنه من الغيرلائق التدخل في المسائل الشخصية إلا أنه يجب علينا معرفة كل التفاصيل ، فهلا أخبرتنا عن ما جرى بينكما أنت والضحية ؟
تنهد أيمن قليلا ثم قال :
حسنا يا فريد .. دار ذلك النقاش في يوم السبت عندما أخبرت تقوى أنني أريد أداء دور الجندي الفقير بدلا من عمر لكنها رأت أن عمر أفضل مني في أداء ذلك الدور ، ولم أستطع تحمل تلك الفكرة .
دعني أخمن .. كان ذلك بدافع الغيرة ..أليس عذا صحيح يا صديقي ؟
أومأ أيمن برأسه إيجابا ثم عقب على كلامه قائلا :
أجل يا فريد ، إنها قصة قديمة ، أراد عمر الزواج من تقوى ولكنها لم توافق على طلبه بل اختارتني أنا ، كان ذلك صدمة بالنسبة لعمر ، ولكنه كان طبيعيا معنا ولم يظهر أي نوع من الكره والبغض، لاحظت بعدها في الفترة الأخيرة أنه يحاول التقرب من زوجتي ليثير غيرتي وللأسف نجح في ذلك فأصبحت علاقتي بزوجتي متوترة جدا وخاصة بعد أن أضاعت خاتما قد أهديته لها ، ولكن سرعان ما عادت المياه إلى مجاريها عندما جعلتني تقوى أفيق من الوهم الذي كنت أعيشه .
هكذا إذا .. لا بأس يا أيمن إذهب واسترح قليلا فلقد عانيت ما يكفي .. وأنا سأكمل عملي.
أحضر إلي أحد طاقمي نتائج تحليل الماء الذي كان في الكأس ، كانت نتائج التحليل تشير إلى أن الماء به نسبة عالية جدا فوق المعتادة من مادة الكلور ، توجهت بعدها إلى الحديقة الخلفية من خلال الباب في الجانب الأيسر من المسرح ، ما أجملها من حديقة ،تبلغ مساحتها 4 أمتار مربع ،نظمت بطريقة هندسية فنانة ، زينتها شتى أنواع أشجار الزينة وأعشاب شديدة الخضرة ، سورت أحجار ملونة وضعت بينها ورود جوري حمراء وبيضاء بركة صغيرة ، مياهها صافية متلألأة بضوء القمر ، تراقصت فوقها فراشات بيضاء لتسحرني بهذا المنظر الخلاب عند اقترابي من البركة شممت رائحة قوية جدا، لم ألحظ وجود العمارة التي لم ينتهي بناؤها بعد بالقرب من المسرح ، فالسكون عما المكان.
يبدو أنك مازالت محتارا أيها المحقق ....
أصابتني قشعريرة عند سماع ذلك الصوت وسط الهدوء الذي انسجمت فيه ، ولكن سرعان ما أدركت أنه هو مرة أخرى .. أجل كان ذلك صوت الرجل العجوز.. التفت إليه فإذا به يرمقني بنفس النظرات متكئا على عكازته .. عندها وجدت أنها الفرصة المثلى لمعرفة قصة هذا الرجل وما يريده ..
أرى أنك تتابع وتدرس كل خطواتي وتحركاتي ، ثم ما الذي ترمي به من وراء كلماتك الغريبة كأنها ألغاز تريد بها إيضاح شيء معين، وقد اخترتني أنا لحلها.
إن كنت تريد معرفة حلها .. فدون هذه الكلمات كما فعلت مع سابقتها، بدأ عندها بالدوران حول البحيرة ويردد قائلا:
وقف الغلام أمام النهر في حيرة
يدلي بدلوه ولكنه في حيرة
في ظلمة الليل المكحلة
والنجوم تتراقص مغنية أغنية المساء
وخرير الماء أعذب من الحنين
والغلام في حيرة
ضياء القمر كعادته الليلية ..
حول الصخور إلى ألماس
والبوم غلبه النعاس
ووردة الزنبق طافية على النهر
شدت رحالها لوطن جديد
والأشجار تكاثف التفافها
مسورة النهر ومهتزة لتسقط الرعب
على من تطأ قدمه تلك الجنة
ونسيم الليل يداعب خصلات الفتى
ولكنه مازال في حيرة
والفراشات تعلن أمسيتها الليلة
بأهازيج عزفت في كنف الأماني
مسرحية قيس وليلى
من هو قيس ومن هي ليلى
والنقاش يزداد وتتطاير الفراشات
في جدال رنان ولكن الغلام في حيرة
قاطع تلك الأمسية غزال الليل الهارب .... استمر الرجل العجوز في الدوران إلى أن وصل إلى أن وقف أسفل غصن شجرة كبيرة واستكمل قائلا:
انحنى كأنما هي صلاة الليل
يروي عطشه ويجدد نشاطه ليوم الغد
وهو يحدق في الغلام
الذي مازال في حيرة ...
عندما امتلأ الدلو بالماء وأخرجه الغلام
صرخ .. والسكون غطى المكان ...
كأنما اختلطت الألوان في لوحة الرسام ..
صرخ مجددا محملقا في انعكاس القمر على الدلو ..
سقط القمر في الماء ..
عندها سقط القلم من يدي وازدادت ضربات قلبي ، صعقت بما سمعته ، أدركت لحظتها أن هذا الرجل يعلم ما جرى للسيدة تقوى وسبب وفاتها ، إنه ليس ذلك الرجل الهرم المجنون كما ظن الجميع ، بل هو أذكى بكثير مما هو باديا عليه .
أرجوك سيد عثمان ، إن كنت تعلم بما جرى أخبرني .
هل قلت لك بلساني أني أعلم ما جرى ، بل سألتني عن حل لغز كلماتي ، لا تخلط الأمور أيها الشاب .
أدار لي ظهره ثم عاد أدراجه إلى المسرح من نفس الباب الذي دخلت منه ، نظرت إلى آخر كلمات دونتها في دفتري ( سقط القمر في الماء ) دفعتني إلى النظر إلى البحيرة بتركيز أكثر ويا للمفاجأة رأيت انعكاس القمر فعلا ، يا ترى ما الذي كان يقصده بتلك الكلمات ، لحظة كان انعكاس القمر بالقرب من انعكاس غصن شجرة كبيرة ، التفت لأرى ذلك الغصن ، كان عاليا قليلا فوق مستوى رأسي،أضأت مصباحي فوجدت آثار خيوط عميقة قد شدت بقوة ، وجهت مصباحي يمينا وشمالا علني أجد شيئا آخر ، لمحت شيئا لامعا بالقرب من ذلك الغصن فإذا به خاتم من ذهب ، وضعته في كيس مخصص للأدلة واتجهت إلى الداخل .
جاء إلي فوكس حاملا التقارير التي طلبتها منه .
أخبرني ماذا وجدت ؟
أخرج فوكس ورقة من أحد الملفات التي بها التقارير..
انظر يا فريد هذه هي جميع الهواتف الصادرة والمستلمة في يوم الإثنين، لا شيء فيها يدعو إلى الريبة ، تحرينا من جميع الأرقام وثبت فعلا أن أحدها من معارف السيدة تقوى اتصلت لتعلمها بوفاة صديقتها.
ممممم .. وماذا عن المشفى ؟
تعرضت السيدة تقوى لضيق تنفس ونقلت بعدها إلى مستشفى (الزيتونة) ، قبل أسبوع وذلك بسبب الضغوطات الزائدة عليها كما بين الطبيب ، وأوضح أيمن أن نقاشا حادا دار بينها وبين الأنسة حسناء حول الرواتب التي تعطى إلى الممثلين حيث طالبت الأنسة حسناء زيادة الأسعار الذي يفوق قدرة كل من الضحية وأيمن.
هكذا إذا ، أنظر إلى هذا يا فوكس
أخرجت الخاتم من الكيس ، دهش فوكس متناولا الكيس من يدي ثم نظر إلي بابتسامة ماكرة قائلا:
لا يخفى عليك شيء أيها الرجل، أين كان هذا الخاتم؟ .
في الحديقة الخلفية للمسرح ، ولا أستبعد أن يكون هو الخاتم الذي أضاعته السيدة تقوى.
أها صحيح ، أفاد السيد نجيب أن أحد العاملين في المطبخ دخل إلى المسرح أثناء تواجد السيدة تقوى هناك وهو حامل كأس الماء الذي وجد مكسورا بقربها، قمت باستجوابه فقال أن السيد أيمن طلب منه إحضار الماء إلى زوجته، كان ذلك في تمام الساعة السابعة وعشر دقائق.
ممم.. يبدو أن الأمور بدأت بالتعقيد ..
فتحت دفتري وأعدت النظر في كل كلمة قالها الرجل العجوز (الجمهور يهتف بحرارة ، نظرت بعينين دامعة معتلية ذلك المسرح تبادله النظرات ، مد يده وانحنى قائلا مابها عروس بلدي ، عاشت رهينة الحزن ، تنظر مرارا وتكرارا إلى لوحة بيضاء ،وأطبق الصمت عليها...)
لوحة بيضاء ، ممم....توجهت إلى اللوحة البيضاء التي كانت معلقة في الجانب الأيسر من المسرح ، تمعنت النظر فيها ثم تحسستها ، وجدت آثار بدرة بيضاء على يدي يبدو أن هذه اللوحة صنعت من مادة مشابهة لمادة الطباشير ، مممم .. حسنا يمكن القول من هنا تبدأ الحكاية ،لنتجه إلى التالي(وبالغناء تتواعد الأطياف) ، الغناء .. أه أجل ، توجهت إلى المسجل الذي كان في الصالة ، اقتربت منه متفحصا إياه، إنه لأمر عجيب رؤية البدرة البيضاء ذاتها على أزرار المسجل العلوية، ممممم ، حسنا ماذا بعد ؟ علي التوجه إلى المطبخ للتحقيق في أمر كأس الماء ، بحثت عن ذلك العامل ودلوني عليه .
حسنا أيها الفتى ، أخبرني هل كان أيمن من طلب منك إحضار الماء ؟
أجل يا سيدي، جاء كل من السيد أيمن وعلي إلى هنا ، وعندها طلب مني السيد أيمن أخذ الماء إلى السيدة تقوى.
ومن أين أحضرته ؟
من هذا الإناء الذي على الطاولة، كان ماءه نظيفا لا تفوح منه أي رائحة.
وماذا كان يفعل السيد علي ؟
جاء لأخذ مزيدا من الكعك ليشربه مع الشاي .
جبت المطبخ متفحصا إياه جيدا فوجدت باب مخزن المطبخ الخلفي يؤدي إلى ممر الحديقة الخلفية، لفتتني قطعة قماش على حافة ،مزعت من قميص أحدهم عندما حاول الدخول أو الخروج من هنا .
أه إنها الرائحة مرة أخرى ، كانت تفوح بشدة من الركن الأيمن للمخزن .
أخبرني أيها الشاب ، كم شخص قام باسخدام هذا الممر ؟
لا أستطيع أن أحصي لك عدد الذين مروا من هنا ، فأي شخص يمكنه استخدامه ... أه يا سيدي تذكرت ،لدي معلومة بسيطة قد تفيد في التحقيق.
أجل بالتأكيد، أخبرني ما الذي تذكرته ؟
عندما قدمت كأس الماء إلى السيدة تقوى كانت تتحدث في الهاتف مع أحدهم ويبدو أنه كان اتصالا مهما حتى أنساها أن تشكرني فليس من عادتها تجاهل العاملين .
وما هذه الرائحة التي شممتها في المخزن ؟ تشبه رائحة الكلور.
أجل ، يبدو أن السيد أيمن نسي الكلور في المخزن ، فهو يقوم باستعماله للبركة في الحديقة الخلفية ثم بوضعه خارج المخزن في حافظة كبيرة بالقرب من الباب .
هذا جيد جدا ، إنها معلومة مهمة جدا ، شكرا لك يا فتى ، ابتسمت ابتسامة النصر ، بعدها طلبت من فوكس إحضار هاتفها الخليوي للتأكد من آخر اتصال لها ، كان وقت الاتصال يشير إلى السابعة وخمسة عشر، طلبت من فوكس معرفة هوية صاحب هذا الرقم وتسجيل صوتي لتلك المكالمة ، كان رقم عامل آخر من العاملين في المطبخ ، عندما أحضرناه لسؤاله ، كان في شدة توتره واتضح لنا أنه أبكم ولحسن الحظ كان يستطيع السمع، حاولت طمأنته وسألته عن سبب اتصاله بالسيدة تقوى ،لكنه بقي ساكنا يتصبب عرقا.
حسنا يا صديقي سؤسهل عليك الأمر، (مخرجا دفتري من جيبي ومقلبا صفحاته) انظر هذه مجموعة من الأسماء ليس عليك سوى أن تشير إلى اسم من هذه الأسماء ، فحدسي يقول بأن أحدهم طلب منك الاتصال و أخذ هاتفك عنوة، وأنا أعدك لن يصيبك أي مكروه وسأحرص تمام الحرص على حمايتك وهذا الشرطي الذي تراه هناك أمامك سيقوم بمراقبتك فما هو ردك.
تردد قليلا ..ونظراته لم تكن مستقرة بل كان ينظر إلى الشرطي حينا وإلي حينا أخرى ثم هدأ بعدها وسلم أمره لواقعه ، أشار بإصبعه إلى الشخص الذي كنت شاكا بأنه الفاعل ، أجل ثبت الأمر الآن ، شكرا لك يا صديقي .
اتجهت إلى غرفة الأزياء لأتأكد من وجود قميص مشابه لقطعة القماش التي وجدتها في المطبخ ويا للمفاجأة ، وجدته معلقا مع الثياب ، تبسمت عندها مخاطبا نفسي :
ليست هنالك من جريمة كاملة ، فلا بد للحق أن يظهر مهما غبرته ظلمة الشر .
تذكرت عندها كلمات الرجل العجوز ، أعدت قراءة دفتري ، (وقف الغلام أمام النهر في حيرة ،يدلي بدلوه ولكنه في حيرة ....( وخرير الماء أعذب من الحنين ) .. ما الذي يقصده بصوت الماء هذا ، خرير يعني شيئ متحرك ، أما البركة غير متحركة فلابد من وجود سبب لمصدر خرير الماء أو حركته ، يجب عي العودة إذا إلى البركة مرة أخرى .
عدت أدراجي مرة أخرى إلى البركة ،أضأت مصباحي لينير لي قاع البركة ولكني لم أعاني في البحث فصفاء الماء ساعدني كثيرا في رؤية القاع، ها ..ما هذا الشيء الملتف ، لم يكن القع بعيدا ، شمرت ثيابي وأدخلت يدي لأخرج ذلك الشيء، من كان يتوقع أن أجد الخيط الذي أبحث عنه هنا ، كان من تلك الخيوط البيضاء البلاستيكية القوية ، حاولت إعادة وضعيته بنفس رسم الخطوط وتتابعها على ذلك الغصن ، عندها علمت أن لحظة الحسم قد حانت.
حسنا لأكمل الآن (ضياء القمر كعادته الليلية .. حول الصخور إلى ألماس ).. لنرى ماذا يمكن للصخورإفادتنا في العثور إلى شيء جديد ، برقت أمامي شرائح زجاج صغيرة بين أحجار الزينة تلمع كالألماس كما قال الرجل العجوزإلا أن قطعة متوسطة الحجم كانت واضحة المعالم بها بقعة دم ، أظن أني أعلم مصدر هذا الزجاج أخذت العينة ووضعتها مع بقية الأدلة في الكيس ، تابعت بعدها (والفراشات تعلن أمسيتها الليلة
بأهازيج عزفت في كنف الأماني
مسرحية قيس وليلى
من هو قيس ومن هي ليلى
والنقاش يزداد وتتطاير الفراشات..) ، ابتسمت عند قراءتي لهذه الكلمات ، كأنما يصف العجوز نقاش الفراشات بنقاش هؤلاء الممثلين الذي لا يتوقف ، ... ماذا .. لحظة.. تابعت بعدها (قاطع تلك الأمسية غزال الليل الهارب.. انحنى كأنما هي صلاة الليل ) ، أذكر وقوف العجوز في نفس المكان الذي وجدت في الخاتم عند هذا المقطع ..(انحنى).. أجل الآن حللت اللغز .. وفهمت ما كان يرمي إليه ذلك العجوز الذكي .. ( صرخ .. والسكون غطى المكان ... صرخ مجددا محملقا في انعكاس القمر على الدلو ..سقط القمر في الماء ..) ، يا للأسف يا سيدة تقوى يبدو أنك صرخت مرتين ولم يسمعك أحد، ولكن صرخة الحق ستظهر .
عدت إلى داخل المسرح، هرول إلي شرطي مسرعا حاملا معه شريط فيديو، أخبرني أن صاحب المبنى المجاور للمسرح أوصى بأن يقدم لي هذا الشريط ، أخذته والفضول دفعني لمعرفة ما بداخله ، ناديت على الجميع بعدها.
حسنا .. تأخر الوقت يا شباب شكرا كثيرا على تعاونكم معنا .. انتهى عملنا لليوم وقدموا إلي حالنا كل التقاريروليبقلى منكم جزء لمراقبة المكان.
أما بالنسبة للبقية، يمكنكم العودة الآن ، وسأعلمكم بكل التفاصيل في وقت آخر ، صديقي أيمن عليك العودة إلى المنزل لأخذ قسط من الراحة ، فتجهيزات الوفاة متعبة ، سؤوافيك فور انتهائي من عملي غدا ، أيها الشرطي .
أجل سيد فريد.
قم بمرافقة صديقي أيمن وقم بمراقبة منزله إلا أن أعلن عن نتائج التحقيق.
حاضر يا سيدي ، هيا بنا سيد أيمن، طبطب الشرطي على كتف أيمن قائلا :
أحسن الله عزاءكم.
لم يستطع أيمن النطق بأي كلمة ، بل نظر إلي نظرة استياء ويأس من الحياة وغادر بعدها مع الشرطي.
ها.. ماذا الآن يا فريد ؟؟
علينا العودة إلى المكتب يا فوكس ، فهناك الكثير الذي يجب علينا كشفه.
توجهنا فورا إلى المكتب وكان ذلك في تمام الساعة العاشرة والنصف، وأثناء عودتنا توقف فوكس أمام أحد المخابز ، إشترى شيئا ثم هم بالعودة إلى السيارة ، يبدو أن الجوع قد أهلك فوكس ، نسيت نفسي فنسيته معي .
عند دخولنا أضأنا جميع المصابيح وكالعادة توجه فوكس إلى المطبخ ، خلعت سترتي وعلقتها في الشماعة بالقرب من الباب ، جلست أمام مكتبي ، ندهت على عم حسبو لأن سكرتيرتي حنين تغادر عند الساعة الرابعة مساءا ، فهي تعمل بإخلاص ، ترتب ملفاتي وجدول مواعدي وتسهل علي إنجاز جميع الأمور سواء كنت في المكتب أم لا، لولاها لما استطعت النجاح في عملي ، أما بالنسبة لعم حسبو ، فهو رجل في نهاية الأربعين من عمره، تركته زوجته لعدم إيجاده لعمل يعول به زوجته وأولاده ، رافي مكتبي في أراد العمل في مكتبي ، بالعمل في إعداد القهوة والنظافة ، فلم أجد سببا لرفضه بل أصبح من أكثرالناس دراية بي وبأسلوبي، وإذا تغيبت حنين عن العمل لسبب ما ، يقوم هو بالإنابة عنها ، بل أستشيره في كثير من أمور العمل فما أكثر المرات التي لولا آراءه لما استطعت النجاح ، فقد أصبح عضوا من أسرة مكتبي الصغيرة.
يا عم حسبو ..كوبا قهوة لو سمحت .
تغيب العم حسبو لإعداد القهوة ثم عاد بعدها حاملا كوبا القهوة في صينية تفوح رائحتها الطيبة عن بعد ثم قال :
وهاهي أفضل قهوة لأفضل رجل تحقيق في الوجود ، كيف كان يومك؟
كان يوم لا يخلو من الأحزان والمفاجآت .، وعلي انهاء قضية اليوم بأي شكل كان بإذن الله .
لا تخق يا بني لا يصعب عليك شيء ، أنا متأكد من نجاحك ، ولكن عليك تناول شيء ما والإهتمام بصحتك جيدا ، والآن أستأذن يا فريد علي العودة إلى المنزل.
غادر عم حسبو وبقي فوكس في المطبخ ولم أدري ما الذي كان يفعله ،بعد انتهائه من ما كان يشغله دخل إلى المكتب حاملا معه طبق به فطيرة محلاة وضعها بجانبي على المكتب.
يا صديقي عليك تناول شيء ثم العودة فورا إلى المنزل ، إنها الحادية عشرة، من حقك على نفسك أخذ قسط من الراحة يمكنك متابعة العمل في الغد ، ما قولك ؟
لكن ليس الآن يا فوكس سأتناولها فيما بعد ، هناك أمور علي إنجازها ، يمكنك الذهاب الآن ، فقد أنجزت ما يكفي، وشكرا لك على الفطيرة.
حسنا يا فريد ، أنت شخص عنيد ولكن لا تكثر من السهر عليك إراحة جسدك .
تناول فوكس حقيبته وهم بالذهاب .
حسنا تصبح على خير يا فريد.
وأنت من أهل الخير.
هيأت نفسي للبدء في مجريات هذه القضية ، وضعت جميع التقارير أمامي في المكتب وبدأت بقراءتها، وتحليل جميع الأدلة التي جمعتها، وعند فراغي منها قمت يتشغيل شريط الفيديو ، عندها كشف الستار عن المجهول وأصبح الأمر الآن واضحا للعيان، شعرت بنعاس شديد لذا أغلقت جميع الملفات وتوجهت بعدها إلى المنزل .
في صباح اليوم التالي أسرعت في الذهاب إلى مكتبي كنت قد هاتفت فوكس مطالبا إياه موافاتي بأقصى سرعة، لم تمضي عشر دقائق حتى وجدت فوكس يفتح باب المكتب ، نظر إلي متسمرا في مكانه محتارا في سبب ندائي له في هذا الوقت المبكر.
ما الأمر يا فريد ؟
إنها جريمة قتل يا فوكس، وسأثبت لك ذلك ولكن ليس الآن ، عليك مهاتفة جميع الممثلين واطلب منهم التوجه إلى المسرح بعد ساعة ، لأخبرهم بنتيجة التحقيق.
حسنا لك هذا يا فريد ، ولن أسألك إن كنت متأكدا أم لا فأنا أعلم جيدا أنك تدرك ما تفعله ولا تعلن عن نتيجة إلا وأنت واثق منها.
قدت سيارتي ومعي فوكس وبعض من رجال الشرطة إلى مسرح الجريمة وكنت حريصا على إحضار جميع المستلزمات التي سأحتاجها ، لحظة وصولنا استقبلني أيمن ووقف أمامي مندهشا سائلا :
ما الأمريا فريد لقد ألقيت الرعب على قلبي باتصالك هذا ؟ لماذا قمت بمناداتنا جميعا ؟
أمسكت بيده أثاء دخولنا إلى الداخل قائلا :
اليوم سأكشف لك عن هوية قاتل زوجتك يا أيمن .
قاتل ، أتقصد أن أحدهم قد قام بقتلها.
أجاب فوكس على سؤال أيمن قائلا :
يبدو كذلك يا أيمن هيا بنا إلى الداخل لنعرف التفاصيل .
وجدنا جميع الممثلين مجتمعين أمام المسرح، كل الأعين كانت موجهة إلي والنظرات ما بين خائفة ومتوترة .
لدي خبر مهم عليكم معرفته ألا وهو أن السيدة تقوى قتلت ، والقاتل واقف بينكم.
علا صوت كل الحاضرين ناطقين بكلمة واحدة : ماذا ..؟؟
أجل ، أعترف أنه لم يكن من السهل التعرف إليه ، لكن لابد من أن يظهر الحق مهما أخفاه الظلم، كانت السيدة تقوى تتدرب على المسرحية كما تعلمون وفي تمام السابعة وعشر دقائق دخل عامل المطبخ إلى المسرح مقدما كأس الماء إلى السيدة تقوى ، أفاد بأنها كانت تتحدث على الهاتف ثم خرج بعدها .. أخرجت مسجلا صوتيا وأدخلت به شريطا ثم قمت بتشغيله ..
أجل السيدة تقوى تتحدث من المتصل ؟
أنا أيمن يا تقوى ، لن تصدقي لقد وجدت الخاتم الذي أضعته يا عزيزتي ، إنه في الحديقة الخلفية أسفل غصن الشجرة ، تعالي أنا هنا بانتظارك.
أه كم أنا سعيدة بهذا الخبر يا عزيزي ، حسنا سؤافيك حالا، ولكن ما بال صوتك يا أيمن؟؟
أه لا شيء يذكر، يبدو أنها بوادر انفلونزا.
حسنا ، سآتيك حالا.
حسنا ، يبدو أنكم سمعتم آخر اتصال للسيدة تقوى .
انتظر لحظة يا فريد ماهذا الذي سمعناه ، لم أكن أنا المتحدث.
قام عمر بشد أيمن من قميصه غضبا قائلا :
أيها الرجل الخائن ، أنت الفاعل ، أيعقل ولماذا تقتل أعز إنسانة إلى قلبك ؟؟ حرام عليك ..
لا ، لا هذا لا يصدق لابد أن يكون هناك سوء فهم .
أجل ، إنه بالفعل سوء فهم يا سيدة علياء .
التفت إلي عمر مستغربا قائلا :
ماذا تقصد يا سيد فريد.
هذا الصوت لم يكن صوت أيمن ، كان صوت شخص آخر دفع السيدة تقوى للتوجه إلى الحديقة الخلفية للبحث عن خاتمها، وعندما وصلت إلى أسفل الغصن كما وصف الرجل ، لم تكن تعلم أنها وقعت في الشرك الذي نصبه لها ، قام المجرم بربط خيط غير مشدود على ذلك الغصن بطريقة تشبه حبل المشنقة بحيث يلتف حول عنق السيدة تقوى عند وصولها، وعندما لاحظت وجود الخاتم في الأسفل انحنت لإلتقاطه ، وبذلك شد الخيط ليؤدي عمله ، صرخت السيدة تقوى مرتين ولم يسمعها أحد ولم يكن بوسعها قطعه فقد كان من الخيوط البلاستيكية القوية، عندما توقفت السيدة تقوى عن التنفس أسرع المجرم الذي كان مراقبا من بعد من مخزن المطبخ بفك الخيط ورميه في البركة ثم حمل الجثة ووضعها على أرضية المسرح نسي أنه قد ترك الخاتم ملقى في الحديقة ، قام بمسح آثار الخيط من عنقها بالبدرة التي صنعت منها اللوحة البيضاء المعلقة في المسرح ثم هم بأخذ كأس الماء الذي أحضره العامل وملأه بماء البركة وفرغه من الكأس مرة أخرى بل وقام بكسره فوق تلك الصخور التي تحيط بالبركة وحملها إلى الداخل بالقرب من الجثة كما رأيتموه يا سادة ، كان ذلك ما بين الساعة الخامسة عشرة والعشرون دقيقة ، ويبدو أنكم لم تلاحظوا غيابه فالجميع كان يؤدي صلاة المغرب ولكن سرعان ما لحق بكم بعد ذلك ، وبعد الانتهاء من الصلاة عدتم أدراجكم إلى الصالة ، كان جالسا معكم وهو الشخص الذي قام بتشغيل المسجل ، هل عرفتموه .
أجابت حسناء مندهشة :
كان ذلك السيد علي ، ماذا .. أتقصد أن علي ..
أجل السيد علي هو القاتل يا سادة .
لحظة صمت غطت المكان كما قال الرجل العجوز (.. والسكون غطى المكان ...كأنما اختلطت الألوان في لوحة الرسام ..) والعيون كلها موجهة إلى علي بينما وقف صاحبنا متسمرا عاجزا عن الحركة ، استجمع قواه بعدها وصرخ بأعلى صوته :
لا هذا ظلم ، ما الذي تقوله يا سيد فريد ، لم أقم بذلك ، إنك على وشك الوقوع في أكبر غلطة في حياتك ، لا يصح أن تتهم شخصا دون الاستدلال بدليل قاطع ...
حسنا ، إذا كان هذا ما تطلبه فلك ذلك ، قمنا بالتحقيق من صاحب الرقم يا سيد علي الذي قمت بالاتصال منه ويبدو أنك قد أخطأت الاختيار فصاحب الرقم كان أحد عمال المطبخ الذي كان لسوء حظك أبكما ، فكيف له إجراء هذه المكالمة .
يا سيد فريد ، يمكن لأي شخص آخر التحدث في الهاتف بدلا عنه .. هذا غير مقنع يا سيد.
حسنا ، هناك شيء آخر، قمت بتعبئة الكأس من ماء البركة لتوهمنا أن شرب الضحية من ماء به نسبة عالية من الكلور كان السبب في وفاتها وذلك بعد أن قمت بزيادة نسبة الكلور في الماء ولم تقم بإرجاعه إلى مكانه الصحيح كما يفعل أيمن فقد علمت من مصادري أن أيمن يضعه في حافظة بالقرب من الباب، ألم تدرك أنك غفلت عن شيء واحد ، حدد الطبيب الشرعي زمن الوفاة في الساعة السابعة وعشرون دقيقة وعند اكتشافنا للجثة كانت ساعة يدي تشير إلى الثامنة والنصف ، أيعقل أن تبقى قطرا ت الماء على سطح الزجاج دون أن تتبخر ، هل تعلم يا سيد علي أنني وجدت آثار دم على قطعة زجاج تابعة للكأس الذي كسرته بالقرب من البركة ، لذا أطلب منك أن تريني كلتا يديك يا سيد علي .
تردد علي في إظهار يديه إلا أنه لم يعد لديه خيار سوى فعل ما أمرته به .
أنظروا ألم أقل لكم ، ها هو الجرح الذي تسببت به قطعة الزجاج تلك ، كان الجرح حديثا في سبابته اليمنى .
رد علي بكل ثقة قائلا :
مازلت مصرا يا سيد فريد أنك قمت باختيار الشخص الخطأ.
لا بأس مازال لدي المزيد ، انظروا .. أخرجت قطعة القماش ثم أكملت حديثي قائلا :
انظروا إلى هذه القطعة ، ألا تشبه قميص أحدكم ؟؟
أجابت حسناء ملتفتة إلى علي وقد خاب أملها فيه : أجل .. إنها لنفس الشخص الذي اتهمته.
التفت إلى علي لأجس نبضه فوجدته كالثلج في بروده .
ليس هذا فحسب ، بل وجدت آثار البدرة البيضاء في مسجل الصالة عندما قمت بتشغيله يا علي ، فما مصدرها برأيك ؟؟
عندها ثارت ثائرة علي ولم يستطع الصمود اكثر هذا يكفي يا سيد فريد ، ألا ترى أنها أوهام وافتراضات ، إما أن تتوقف أو أن أطالب برفع قضية في تصرفاتك هذه.
حسنا .. أتممت مهمتك بنجاح إلا أنك غفلت عن أمر واحد ، هذا .. أخرجت الشريط المسجل الذي أحضره لي الشرطي وعرضته عليهم .. هنا كانت لحظة الحقيقة ، عرض الفيديو تحركات السيد علي في الحديقة كاملة .
حسنا يا علي ، غبت عن السودان لمدة سنة ولم تعلم بوجود كاميرات مراقبة على المبنى المجاور للمسرح أثناء الليل ، وصادف أنها قامت بتصويرك وسرعان ما قام صاحب المبنى بإرسال الشريط إلينا .. وكل هذا يؤكد ما أعلنت عنه سابقا ، والآن هل تريد الاعتراف؟
ابتسم علي ورفع رأسه موجها نظراته إلي والدموع أغرقت عيناه :
حسنا .. لا مفرمن الكذب ، أجل ، أنا من فعلها ، وكل ذلك كان بسبب الغيرة منك يا أيمن ، كم عانيت في الحصولعلى إثنين , قلب تقوى وإخراج المسرحية ولم أحظى بأي منها،كم تعبت من تعرضي للإهانة والذلة ، ظننت أنني سأشعر بالارتياح والقوة بفعلتي هذه إلا أنني أحس بفراغ كبير ويأس من الحياة ، ألقيت بحياتي إلى التهلكة وجعلت من جسدي آلة مطيعة لرغبات نفسي الدنيئة .. لا أعلم إن كانت التوبة لله خلاصي فقد ضاع زمن التوبة الآن .
صرخ أيمن في وجه علي وقام بضربه على وجهه بقوة ، لم يحتمل سماع ما قاله علي بل رد عليه باكيا :
لماذا حرمتني من زوجتي ، لماذا كل هذه القسوة ، لم يكن لها ذنب في أي من هذا ، أخلصت في حبها للجميع ولم تسئ إلى أحد منكم .. الله لا يسامحك يا علي .
فريد ..أحسنت يا صديقي ، لقد صدمتني ، كيف استطعت التوصل إلى تلك المعلومات وتحليلها بهذا الشكل.
صدقني يا فوكس لولا ذلك الرجل العجوز، لما استطعت حل هذه القضية .
ما الذي فعله ؟
سأخبرك لاحقا يا فوكس ، أما الآن فعلينا العودة إلى المركز والتوجه بعد ذلك إل منزل أيمن لتأدية الواجب.
لا بأس إذا .. أتعلم لا أدري لماذا تراءت لي كلمات السيدة تقوى في مسرحيتها الأخيرة( أصحاب القلوب الطيبة لا يعيشون طويلا) ، لقد بدأت بالاقتناع بهذه المقولة .
لا يا فوكس ..هذه الأمور مقدرة من الخالق عز وجل ، لكل شخص نهاية لمسيرته في هذه الحياةولا يدري أين ومتى ، لذا عليه أن يبادر دائما بفعل الخير وتقديم الأفضل لما فيه من مصلحة للناس ، ولكن هناك أمر يحيرني .
ماهو يا فريد .
أين اختفى الرجل العجوز ؟؟
أخذ علي إلى مركز الشرطة وصدر الحكم عليه بالسجن المؤبد في سجن كوبر ، عادت الحياة طبيعية لجميع الممثلين وأعيد افتتاح مسرحية سقوط القمر ولكن برواية مختلفة هذه المرة ، ولم يستطع صديقنا أيمن تحمل البقاء في الخرطوم ، لذا قام بالسفر خارج البلاد باحثا عن بداية جديدة ، أما السيد عثمان (الرجل العجوز) اختفى عن الوجود ولم نجد له أثر ، أردت رؤيته لأقول له كلمة واحدة ( شكرا)، نتجاهل هذا النوع من اليشر بإعتقادنا أنهم لا يفقهون شيئا في هذه الحياة فعقولهم قد غابت عن الواقع الذي تعيشه لتعيش في عالم الجنون ، ولكن أن يجنمع الذكاء مع الجنون ، هذا أمر لن يسعني فهمه أبدا .

*أم درمان : منطقة من مناطق الخرطوم لعاصمة .
القضارف : مدينة تقع شرق الخرطوم .*
*أركويت : حي من أحياء الخرطوم .
*ثورة اللواء الأبيض : ثورة قادها السياسي علي عبد اللطيف عسكري مؤسس جمعية اللواء الأبيض مع عبيد حاج الأمين عام 1923 ضد الإستعمار الإنجليزي على السودان عام 1924.
*نادر خضر : فنان سوداني راحل .


مشاركة منتدى

  • حين طيف
    ........
    الْوَقْت ُالْآن َتمَام
    الأنت مُنْتَصَف الذَّاكِرَة
    ِوَبِضْع َأَشْيَاء َتُنَال ُمِني..
    قَلِب َقَدْ مِن ْدَبَرِهِ ، وَبَعْض
    ُأَمِنِيَات ُعِجَافٍ..
    أَرَّانِي فِي الْأَسْفَل ِأَفُكُّ
    طلاسيمك.. الأن أُرِي َ
    الْحَب ُّجهرآ.. يَتَحَدَّثُ بِحَنْجَرَة ِ
    مثقوبة ، كَسِيح ٌذُو عُيِّنَ
    وَاحِدَةٌ ، وَنُصْف َمَشُّوه ُ؛ عُلِي
    َيسَارُه ُقُبُورِ لِغَيْرَ الْمُؤَهِّلِين
    َوَالََْقَصَّرَ ..
    لِبُرْهَة ِشَعَرْت ِبِرجفةِ،
    إلتهمني مِن ْبَادِرَةِ نَظِرَتِه
    ِالْأَوْلِيُّ.. أجِدُنِي أُفِيقَ
    مِني عَنْوَةٌ.. شَاحِب ٌذَاك َالْحَلَم
    َالَّذِي تَأَتِّي فِيهِ؛ أُهَرْوِل ُ
    معتزرآ كل غَفْوَةُ ُّ َ، أَقْتَلِعُ
    الْبسمةُ لِلْمَارَّةِ ، مُجَرَّد
    ٌأَنَا مِن ْأَفَعَالَي ..
    أثُقِب َذَاكِرَتُي عبثآ
    لِتُسْقِطِينَ؛ فَيَلْتَقِطُنِي
    الصّغَار ُ..أَرْسُم ُسلمآ نَصْعَد ُ
    بِه ِإلي السَّمَاءلِنَهْطِل ُ
    وَحَبيبَات ُالْمَطَرِ..مَرْفُوعُ مِني
    أنَا الْآن الْقَلَمَ إلي حِين َ
    وِلَاَدَةُ جَدِيدَةٍ
    ...

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى