الثلاثاء ٢٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٣
بقلم حسن عبادي

شيوخُ الطرب

سنحت لي الفرصة لأعيش مع جوقة سراج الرامويّة عرض "شيوخ الطرب" على منصة قاعة كريغر (مركز الثقافة الفرنسي) في حي الكرمل الفرنسي في حيفا يوم الجمعة 20.01.2023، فكنت محظوظًا حيث له في حيفا مذاق آخر جميل.

تأسّست جوقة سراج عام 2004 في قرية الرامة الجليليّة تحت رعاية وإدارة جمعيّة سراج الموسيقيّة ومديرها زهير غنادري، واهتمت في إثراء الحياة الفنيّة والثقافيّة. قامت بإحياء وإنتاج وإعادة توزيع أغانٍ تحمل معاني إنسانية وطابعًا اجتماعيًا حضاريًا من أجل الحفاظ على هذا اللون من الفن والموسيقى الآخذ بالاندثار في زمن العولمة ومن أعمالها: النهر الخالد، جبالنا، المكاوي وغيرها.

قام الفنان عامر حليحل بتأليف النصوص والقصّة التي ترافق عرض وأغاني شيوخ الطرب" بالإضافة الى تمثيل الشخصية الرئيسية وتمازج عمله مع سامر بشارة (موسيقي وعازف قانون والمدير الفني للجوقة) الذي قام بالتلحين والتوزيع ودور القائد الموسيقي للعرض وأتم العمل على أحسن وجه الفنان أيمن نحاس (ممثل وكاتب ومخرج مسرحي) الذي قام بإخراج العرض.

أخذ العرض بأيادينا وشطح بنا في تاريخ كلاسيكيات الموسيقى العربيّة مسلّطًا الضوء على الشيوخ الذين تتلمذوا الموسيقى والمقامات والضروب من التجويد والابتهال الديني ليبدأوا مسيرة تلحينهم وغنائهم لأجمل ما أُلّف في أواسط القرن العشرين، متمسكين بالجذور العربية الشرقية. يأتي هذا العمل الفنّي في فترة ربما هي الأكثر ابتعادًا عن الموسيقى العربية الكلاسيكية التي كان من روّادها الشيخ محمد عبد الرحيم الشهير ب"المسلوب"، سيد درويش، زكريا أحمد، سيد مكاوي، محمد القصبجي، أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام وغيرهم، حيث يحاول العرض تقريب هذه الأنماط الموسيقية "المندثرة" إلى جمهور اليوم عن طريق الرجوع إلى أصولها الأدائية غناءً وعزف، لنصل إلى نتيجة حتميّة بأنّ لنا تاريخ موسيقي وحضارة علينا أن نفخر ونعتزّ بها .
يشمل العرض مشاهد مسرحيّة قام بكتابة نصوصها وتمثيلها الفنان عامر حليحل الذي نجح بإعادتنا إلى يافا أبان النكبة وإلى الأجواء التي أحاطت بشيوخ الطرب آنذاك ويؤجّج المشاعر والنوستالجيا لأيام الزمن الجميل باعثًا الأمل.

ابتدأ العرض (بتأخير 37 دقيقة عن الموعد المحدد، وهذا مأخذ يُؤاخذ عليه المنظمين فعليهم احترام التوقيت لبناية ثقافة وآداب الأمسيات واحترام الفن كثقافة مُذوّتة) بإداء فردي (بوليانا، تاليا، ماريو، سعيد، ورود وأخرين) وجماعي 24 أعضاء الكورال برفقة ال -14 عازف (كمان، طبلة، عود، كونترباص، رق، تشيلو، إيقاعات، ناي، كيبورد وقانون)، لاقت إعجاب الحضور وجعلته منفعلا مع العرض وأدخلته للجو بانسيابيّة ولباقة.
هذا ولاقت جميع الأغاني استحسان الجمهور الذي شارك الفرقة الغناء وكان لعامر وسامر دور كبير في تفعيل الحضور وتفاعله.

لتنتهي الأمسية باعتلاء زهير غنادري خشبة المسرح ليحيّي كل مشارك باسمه ويصحبه تصفيق منقطع النظير من قبل الحضورإعجابًا بالأداء المميَّز والمهنيّة والرقيّ للفرقة وأعضائها بإشراف موسيقي وتوزيعات المايسترو الفنان سامر بشارة.

تقنيات الإضاءة والديكور للعرض بإشراف نعمة زكنون كان مميّزا ومهنيّا، والملابس من تصميم حمادة عطا الله ملفتًا للنظر، وكذلك هندسة الصوت: جوني صالح و FM SOUND وإخراج الفنان أيمن نحاس.
هذا وغصّت القاعة بمئات الحضور (نفذت التذاكر بضعة أيّام قبل موعد الحفل)، كلّ وحنجرته وهاتفه النقّال/كاميرته ممّا يُثلج الصدر.

وأخيرًا، شكرًا للمايسترو سامر بشارة ولجوقة سراج الرامويّة على هذه الأمسية التي أدفأت قلوبنا بمهنيّتها ورقيّها، والشكر موصول لزوجتي سميرة التي رافقتني وقامت بالتصوير وللأصدقاء لبنى وكميل على الدعوة.
الله يعطيكم العافية وننتظر المزيد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى