الأربعاء ١٣ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم فيحاء عبد الهادي

ظاهرة سياسية

د. جورج حبش نموذج القائد الديمقراطي الوحدوي

"إن شعباً يعشق الحرية كشعبنا، عرف درب الوطن، وتعلم كيف يصون أرضه ويموت كالأشجار لا يركع، لقادر على تحقيق الانتصار، طال الزمان أو قصر".

د. جورج حبش

حين يذكر القادة العظام عبر تاريخ فلسطين، يبرز اسم حكيم الثورة الفلسطينية: جورج حبش،
وحين يجري الحديث عن أهمية ربط النظرية بالممارسة الكفاحية، يعلو صوت الحكيم: "لا حركة ثورية دون نظرية ثورية"،
وحين يذكر تواضع المفكرين الثوريين، يذكر تواضع القائد التاريخي، _ _ وحين يقتتل الإخوة وتقصر قاماتهم، تطول قامته.
وحين نفتقد شهداء الوطن ونبكيهم؛ نفتقدك ونبكيك أيها القائد المعلِّم.

يا من قدَّست الحياة، في اللحظة نفسها التي قدَّست فيها الشهادة في سبيل الحياة:

"إن كان للحياة معنى، ففي الشهادة تكمن أعمق المعاني. وإذا كانت الحياة بحلوها ومرِّها تستحق أن تعاش حتى الرمق الأخير، لأنها تأتي مرة واحدة وتذهب للأبد، فهذا يضفي عميق المعاني والدلالات على التضحية والشهادة، ويكسب الشهداء والذين يقدمون أرواحهم قرباناً للوطن كل القدسية والاحترام".

آمن د. جورج حبش بأن التاريخ لا يتكرر؛ بل يتطوَّر، وأن التطوّر لا يتمّ إلاّ بوعي لطبيعة التطوّر، والتقاط لطبيعة اللحظة التاريخية؛ الأمر الذي جعله يؤسس "حركة القوميين العرب"، أواسط الخمسينيات، ويشكِّل خلايا في الأردن، وليبيا، والسودان، واليمن بشطريه، وبعض بلدان الخليج العربي، والأمر الذي جعله يعتنق الاشتراكية العلمية، هادياً ومرشداً لتنظيم "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، عام 1968م.

شكَّل الكفاح المسلَّح هاجساً رئيساً لدى "الحكيم"، منذ تأسيسه لحركة القوميين العرب، حتى تأسيس "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين". تطوَّر الفكر والشعار، فمن: "دم حديد نار"، إلى "الفكر يوجِّه السلاح"، مؤمناً أن الكفاح المسلَّح هو أرقى أشكال النضال، في مواجهة العدو الصهيوني. متميِّزاً عن غيره من القيادات السياسية، بربط القضية الفلسطينية ببعديها القومي والأممي.
عمل "الحكيم" مع الجماهير ومن أجلها، مؤمناً بدورها كصانعة لتاريخها: "إن الجماهير المنظمة والمعبأة هي وحدها صانعة التاريخ، وهي الأساس في معركة التحرير". "علينا أن نستند إلى قوة الشعب وطاقاته الكفاحية، وطريقنا إلى ذلك، تبدأ بالموقف الوطني الحازم، بتعبئة طاقات الشعب، والحفاظ على مكتسبات ثورته ومنظمته، وبشكل خاص في الحفاظ على وحدته الصلبة والراسخة".

أما حسّه النقدي، فقد تجلّى في ممارسة النقد والنقد الذاتي، ليس كمبدأ يتغنى به، أسوة بالكثير من القيادات السياسية؛ بل كمبدأ يترجم واقعاً، داخل الهيئات القيادية، وخارجها. وأكبر مثال على ذلك:

مراجعة أسلوب "خطف الطائرات"، ووقف العمل به، إثر النقاش العمَّق، الذي أثير في المؤتمر الوطني الثالث للجبهة، الذي انعقد في آذار 1972، وصدر ضمن وثيقة "مهمات المرحلة الراهنة": "استنفذت هذه الوسائل أغراضها، وأدَّت وظيفتها. قررنا وقف هذا النمط من العمليات".

لم يخش الحكيم انفضاض الجماهير عن تنظيم الجبهة، بسبب المراجعة النقدية؛ بل آمن أن النقد هو سلاح ذاتي يقوِّم المسيرة الثورية؛ الأمر الذي جعله يدعو إلى مراجعة التجربة الفلسطينية، عبر محطاتها العديدة: " كيفية تعاملنا مع هذه الساحة العربية أم تلك، مع الحركة الوطنية التي أهملناها كلياً، فهمنا للعمل الوطني والقومي، للعمل السياسي والديبلوماسي من جهة، والعمل العسكزي من جهة أخرى، تجربتنا العسكرية، المظاهر الاستعراضية، مشكلاتنا التنظيمية، الصراع الفئوي، التمثيل النسبي، الهيمنة والتفرد، القيادة الجماعية الغائبة، المنظمات الشعبية المفرغة والمهمشة والملحقة، الجوانب المسلكية والأمراض المستعصية التي علقت بجسم الثورة، كل هذا فضلاً عن النهج السياسي أولاً، وعشرات العناوين التي تبدأ بالأرض المحتلة والمشكلات الجدية الناشئة هناك، وتمر بالشتات الفلسطيني، وتنتهي بالأوضاع الداخلية للمنظمة، كل هذا بحاجة إلى مراجعة وتمحيص وتقييم، نحن متحمسون له، مستعدون لتحمل مسئولياتنا على هذا الصعيد، ونطالب الآخرين، وتحديداً القيادة صاحبة القرار على هذا الصعيد، لأن تمتلك الجرأة وتجري مثل هذه المراجعة، التي سنشاركها بها حتماً".

تهزّنا كلمات الحكيم الصادقة، عام 1987م، التي ما زالت صالحة حتى اليوم، وتدعونا إلى مراجعة تجربة الثورة الفلسطينية، وتقييمها سلباً وإيجاباً، دون خشية أو وجل؛ استجابة لنضال شعبنا الطويل وتضحياته، وإخلاصاً لقادة ملكوا الرؤية الثاقبة، والحس النقدي، والنفس الكفاحي الطويل.

آمن "الحكيم" بأهمية التغيير الاجتماعي، الذي يستلزم حشد طاقات نصف المجتمع المعطلة: طاقات النساء، وربط بين تحرير الوطن وتحريرهن؛ الأمر الذي جعله حريصاً على تكريس وجود المرأة، ضمن هيئات الجبهة كافة، وطرح قضية المرأة بعمق، منذ مؤتمر الجبهة الأول، وإفساح المجال أمام النساء، كي يتبوّأن أعلى المراتب القيادية في التنظيم.


وحين تخلّى د. "جورج حبش"
، عن موقعه القيادي داخل التنظيم، في المؤتمر السادس للجبهة، عام 2000؛ قدَّم مثالاً مميزاً للقائد الذي ينتصر لقناعاته الديمقراطية، عبر تخليه عن أعلى موقع قيادي، دون أن يتخلى عن التنظيم. كما قدَّم مثالاً للقائد الذي يعنى بالفكر ويعطيه الأولوية، عبر إصراره على التفرّغ للكتابة، وتأسيسه مركزاً للدراسات والأبحاث، يعنى بتوثيق التجارب الكفاحية الفلسطينية والعربية ودراستها.

أبا الميساء، نحن في أمس الحاجة للاسترشاد بدعوتكَ إلى الوحدة الوطنية، في هذه الفترة السياسية المظلمة من تاريخنا، وبدعوتكَ إلى بلورة خط سياسي واضح، والتفرقة بين تسوية تجهض ثورة شعبنا الفلسطيني، وتسوية وطنية تحمل لشعبنا الاستقلال الوطني، وتكفل له حقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف، بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية.

أثَّرت في تشكيل وعي مئات الآلاف، ممن عرفوك، وممن لم يعرفوك، ممن اتفقوا معك، أو اختلفوا معك، من عشاق الحرية. لم ترضَ أن تعيش في فلسطين، في ظل الاحتلال الإسرائيلي؛ لكنَّ سيرتك الكفاحية، وإرثكَ الفكري، وسماتك الإنسانية المميزة، سوف تعيش خالدة، في ذاكرة شعبك وشعوب العالم.

د. جورج حبش نموذج القائد الديمقراطي الوحدوي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى