الأحد ١١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٥
قصائد ممتلئة بالوفاء للغة والأمكنة والأصدقاء
بقلم عايد عمرو

عبد الحكيم أبو جاموس في "زناد الخصر" يعيد لشعر المقاومة ألقه وبهاءه

عن منشورات اللجنة الإعلامية في مكتب التعبئة والتنظيم لحركة (فتح) في رام الله، صدر للشاعر عبد الحكيم أبو جاموس، مجموعة شعرية جديدة بعنوان (زناد الخصر)، كتب مقدّمتها د. فايز أبو شمالة.
وقسّم الشاعر مجموعته إلى قسمين، احتوى القسم الأول على القصائد العاطفية والوجدانية والوطنية، والقسم الثاني ضمّ قصائد في الرثاء - البكائيات، واشتمل القسمان على اثنتين وعشرين قصيدة، وزعت على مائة وعشر صفحات من القطع المتوسط. وزناد الخصر، هي المجموعة الثانية للشاعر أبو جاموس بعد مجموعته الأولى (فراشة في سماء راعفة) الصادرة في العام 1996 عن مركز أوغاريت الثقافي في رام الله.

الوفاء للغة

في قصائد المجموعة كان الشاعر وفياً للّغة، لغة تنساب بلا تعقيدات، مكتوبة حسب شروط الشاعر الخاصة، في ابتعاد واضح عن الاجترار والتكرار والتقليد، وإذا كانت المجموعة جاءت بهذه القوة واللغة المسبوكة بشكل جيّد، فهذا غير جديد ولا مستهجن، على شاعر يحترم اللغة الفنيّة ويكون وفياً لها إذ نراه يعطيها أهميّة خاصة.
ابتعد الشاعر في نصوصه، عن التداعي الذي يقوده النص نفسه، وبدت اللغة مهيمنة، وجّهها بحنكة وحرفيّة نحو العقل، بعيداً عن العاطفة والمشاعر الزائفة المصطنعة التي نراها ونقرأها في الكثير من الشعر المنشور وفي شعر مجايلي أبو جاموس، الذين تأخذهم وتجرفهم العاطفة في نصوصهم إلى مناطق أخرى بعيدة عن الجو الأصلي/ الأساس للقصيدة.

تقديس المكان

من يقرأ نصوص المجموعة يرى بروز المكان وأحياناً تفاصيله، مثل: جنين، مرج بن عامر، رفح، بغداد، القدس، بيت لحم، نابلس، المقاطعة/ رام الله، ماليزيا، الكويت .. وأسماء شخوص وحارات وأزقّة، نقرأ:

لبغداد آفاق عزّ

ورايات مجدْ

وإصرار شعب تحدّى الغزاة

وما هان قط

ولا لان إن جدَّ جدّ (ص43)

إن اللغة ذات الخطابية الموجّهة، تشعرنا بأننا نعيش في أجواء الشعر العربي الحقيقي، ويعيدنا لأمجادنا الغابرة، خصوصاً الشعر القديم الذي اهتم بالأماكن والأطلال والحضّ على المقاومة (شعر الحماسة) وشعر المقاومة الذي ساد المشهد الفلسطيني والعربي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وأبو جاموس إذ يعيد لشعر المقاومة ألقه وبهاءه فهذا يعني أن شعر المقاومة وشعراءه ما زالوا موجودين بيننا، يحملون الرسالة ذاتها والأهداف نفسها في رفع الشعوب المقاومة للأعلى.

الاستفادة من الأقوال المأثورة

وظف الشاعر أقوالاً مأثورة في كتابة قصيدته، ومنها مقولة الشهيد ياسر عرفات (يا جبل ما يهزك ريح)، ص
72
شامخ مثل الجبال

ثابت مثل الأسودِ

يا زعيماً لا يبالي

بحشودات الجنودِ

وهناك التأويل، نراه واضحاً في القصائد المنشورة، ففي قصيدة (بلية قديمة) ص20 نرى أن القارئ يستطيع أن يؤول الألفاظ وان يؤول النص نفسه بالاتجاه الذي يراه هو، وهذا مما يسجل للشاعر:

شغاف تعلّق في رمش عينيك

أيتها البلدة المثخنة

صداك تردد

ذات اليمين وذات الشمال

إلى سدرة المهد

غصناً رطيبا

فالنصّ هنا مشرع ومفتوح على أكثر من وجه.

الصورة في القصيدة

رغم الاعتناء بأناقة في اللغة، نرى أيضاً الشاعر قد اعتنى اعتناءً شديداً بالصورة، ودون هذه الصورة لا تكتمل القصيدة، فالعناية لم تكن فقط في انتقاء المفردة واللغة، بل أيضاً بالصورة الفنية الجميلة:

يا لعبتي

أتعلمين لماذا كسروا قدمي؟!

لأنني أبتسم

فيما هم يكشرون عن أنيابهم ص
64
فالصورة واضحة جليّة، استطاع الشاعر أن ينحتها برويّة وتقنيّة خاصة.

الوفاء

للوفاء أيضاً نصيب في قصائد المجموعة، إذ نرى الشاعر وقد استذكر في قصائده عددا من الأسماء التي يعرفها حق المعرفة، وأسماء ربما لم يعرفها، إلا أن وفاء الشاعر لإبراز هذا الاسم لفعل فعله، جعله يستذكره بقصيدة وفاء وهذا مما يسجل للشاعر في زمن عز فيه الوفاء وذكر الأحبة الراحلين الذين كان لهم نصيب من التذكر والوفاء. في قصائد مليئة بالعواطف الجياشة والحب والإخلاص، معبأة بالوفاء:

مروان

يا أبا محمد

ترحل هادئاً

كما النّسيم

تشقّ دربك الطويل

هانئاً

في ساعة الغسقِ

بِرِقّةِ الأطفالِ

وهيبة الرجالِ

يا روعة النسقِ ص49

بقي القول أن الشاعر كان أكثر احترافيةًً، وأكثر اكتمالاً، وأكثر إمساكاً باللغة، التي جاءت أكثر احترافية من مجموعته الأولى، وهذا يدل على تطوّر وتنوّع مصادر ثقافة الكاتب وشموليّتها، وهذا يعني أن أبا جاموس قد استكمل أدواته لمواصلة مشروعه الشعري الهام، إذا ما قلنا إن أبا جاموس هو احد الشعراء القلائل الذين يكتبون شعر العامود.
لوحة الغلاف للفنان إسماعيل شموط، والتصميم الفني لشريف سمحان.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى