الثلاثاء ١ آذار (مارس) ٢٠٠٥
بقلم محمود حسين عبيد الله العزازمة

عسل سرمدي

-1-

يعمل في محطة وقود . رسمت أشعة الشمس على وجهه سطوراً من البرونز فروة رأسه من الأعلى يتخللها قليل من الشعر . أما سالفاه فقد تلونا بفضة لامعة .

بعد أن عبأ خزان وقود إحدى السيارات . مد رأسه من النافذة كي يقبض النقود . تبادل نظرة مع المرأة . وأشاح . وكأن عقرباً لسعته في أنفه . عاد خطوة . وبقي يضرب الأرض بقدميه . بكى وبكت ، بقيت السيارة واقفة .
كان إيقاع بكائهما ينذر بتهاوي العمود المجازي بين السماء والأرض . فيتهشم زجاج السماء على حجارة الأرض .

قال : " كنت أعمل مدير شركة في الكويت . وهذه المرأة تزوجتها ردحاً من الزمن . كانت خلالها مشغوفة بخيانتي . لم أحبها يوماً . قبل أن أتزوجها . طاردتني أسابيع وشهوراً . في محل الخضراوات أجدها . وفي سيارتي وفي مكتبي . حتى في الحمام عندما ادخله . وأخرج . أراها تنتظر في الخارج . فاضطررت للزواج منها مرغماً . وبسبب طلاقي لها طردت من عملي . وشردت . وادعت أني حاولت قتلها وها أنذا أعمل في هذه المحطة من أجل أن آكل وأدخن ... "

-2-

قالت : " لقد جرحني مرتين ، يوم أحببته . ويوم فارقني . أحببته لأنه رجل رقيق ، مؤدب في عينيه عسل سرمدي لا يمكن لامرأة في الدنيا أن تتجاهله . حاولت أن أراقب ذلك العسل . وجلست مراراً أمامه لكنه يتجاهلني ، وكلما تجاهلني همت في حبه . ومرة كان يوقف سيارته في السوق . وكنت واقفة خلفه . لكنه لوى عنقه نحوي ونادى عليّ ، ولما اقتربت منه . قال : " ما الذي تريدينه يا بنت الأقحاب " ثم طلب مني الصعود في سيارته . وأجرى مكالمتين بواسطة هاتفه النقال ، وعندما وصلنا شقته . وجدنا شيخاً على رأسه قلنسوة ينتظرنا . وفرحت أيما فرح عندما عرفت أنه المأذون . وتزوجني . ومضى شهر كامل ولم يمسسني . كنت في هذا الشهر بكامل زينتي وأنوثتي ، اقترب منه فيعرض عني . وفي إحدى المرات شعرت بالملل الرهيب ، واتصلت بصديق قديم لي ، ليسليني ويؤنس وحدتي . وعندما جاء زوجي . وجدنا جالسين نتبادل أطراف الحديث . ولم يبد عليه أنه غضب . بل صافح زائري بحرارة . وتحدثا وضحكا . ثم شربا قليلاً من الخمر . وعندما أراد الزائر المغادرة طلب منه وعداً بزيارة أخرى.

لكنه بعد أن أقفل الباب خلفه شتمني شتائم مؤلمة . وحبسني في الحمام مدة يومين كاملين . ولم أطلب الطلاق لأني أحبه . وبعدها بشهرين تقريباً . فوجئت به يسلمني ورقة وهو يبتسم . وعندما فتحتها عرفت أنها ورقة الطلاق . وبكيت . حتى ذبلت مفاتني . ونحل جسدي . وعندما شاهد ما حل بي . سلمني شيكاً . بمبلغ كبير من المال . وترك عمله بناءً على طلبه . وسافر بمحض إرادته . وأقسم أنني ما أزال أحبه ولم يغب عن خاطري مرة " .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى