الأحد ٢٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٠
بقلم مريم علي جبة

فضاءات الإبداع عند الأديبة فلك حصرية

ضمن نشاطاته الثقافية والأدبية الأسبوعية أقام فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب ندوة بعنوان: فضاءات الإبداع عند الأديبة فلك حصرية، شهادات ورؤى انطباعية، لروايات: شهريار، أوروكليدون، وبطعم التوت البري.

شارك فيها كل من د.عبد الكريم حسين، وعوض سعود عوض، وأحمد علي هلال، ورنا علي، وأدار الندوة الروائي أيمن الحسن.

بداية تحدث عوض سعود عوض عن قصص من الحياة في مجموعة شهريار حيث قال: حملت المجموعة عنوان:(شهريار)، وهو الملك الذي يكره النساء، نتيجة لخيانة زوجته مع أحد عبيده، فكان يتزوج فتاة عذراء في كل ليلة، ثم يقتلها لمعاقبة بنات حواء، فعل هذا مع العديدات، واستطاعت شهرزاد ابنة وزيره التي اقتحمت حماه وبدأت تروي له كل ليلة حكاية تستمر حتى فجر اليوم الثاني، حتى وصلت حكاياتها إلى ألف حكاية، النجاة وصارت الملكة..

في هذه المجموعة، (قصة شهريار) من شهريار الملك، إذ يحاول أن يعبث بالأنثى، يمدُّ يده إلى ساقيها، ويعتصر جسدها ونهديها، فترفضه، وتدافع عن وجودها وكيانها وتحقق ما أرادت، وهي مقتنعة ومستعدة لدفع الثمن..

وتتضمن المجموعة أربعة وعشرين عنواناً مؤلفاً من كلمة واحدة، من بين هذه العناوين ثمة عناوين معرفة، وعددها ستة عشر عنواناً، أي أن شخصية القصة معروفة والمثال من قصة(المتمردة) التي نكتشف أن المتمردة هي الشعرةُ البيضاء وليس غيرها، وفي قصة (المحروم) يتم تحديدُ هذا الشخص الذي هو فطوم العانس، ومن بعدها ابنها سعيد الذي لم يرث شيئاً.. وهكذا في بقية العناوين ، أما العناوين غير المعرّفة فعددها ثمانية وهي: غصة، ازدواجية، فضائيات، سراب، أنثى، رشوة، انبعاث وشهريار، وهذا دالٌ على التعميم فمثلاً قصة أنثى لا تعني أنثى محددة، بل كلُّ أنثى، وحتى شهريار الذي هو اسمُ علمٍ، هنا لا يعني شخصاً بعينه، بل يمكن أن يكون كلُّ شخصٍ هو شهريار، أما بقية العناوين، فثمة ثلاثةُ عناوين مؤلفة من كلمتين، وأربعة عناوين مؤلفة من ثلاث كلمات، وهي عناوين معبرة..

أما مضمون الإهداء، فهو ومضات مفعمة بالحياة، تترك ذكرياتها على شكل صور وكلمات تبقى حتى لو ذهب صاحبها..

ويتابع سعود العوض: أما عن المرأة في قصص مجموعة شهريار نجد قصة (ازدواجية)، المرأة تسافر وقت انعقاد مؤتمر المرأة، فحققت ازدواجية العلاقة داخل البيت وخارجه، لتصير إنسانة مفيدة ومعطاءة..

أما قصة (الفضائيات) نجد فيها شيء من السخرية والاستغراب، حيث تقوم الأم بناءً على طلب طبيب الأسنان بتصوير أسنان ابنها عند جارها أبي سليم، هذا السلوك الذي فاجأ الطبيب، وأثار سخريته، من خلال عبارته(أيعقل هذا في عصر الفضائيات)..

وفي قصة (حفنة من الليرات) تصف شعور فتاتين تبيان الهوى والجسد، القصة ناقدة لهذا السلوك المشين للمرأة من جهة، وانتصار الحياة ممثلةً بالإبداع والفن.

أما قصة (ورقة اليانصيب) نجد المرأة تعيش على أمل كاذب بالفوز بالجائزة..

وفي قصة الصيد، تحاول الفتاة أن تلعب مع الثعبان، ولكنها تخرج من الدائرة التي وضعت نفسها فيها.

أما قصة النقمة فهي قصة الحماة، والكنة وصراعهما الأزلي حول خلفة البنات..

(المحروم) هو ابن فطوم الفتاة العانس التي قطعت الخمسين، وتزوجت شيخاً أنجبت منه طفلاً أسمه سعيد، لا يملك من السعادة إلا اسمه..

وفي (لحظات هامة) تتحدث عن تمنع الأنثى وهي راغبة..

أما قلق الأنثى فيبدو في قصة أنثى لأنها ستقابل شخصية أدبية مشهورة، ليعطيها رأيه بمخطوطها.. فيعطيها إياه مستهزئاً بسطحية تجربتها الأدبية..

أما القصص الوطنية، (انبعاث) التي تحدثت فيها عن جرائم الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، وقصة (الحدس) شعور سيئ ينتاب المرأة، فيأتيها خبر وفاة والدها..

قصة الماضي يعود غداً تثير تساؤلات كيف سيعود الماضي غداً، بعد أن أحضرت الطائرة النعش، فهل ستعود الزوجة وحيدة لأن رحيله سرق كل شيء؟...

أما قصة الكسوف ففيها وصف للمدينة الفارغة من المارة والسيارات وقت الكسوف، ومقارنة ذلك مع الأوقات العادية، حيث تتدافع طوابير البشر على الأفران وغير الأفران..

من المعلوم أن القصة القصيرة جداً ، تتميز بالتكثيف والتركيز، فهل حققت القاصة ذلك؟؟؟ بداية القصص ذات مستويات مختلفة، تميزت بالقصر والتكثيف ما أمكن، لذلك لا أستطيع القول إنها حققت جزءاً من هذا الشرط الضروري..

أما اللغة فهي مختلفة من قصة إلى أخرى، تبدو العناية باللغة وشفافيتها في بعض القصص، أما القصص الأخرى فلغتها تشبه لغة القص العادية،

وختم الكاتب عوض سعود العوضبالقول: علينا الابتعاد ما أمكن عن المباشرة والوصف في القصة القصيرة جداً، وكلما استطعنا الولوج إلى الحدث، أو الشخصية بفنية، نكون قد حققنا أحد شروطها الإبداعية..

فيما تحدّث د.عبد الكريم حسين عن رواية (أوركليدون) بقوله: تقدم أزمة الكتاب في الفتنة المعاصرة، وفتنة سقوط فلسطين، وتعددت المواقف والأصوات في تعليقات تومئ إلى رواية الموقف من التكثيف والحوار والإشارة إلى مواقف وشخصيات ومحاولة لتحليل بعض الشخصيات ولاسيما النسوية في القسم الثاني من العمل..

كما تحدثت رنا علي عن رواية أوروكليدون: (هلا عرّفنا الشمس؟ ربما تعريفها جاء مذكراً ولكن تأنيث هذا الجرم لم يك عبثاً... جاء لأهمية الأنثى في كل شيء... كأهمية أم يَحيى في رواية أوروكليدون للأديبة فلك حصرية. وكذلك الأمر في كل سطر من هذه الرواية، ليس فقط في الحديث عن المقاومة الوطنية ضد العدو الصهيوني فقط، وليس في الحديث عن دور الجيش العربي السوري كمواجهٍ للحرب على سورية نتيجة مواقفها الوطنية لا من العنوان المأخوذ من قاموس الكتاب المقدس وعن لسان بولس الرسول الذي أطلق تحذيراً قوياً واضحاً قبل ريح زوبعية قوية اسمها أوروكليدون (لا تبحروا إلى فينكس، فالخسائر ستكون هائلة، ليس مجرد فقدان كميات القمح الضخمة المحمولة إلى روما وجسم السفينة... بل أيضاً حياتكم ذاتها ستتعرض لخطر محقق).

هذا التحذير هو وتد أحداث الرواية، فحين لا نستمع للنصيحة ونأخذ العبر مما مضى فيجب علينا أن نتوقع الكثير من الخسائر.

حين نقرأ ما كتبته حصرية قد نراه متفرقاً كمقاطع وأحداث، فمرة نحن في حيفا ومرة في بغداد ومرات في دمشق، لكن ما نقرأه جاء مترابطاً بأناقة من خلال حديث مليء بجمل مطاطية مريحة للفكر تعرض التأريخ الحياتي بلبوس روائي دُسّ فيه الواقع ببراعة كما دست أم يحيى السلاح والمنشورات داخل قماط طفل (أم تيسير) أثناء عبورهما معبراً صهيونياً يتعرض للتفتيش دائماً. البطلة هنا امرأة قروية وطنية مليئة بالفهم للوطن وللمواطنة رغم أميتها، ولم تختر اسم يحيى عبثاً ولا تيسير عبثاً أيضاً... يَحيى الوطن الذي تتيسر وتنهار لأجله كل العراقيل. ووعد وعز الدين وكل الأسماء ذات إشارات وتناص واستخدام للكتب المقدسة، وإنما يدل هذا على المخزون الجمعي والموروث القصصي للذاكرة القومية لديها ككاتبة وبطلة داخل الرواية تحاور وتناقش، حتى عويضة هذا الشخص الذي استخدمت له اسم التصغير هذا لا لتصغير قيمته بل لتفخيم هول ما أصابه حين قصف العدو الصهيوني الطريق إلى جسر الملك حسين واستشهدت بناته الأربع. في هذه الرواية وأقتبس منها (تتوالد أدوات الصياغة حقول ألغام) فعلاً... أقطاب الأدب في الرواية متجانسة رغم العناوين الغريبة للمقاطع، إذ جاء كل عنوان بشكل فاجئ ولكنه يهيء للحدث التالي كدرجة ترتفع بالأحداث نحو السخونة، فمثلاً الشيخ المبروك في الرواية كان الهداية التي لم يأخذها الناس على محمل الجد وهنا تستند حصرية على الكتاب المقدس إذ يقول (أيها الإنسان: ما أفدح الخسائر سواء أكان جهلك بمشيئة الله أم رفضك لها.) وهذا ما حدث أثناء الدخول الصهيوني للأرض الفلسطينية، حاول البعض توعية الأخر ولم يطع أحد منهم، انغروا دهشوا باعوا غصبوا... الكثير لا يعلم الحقيقة إلا من يحمل مفتاح بيته هناك إلى الآن، والشهداء في روايتها وفي كل مكان وحدهم من يؤكدون الأحداث كمحمد السعيد وشكري أبو برغل وحارات دمشق التي لن تكف عن الحكايا.

كل تورية في سطور أوروكليدون هي شغف بالوضوح

(عند محراب الشهادة تتعملق أم، هي ليست الخنساء. ثوب النعمى الذي مننا به على الكثيرات وبسخاء أصبح مقطع الأوصال خاضعاً للأوارم مع وقف التنفيذ).

(كلما أمطرت الحرية في أي مكان في العالم يسارع كل نظام عربي إلى رفع المظلة في شعبه خوفاً عليه من الزكام).
نعم
عرب ولا نخجل
قد يهيأ للقارئ أنه ذم وقدح وأن كل التعب الداخلي نتيجة بعض التهاون العربي تجاه ما يحدث في الأرض السليبة إنما هو حق مشروع للخجل
لكنها تتبع القول

(نعم عرب ولا نخجل.. ونعرف كيف نمسك قبضة المنجل. وكيف يقاوم الأعزل... ونعرف كيف نبني المصنع العصري والمنزل.).

أوروكليدون.. تلكم هي القضية .. الوطن والإنسان. الحارق والمحروق، السجين والسجان ال1ي يقتلنا صمته ويغتالنا صمتنا مرات عدة، وأخرى تقهرنا فلسفته التوفيقية فنتيه دون أن نجد تفسيراً لبعض أفعاله وشرحاً لمعظم سلوكياته وهو يؤمّن الخائن ويخوّن الأمين، يُكذّب الصادق ويصدق الكاذب، يُعلي الوضيع ويحط من قدر الرفيع.. يسود العبد ويُستعبد الحر.).

بمثل هذا النَّفَس البسيط غير المتلكف البعيد عن الإنشائية القريب من اللغة الدارجة والحديث الشعبي وحتى في الأغاني التي زينت النقاشات بين الأبطال تكتب فلك حصرية روايتها أوروكليدون التي وقعتها العام الماضي 2019، في دمشق التي أحصت عشاقها حين تعددت أسباب موتهم ووحد بينهم الغياب، فجاء الوطن ابن مرنة (الهلال حين يخرج من بين السحب) يضيء البقعة المظلمة حين تعب.

وتحدث أحمد علي هلال عن رواية (بطعم التوت البري) قائلاً: هي تراجيديا المصائر كما خطها أفق روائية أرادت أن تتنكب مغامرتها وتجهر بمعرفة سوف تضاف إلى ميراث أدب واقعي نازف من وقائع الجرح السوري عبر ثيمة رئيس لكنها تتعدد أطيافاً وتشكيلات هي الموت واقتفاء أثر النهايات والبدايات، فهل هو جهر بالمسكوت عنه ارتباطاً بما اختزنته الذاكرة من علامات ميزت ذلك الأدب الواقعي ولنلاحظ مثلاً ومن الرواية أن ما تذكره الروائية عن الغرقى في خزان الشوكولاته لن يبتعد كثيراً عن دلالة خزان أبي الخيزران الذي اختاره أبو قيس وسعد ومروان مكاناً للاختباء وهم الذين يهيمون في جهات الأرض بحثاً عن خلاص في رائعة الشهيد غسان كنفاني"رجال في الشمس"، سياقات استدعت أمثولات عالمية بات مشتركها الموت كحال عوالم الماغوط في مسرحياته..

لطعم الجراح علقم الغناء ولردة الموت تشييع الحياة، تلك دلالة قصية لعنوان تشبع سرده بغنائية الذات ومنولوجاتها، مختبرة طعم القراءة، وطعم التلقي، وبعد... فهل قالت الرواية كل ما نعرفه؟.. وهل تذهب إلى ممكنات بعينها لتصبح مدونة تخاتل وثائقها بمتخيل إضافي، أيتلك المضايقات والمصاحبات النصية في وظائفها الانتباهية، الأشد استدعاءً للدرس النقدي لاسيما وأن روايات الحرب في محاكاتها للواقع مازالت ترهص بغير علامة وبنزوع أصيل للتوثيق، وتوسل طعوم أخرى مازالت ثاوية في اللاوعي والذاكرة، بل في الواقع المعيش المركب والمفتوح على احتمالات من شأنها أن تؤول لأقدار روائية..

هكذا ينهض عالم الرواية ممتلئاً ببوح متاح ليضيف لمسيرة روائية تنفتح سردياتها على ما تعنيه مغامرة الإبداع معللة بشرطها الإنساني، وبدينامية لغة تتعالق بزمنها السردي، لتشتق منه وعي المغامرة والعبور إلى الحياة..

وختم هلال بالقول: هذا استحقاق الرواية السورية، وهي تضيف ذلك الوعي المضاعف بالجرح السوري حينما تنغرس في أرض واقعيتها بقيم استشرافها..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى