السبت ١٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٧
حوار مع الاعلامية سلوى جراح:
بقلم هيثم الشريف

فلسطين أمي التي ولدتني والعراق أمي التي ربتني!!

إعلامية فلسطينية عربية عملت زهاء ربع قرن من الزمان في هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، قدمت العديد من البرامج من بينها موزاييك، ولكل سؤال جواب، لكن أبرز ما قدمته طوال مسيرتها الإعلامية ندوة المستمعين، إنها الإعلامية الفلسطينية سلوى جراح...وقد أدرت معها الحوار التالي:-

- لم تكن هذه الزيارة الأولى لفلسطين لذلك أسأل بداية إن كان هنالك شيء مختلف في هذه الزيارة؟
 في شيء مختلف أساسي في هذه الزيارة، إذ رأيت ولاحظت ومسست أشياء حقيقية في البلد ما كان يتاح لي أن أعرفها لولا هذه الظروف، إذ ذهبت مثلا لزيارة مدينة الخليل بالمواصلات العامة ، حيث شاركت الناس بالطريقة التي يتعاملون فيها للتنقل من خلال الطرق إلالتفافية حيث لم نمر على معبر قلنديا، وذهبت أيضا إلى القدس بالمواصلات العامة، وجربت الوقوف على معبر قلنديا والتعامل مع الجندي الإسرائيلي والخروج أيضا من القدس بذات الطريقة ، وهذه أول مرة أجرب فيها هذه الأشياء،وأنا أعتبرها تجربة ممتازة.

- أشرت في أكثر من مرة أن مشاهدتك لجدار الفصل العنصري عن قرب كان له أثر كبيرعليك، تحدثينا عن ذلك؟
- جدار الفصل العنصري لم أر في حياتي أقبح منه، فهو مثال للقبح..مثال للاعتداء..مثال للسرقة..مثال للعدوان، تذكُر في الملاحم اليونانية يتحدثون عن صندوق بندورة الذي وضعت فيه كل الأشياء السيئة في العالم- ولا أدري لماذا الأمل كان من بين هذه الأشياء- وقالت لها الآله لا تفتحي هذا الصندوق، لكنها فتحته فخرج الغش والخداع والكذب والسرقة من الصندوق وانتشرت في العالم، وبالتالي هذا الجدار هو كل ما كانت تخبئة بندوره في صندوقها العجيب، كل شرور العالم تتمثل في هذا الجدار، ولم أر في حياتي ماهو أقبح منه..حتى لون الإسمت هو لون ميت قاتل..فهذا الجدار خانق جدا..ومؤثر جدا..ومؤلم جدا.

- مقاطعا..ولكن القصد من السؤال ما الفرق بين المشاهدة الحقيقية أو مشاهدته من خلال التلفاز مثلا؟
 فرق كبير بين ان تُشاهد الجدار في التلفزيون من خلال برنامج وثائقي، أو أن تقرأ عنه في الصحف، وبين أن تقف بجانبه!! فهو هائل ومرتفع وعالي أكثر مما نتخيل، فعلا قبيح، مما يجعلك تتسائل وتقول:هل يعبر العصفور هذا الجدار أم يفضل أن لا يفعل؟

 أوضحت أن هذه الزيارة تختلف عن زياراتك الخمس السابقة لفلسطين، نتيجة لمشاهداتك الناتجة عن تلمسك لخطوات المواطن الفلسطيني..بالتنقل وغير ذلك، سؤالي هنا هل روايتك القادمة حبر على ورق ستتضمن شيئا من مشاهداتك؟

 رواية "حبر على ورق" حقيقة كتبت منها حتى الآن أكثر من50 صفحة ، وكنت قد وضعت لها فترة زمنية تمتد من أواسط حتى نهاية التسعينيات من القرن الماضي، لكنني الآن سأغير رأيي، وسأجعل أحداثها مما يدور اليوم، أريد أن اتحدث عما يجري اليوم، لأن ما يحدث اليوم في فلسطين، شيء مؤلم جدا، فمثلا حين زرت الخليل كما قلت في البداية، بمجرد أن تسير في شوارع الخليل القديمة، وفي سوق الخليل القديم، ترى صورة للإحتلال لا يُمكن أن تصفها كل الصور التي في العالم!! فحين تسير أمام بوابة حديدية وضعت هناك مع برجين لتفصل بين جزء من هذا الشارع، وجزء آخر من الشارع قرر المستوطنون أنه لهم!! وحين تدخل الحرم الإبراهيمي الشريف وترى أيضا بوابة حديدية ، وخلف هذه البوابة تسمع أصوات صلاة اليهود!! فكيف أصبح لهم حق في أن يكون لهم جزء من الحرم الإبراهيمي الذي أصلا بناه الفلسطينيون على مرّ العصور، وأضافوا إليه..وكل عصر كان يضيف ويحسن، فهذا منبر صلاح الدين الأيوبي..وذاك الخشب الذي جاء به أحد حكام فلسطين ، بمعنى أنه ما من عصر كان لهم فيه شيء! فكيف أصبح لهم الحق في أن يقتطعوا جزء من الحرم الإبراهيمي؟ وما يزيد في إحساسك بالقهر أن ضريح جدنا إبراهيم في ذات الحرم الإبراهيمي، فتحوا شباك آخر يطل على الجانب الآخر ليشاهدوا منه على جدنا إبراهيم.

والشيء الآخر الذي أثارني جداً في الخليل، هو الشباب الذين أوقفهم الجندي الإسرائيلي في ذات البقعة وذات البوابة الحديدية التي تؤدي إلى الحرم،حيث طالبهم بالإلتصاق بالجدار، وأما أنا فطلب مني بالوقوف بالجانب الأخر لكوني إمرأه كبيرة بالعمر، كلما أطللت برأسي لمعرفة ما يحدث مع الشباب ، كان يقول لي إرجعي للخلف..

 مقاطعا..أما ما أبكاكي فصورة بُثت في التلفاز لرجل قطعت ساقه!!
- بالفعل فهذه الصورة الرهيبة كنت أراها في المحطات الفضائية كثيرا، رجل قطعت ساقه فوق القدم بقليل، وما زالت تتدلى ومعلقة بقطع من العضلات!! والجنود الإسرائيليون يحملونه ويسيرون فيه في شوارع الخليل!! وحين سرت في ذات الشوارع، رأيت هذه الصورة أمامي، وكأنها حدثت الآن، بالفعل شيء رهيب!!.

 ننتقل للعمل الإعلامي.. أنت عملت في هيئة الإذاعة البريطانية "البي بي سي" لمدة 23 عاما، وفي عام 2005 أجري معك لقاء حول السلطة والنفوذ فقلت"السلطة حين يعيشها الإنسان لا يشعر بها إلا حين يفقدها"فهل نفهم من ذلك أن هذا ما شعرت به سلوى جراح بعد أن تركت هيئة الإذاعة البريطانية؟

 لم يكن عندي أبدا سلطة ونفوذ، وإنما كان عندي سلطة التحكم في برامجي التي أقرر ما أضع فيها ومن التقي بهم من خلالها، وهذه لم أكن أشعر أنها سلطة ، وإنما كنت أشعر أنني موظفة أؤدي عملي لا أكثر ولا أقل، ولكن.. الآن وأنا أنظر لهذا العمل من الخارج - لم أعد في داخل هذا العمل – أرى أنها كانت تعطيني شيء من الصلاحية في عمل أشياء أُحبها، أشياء أراها ضرورية ، أشياء أحاول ان أقنع حتى المسؤول في أهميتها وأهمية طرحها، ولكنها ليست سلطة لأن السلطة هي القدرة على تقرير مصير الآخرين، وأنا لم يكن في يدي يوما القدرة على تقرير مصير أحد.
* مع ذلك .. كيف هي نظرة الآخرين لك لكونك صاحبة سلطة أو صلاحية بمفهومك؟

- نظرة الآخرين لي كصاحبة سلطة بمفهومهم هو أنهم يريدوا أن يستفيدوا من وجودي، ربما يريدون أن التقي بهم أو أعمل معهم لقاءات مطولة،فبرنامج الواحة كان كل الأدباء والكتاب والشعراء يتهافتون عليه، إذ لم أكن أتوسل بواحد منهم أن يأتي لبرنامج الواحة، كان يأتي الواحد منهم وهو سعيد، لأن البرنامج كان ناجح، وكان البرنامج يعطي الكاتب فرصة جيدة للحديث عن نفسه وعن أعماله، وبالتالي كانوا حين يروك يهشون ويبشون في وجهك حين يروك، وأما الآن..

- من برامجك الإذاعية موزاييك..الواحة..لكل سؤال جواب..ندوة المستمعين.. أي البرامج مما ذكرت التي كانت الأقرب إلى نفسك؟

 بالطبع الواحة، لأنه كما قلت فإن برنامج "الواحة" كان برنامج مدته نصف ساعة يستضيف دائما شخصية معروفة شخصية ذات قيمة،كاتب، أديب، شاعر، فنان، ممثل، رسام، يعني هذا النوع من الناس كانوا يوضعون في الواحة، ويجب أن يكون معروفا في العالم العربي، وإلا لا يناسبه البرنامج، لذا فقد كان الواحة فرصة للإلتقاء بالناس والشخصيات المعروفة، وعن طريق هذا البرنامج إلتقيت بعدد لا يُستهان به من الأدباء والشعراء والكتاب..

- مقاطعا.. مثل يوسف شاهين..نزار قباني..

- صحيح كذلك يحيى حقي، الغيطاني، يوسف القعيد، نضال أشقر، المسعدي في تونس، الطاهر وطار في الجزائر..والكثير الكثير.

  كيف ترين دور الإعلاميات الفلسطينيات، فكثيرا ما تذكري جيفارا؟

 أنا سعيدة بهن جدا حقيقة، والتقيت بهن في عمان من خلال مؤتمر الإعلاميات العربيات قبل ثلاث سنوات، سعدت جدا بالإلتقاء بـ جيفارا وشرين أبوعاقلة، وحين أراهم على شاشات التلفاز أحس بالفخر والإعتزاز بهم، لانهن مثال ممتاز للإعلاميات الفلسطينيات.

- برأيك إلى أي مدى يمكن القول بان المرأة قادرة على إيصال فكرة قد يكون قدار أو لا يكون الرجل قادر على إيصالها؟

 أنا لا أُؤمن بهذا الأمر، فأنا أعتقد ان لا فرق بين الرجل والمرأه في مجال الإعلام،

المرأة ذات القدرات والإمكانيات لا تختلف بأي شكل من الأشكال عن الرجل صاحب القدرات والخبرات والقدرة على عمل الأشياء الجيدة.

- مع ذلك وبشكل عام ما رأيك بالإعلام الفلسطيني والمحلي من خلال مشاهدتك؟

 من خلال مشاهدتي مثلا للفضائية الفلسطينية التي نشاهدها خارج فلسطين، أعتقد أن ما نشاهده سيء جداً،آسفة لأن أقول هذا الكلام، ولكن لا أشاهد عندهم أي شيء يستحق المشاهدة حقيقة ،أحيانا يكون هناك برنامج عن تاريخ القدس وكذا.. وتمنيت أن يُكثروا من هذه البرامج، لكن ما يُقدم يوميا من أخبار ومن تعليقات ومن برامج مقابلات وكذا لا تشد المشاهد في رأيي.

أما إذاعات الـ ف م الفلسطينية فإعتراضي عليها أنها إذاعات لا تعنى بالبرامج الإذاعية، أنا إمرأه قضيت حياتي وأنا أصنع برنامج، وما يقدم من الـ ف م ليس برامج، ما يُقدم منها هو تقسيم للوقت بأن هذا برنامج الأسرة وهذا كذا..لكنه في واقع الأمر لا يحتوي على الفكرة الحقيقية من البرنامج، لا يعالج القضايا بالشكل المطلوب، ولا يستعمل التقنيات المطلوبة في صناعة البرنامج الإذاعي الجيد، وما يقلقني من إذاعات الـ ف م أنها تؤثر على الذوق العام!! فإذا إعتاد الناس أن يسمعوا أشياء كهذه، لن يقبلوا بسهولة أن نقدم لهم برنامجا جادا، برنامجا واعيا، لانه إستسهال...موسيقى وصياح، يعني لم أسمع في إذاعات الـ ف م ما يستحق السماع، قد أتهم بأنني قاسية، ولكن هذه هي الحقيقة.

- أنت فلسطينية مع ذلك عشت لسنوات طويلة في العراق، فهل تشعرين بالحنين إليه؟

 العراق أمي التي ربتني، وأنا دائما أقول هذا الكلام بأن فلسطين أمي التي ولدتني، والعراق أمي التي ربتني، فحين حدث ما حدث عام 1948 ذهبت مع والدي للعراق عام 1950 حيث ذهب للعراق بوظيفته، لأنه كان يعمل في شركة نفط العراق، وكان عمري حين ذاك أربعة سنوات ، فعشت بشيء من الرفاهية والاستقرار العائلي، فتربيت ودرست بالعراق، حتى أنني تزوجت من عراقي، وبالتالي فإن للعراق فضل عليّ، أنا فلسطينية عشت حياة بعيدة عن فلسطين غير مختارة، وكما يقول المثل "مرغم أخاك لا بطل" فدائما أقول في كل بلد عربي لدي حصة فيها، أشعر أن لي فيها شيئا، أحب فيها شيئا، فالعراق هو البلد الذي عشت فيه ورباني وعلمني وهو بالضبط أمي التي ربتني.

- ألم تختلف نظرتك لأمك التي ربتك الآن بعد ما حلّ بالعراق؟
- إذا كانت أمي مريضة فستبقى أمي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى