السبت ٢٢ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٢

قراءات في قصة عنبر رقم ٦

علا شيحه

عنبر رقم ٦:

في هذه اللوحة الأدبية الفريدة يستقبلنا الأديب أنطوان تشيخوف في العنبر رقم ٦ بالجدران الملطخة بالدخان والأسقف المهترئة والنفايات المزدحمة وحتى الطبيعة الظالمة في هذه البقعة.

أول ما نراه ذاك الوحش على هيئة بشريّ "نيكيتا"

هذا الساديّ خيرُ مثال على الوحشية والعنف وذلك الذي يتعارض مع وظيفته كحارس في مكان يحتاج للكثير من الانسانية والمشاعر. عندما نصل الغرفة الكبيرة التي تشغل معظم الجناح نجد خمسة أسرّة والكثير من الرائحة النتنة والقضبان الحديدية والارضية رمادية اللون وفي داخل الغرفة خمسة جثث مع وقف التنفيذ:

مويسيكا، إيفان دميتريتش جروموف _المريض بجنون الإضطهاد_،المشلول،الفلاح وفارز البريد. جروموف ذلك الرجل الرائع ميسور الحال الذي أنهكته الدنيا دفعة واحد بموت ابنه سرجي متأثراً بمرض السل وهو في الصف الرابع وبعد أسبوع من ذلك موت والده وبعد والده بفترة قد ماتت والدته، وبعدها قضى جروموف نصف سنة لا يأكل إلا الخبز والماء ثم التحق بوظيفة في المحكمة وتابع حياته بالكثير من القراءة واستحقار مجتمعه وتهذيبه وعصبيته المفرطة.

دون سابق إنذار أُصيب بفوبيا غريبة تجاه السجن خصوصاً والشرطة عموماً وزاد الأمر سوءً جريمة قتل بالقرب من مكان عيشه في بطرسبرغ وهنا ومن شدة ما أصابه من خوف اعتبره المجتمع حوله مجنوناً وتم نقله إلى المستشفى ونسيانه في المجتمع بعد سنة من ذلك.

وستقابل أيضاً الطبيب أندريه يفيمتش ذاك الإنسان الذي يميل لكل شيء إلا الطب وهو نفسه الذي يكره الفساد وانعدام الإنسانية في المستشفى، وهو نفسه الذي يعيش على القراءة مع الفودكا وبيرة الساعة الخامسة مع صديقه الوحيد مدير مكتب البريد. أخيراً وليس آخراً ستقابل الصدمة الأكبر، الزمن يعيد نفسه مع اختلاف الأشخاص فبعد صداقة الطبيب أندريه مع جورموف اتّهمه الوسط المحيط بالجنون وطبعاً ليست الحقيقة مهمة_في وقت مفهوم الحقيقة فيه كاذب _ ستجد أندريه مسحوباً من قدميه ويديه كجثة هامدة وسيُغلق باب العنبر رقم ٦.

تعقيب

في العنبر رقم ٦ بينما يأكلني وجع معدتي من رائحة المكان: رأيت الصفة المشتركة بين الخمسة نزلاء هي التعايش واللامبالاة مع قليلٍ من روح الثائر في جروموف، وما أقرب حالتهم لحالتنا، شعرت في لحظة الحديث عن عدم إبداء أي ردة فعل من قِبل الفلاح عندما كان يضربه "نيكيتا" بخوفٍ شديد تملّكني؛ كُلّنا في هذا البلد فلاحون وما أكثرهم أبناء نيكيتا!!

هذه المرحلة التي أجاهد كي لا أصل لها :التعايش ،هذا المصطلح الحيواني البحت أدفعُ عمري كي يُلغى من حياتنا ويُستبدل بالأمل والطموح والعيش ثم العيش ثم العيش ولا شيء غيره!. في سطور هذه القصة رأينا الصراع الدائم بين من جرّب الألم ومن حلله دون تجربة والخلاصة:كما يقول المثل الشعبي (اللي إيديه بالمي مو متل اللي إيديه بالنار).

لا يمكن لأرستقراطي أن يكتب قصائد عن الفقر وصعوبة العيش ولا يستطيع كتابة أغنية لقطعة الخبز ولا لغداءٍ فاخر مرة في الشهر. هذه الأمور تُعنى بها البروليتاريا وهذه الطبقة تعتبر كل من يكتب عن "مواضيعها الثورية" هو طفيلي أو مستعمر يجب محاربته. وآخر وأهم ما قرأتهُ من بين هذه السطور هو أن المجنون كما يقول نيتشه هو الشخص الذي فقد كل شيء إلا عقله لذلك ألقوا بكلماتكم الطيّبة في حقول الآخرين فحتماً سيغيثها الله وستنعمون بخيراتها.

عروة عباس"

علا شيحه

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى