الأحد ١٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٩

قراءة تحليلية نقدية في ديوان «على حافة القلب»

زيـــــاد الحمدانـــي

ليس من العسير بمكان، ولا من السهل سبر غور الحرف الذي تتقنه الشاعرة الجزائرية سليمة مليزي في مجموعتها الشعرية (على حافة القلب) اذ يمكن القول عنه انه من السهل الممتنع في الأدب الرصين.. فرغم سلاسة ووضوح الألفاظ والمفردات لكنها في ذات الوقت اعتمدت فيها البُعد البلاغي والترميزي العميق وما فيها من إشارات ودلالات وجدانية وسيكولوجية واجتماعية ووطنية عميقة.

يتبين في ديوانها الشعري الذي ضم اكثر من 70 قصيدة أضافه لومضاتٍ ادلية وتجلياتٍ وجدانية مدى تعلق الشاعرة بجذورها وملاعب صباها وتاريخها الوطني وحبها الممتزج بشجن ٍ خفيٍّ لم تظهره الاّ من خلف السطور، فقد اتّسمت الشاعرة بنظرتها التفاؤلية رغم تواشيح الألم وما مرّت به أسوة بما مرّ به البلد وأبناءه وما عانته المرأة الجزائرية وما قدّمته من تضحيات..
اتّسم ديوانها الشعري (على حافة القلب) بتنوعه الغزير مابين مجموعة شعرية وجدانية رقيقة الحس وما بين قصائد وطنية خصبة واخرى ذات أبعاد سيكولوجية، دون إهمال حبّها وشغفها العميق لأرضها وارض فلسطين وغزّة.. وإظهار مواقفها الوطنية، كما بيّنت دور المرأة الجزائرية والعربية عموما، إذ عنت بإبراز هذا الدور بأسلوب غاية الإبداع والعمق.

في قصائدها الأُ ُول التي اتّسمت بالوجدانية الرقيقة مثل (أغضب ــ صهوة العمر ــ علّمني ــ رفقا بهذا النبض ــ شهد القلب) نجد انها اعتمدت الترميز الرقيق والمجاز العذب في مفرداتها واسترسالها الشعري حيث عكست الشاعرية والحس المرهف في خلجاتها كما في قولها في قصيدة (اغضب) لم اعد احتمل بقاءك.. خلف جدار الانتظار.. فالأرض فيها متسع من النقاء.. لأمحو آثار حبّك.. ببقايا كبرياء) بينما في قصيدتها (صهوة العمر) تقول: (كلّ حبّ سوى حبّك.. يستحيل البقاء) ثم في قولها (لماذا تلبس الليل.. اذا كنت تخاف الصهيل..؟؟)يتبين مدى الحب والتعلق العميق رغم أثبات هذه الحالة في القصيدة الأولي ونفيها في القصيدة الثانية لفظاً لا معنى.. وهذا ما يتجلى في قولها (كيف أنسى يوم كان اللقاء.. وكان الحنين.. قبلة الانفجار...)ترميز بعيد وعميق الإشارة والدلالة الوجدانية الظاهر في سردها الشعري الجزيل اللفظ والمعنى.. وهذا ما يتضح شيئا فشيئا في قصيدتها (علّمني) حين تأتي أقول: (وافسّر شعورك الذي يعتريني.. تجدني، صبيّة.:. أبعثر حلمي) كلها مفردات لفظية مؤنثة تشير الى المرأة وعمق جذورها ووجدانها وهي كما قلت رغم وضوحها لكنها عميقة في ترميزاتها وابعادها فهي حين تقول في قصيدتها (رفقاً بهذا النبض).. (أنا مطرُ.. يهرب مني الريح والسحاب.. والرعد.. اذا وقف أمامي ينحني للعتاب.. انا الكونُ.. ومجرات الروح.. تلجأ اليّ حين يغدو الزمان.. غباراً.. ورماد...) اجادت الشاعرة في أبراز دور المرأة ومكانتها في المجتمع وهذا ما يتضح جلياً في نصوصها الشعرية فهي بحق شاعرة المرأة وحامل لواء عزّتها وكرامتها وكينونتها ويتبين ذلك في قصيدة (بأي حال عدت يا عيد) حين تقول: (أنا المرأة وكفى.. أنا العيد... أنا تاريخ فرحٍ مجيد...).

وبين الوجدانية التي اتّسمت بها نصوص الشاعرة سليمة مليزي، نجد تعلّقها بجذورها وبلدتها وبالطبيعة وقوانينها ونواميسها في مفرداتها اللفظية (المطر.. السحاب.. السنديانة.. الأرض.. القدر.. الطيور.. الحمام.. البحر.. الجبال..) وكل ما حولها من طبيعة تعكس عمق تعلقها بجذورها وبأرضها وتاريخها... ففي قصيدتها (القلب صحو) تقول: (القلب نبض.. والحب نوارس بحرية.. تتناسل في غربة الليل.. في سر كينونة هذا القدر..القلب شتاء بارد.. والمطر عيون تبصرني، تغسل هذا الوجه..) اذ تحاكي بأسلوبها المتميز المتفرد الرقيق الرصين الحرف والعميق الترميز حالة من الامتزاج والتجذر العميق بينها وبين الحوليات الوجدانية الايحلئية العميقة وكأنها تحاكي (الانا) في أعماقها الوجدانية بشجن عميق، مكتوم الصرخات في قولها: (خبأت ذاك الوجع.. بين اضلع الفؤاد.. الا اثير وجع نفسي.. فثارت نفسي على وجعي..) قمة الابداع والوجد والشجن الخفيّ بين ثنايا الحرف وخبايا السطور.. فأبدعت وأجادت بعمق.. ثم تنقلنا الشاعرة سليمة مليزي في ديوانها (على حافة القلب) لواجهة اخرى.. اتّسمت بالحس الوطني العميق وبأسلوبها الوجداني الذي يعكس مدى رهافة حسها وشاعريتها رغم الأسى والجرح فيما يخص قضايا الامة وعلى وجه الخصوص (فلسطين السليبة)وذلك في قصائدها (لحبك يا جزائر.. غزّة تئن.. صمت آخر يمر على جثث غزة.. صلبوا دمي.. الى متى ننام في العراء.. عذرا سيدة المقام.. بني عزيز وصباها العنود.. واليمة الانتصار.. قناديل فتيله رثّ.. للفقراء حبّ مؤجل.. قطر الندى.. يا ولدي لا تكبر.. عارُ عليكم يا عرب.. القدس ضحية وكلنا أحزان.. أم النضال.. آه يا وطن.. في أوج المطر..) ومن خلال قراءة معمقة في قصائدها الوطنية نراها تنسج ذلك الامتزاج بين جزائريتها العربية وتضحياتها وبين فلسطين ففي قصيدتها (غزة تئن) تقول: (أيها المارون على أجسادنا.. على شرفنا..تمطرون النار على مدننا.. تسرقون البسمة من أفواهنا.. وطني يحتضر تحت الحصار..تحت الدمار.. جسد غزة يحترق،، تبتر أحلامها..) وكأنها تعيد إلى أذهاننا أحداث وبطولات ثورة التحرير في الجزائر بلد المليون ونصف شهيد تحت ظل الاحتلال الفرنسي لتقول (ليلك المنسيّ يا غزة.. جرحه فاق حجم العرب.. جفّ الخجل من محيّاهم..) وتربط ذلك في قصيدتها (صمت آخر يمر على جثث غزة)في قولها: (هناك في عتبة الظلام.. تؤنسني ذكرياتي.. يعيدني اشتياقي إلى وطني.. أغفو على صدره الوجع.. نامت أحلامنا...)وكذا قولها في قصيدتها (وليمة الانتصار)... (كن قويا أيها القدر.. كن يانعا كشجرة السنديان.. على هذه الأرض.. كانوا يزرعون سنابل القمح..).

في قراءة لما خلف السطور يظهر جلياً وبوضوح مدى عمق الترابط بين حسّها الوجداني والوطني حتى وكأننا نقرأ من قصائدها أسلوبا وجدانيا ثائرا عميق الشجن فكانت بحق درويشية اللفظ والحس وكأننا نقرأ سليمة مليزي الشاعرة بقلم الشاعر الكبير محمود درويش.. فكانت بحق صنواً للشاعر درويش في حسه العميق ولفظه الرقيق الرصين العميق الشجن.. كما في قولها (في كلّ سنبلة سبعة سنين من الكفاح.. وكل حربٍ لها فجران.. يشرقان على مدينتي.. يزرعان وليمة الانتصار.. وقلت لذكرى أجدادي.. سلاما....) وهذه القصيدة إنما تخلّد فيها ذكرى المناضلة الكبيرة والمجاهدة العتيدة شيبوط جميلة، ثم لترسم حالة الواقع والضياع بكل قسوته في قصيدتها (للفقراء حب مؤجل) حين تقول (هناك في غربة القلب.. حبّ فقير.. يعزف على وتر الزمان.. أنشودة الضياع) حتى تنتهي بقولها (هناك يزرعون الأمل.. كبلور في الطريق...) ف للفقراء منفى مكلل.. بلون وطني الحزين..) توصيف مجازي وترميزي مذهل عذب عميق الشجن بإيحاءات وعناصره اللفظية التي اتّسمت برهافة الحس وعمق البلاغة والإشارة..

المرأة في قصائد الشاعرة الكبيرة سليمة مليزي أخذ حيّزاً كبيراً في فكرها وقصائدها وبأسلوبها نظرا لعمق ابداعها وتواصلها المجتمعي والتاريخي والاجتماعي والسيكولوجي.. ففي قصيدتها الموجهة للمجاهدة الكبيرة جميلة بوحيرد وبمناسبة عيد المرأة تقول في قصيدتها المعنونة (قطر الندى) تقول: (ولأنك انت سيدتي.. قطر الندى وشهد العسل.. سيدة المقام.. ومنار الفكر في العلا.. وخصوبة الحياة.. وبدون انثاك، تنعدم الحياة.. ولأن الأرض انثي.. والشمس انثي.. والسماء انثى.. والعقيدة انثى.. والحياة أنثى.. والانتصار يصبح انثى.. والتحدي طعم الأنثي.. اليك سيدتي، ينحني القلم..... وفي قصيدة (دفاتري) يتجلى عمق البلاغة والاشارة في قولها ومجازها الترميزي العميق.. (قلمي يبعثر كلماتي، على محيّاك، ترقص ابجدياتي.. وبين أصابعي تلد القصيدة.. حبلى الانتصار..).. ف القصيدة أنثى، والانتصار والأمنيات أنثى، فكان للأنثي مكانا شاسعا، في ديوان (على حافة القلب) للشاعرة الكبيرة سليمة مليزي..

اتّسم ديوان (على حافة القلب) بكل قصائده العميقة الترميز والحس والشاعرية بعناصر عدة:ــ

1ـ جمالية الأسلوب وعمق الفكرة.
2ـ اختيار الألفاظ البديعة ذات العمق الدلالي.
3ـ ظهور عمق تجربتها الأدبية الغنية والرصينة فكرا ومضمونا.
4ـ اعتماد أسلوب المباشراتية اللفظية والمعنوية والترميزية.
5ـ سلاسة المفردات اللفظية لتلائم كل الفئات الثقافية والعمرية
6ـ تأثرها الكبير بالشعر العربي المعاصر.
7ـ عمق العلاقة الإنساني مع جذورها وتاريخها الوطني والحضاري والطبيعي.

7ـ عمق العلاقة الإنساني مع جذورها وتاريخها الوطني والحضاري والطبيعي.ومحمود درويش ومظفر النواب وغيرهم وهم من جيل الشعراء في عصرهم الذهبي المميز.مع اختلاط الكثير من توجهها الوجداني بالشعراء محمود درويش ونازك الملائكة ونزار قباني وبأسلوبها المتفرد الذي يعكس كونها صاحبة الهوية المستقلة بذاتها فكانت بحق.. (على حافة القلب) بل وسكنت القلوب بكل حروفها وابدعها وتميزها وكانت هي.. الشاعرة سليمة مليزي بكل كينونتها الابداعية الخلاّقة... متجلية في ديوانها الرفيع (على حافة القلب)....

زيـــــاد الحمدانـــي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى