الجمعة ٦ أيار (مايو) ٢٠٢٢
بقلم خليل محمود الصمادي

قراءة في رواية أيام الشتات لكمال رحيم

أيام الشتات للروائي كما رحيِّم طويلة في 412 صفحة ولكنها مشوقة جدًا تتكلم عن عائلة يهودية هاجرت من مصر لفرنسا مكونة من جد وجدة و ابنتهما أم جلال وابنها المسلم جلال وباقي أفراد الأسرة، وجلال كان نتاج زواج شرعي بين مسلم صعيدي وامرأة يهودية من سكان القاهرة برغم معارضة الأسرتين.

استشهد الصعيدي في حرب 1956 وجلال في رحم أمه وبعد ولادته عاش في صراع بين الانتماء لأهل أبيه الذين رفضوه في بادئ الأمر، ثمَّ ضيقوا على سفره إلا بموافقتهم، وبين أسرة أمِّه اليهودية التي تربى عندها بالقاهرة في حي الظاهر وهذا ما خطه كمال رحيم في الجزء الأول من الرواية.

أما هذه الرواية الثاني "أيام الشتات" من ثلاثية اليهود فيبدأ المؤلف بإهدائها (إلى أبناء الشتات الحقيقيين إخوتنا أبناء فلسطين) فمن إهدائه يظهر أن كمال رحيِّم يقف مع الحق والعدل وهذا ما ظهر من الروايتين فهو يحترم الديانة اليهودية ويفرق بينها وبين الصهيونية، وأبطال روايته اليهود قسمان قسم كره ما قامت به الصهيونية "الجد الخال شمعون، وقسم مؤيد لها الجدة وأم جلال وزوجها الثاني يعقوب وشقيقها إيزاك.

يعيش جلال في صراع بين الفكرتين ويعاني ما يعانيه في فرنسا التي خرج منها مكرها عام 1974، ويشبُّ فيها ممارسًا عدة مهن في باريس، ويتعلق بجده اليهودي المتسامح الذي كفله وهو صغير وكذا كان جده كان متعلقا بالقاهرة وأوصى أن يدفن فيها ولكن الطرف الصهيوني كان يرى أن يدفن في تل أبيب.

كما يتعلق بجاره بائع اللحوم التونسي الشيخ منجي ويحاول منجي تثبيت دين جلال من خلال وعظه وإرشاده حتى أنه يتزوج ابنته خديجة بعد فشل زواجه من راشيل اليهودية ابنة خالته إذ يكتشف في ليلة الدخلة أنها ليست عذراء، وحتى خديجة التي أحبها لم يهنأ بها إذ تلتحق بربها بعد أشهر من زواجها.

كمال رحيم روائي خلوق ذو قلم نظيف يخاطب العقل والروح ويعالج مشكلة اجتماعية عويصة ما لجأ للجنس وتحريك الغرائز كما فعل كثير من الروائيين والروائيات في طريقة ممجوجة على مبدأ خالف تعرف، وبالرغم من علاقة جلال مع ثلاث نساء ففي القاهرة أحبَّ وهو مراهق ابنة جيرانه المسلمة ناديا وفي باريس تزوج مرتين إلا أن وصف رحيِّم لهذه العلاقات كانت في غاية الذوق والآداب، دون وصف التفاصيل التي استغنى عنها بقوة لغته وأسلوبه المبسط.

استطاع كمال رحيِّم أن يحلق بنا في أحياء باريس ويصف معالمها بدقة متناهية ويصف أبطاله كأنه يرسم لوحة فنية يعيش القارئ معهم بكل تفاصيلها ويصور لنا مجتمع العرب في باريس الذي يضم اللبناني والتونسي والجزائري وغيرهم، إلا أنه استغرق خلال أحاديث أبطاله باستخدام اللهجات المحلية كالمصرية واللبنانية والتونسية مما اضطره إلى وضع معاني الكلمات بين أقواس كي يفهمها القارئ.

صحيح أن استخدام اللهجة المحلية والعامية يضفي على الرواية نوعا من الواقعية ولكن الاستغراق فيها يشتت القارئ.

على كل بالرغم من الإفراط في العامية أثناء الحوار إلا أن وصفه بالفصحى يشد الألباب ويبهر العقول لأنه يملك لغة سلسة واضحة.

وبانتظار الجزء الثالث (أحلام العودة) حتى تكتمل الثلاثية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى