الاثنين ٣٠ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٩
بقلم سليمة مليزي

قراءة في رواية «تاءُ الخجل» للأديبة فضيلة الفاروق

شكراً باريس لهدوئك رغم صخب المارين،،الكل يسرع في اتجاه حياة أفضل... شكراً. للطمأنينة التي تسكنني...شكرا لأنني انتهيت من قراءة رواية (تاء الخجل) للأديبة الكبيرة فضيلة الفاروق..وأنا في المترو في مطعم يشعرك بالدفي وأنت تبحث عن الفرح في وجوه المارين العابسين كوجه السماء الغائمة.. والمطر ينثر زخاته...يبلل شوارع باريس ورياحٌ حنينة تعبث بأوراق الأشجار....

رواية تروي فيها الكاتبة بكل روح إنسانية وحزنٌ وأسى لما عانته المرأة الجزائرية في فترة الإرهاب، حزنٌ وألمٌ ودمارٌ وضياع للإنسانية، واغتصاب حرية وشرف المرأة وعذريتها الحالمة، وحلمها الذي كبر معه الألم،،واغتصاب الأنثي و تقتل من قبل الأسرة كما فعل الأب الذي ألقى بابنته البالغة ثمانية أعوام من على أحد الجسور خلاصا من عارها باسم الفهم الخاطئ للدين، الإرهاب الذي تفنن في زرع الموت الموت بكل الطرق من أجل دفن العار والفضيحة، لتصبح تاءُ التأنيث، تاءُ الخجل والدمار، تاء الفضيحة، طرحت الأديبة فضيلة الفاروق في هذه الرواية الموضوع بحبكة أدبية في غاية الدقة وجمال، الحرف والعمل الروائي المتقن والمثقل بهموم وطنٌ ضاع في خلفيات دينية متشددة، ليس لها أسس من صحة، التطور الذي يظهر بكل جماليات الإبداع عند الكاتبة، التي طالما حاربت في كتاباتها التخلف والتعصب، دافعت عن حرية المرأة من أجل القضاء عن العادات والتقاليد التي توءد روحاً وفكراً للامرأة، تجاوزت كل الطقوس والعادات التي لا تخدم عقل وحرية فكها، هذه الأنثي التي حاربت كل العقد النفسية الموجودة في المجتمع، حتى تبرهن له أن أفكارها توازي أفكار الرجل، وأنها قادرة على التحدي، من أجل بناء أسرة سعيدة، تعلمت وأثبتت وجودها الفكري والعملي بكل جدارة،في غياب العدالة التي لا تنصف المغتصبات حسب ما كتبته الروائية وحدهن المغتصبات يعرفن معنى انتهاك الجسد، وانتهاك الآن، الحب الذي تبحث عنه الروائية فضيلة الفاروق في (تاء الخجل) مؤلم وعنيف، لأنه ولد في بيئة قاسية جدا، خاصة منقطة قريتها التي تعرف بالتشدد كون اهلها من الشاوية الأحرار، أو أمازيغ الاوراس، لكنه ليس أكثر إيلاماً من الانفصال الذي يجعل الدنيا تصبح أكثر حدة. امرأة هاربة من أنوثتها ومن الآخر(الرجل) ومن مجتمع محافظ جدا، لأنه مرادف لتلك الأنوثة المستضعفة والمهمشة في مجتمع لا يقدم أدنى متطلبات الاحترام للمرأة، فهي إذن مشروع أنثى وليست أنثى، لكنها تملك قنبلة في داخلها تنفجر في أي لحظة وبكل الطرق التي يعرفها الانفجار، هو التمرد على كل الطقوس...

(كنت مشروع أنثى ولم أصبح أنثى تماماً بسبب الظروف، كنت مشروع كاتبة، ولم أصبح كذلك إلا حين خسرت الإنسانية إلى الأبد. كنت مشروع حياة، ولم أحقق من ذلك المشروع سوى عُشر، وحدهن يعرفن وصمة العار، وحدهن يعرفن التشرد، والدعارة، والانتحار وحدهن يعرفن الفتاوى التي أباحت الاغتصاب، تاء الخجل رواية من أجل 5000 مغتصبة في الجزائر، تلامس قضية طالما عانت منها المرأة في كل مكان وتؤشر الخلل في العلاقة بين الجنسين في المجتمع وهي بحث يلقي الضوء على الواقع السياسي والاجتماعي في الجزائر. "الاغتصاب استراتيجية حربية، إذ أعلنت الجماعات الإسلامية المسلحة"GIA"في بيانها رقم 28 الصادر في 30 نيسان/إبريل، أنها قد وسعت دائرة معركتها للانتصار للشرف بقتل نسائهم ونساء من يحاربوننا أينما كانوا، في كل الجهات.)

حقيقة مرة عاشتها المرأة الجزائرية بكل مرارة التي تخنق النفس والهواء.. وتبصم على جبين العفة عارٌ من العيار الثقيل والموجع..حتى الدمار...

الشيء الجميل في الرواية أعتقد بقي مؤجلاً في مخطوطات البطلة إلي إشعار اخر...ونغمة الأرانب التي تمثل ربما الفرح الوحيد للبلطة؟

هذا المساء باريس 24 ديسمبر 2015

القراءة من كتاب (ابتكار فكرة النقد) تحت الطبع


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى