الأربعاء ٢٤ أيار (مايو) ٢٠٢٣
بقلم البشير البقالي

قراءة هندسية لرواية «الموتشو» لـِ: حسن أوريد

إن أية قراءة لروايات الأستاذ حسن أوريد انطلاقا من رؤية جبرية فقط، تعد من قبيل حرث البحر، لأنها لن تثمر، ذلك لأن الرجل يكتب بذهنية هندسية قائمة على الخط المستقيم، ولا أعني بذلك أنه يكتب بشكل خطي مباشر، بل إنه يحدث قطبية، إذ يشق أفقا للتناظر والتماثل والتقابل، ويكتب بمنطق الصوت والصدى، والصورة والمرأة، والظاهر والباطن.

بناء على ذلك أقول؛ واهم من يعتقد أن رواية «الموتشو» تختلف في لونها عن الروايات السابقة، صحيح أنها اقتربت من الواقع والمعيش، ووظفت لغة جديدة وطريقة مغايرة في السرد، لكن ذلك مجرد أشكال متغيرة، أما الروح فتبقى هي هي، حيث إن الرواية تخضع لنفس الخلفية الهندسية، بل إنها تأتي امتدادا لأحد جناحي رواية «رباط المتنبي»، لذلك لا بأس أن نعرج قليلا على هذه الرواية قبل أن نعود إلى «الموتشو»، لنضعها في سياقها.

ثمة قاعدة باطنية تقول؛ كل متوالية عددية تكمن خلفها هندسة سرية(1). وفي «رباط المتنبي» بدا تعاقد الكاتب مع القارئ على تقسيم عددي جبري من خلال تقسيم الرواية إلى قسمين؛ الأول والثاني، غير أن التعاقد كان غير مكتمل، بحيث لم تخضع الفصول لنفس الترتيب العددي، فبدا الأمر وكأننا في متاهة هرمسية، تحملنا زوبعة الأحداث والرؤى بلا هدي. وحين نقوم بترتيب الفصول عدديا، نجد أن القسم الأول يتضمن تسعة عشر فصلا، والقسم الثاني يتضمن ثلاثة عشر فصلا، والمجموع اثنان وثلاثون فصلا، وكلها أرقام دالة في الهندسة السرية.

حين نعتمد طريقة حساب متوالية فيبوناتشي ونقسم اثنين وثلاثين على تسعة عشر، نحصل على عدد، وحين نقسم تسعة عشر على ثلاثة عشر نحصل على عدد كذلك. المفاجأة أننا حين نجمع خَارِجَيْ القسمتين نحصل على3,14، أي نسبة قسمة محيط الدائرة على قطرها، بما يعني أن الرواية دائرة بمركزين طالما هناك قسمان.

في الهندسة السرية، يحيل العدد اثنان وثلاثون على طرق الخلاص، وعلى تشاكل الشعور والعقل، ويحيل العدد تسعة عشر على زهرة الحياة، ويحيل العدد ثلاثة عشر على ثمرة الحياة. وضمن القسم الثاني ورَدَ عددان آخران هما؛ عشرة وسبعة؛ عشر صور، وسبعة مجانين هم الذين غادروا المستشفى بصورة أثيرية لأنهم فكرة، حسب ما ورد في إحدى الرسائل التي أرسلها المجانين إلى الماجور. وفي الهندسة السرية دائما، يحيل العدد عشرة إلى شجرة الحياة، ويحيل العدد سبعة إلى بذرة الحياة. وهكذا تدرجت الرواية من زهرة الحياة (رمزها 19)، إلى ثمرة الحياة (رمزها 13)، إلى شجرة الحياة (رمزها 10)، إلى بذرة الحياة (رمزها 7).(2)

القسم الأول يحكي عن حضرة الأندلس من خلال شخصية «بُشَرى»، وهو مشتق من منطقة البُشَرات بغرناطة، والقسم الثاني يحكي عن حضرة المغرب، من خلال شخصية «ليلي»، واسمها مشتق من إسم مدينة «أُليلي»، وهو الإسم الأمازيغي لمدينة «وليلي» الأثرية، واسم ليلي مشتق باختزال رياضي هندسي(3). وداخل دائرة الرواية التي أعتبر أنها تمثل دائرة التأمل والفهم، أي «الميركابا»، وضع الراوي مركزين؛ كل قسم من الرواية بمركز. ويجدر أن نشير إلى أن الميركابا تعني ما يلي؛ «مير» تشير إلى النور، و«كا» تشير إلى الروح، و«با» تشير إلى تأمل الذات للروح(4). وهي نفس العلاقة بين الراوي والبطل، حيث ينفصل عنه في القسم الثاني، خصوصا حين يكون تحت تأثير الحقن، وكأن الذات تتأمل روحها.

الغريب أيضا أن كلا الفصلين يبدآن بـِ «كا»، القسم الأول يبدأ بـِ «كانت»، والقسم الثاني يبدأ بـِ «كان»، و«كا» تعني الروح، وكل منهما مركز في دائرة الرواية، على غرار القصائد السنسكريتية المقدسة التي تتضمن اثنتين وثلاثين كلمة، وهو نفس عدد فصول الرواية، وتبدأ بـِ «كا» على غرار قسمي الرواية، وترمز إلى الروح، ويقابلها العدد واحد.(5)

ونحن إذا نقصنا العدد واحد من عدد فصول كل قسم، على اعتبار أنه أخذ مكانه في مركز الدائرة، يتبقى لدينا ثمانية عشر فصلا، مقابل اثني عشر فصلا، والعددان يتجسدان كمثلثين داخل الدائرة؛ مثلثين فيثاغوريين متساويي الأضلاع، أضلاعهما سداسية، غير أن مثلث القسم الأول مكتمل الأضلاع، في حين مثلث القسم الثاني غير مكتمل، ينقصه ضلع سداسي، علما بأن حقول الطاقة أو ما يُعرف بـِ (البرانا) تنمو بشكل سداسي(6)

معنى ذلك أن الأندلس منتهية التشكيل في زهرة الحياة التي رمزها العدد "تسعة عشر"، بينما ليلي أو المغرب يقف عند ثمرة الحياة التي رمزها العدد ثلاثة عشر. لذلك جاءت بعد «رباط المتنبي» رواية «زينة الدنيا» التي نعتبرها امتدادا للقسم الأول، لتغلق ملف الأندلس بوصفها ذكرى تحولت إلى فكرة يراد بعثها في المغرب، هي فكرة التعايش وامتزاج الشعور والفكر، وفكرة أخرى سرية. وجاءت رواية «الموتشو» امتدادا للقسم الثاني، متخلية عن خاصية قراءة التاريخ التي ميزت الروايات السابقة، لصالح الانخراط في قراءة الواقع والراهن، لكن بنفس الروح الهندسية على المستوى الحكائي والسردي.

المثير في رباط المتنبي ليس الأرقام وخلفيتها الهندسية فحسب، بل حتى فصول السنة، بحيث تدرجت من الشتاء إلى الربيع إلى الصيف إلى الخريف، موازاة مع التدرج من زهرة الحياة إلى ثمرة الحياة إلى شجرة الحياة إلى بذرة الحياة، في حركة عكسية لأن الأمر كان يتعلق بقراءة التاريخ؛ من الماضي إلى الحاضر. أما أحداث «الموتشو» فتبدأ في الخريف؛ أي زمن غرس البذرة، مما يعزز فكرة الامتداد والاستمرار في نفس الخط وفي نفس الرؤيا العامة لعالم حسن أوريد الروائي، كما أنه ليس من باب الصدفة كذلك أن يكون عدد فصول الجزء الثاني منها سبعة؛ أي رمز البذرة.

خيميائيا يمكن القول؛ إن «رباط المتنبي» تجسد دورة حياة كاملة بالنظر إلى الفصول الأربعة، غير أنها دورة عكسية لم تبدأ من البذرة، وهذا يفسر أنها عودة في التاريخ، وها هي رواية «الموتشو» تجسد الارتداد السردي إلى ديناميته الطبيعية وتبدأ من الخريف أي وقت زرع البذرة، وهذا ما يفسر ارتباطها برواية «رياط المتنبي» على مستوى الدينامية والسيرورة، علاوة على قواسم أخرى مشتركة منها الأساس الرومانسي، حيث إن انكسار الذات هو المبرر لقيام الذاتية(7)، وفي الروايتين نفس الانكسار من خلال حديثهما عن «ندوب الاحتقار». كما أن أحد البطل فيهما أستاذ العلوم السياسية، إضافة إلى الحديث عن الجنون أو دائرة الفهم في كلتيهما، وكذلك التشخيص الطبي؛ في «رباط المتنبي» تشخيص نفسي، وفي «الموتشو» تشخيص جسدي، وفي ذلك لمحة امتداد لا يمكن تجاهلها، إلى جانب الحديث عن فكرة التخلص من العروبة، وغير ذلك كثير من القواسم المشتركة.

وموازاة معها كانت هناك اختلافات كذلك، على رأسها طبيعة القطبية، إذ كانت في الرواية السابقة بين المغرب والأندلس، بينما في «الموتشو» بين المغرب وإسرائيل. على أن الاختلاف الأبرز يتمثل في عدد فصول السنة، حيث إن «رباط المتنبي» جسدت دورة حياة كاملة بأربعة فصول، أما «الموتشو» فتضمنت ثلاثة فصول فقط، بمعنى دورة حياة غير كاملة، أي يدب فيها الموت.

لذلك، أرى أن المعنى الهندسي للعنوان هو؛ المَوْت- شو (the death show)، وبالنظر إلى السمات النصية والتصويرية، يمكن ترجمته بـ: عرض الموت. لكن، ما الذي مات و يعرض السارد موته؟

بجواب مباشر نقول؛ مات محمد بنيس. لكن محمد بنيس، بالنظر إلى سماته، ليس شخصية، بل هو فكرة، فكرة آمنت بمنظومة وقتلتها المنظومة؛ منظومة يجسدها «عالم سينترا الشاعري»(8)، أي تقوم على الشعر والغناء والحنين، ولا تنخرط في الفكر. يتجلى الأمر أكثر حين نقرأ في الرواية، في سياق انشغال البطل أمين بحالة بنيس، يقول الراوي: «لكن حالة بنيس هي حالة بين الحياة والموت، ليس واعيا كي يعوده ويخفف عنه، وليس ميتا كي يغزي فيه... كما العالم العربي»(9).

إن التشبيه هنا يصير كناية عن حالة وواقع ميت، رصد البطل أمين الكوهن تفاصيله منذ طُرد من عمله كصحفي في جريدة، وظل يرتقي بمشاهداته ومعايشاته وقراءاته وعلاقاته. وقدم صورة مفصلة عن الواقع. ولما مات بنيس اقترن موته بحادثة خاشقجي وكذا بالقبض على ناشطي حراك الريف، مما يعني أنه يحيل على موت فكرة. وقد أشعرنا الراوي في جمل خاطفة بأن موته حدثٌ جلل، من ذلك قوله بعد العزاء: «كانت الحياة عادية، أفواج تحل من القطار وأخرى تمتطيه... وهو نفسه (أي أمين) كان يبدو طبيعيا»(10)، وبهذه العبارات يلمح الراوي بتركيز إلى أن موت بنيس حدث هائل يستحق أن تتهول إثره الحياة، مما يعزز كونه فكرة.

هكذا كان موت محمد بنيس مدخلا إلى معاينة الواقع، وقدم السارد صورا مفصلة لمظاهر الموت في منظومة الحياة والواقع، منها الحديث عن خمول العرب من خلال بيت شعري للبحتري(11)، ومنها كذلك تضمين عبارة من رواية، هي عبارة «منظومات هدم الإنسان»(12)، وقول الراوي «لا يقيم العالم العربي وزنا للحياة»(13)، وقوله كذلك «العالم العربي لا يوجد»(14)، وحديثه عن أرض العرب القاحلة، وعقر القيادة(15)، وقوله كذلك «... والحناء سيئة، حناء العرب»(16)، وحديثه أيضا عن جمود السياسة وموتها، إذ صارت «جثة هامدة».(17)
هذا إلى جانب مظاهر أخرى يستخلصها البطل من المعايشة والمعاينة، من قبيل إسلام السوق والثراء الفاضل، وخيبة أمله في الماركسية، ومعاناته من الاضطهاد وضياع فرص التوظيف منه بسبب اسمه (الكوهن)، ورصد الحوت الكبير الذي يلتهم الحوت الصغير، بل حتى الحوت الصغير صار يلتهم الحوت الصغير في منظومة الالتهام. ناهيك عن صناعة التهم، وخيانة النخب، وخيانة مبادئ 20 فبراير، وتدني الصحافة، يقول أمين في حوار مع محند: «انتهت الصحافة يا محند ببلادنا»(18)، وغياب الفهم لأن الجامعة شاخت(19)، وضحالة الأساتذة، علاوة على تدني التعليم، وسيادة التنميط، وموت اللغة العربية، إذ رصده الراوي مرارا في الأخطاء اللغوية على الواجهات والإعلانات، ناهيك عن معضلة تدني الخطاب والقيم بفعل الويب.

هذا إضافة إلى الصورة التي رسمها الراوي والبطل عن مدينة الدار البيضاء، خصوصا حين تعرض لاعتداء وسرقة تحت التهديد بالسكين، من قبل جانحين، ضربوه ومزقوا ثيابه، ونهبوا ما لديه، حتى أوراق الهوية، في صورة ظهرت فيها المدينة مثل الجحيم، وقد أشار الراوي إلى ذلك من خلال حوار بين أمين ونعيمة بعد أن عاد إلى المنزل وهو بحالته المزرية إثر الاعتداء:

« - يا إلهي، ما الذي جرى لك؟
قطفت من الفاكهة المحرمة.
لا يبدو عليك أنك آت من الجنة، بل آت من جهنم...
جُزتُ الصراط...».(20)

والصورة برمتها تتضمن رمزية عميقة بالنظر إلى أن الفاكهة المحرمة قصد بها رسالة الرجل المجهول إلى نعيمة، وقد تلصص عليها أمين دون علمها، وتضمنت إيحاءات وترميزات دالة ورسائل مشفرة، ثم أعقب الراوي ذلك بالحديث عن حميميصة ورامبو، في إيحاء عميق بفكرة، وكذلك حديثه عن منظومة بار ماجيستيك، الذي تجلى كخيار آخر بالنسبة إلى أمين إذا لم يجد نعيمة في البيت، نقرأ قول الراوي يتحدث عن مجيء أمين إلى نعيمة بعد أيام من الحادثة، وهو يأمل أن يجدها في البيت: «إن لم يجدها سيروع لبار ماجستيك ومنظومته، الحاج باصطوف، والسكارى، وكريستين»(21). وبين الخيارين تظهر الدار البيضاء، ومن خلالها الواقع، كجحيم؛ بين الجنة (جنة نعيمة)، وبين بار ماجستيك الذي يشير إلى منظومة منحطة حلت محل منظومة سينترا بعد موت بنيس وما يرمز إليه. مما يعزز ويزكي مظاهر السقوط الشامل للإنسان والقيم والوعي، وموت منظومة العيش المتوازن في الواقع، عبّر عنه الراوي بقوله بعد موت بنيس: «هل هو ذا مآل ما كان آمن به بنيس؟ الخراب وعدم الوعي بالخراب».(22)

يُحكى أن جزيرة أتلانتس غرقت لما سقط الإنسان، وانحدر في سلم الوعي إلى المستوى الأدنى، وفقد مقومات الوجود المتوازن. ورواية «الموتشو» تصور نفس نمط الانحدار في المنظومة الواقعية والإنسانية والوعي، فهل نحن أمام أتلانتس جديدة تسقط وتغرق؟ وفي حال صحة هذا السؤال، فمن هم المعلمون الصاعدون؟ ومن الذي يرفع الميركابا أو دائرة الوعي والفهم؟ ومن الذي يتسلح بوعي المسيح لإنقاذ الأرض؟(23)
هذه الأسئلة تجرنا إلى تلمس صورة الشخصيات الروائية في فضائها الإنساني، أو ما يسميه باختين بـ«صورة الإنسان». ونحن إذ نقرر أن صورة الإنسان في «الموتشو»، بشكل عام، تعبر عن وضعية مختلة تبعا لتردي الواقع الإنساني كما سبق أن أوضحنا، نؤكد أن التركيز سيتم على الشخصيات التي حملت فكرة وجسدت رؤيا وتفاعلت في شكل بذرة، وأسفرت عن الرهان الفكري والجمالي للتصوير الروائي، على أن تركيزنا عليها ليس بهدف استخلاص إسقاطات على شخصيات واقعية، وإنما لاستخلاص الفكرة، خصوصا وأن الشخصيات في هذه الرواية لا تمثل سوى أفكار ومواقف ومصائر، لذلك سنركز على صورة الفكرة، طالما أن صورة الفكرة لا تنفصل عن صورة الإنسان كما يقول ميخائيل باختين.(24)

يُحكى كذلك أن عمالقة وُجدوا على الأرض، ذُكر أن سبعة منهم جاؤوا معا وأسقطوا أجسادهم من خلال الموت الواعي المدرِك، وشكلوا قالبا من سبعة أجسام أثيرية متداخلة من الوعي، يشبه نموذج سفر التكوين، لإنقاذ الأرض(25). وقد كان عدد المجانين في «رباط المتنبي» سبعة، خرجوا من المستشفى بشكل أثيري لأنهم فكرة، ورد ذلك في إحدى الرسائل إلى الماجور؛ الرسالة الثالثة «أنا كافور، هذه رسالتي إليك الماجور: لا جدوى أن تبثوا إعلان بحث. نحن فكرة ارتدينا تصورات وتقَنَّعنا برؤى، ولذلك استعصى على الأمن أن يضبط حركتنا، سنستجم مرحليا قبل العودة والانغمار في المجتمع...»(26). وها هم يعودون في رواية «الموتشو» بأقنعة أخرى، وعددهم سبعة، يشكلون، خيميائيا وهندسيا، بذرة.

الشخصية الأولى هي محمد بنيس، وقد سبق أن رأينا جانبا من سماته، نضيف إلى ذلك أنه يهودي بهوية مزدوجة، كان متزوجا من يهودية ووقعت تحت تأثير الصهيونية ورحلت إلى إسرائيل، يحمل جرحا وجوديا، كما يحمل فكرة الوحدة والامتزاج، تشبّع بالمنظومة العربية؛ منظومة الشعر والحنين وتداخل الأزمنة، على حد قول الراوي. تعرض لحادثة سير، ثم مات بعدها دون أن يبوح بمذكراته. يقول عنه أمين «الرجل كان يحمل جزءا من ذاكرتنا، يرحل من دون شهادة»(27). وهو كلام يوحي بموت مزدوج، على اعتبار أن الذاكرة زاد الخلود، إذا ماتت تعذر الخلود، بل وحتى الوجود. مَثَّل فكرة الامتزاج التي قتلتها منظومة.

الشخصية الثانية هي إستر كوهن، امرأة مختمرة التجربة، تمثل المقابل الموضوعي لمحمد بنيس في إطار قطبية، إذ هي من تركت حبيبها في المغرب ورحلت. تتسم بالعقلانية المفرطة، وتتحدث بالتاريخ. مغربية يهودية، تشبعت بخطاب الصهيونية، تدافع عن أحقية اليهود بأرض فلسطين، كما تدافع عن دولة الأبارتيد.

عاشت الاضطهاد، وهي الآن تمارسه. قال عنها أمين «هي مستحوذة»(28). غير أنها عبرت عن انفصام على غرار بنيس حيث ظلت مرتبطة بعاطفة في المغرب، يقول السارد «كل من بنيس وإستر معبرين عن عالمين، كان بنيس معبرا عن عالم غلب عليه الشعر والغناء والحنين، وكانت إستر معبرة عن عالم يشكو الانفصام»(29). وقد أزاحهما الراوي بالموت، ومن خلال موتهما عبرت الرواية عن موت فكرة الامتزاج وفكرة الانفصام، قتلتهما نفس المنظومة، على اعتبار أن إستر ماتت في عملية قسطرة القلب، والقلب موطن العاطفة، وعاطفة إستر كانت في المغرب.

الشخصية الثالثة هي نعيمة بلحاج، طبيبة محجبة كانت تعالج بنيس، وفي ذلك إشارة إلى محاولة إنعاش فكرة الامتزاج، وانخرطت بعد موته في علاقة مع أمين الكوهن. كان حجابها ظاهريا، لكن روحها متحررة، اخترقها أمين جسديا لكنه لم يخترقها روحيا «ولكنه لا يشعر أنه نفذ إليها»(30). تلصص على مقروءاتها وعلى رسالة الرجل المجهول إليها، وزاده الأمر حيرة وغموضا. إلى أن قدمت له اعترافاتها بعد الرحلة إلى قرية «كرّامة»، اعترفت أنها يهودية، وأن الرجل المجهول راهب، ضاجعته ليس بدافع الشبق، بل بدافع الحب؛ حب فكرة أودعها فيها.

كانت قد تعلمت مما عانته أمها في زواج بمسلم أدى إلى القطيعة مع أسرتها. وكان حجابها رد فعل وتَقيَّة، ورد في اعترافاتها «كنا نخفي الحقيقة، لأن اليهود جماع المثالب، وكنا متدينين كي لا نثير الشبهة»(31).

كشفت أنها غنوصية، عانت من نفس المنظومة، وقررت القطيعة معها حين مدت لأمين العازل الطبي. ماديا لا يمثل العازل سوى حاجز ضئيل جدا، لكنه معنويا بمثابة جدار برلين، إشعار بقطيعة. قالت لأمين حين طلبها للزواج «الزواج من إسلامي هو القطيعة مع أسرتي في إسرائيل»(32). مما يعني أنها رفضت منظومة لا تزاوج بين الروحانيات والعقل، واختارت «السجن اليهودي» بمعنى الهوية، وتزوجت من يهودي وقررت العيش في إسرائيل. وبذلك جسدت فكرة الهجران؛ هجران منظومة.

الشخصية الرابعة هي شخصية الرجل المجهول أو الضمير المستتر، عرفه أمين من خلال كتاباته وخطوطه تحت أفكار في كتب وجدها في خزانة نعيمة، وتتبع كل الجمل والفقرات التي سطر عليها، وقرأ رسالته إلى نعيمة دون علمها. أمازيغي، وُصف بالمجنون الذي يقع في دائرة الفهم، وبأن روحه مسيحية، وبأنه راهب، وغنوصي. يحمل ثقافة إنسانية وقلقا وجوديا وفكرا مستبصرا. من أصول صحراوية، يعيش في الرباط، أستاذ العلوم السياسية، درَّس كريستين، وهو من زرع الفكرة في نعيمة، كما أنه السمط الناظم لكل الشخصيات المحورية؛ حاملة الرؤيا، يقول السارد «الرجل الذي ملأ عشر سنوات من حياة نعيمة، من أحبته وأحبها، هو الشخص الذي استثار اهتمام أمين في أثناء جنازة بنيس، وهو من تولهت به إستر، هو الدارس لأوغسطين، هو قارئ ريجيس دبروي، هو أستاذ كريستين»(33). يجمع بين الشعر والفكر، بين الشعور والعقل. يترقب الصبح وقد اشتد الظلام. إنه يمثل فكرة الخلاص، ويكرس فكرة التقية، إذ كتب في رسالته لنعيمة «أحبك بهذا الدثار... وإذ يحميك فإنه يحميني» (34). هو من يحمل الميركابا ويخط دائرة الفهم. وهو نُسغ البذرة؛ بذرة الشخصيات السبْع. جَسَّدَ ظل أغسطين، وفي النص إشارات تلمح إلى ذلك، منها قول الراوي: «إستر تؤكد ذلك بالقول إنه يشتغل على القديس أغسطين...» (35)، كما قالت عنه إستر «أنهى دراسة كان يقوم بها عن أغسطين»(36). وهذه التلميحات لا يمكن أن تكون مجرد ترف سردي، وإنما هي تكريس لمعنى ودلالة وارتباط بين الرجلين فكريا وشعوريا.

الشخصية الخامسة هي كريستين، نادلة في بار ماجيستيك، فرنسية، تلميذة الرجل المجهول، عقلانية، متنورة، قالت إن عملها كنادلة يمثل الكوّة التي تنفذ منها إلى المجتمع(37). أثارت قضايا مع أمين، وكشفت مواقف منها قولها عن فلسطين «شعب في أرض أُزيح من قِبل جماعة صاغت أسطورة شعب»(38)، وهو كلام متعدد الوجوه، خصوصا وأن أمين ألقى في زيارته الهذيانية لإسرائيل محاضرة بعنوان «العالم العربي بين الحقيقة والأسطورة»(39)، لتخضع كلمة «أسطورة» في كلام كريستين لتعويم، إذ قد تلمح، سياقيا، إلى أكثر من شعب.

بدت كريستين تملك ذاتها وقرارها، متوازنة وجدانيا، وهي تمثل، نصِّيا، أثرا لأستاذها الرجل المجهول، وبالتبعية لجده القديس أغسطين الذي عده الراوي ممن صاغوا رؤية الغرب في الشأن العام بكتابه «مدينة الله» و«صار من غيّر عالما، ومنحه الأدوات التي من شأنها أن يواجه بها تقلبات التاريخ وأعاصيره... لم تعد روما في روما. انتقلت إلى مدينة الله، إلى مشروع مستقبلي. سلطة زمنية وسلطة روحية، وهو ميراث أغسطين، مما يعيش عليه الغرب إلى اليوم»(40). ولعل الإشارة إلى أن الفتاة فرنسية، في إشارة إلى الأنوار التي بثها أغسطين في أوروبا، سيما وأن فرنسا عاصمة الأنوار الأوروبية. وهي تحضر في النص كعنصر تحفيز، أو كمُخصِّب للبذرة، خصوصا وأنها أثرت كثيرا في رؤية أمين وفكره ووجدانه.

الشخصية السادسة هي ريبيكا، يهودية من أصل تونسي، التحقت بإسرائيل. لازمت أمين في زيارته الهذيانية إلى هناك. أفكارها ضد ما تؤمن به منظمة موشي دايال التي هي عضو فيها، وكشفت أنها في دولة ديمقراطية، في حوار مع أمين، نقرأ: «... إخنا في إسرائيل ما بنزعل من الأفكار المزعجة.. إخنا دولة ديمقراطية.. نختلف، بس إخنا ديمقراطية»(41)، وهو كلام فيه تعريض غير مباشر بالعالم العربي الذي لا يقبل المعارضة كما ورد في أحد السياقات. وكشفت هذه الشخصية كذلك الاضطهاد والعنصرية التي يعانيها العرب مقارنة مع المواطنين اليهود: «... هي دولة أبارتيد.. عرب إسرائيل مش لهم نفس الحقوق مثل اليهود»(42).

لمس أمين يدها وأحس بقشعريرة، كأنه صعق بصدى كلامها، وبذلك يقلب الصورة في اتجاه آخر، ويضاهي حالة بحالة يعيشها، وقد ظهرت ريبيكا مؤيدة لفكرة آخاذ أخام الذي دعا إلى التعايش. وبهذه الخصائص والسمات الشعورية والفكرية، تمثل ربيكا ثمرة الرجل المجهول، هي ثمرة الرفض والمعارضة والانتصار للإنسان والجهر بالحقيقة، فقد كان أمين قد تحدث عن أنه أكل تمر المجهول في إسرائيل، بما قد يلمح إلى تمر الرجل المجهول الذي بدا مثل نخلة في الصحراء، وهي بالتبعية ثمرة للقديس أغسطين طالما أنها من تونس، علما بأن هذا الأخير درَس ودرَّس في قرطاج، وطالما أن الرجل المجهول يحمل كثيرا من سماته.

الشخصية السابعة هي أمين الكوهن، بطل الرواية. يحمل هوية مزدوجة. أمازيغي، يجسد الانفصام، عانى من الاضطهاد بسبب اسمه. تبدو صورته متناقضة، فهو مع الفلسطينيين ويتعاطف مع اليهود. مناضل ضمن حركة 20 فبراير، ناشط يساري. كشف عن ندوب الاحتقار. وهو امتداد لمحمد بنيس «كان بنيس كما أمين يلظيان، لأن الصراع العربي الإسرائيلي يجعلهما في تمزق(...) يلظيان لأنهما جعلا العروبة قضيتهم، ولكنهما لم يريدا أن يطمرا البعد اليهودي الثاوي في وجدانيهما»(43)، وهو امتداد له حتى على مستوى الاسم؛ محمد/ أمين، مع ما قد يستبطن الاسمان من دلالات قد يطول الخوض فيها.

وقد ركز الراوي، سياقيا بعد ذلك، على بعده الأمازيغي، خصوصا في حواراته أثناء الرحلة الهذيانية إلى إسرائيل، وأكد أنه محصن من القومية العربية «- لا تخشوا شيئا، ملقّح (مُحصًّن)...»(44). ارتقى وعيه تدريجا، وكان أمينا فعلا، حمل أسرارا عدة؛ أسرار بنيس، واعترافات نعيمة، وأسرار الراوي، وأفكار الرجل المجهول، ونقل الواقع كما رآه، كأنه آلة. لخص حياته بعبارة «نكرة تعرض لكل شيء»(45)، وفعلا أرهقه السارد بالمشاهدات والتجارب والخيانات والأزمات والاعتداءات والقراءات وغيرها، وقطَّعه شعوريا وفكريا. أحبت فيه نعيمة ميله إلى الشك، مما يجعله شخصية قطبية بالمعنى الهرمسي، إذ يشق فاصلا بين الشيء ونظيره، كما يفعل الخط المستقيم، ولا يقطع بأي شيء، وهو منفتح على أي احتمال.

أحب نعيمة، كما كريستين، وريبيكا؛ كان يحب الفكرة. دخل دائرة الفهم بعد مجاهدة، وتعداها إلى مستوى تربيع الدائرة أو الانخراط «لم يعد أمين في دائرة الفهم، تجاوزه إلى دائرة الانخراط»(46). أشعل شمعة في النهار وهو يستمع لأغنية محمد عبد الوهاب ويبكي، كأنه داخل الميركابا أو دائرة النور والفهم، في معترك صراع الضوء والظلام؛ ظلام معنوي طالما أن الوقت كان نهارا. عزاؤه الوحيد كما قال الراوي، أنه يعتبر نفسه نحلة تستخلص من رحيق المجتمع. ونحن نراه شيئا آخر سنأتي على ذكره لاحقا.

هكذا إذن بدت صور الشخصيات الرئيسية في النص والتي حملت الرؤيا والفكرة، مثل قطع البلور المكسور، كل قطعة تعكس جانبا من الصورة أو الفكرة أو البذرة، شكلت الشخصيات خلاياها في شكل صور مرآتية تعكس الحالات والوضعيات والحوافز والوعي، وتكشف الحقيقة الواحدة من زوايا متعددة، مما جعل الرواية متعددة الوجوه بالنظر إلى مستويات الوعي، خصوصا وأن الوعي الذاتي هو الفكرة الفنية المسيطرة في صورة الإنسان كما يقول ميخائيل باختين.(47)

وخلف هذه الشخصيات تتبلور صورة شخصية أخرى غير مرئية، لكنها حاضرة كفكرة، هي من زرع البذرة، يتعلق الأمر بالقديس أغسطين، أحالت عليه سمات الشخصيات، كما قدم الراوي نبذة من سيرته، وتساءل حول ما إذا كان الأمازيغي يعرفه(48). غير أن سيرته ظلت ناقصة، لم تتناول كامل حياته، فجاءت «اعترافات» نعيمة لتكمل الصورة، كما أن اقتناء أمين اعترافات أغسطين يكمل الصورة كذلك، بشكل إيحائي. تكتمل الصورة بفكرة الهجران، هجران منظومة، مثلما فعل أغسطين، مع اختلاف في طبيعة الهجران.

ويمكن القول؛ إن صورة القديس أغسطين تكتمل من خلال جماع صورة الرجل المجهول وصورة نعيمة التي شكلت اعترافاتها امتدادا لاعترافات أوغسطين، وكذلك من خلال جماع صورة الرجل المجهول وصورة أمين الذي اقتنى اعترافات أوغسطين، في إشارة إلى تمثل فكره، وقد عبر السارد عن هذا التداخل بقوله «غريب، كيف التقت رؤى المجهول ورؤى أمين»(49). الرجل المجهول جسد ظل سيرة أغسطين، ورهبانيته، وفكره، وغنوصيته، وثقافته الإنسانية، ومزجه بين الروحانيات والعقل، وروحه المسيحية، ومستوى وعي المسيح لديه، أما نعيمة وأمين فجسدا خاتمة السيرة من خلال فكرة الهجران؛ كلٌّ من موقع هويته.

غير أن المقصود من كل ذلك هو أمين، على اعتبار أنه كان موئل كل الأفكار والرؤى والرسالة، أما نعيمة فكانت مجرد وعاء تمرير بشكل غير مباشر، وكثير من حديث الرجل المجهول إلى نعيمة كان بقصد التمرير، من ذلك مثلا ما ورد في استرجاع واستحضار أمين لبوح نعيمة، إذ استحضر قول الرجل المجهول لها: «أستمع لحفبف الريح فيحدثني. ينبئني أن ماسينيسا لسوف يظهر، ويوغرثن لسوف يعود، ولسوف ترجع ديهيا» (50)، فما الذي قد يهم نعيمة من أمر ماسينيسا ويوغرثن وديهيا، علما بأنها يهودية؟ إلا إذا كانت نعيمة مقصودة للتمرير فقط، كأنها سلك موصل للكهرباء. يتعزز ذلك بتساؤل مشروع: لماذا باحت نعيمة لأمين بكل الأسرار المحملة بالرؤى والأفكار والآمال الخاصة بالرجل المجهول؟ والجواب دائما هو أن الأمر للتمرير فقط، وأن المقصود بكل ذلك هو أمين.

وتجدر الإشارة، إلى أن قراءة أمين للمقاطع التي سطر عليها الرجل المجهول في اعترافات أوغسطين، كانت متوازية مع قراءته لمقاطع أخرى من كتاب ريجيس دوبري، وقد اطلع عليهما في خزانة نعيمة. مما يقتضي أن ننظر إلى تلك المقاطع في تداخل، بعضها يكمل البعض الآخر في شكل لولبيتين متداخلتين، كل لولبية تترك مساحة معتمة تنيرها اللولبية الأخرى. وكان مما أثار أمين، مقطع في كتاب ريجيس دوبري مسطر بعدة سطور، فيه دعوة إلى التحرر والانخراط وفق قاعدة ذهبية. بعدها قال الراوي «لم يعد أمين في دائرة الفهم. تجاوزه إلى مرحلة الانخراط، باسم قاعدة ذهبية مستمدة من محنة المسيح، وروافد الفلسفة الرواقية. أَحبَّ الآخر. هي ذي السبيل...»(51). على أن الهجران الذي قرره في النهاية شكل من أشكال الانخراط، شأنه في ذلك شأن نعيمة، طالما أن الكتب كتبها، ويفترض أن التيار الذي وصل إليه مرَّ من خلالها أولا، ومصدر التيار هو الرجل المجهول.

هكذا قدمت الرواية عرضا حول موت الواقع والمعنى الرومانسي للوجود، من خلال موت منظوماته المتوازنة، وبعث السارد شخصيات في صورة المعلمين الصاعدين، مؤطرين بدائرة التأمل وبفكر وفهم، يدفعهم وعي خلفي بمستوى وعي المسيح، يقودهم إلى الفهم والانخراط. صورهم في شكل بذرة. قد يقول قائل؛ طالما هي بذرة، فلماذا مات منها اثنان؟ تلك طبيعة البذور، حين تتحلل في التراب، تموت خلاياها الضعيفة والهجينة، ولا تصمد إلا الخلايا المؤهلة للنمو والإنبات، وقد أنبتت البذرة شجرتين؛ نعيمة وأمين، بنفس النسغ الذي هو الرجل المجهول، أما كريستين وريبيكا فشكلتا عناصر تحفيز وتخصيب. ومات بنيس وإستر باعتبارهما خليتين منفصمتين.

وكانت الشخصيات الأخرى بمثابة كومبارس في هذا العرض، تكمل المشهد والمحيط وتؤثث الحياة، وتعزز دلالات الموت؛ موت القيم والأخلاق والوعي والمنظومات وغيرها، وشخصيات أخرى تكشف وضعيات وحالات ومواقف تكميلية، أبرزها موقف الشخصية الأمازيغية «محند»، الذي عبر عن رغبته في الانسلاخ عن الأنا الجمعي، بما يعني الهجران. وهو موقف استباقي أضاء بقوة التركيز المقصدي للحكاية في ظل تشعب موضوعاتها وحالاتها، وفي ظل التداخل بينها في صور مرآتية كثيرة، بوصفها تنويعات عل نفس الجروح الواقعية، لكنها تنعكس على مركزية حكائية ومقصدية محددة.

وبعد أن تأكد عرض الموت على مستوى المتن الحكائي، يحق لنا التساؤل؛ هل كان الشكل معبرا عن مفهوم العرض الذي باحت به الرؤية الهندسية للرواية؟ الحقبقة أن الشكل والأسلوب الروائيين في «الموتشو»، كانا حاسمين في المجازفة بالقول؛ إن الرواية تصور عرض الموت، انطلاقا من قناعتنا بأن فعل الاحتواء الفني أو النقدي لا يقوم به الفنان وحده أو الناقد وحده، بل يسهم فيه الشكل ذاته، على حد قول إيرفينغ هـ. بوخن في مقالته «جماليات الرواية العليا»، ويضيف؛ «لا يمكن التقرب من المراوغة المتقلبة للرواية إلا إذا كان إدراك الشكل معتمدا على مساهمة الشكل في الإدراك»(52). وأمام هذا الوضع التفاوضي بين الشكل والمضمون الروائيين، يتحتم علينا النبش في بعض السمات المهيمنة في الرواية. و سنركز على سمتين، وكل سمة تتولد عنها سمة أخرى.

إن السمة كما يقول محمد أنقار «إمكانية بلاغية بما تحمله الكلمة من أنماط ودلالات متحولة، وهي لا تقل خطورة جمالية عن العمل الأدبي المحكم الصنعة»(53). ولعل السمات التصويرية في رواية «الموتشو» متناغمة مع بنائية النص، إذ لا تخلو، هي الأخرى، من القطبية الهندسية التي ميزت العمل برمته، على اعتبار أن السمتين المهيمنتين متناقضتان، لكنهما متكاملتان في الآن نفسه، تشقهما ذهنية هندسية قائمة على الخط المستقيم، تحكمهما علاقة التناظر، وتربطهما وحدة الرؤيا الفنية. السمتان هما؛ الإيجاز والإطناب.

هكذا، ورغم أن صفحات الرواية تناهز أربعمائة وثلاثين صفحة، فإنها موجزة بالنظر إلى حمولتها وكثافتها. يتجلى الإيجاز من خلال كثافة التناص، حيث استلهم السارد أقوالا وتحدث عن أعلام من مختلف التوجهات والرؤى والإيديولوجيات والأعراق والانتماء والدين، وناقش أفكارهم وأحال عليها، وسلط الضوء على سياقات تاريخية وأحداث ومواقف عديدة. كما تضمنت الرواية إحالات كثيرة على كتب من مرجعيات متباينة المشارب، لكنها تلتقي عند مناقشة مآسي الإنسان وقضاياه الوجودية، من قبيل رواية «يهوذا»، وكتاب «السجن اليهودي»، وكتاب «تاريخ القدس»، وكتاب «غرير في الأرض المقدسة»، و«اعترافات» أوغسطين، و«أخلاق الوزير» للتوحيدي، كما أشارت الرواية إلى مواقف متشددة وأخرى تدعو إلى التعايش، وناقشها من وجهات نظر متعددة في إطار من الحوارية التي لا نقصد بها مجرد تعدد اللغات، بل حتى الوعي الذي تصدر عنه اللغة. وغير ذلك كثير مما يصعب حصره.

وقد شكلت مظاهر التناص إحالات فكرية تتضمن ترميزات موضوعية دالة تصب كلها في موضوعات الرواية، استقطر منها السارد أفكارا ترتبط بالأحداث ارتباط الصوت والصدى، والوجه والمرآة، في رواية لها مركز محدد، لكن لولبيتها الفكرية والشعورية تتحرك وتتسع، وتخلط الحالات والوضعيات، وتقابل الموضوعات، كما لو أننا داخل زوبعة تقذفنا في كل اتجاه، وتضعنا في متاهة الأفكار والمواقف، لتكشف أن الاضطهاد واحد، وأن الظلم واحد.
كما تضمنت الرواية أشعارا وزجلا وأغان وأحلاما وهذيانا، مرر عبرها الراوي رسائل مشفرة تحيل على جروح وجودية، فتتناص الحالات والوضعيات والوقائع، في شكل من التماثل والتناظر والتقابل والتشابه، وكلها مفاهيم هندسية باطنية تجعل الحالة تحيل على حالة أخرى، والمكان يدل على مكان آخر، في نوع من التصوير بالمرايا، استنادا إلى المبدإ الهرمسي «ما يوجد فوق يوجد تحت»(54). لتبدو الصورة الكلية للرواية مشتتة في مرايا عدة، كل مرآة تقدم صورة تتجاوب وتتكامل مع صور المرايا الأخرى، وتتبادل جميعها الدلالات والإحالات على مركزية واحدة.

وفي خضم هذه الكثافة تفتقت في الرواية عديد من القضايا، ناقشها السارد في ثنايا المحكي، من قبيل؛ قضية الهوية وقيودها، وقضية اللغة والسرد والتاريخ، ووضع العالم العربي، وشيطنة الغرب، والأفول الحضاري، والإسلام السياسي، والعلمانية، والاضطهاد، والصراع العربي الإسرائيلي، والانتماء والاختيار، والحداثة، والوعي والفهم، وقضايا أخرى اجتماعية وسياسية وتربوية، وغيرها. مما يؤكد أن الرواية اتسمت بالإيجاز، بالنظر إلى حمولاتها الفكرية وامتداداتها التناصية التي جعلت ميثاق القراءة لا يكتمل إلا باستبطان تلك الإحالات. ينضاف إلى ذلك تناص بعض ما ورد في هذه الرواية مع الروايات الأخرى للكاتب، منها الحالة الموريسكية من خلال الحديث عن معاناة الأنبياء في الروايتين، وكذا تشابه حالة الاغتراب الروحي بين بطل «سيرة حمار» وبطل «الموتشو»، وهي غربة ترتقي بهما إلى حالة «اللامنتمي» بتوصيف كولن ولسن، ومنها كذلك استحضار منظومة «سينترا»، وهو عنوان رواية سابقة للكاتب، وغير ذلك مما يعزز فرضية ارتباط هذه الرواية، هندسيا، بسابقاتها.

في المقابل يمكن القول؛ كان من الممكن تقليص عدد الصفحات إلى النصف لو أن الكاتب أراد ذلك، لكنه اختار سمة الإطناب، ليس بوصفها مجرد طريقة زائدة تراكمية، بل جعلها سمة تكوينية في هذه الرواية، عززت توازنها البنائي والجمالي، حيث تفتق الإطناب عن سمة أخرى هي سمة التصوير السينمائي، إذ بدا الراوي على امتداد النص يدقق في التفاصيل وينقل الصور متحركة في فضائها الإنساني، من خلال الإحاطة بكل الحركات والأشياء والتفصيلات الدقيقة للشخصيات والأماكن، بشكل بانورامي. نقرأ مثلا قول السارد: «كانت الساعة التاسعة. دخل أمين المرحاض. ثم عاد للفراش. ولكنه لم يستطع النوم. نهض وقصد الحمام. غسل وجهه ونظف أسنانه. إثرها هيأ قهوة. ارتشف منها. ثم عاد إلى غرفته. استلقى على السرير. فتح كتاب يهوذا...»(55). حيث نشعر وكأننا نشاهد لقطة من عرض سينمائي، كما أن الجمل أشبه بجمل السيناريو. وكان هذا النمط من التصوير هو المهيمن على امتداد الرواية، ما عدا النقاشات والرؤى الفكرية.

لذلك علينا أن نعيد ترتيب الأدوار، حيث يبدو الكاتب في موقع مخرج، له مدير تصوير هو الراوي، أما الكاميرا أو العدسة فتتجسد في أمين الكوهن، البطل الذي ظهرت كل كائنات الرواية وفضاءاتها وقضاياها عبره ومن خلاله. وكان الراوي يتدخل لتنضيد الصور وتعويمها، وافتراع مواضيع ونقاشات، وملء الفراغات، في عملية أشبه بالمونتاج. هذا النوع من التصوير منح القارئ إحساسا بالتتبع والمشاركة، وسحبه إلى دائرة الأحداث وكأنه جزء منها، ومكنه من أن تسود وجهة نظره، ويشاطر الراوي رؤيا العالم.

ولم يكن أمين عدسة عادية، بل كان من نوع عدسة الميل والإزاحة، كأنها في مركز دائرة، تصور حالات ومظاهر ومواقف تسقط بقانون الإزاحة على حالات أخرى مشابهة، فتختلط الصور السردية وتتشابك وتتبادل المواقع والإيماءات، إذ تعرِّض حالة بحالة، وتشير وضعية إلى وضعية أخرى مشابهة، فاضطهاد الفلسطينيين أشبه بالاضطهاد الذي عاشه الإرلنديون، وأشبه باضطهاد اليهود في حضن العرب، وأشبه باضطهاد العرب في إسرائيل، وهو لا يختلف عن أشكال الاضطهاد الديني والعرقي وغيره. كما أن دولة الأبارتيد تدل في النص على إسرائيل، لكن المفهوم يحيل بقانون الإزاحة على دول أخرى، في ظل تشابك الحالات وتجاوبها، كمثل الصوت والصدى. وحتى المحرقة اليهودية ناقشها الراوي بحس إنساني متجرد، وتحدثت إستر عن ندوبها، هي بمنزلة ندوب الاحتقار التي تحدثت عنها الشخصيات في أكثر من سياق، لترتفع المحرقة فوق مفهومها المادي إلى دلالة تشمل كل أشكال الاضطهاد وإلغاء الآخر.

والنص يعج بالصور التي توحي بالإزاحة، نورد منها هذه الصورة في شكل تنضيد من قِبَل الراوي، وقد وردت في سياق حديثه عن حيرة أمين وهو يقرأ كتاب «السجن اليهودي»: «والعدل يحتوي كلا من الفلسطينيين المهجرين، واليهود المضطهدين، ومن تعرضوا للشواه، وتلظوا بالإسلامية، والأمازيغ في الجبال، من يعدمون ضروريات العيش، ومن يحملون معرّة الجذور في محيط ثقافة عربية مهيمنة...»(56). ومنها كذلك قول إستر في سياق أحد حواراتها مع أمين «لَكَم هو ثقيل أن تحكم على الآخر بالزوال وأنت تصدر عن مرجعية أخلاقية»(57)، وهي صور تسقط بالإزاحة على حالات عدة وليس على حالة إستر، تتميز بتصوير لولبي يلامس كل حالات الاضطهاد التي تحدثت عنها الرواية.

وتصير الصورة أكثر شمولية وتركيزا حين نقرأ قول الراوي «ما يصوغ الإنسان هو ألا يرضخ للمحددات الهوياتية، والنأي عنها هو التعبير عن الحرية، والإنسية لا تستقيم بدون حرية، لا حرية وسط العسكرة الهوياتية، أو هويات تحت الإقامة الجبرية»(58). هي صورة شاملة لأنها تتحدث عن مطلق الإنسان وتعبر عن وضع معظم الشخصيات الروائية في إطار التصوير بالمرآيا، وهي صورة مركزة كذلك لأنها تناقش الموضوعة الأساسية في النص؛ أي الهوية، بمنظور فيه كثير من النبرة الذاتية والتلميح إلى حالة مركزية، تغدو معها الحالات الأخرى مجرد حالات مشابهة مقصودة للاستدلال والتعويم، تعويم الحالة المقصودة.

من هنا يظهر أنه إلى جانب الإزاحة كانت هناك حركة الزُّوم، حيث تتسع الصور لتشمل التاريخ وقضايا العالم والإنسان، تم تتقلص لتلتقط العالم العربي ومشاكله وصراعاته وأوضاعه، وجوانب من تاريخه وتناقض أخلاقياته مع ممارساته، وتتقلص أكثر لتركز على وضعية المغرب الذي هو، نصيا، مركز دائرة التصوير، طالما هو فضاء كل الأحداث والنقاشات والأحلام والتوهمات، منه تنطلق الصور لتعود إليه في حركة متواصلة للزُّوم.

إن سمتي الإطناب والإيجاز، ومن خلالهما التصوير السينمائي والتناص، جعل الصورة في الرواية تتحرك على إيقاع مفهوم الصورة عند الباحث الألماني فولفغانغ إيزر، الذي رأى أن الصورة تتدرج من الطابع البصري للتصور، إلى الطابع الشعوري لصورة التمثل في ذهن المتلقي، ثم إلى الصيغة التي تتشكل بها صورة التمثل الذهني(59). وهو تصوير منح للقارئ متعتين؛ متعة الإدراك (بما يشبه المشاهدة السينمائية)، ومتعة التصور والتمثل والفهم (من خلال النقاشات الفكرية). أي أن الصور الروائية مرت عبر الشعور والفكر، ما جعل الرواية تروم وظيفة تربوية تعليمية، بإقحامها القارئ في صميم اللقطات والمشاهد والمواقف، كأنها تدعوه إلى تأمل دائرة الوعي والفهم، من خلال دائرية العدسة التي امتلأت بالصور والمشاهد والأفكار والتصورات، ومعها امتلأ أمين والقارئ كذلك. وأنهى الراوي مهمة الكاميرا قبل الفصل الأخير من الرواية.

وفي الفصل الأخير، سيُخرج الراوي أميناً من شقته التي كان قد قال عنها «استوديو»(60)، وهي كلمة تنخرط في سياق بلاغة التورية، حيث تدل بمعناها السياقي القريب على شقة صغيرة، لكنها تدل في معناها البعيد على مستودع الكاميرا ومختبر إخراج الصور، مما يعزز زعمنا بأن البطل أمين كان بمثابة عدسة يحركها الراوي.
هكذا تجلى العرض في الرواية، هو أقرب إلى عرض سينمائي، صوَّر موت منظومة وموت القيم والمواقف والوعي، وموت المعنى المتوازن للوجود والإنسان. وكان لا بد من خط دائرة للشعور والفهم، بل وللانخراط، ما عبر عنه البطل بـِ «تربيع الدائرة»(61)، فالدائرة هي دائرة الفهم، وهي شكل هندسي فضفاض، يحتاج إلى تربيع بما يستوعبه اللفظ من معنى التأطير.

وكان وعي أمين أخلاقيا في البداية، أي أقل من الواقع، وتدرج في معايشاته وقراءاته وتأملاته وعلاقاته، وأدرك الوعي التربوي، أي أعلى من الواقع. وقرر في النهاية ترك الرباط. والنهاية كما يقول إيرفينغ بوخن، هي الدغل الذي يقطنه الوحش الجمالي للرواية(62). وقد قرر البطل في النهاية العودة إلى أمه.. والأم أصل.
بذلك اكتملت فصول العرض، وقد صرح الراوي خلال الفصل الأخير بأن الحكاية قصة حقيقية، كما لو أنه يكتب جينيريك النهاية: «لم تكن رواية، وإنما قصة حقيقية، انعكست في حياة أمين، في تبادل أدوار بينه وبين الضمير المستتر»(63). وهذا يوحي بأن النص رواية الشخصية الواحدة، والباقي مجرد مرايا تنعكس عليها الرؤى والأفكار، وتضيء الجوانب المختلفة من القضايا والحالات خدمة للقضية المركزية، تتفاعل في إطار قطبية هندسية للمقارنة والاستدلال وتبادل الصوت والصدى، من خلال ظلال شخصيات أساسية، وأخرى كومبارس أثثت الحياة وكشفت مواقف وخبايا ووجهت رسائل، قبل أن يهملها السارد، بالتناوب، مع تنامي الأحداث وتركزها تدريجيا إلى أن أبقى على أمين وحده، بوصفه المركز والبؤرة. وقد كان الهجران إلى فاس.

بقي أن نشير إلى أن الرواية لم تكن بتلك السوداوية المطلقة، بل كانت هناك نقط ضوء في الأفق، من خلال انتصارها للقيمة المطلقة للإنسان، وحديثها عن التعايش وغنى المصب رغم اختلاف الروافد. وقد تفاعل الراوي بحس إنساني كبير مع قضايا وجودية وإنسانية، قد ترسم أملا وتستشرف إشراقا. كما حدد المعضلة والحل، حين قال في سياق حديثه عما استوقف أمين وهو يخوض في اعترافات أغسطين: «يظل الشرق غارقا في الروحانيات، ويطمر الغرب الروحانيات كي لا يبقي إلا على العقل. والحل هو التوفيق بينهما، والحل هو ما انتهى إليه أغسطين وابن باجة وابن رشد وابن ميمون وابن خلدون...»(64)، كان ذلك في مرحلة مبكرة من الأحداث، قبل أن يتسع وعي البطل ويقرر هجران الرباط إلى أمه في فاس، بما تحمله المدينة من دلالات تاريخية.. عميقة...

الهوامش

(1)- درونفالو ميليكزيديك، السر القديم لزهرة الحياة، ج 1، ترجمة طارق إبراهيم، نسخة إلكترونية، ص: 269.
(2)- نفسه، ص: 202- 203
(3)- أنظر تفصيلات هذه الأسماء في مقالة "بنية الترميز في رواية رباط المتنبي"، البشير البقالي، ديوان العرب.
(4)- درونفالو ميليكزيديك، سابق، ص: 16.
(5)- نفسه، ص: 30- 31.
(6) نفسه، ص: 229.
(7)- ميخائيل باختين، الخطاب الروائي، ترجمة محمد برادة، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، ط1، ص: 13.
(8)- حسن أوريد، الموتشو (رواية)، منشورات المتوسط- إيطاليا، ط1- ص: 59.
(9)- الموتشو، سابق، ص: 113.
(10)- نفسه، ص: 141.
(11)- نفسه، ص: 108.
(12)- نفسه، ص: 43.
(13)، نفسه، ص: 8.
(14)- نفسه، ص: 129.
(15)- نفسه، ص: 105.
(16)- نفسه، ص: 131.
(17)- نفسه، ص: 241.
(18)- نفسه، ص: 60.
(19)- نفسه، ص: 80.
(20)، نفسه، ص: 257.
(21)- ،فسه، ص: 287.
(22)- نفسه، ص: 141.
(23)- وعي المسيح مصطلح يشير إلى درجة عليا من الوعي.
(24)- ميخائيل باختين، شعرية دستويفسكي، ترجمة جميل نصيف التكريتي، دار توبقال للنشر، ط1، ص: 121.
(25)- درونفالو ميليكزيديك، سابق، ص: 119.
(26)- حسن أوريد، رباط المتنبي (رواية)،المركز الثقافي العربي، ط1- 2019، ص: 344.
(27)- الموتشو، سابق، ص: 82.
(28)- نفسه، ص: 100.
(29)- نفسه، ص: 73.
(30)- نفسه، ص: 278.
(31)- نفسه، ص: 387.
(32)- نفسه، ص: 391.
(33)- نفسه، ص: 391.
(34)- نفسه، ص: 233.
(35)- نفسه، ص: 177.
(36)- نفسه، ص: 185.
(37)- نفسه، ص: 241.
(38)- نفسه، ص: 243.
(39)- نفسه، ص: 317.
(40)- نفسه، ص: 195.
(41)- نفسه، ص: 334.
(42)- نفسه، ص: 344.
(43)- نفسه، ص: 171.
(44)- نفسه، ص: 329.
(45)- نفسه، ص: 341.
(46)- نفسه، ص: 266.
(47)- شعرية دستويفسكي، سابق، ص: 103.
(48)- الموتشو، سابق، ص: 195.
(49)- نفسه، ص: 235.
(50)- نفسه، ص: 403.
(51)- نفسه، ص: 266.
(52)- إيرفينغ هـ. بوخن، جماليات الرواية العليا، ضمن كتاب: النقد الأدبي الحديث بين الأسطورة والعلم، محيي الدين صبحي، الدار العربية للكتاب، ص: 187.
(53)- محمد أنقار، ظمأ الروح، منشورات مرايا، ص: 11.
(54)- عن: درونفالو ميليكزيديك، سابق، ص: 41.
(55)- الموتشو، سابق، ص: 107.
(56)- نفسه، ص: 158.
(57)- نفسه، ص: 103.
(58)- نفسه، ص: 158.
(59)- عن محمد أنقار، بناء الصورة في الرواية الاستعمارية، صورة المغرب في الرواية الإسبانية، مكتبة الإدريسي، ص38.
(60)- الموتشو، سابق، ص: 25.
(61)- نفسه، ص: 78.
(62)- إرفينغ هـ. بوخن، سابق، ص: 191.
(63)- الموتشو، سابق، ص: 228.
(64)- نفسه، ص: 196.


مشاركة منتدى

  • رواية الموتشو تبدا أحداثها في شتنبر 2018 وتنتهي في خريف 2019، حسن اويد في هاته الرواية اعتمد على منهج الحاضر وما هو واقعي عكس الروايات القديمة كتن يتعمد عاى ما هو تاريخي، ما يمكن إضافته لهذه القراءة الهندسية الجميلة هو ان اسم بنيس يدل على واقع العالم العربي واسم ايستر يدل على اسرائيل لكن ، لدي سؤال على ماذا يدل الرجل او الكاهن الذي يعرف الجميع؟؟؟؟؟؟؟

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى