الثلاثاء ١٩ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم عبداللطيف الوراري

لقاء حول الشّعر وتجْرِبة الحرّية

 أحمد الشّهاوي وحلمي سالم يحْكيان تجرتهما مع سُلْطة الرّقابة في مصر.

 صبحي حديدي يرى أنّ مُصادرة الشاعِر لإبْداعه لا تقلّ خُطورةً عن مُصادرة السّلطة أنّى كانت.

شُدّت أنْظار جمهور المهتمّين،على هامش المعرض الدولي الرّابع عشر للنشر والكتاب الّذي تحتضنه الدارالبيْضاء كُبْرى مدن المغرب،إلى المائدة المستديرة الّتي فتحت النقاش القديم الجديد حول "الشّعر وتجْربة الحرّية" بمُشاركة شاعريْ مصر الْمُثيريْن لِلْجَدل أحمد الشهاوي وحلمي سالم،والنّاقد والمترجم السّوري صبحي حديدي ،وأدارتْها الشاعرة المغربيّة ثريا ماجدولين.

تحدّث أحمد الشّهاوي ،في بداية اللّقاء،عن مُصادرة حريّة الإبْداع بمصر،ولا سيّما من قِبَل رِجال الأزْهَر مُسْتغرِباً كيْف أنّ مجمع البحوث الاسلامية ،وهو أعلى هيْئة في الأزهر بمصر،لا يضمّ بيْن أعضائه شاعِرأً،ولا رِوائيّاً أوْ أسْتاذاً أكاديميّاً ملمّاً بقضايا الأدب والفنّ،ومع ذلك يتّخذ المجمعُ قَراراتٍ قطعيّة وحاسِمة في مجْرى الحركة الثّقافيّة وهو يدّعي أنّ هذه القصيدة أو الرّواية أو اللّوحة التشْكيليّة تمُسّ بالمقدَّس؛وأضافَ أنّ شيخ الأزهر بات يشكّل سلطة عُلْيا في مصر تفوق من حيْث أهميّتها منصب رئيس الوزراء،وأنّ تخطّي مؤسّسة الأزْهر اختصاصَها بدراسة العلْم الشّرعي إلى ممارسة دوْرٍ رقابيٍّ على حركة التأليف والمُصنّفات الأدبيّة والفنّية أمْرٌ يؤدّي إلى مُصادرة حرية الفكر والتّعبير.

واستغٍْرب الشّهاوي ،أحد أهمّ شعراء مصْر الّذي كرّس تجرِبته الشّعريّة للْعِشْق في بُعْده الصّوفي ـ الإشْراقي،كيْف أنّه تعرّض لتجْربة المُصادرة،بلْ إنّه كُفِّر مرّتيْن بين عاميْ 2003 و2006 عقِب صُدور كِتابِه"الوصايا في عشْق النّساء" الّذي كان قد أثار ضجّة في الأوساط الثقافيّة المصرية إثر فتْوى وقّعها 26 عضْواً في مجمع الأزهر،الّتي"قضت بتكفير المؤلف ومصادرة الكتاب وحث المسلمين على عدم قراءته"،وأضاف "أنهم لم يقرأوا الكتاب ما عدا أحدهم قرأ جزءاً منه وصدرت الفتوى بالتمرير".وللإشارة فإنّ الشّاعر تلقّى ،في وقْتٍ سابق، تهديداً بالقتل من جماعة أنصار الاسلام في شمال العراق،وحذّرتْه من نشْر الجزء الثاني من الكتاب" الناضح بالكفر البواح"،لكنّ الشّهاوي لم يرضخ للتّهديد، وأصدر ثاني وصاياه في العشق.

وفي السياق نفْسِه،تحدّث الشّعر حلمي سالم،أحد أبرز شعراء السبعينات في مصر،الّذي قال إنّ الأزهر يرى نفسه الجهة الوحيدة الّتي تقيّم الإبداع،والفتاوى الّتي يصدرها رجالاتُه تُنفّذ على وجه السّرعة من طرف مجلس الدّولة،وهذا ما يؤكّد أنّ السّلْطة الدينيّة مدْعومةٌ من الدّستور والقانون،فيظهر في الصّورة "أنّهم الدّستوريّون،ونحن غيْر الدّستوريّين"،و"لسْنا نعرف أيْن الخصم؟هلْ واضِعو الْفَتاوى أمْ منفّذوها؟".واستَطْرد قائلاً"هُناك،منذ عمر بن الخطاب،تحالُفٌ مضْمَر أوْ معْلَن بيْن الاسْتِبداد باسْم الدّين والاستبداد السياسي(...)إنّ هناك مصلحة متبادَلة بيْن السّلطتين،والأمثلة على ذلك كثيرة منها أنّ البرلمانات العربيّة بوصْفها منابر للحرّية والدّيمقراطية والدّفاع عن الشّعب تحوّلتْ إلى نقيض عملها،وأصبحت بدوْرِها مُقاوِمة لحريّة الإبداع".

وبعد أن اسْتَشهد ببعض حالات المنع الّتي طالت فتوحات ابن عربي،ونصوص ألف ليلة وليلة،وديوان قاسم حداد،ورأي فاروق حسني نفسه بخصوص الحجاب،أكّد "أنّ لدى المثقّفين العرب مأزقاً دائماً وهو عدم قُدْرة قِطاعٍ مهمّ منهم على التّمييز بيْن الدّفاع على المبدأ والرأي في النصّ فكريّاً وسياسيّاً وفنيّاً(...)نحْن لمْ ننجحْ بعْدُ كمثقّفين في رأْب هذا الصّدْع".وأضاف"نبدو أنّنا عندما نتحدّث عن حرّية الإبداع كأنّنا ندْعو إلى الحريّة المطلقة،بل هناك حرّية مشروطة ليْس بالسّجن أو بالنّفي أو بالتّكفير،وإنّما فقط بالسّجال الفكريّ والحِوار النّزيه الّذي يعتمد قواعد ما".

وأنْهى مداخلته بالقوْل"إنّنا لمْ نستطِعْ ،عبر مائتيْ سنة،أن ننجح في فصْل الدّين عن الدّولة،ولهذا استَشْرت ظاهِرة الفتْوى والإفتاء داخل المجتمع.إذا لمْ نُنْقِذ الدّوْلة المدنيّة فلا قائِمة لنا.سوْف تسوء أوْضاعُنا أكثر".

وكانت قصيدة للشاعر حلمي سالم بعنوان"شرفة ليلى مراد" مثار خلافٍ بعد نشْرِها في مجلة "إبداع" من شهر مارس العام الفائت، بعد اتّهامِها بأنّها "تضمنت كفرًا وزندقة ومسًّا بالذات الإلهية"،وازْدادت القضيّة إثارةً لمّا مُنِح صاحِبُها جائزة التفوق ضمن الفائزين بجوائز الدولة في مصر.

أمّا النّاقد والمترجم صبحي حديدي فقد نقَل النّقاش من الرّقابة والاصطدام بالسّلطة إلى قضايا أخرى تخصّ تجربة الحرّية وعلاقتها بالشّعر.وقال بهذا الْخُصوص "نحن لسْنا بصدَد أنْ نُبرّئ النصّ مِنْ شُبْهة الإساءة إلى المقدّس،بل المطْلوب أنْ نذهب في الإصْرار على حريّة الفنّ،واسْتِثارةِ الْمقدّس،وتثْمين النصّ فنّياً وجماليّاً"،وأضاف"حريّة الشّاعِر نفْسه أمام النصّ،أيْ ألّا يُمارِس على نفْسِه رقابةً مباشِرة أو غيْر مباشِرة تُحابي المقدَّس،وأنْ يكونَ حرّاً في تجْريب الشّكْل الأدبيّ.إنّ مصادَرة الشّاعِر نفْسِه لإبْداعه لا تقلّ خُطورةً عن مُصادرة السّلطة أنّى كانت،ولا سيّما عنْدما يضع أمامه الذّائقةَ الّتي لا يُريد، في زعْمِه، أنْ يُسيء إليْها أو يصْطدِم معها".ولفَت حديدي إلى أنّ مفْهومَه للحريّة قدْ تغيّر،وأنّ حرّية المعنى لا تنازُل عنْها إزاء الإيديولوجيّات والقضايا الْكُبْرى،وأنّ "لِلنصّ الدينيّ الْحقّ في أنْ يؤوِّل الإبْداع كأيّ نصّ آخر،ولكنْ ألّا يحوّله لأنّ ذلك يسيء إليْه".وختَم بالْقَوْل إنّ على الْمُبْدِع أنْ يفْتَح حِواراً مع تجْرِبته،ولا يفْهم كيْف أنّ شاعِراً عمُوديّاً يرْفض شعر التّفْعيلة ومع ذلك يشْكو القمْع.

ولمْ يفُت مُداخلات المائدة المسْتديرة دون أنْ تثير بيْن أوساط الحضور،الّذي كان بيْنه شعراء وكتّاب ومتتبّعون،أسئلة وقضايا أثْرت النّقاش،من ذلك ما أثارَه الشّاعر اللّبْناني بول شاؤول الّذي اعْتَبر أنّ المشْكِلة ،اليوم،هو كيْف يُواجِه المثقّف السّلْطة،لا سيّما وأنّ السلطة أنْتجَتْ أُصوليّاتٍ سياسيّة ومذهبيّة متعاضدة،وأنّ الثّقافة باتتْ منعزِلةً عن المجتمع.وقال،بنبْرة تحسُّر، "إنّي أتذّكر كم منْ شاعر،وكمْ كاتب،وكم مفكّر قُتِل بأيْدي المُجْرِمين والقتَلة والمليشيات في لبنان،منذ مايزيد عن عشْرين سنة".وأشار الشّاعر المغربي حسن نجمي إلى ضرورة أنْ يكون للقصيدة موقفٌ مضادّ في الحياة،مثلما أكّد زميله صلاح الوديع إلى الدّور الّذي يمكن للشّاعر أنْ يلعبه في الحركة الاجتماعيّة، دور التنْوير والمُساءلة.

وللإشارة فإنّ المعرض الدولي للنشر والكتاب،الّذي تستمرّ فاعليّاتُه من8 إلى17من شهر فبراير، يحْتفي في نسْخته الرّابعة عشر بالقراءة عبر خلق فرص متعدّدة لتقديم الكتاب إلى القارئ،وتوسيع فضاءات العرض؛كما يحتفي بالإصْدارات الفرنسيّة كضيف شرف.إلى جانب ذلك،تعرض أرْوِقة المعرض الّتي زادت عن الخمسمائة أحدث العناوين من طرف مؤسسات النشر المغربية والعربية والأجنبية الّتي وفدت من 44 دولة.وتحتضن التّظاهرة،وسط حراسة أمنيّة مشدّدة، برنامجاً ثقافيّاً يشمل العديد من الموائد المستديرة واللقاءات المباشرة بين الكتاب والجمهور الّتي ينشِّطها عدد كبير من المفكرين والمبدعين والمهنيين من داخِل المغرب وخارِجه, عدا تكريم روح الشاعر المغربي عبد الله راجع،والكاتب محمد السجلماسي،والشاعر العراقي سركون بولص الّذي له قصّة أخرى مع الحريّة في طريقه إلى "مدينة أين".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى