الأحد ٢٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢
بقلم صيام المواجدة

لم تزلْ في السِّفرِ آية

ذاتَ ليلٍ
من لياليَ العِذابِ
كنتُ فيها في بدايات الشَّبابِ
كان جدّي
قد حكى لي
أنَّ أرضي
قبلَ أنْ تغْدو قِفارا
قبلَ أنْ يعتادَ فيا الليلُ أنْ يمحو النَّهارا
قبلَ أنْ يَغتالَ فيها البومُ أصواتَ البلابلْ
قبلَ أنْ يختالَ خِنْزيرٌ ويرمي بالقبيحات الأيائلْ
قبلَ أنْ يُقتادَ فيها الشِّعرُ موقوفاً بأبواب المدائحْ
قبلَ أنْ ينهارَ فيها الصدقُ مذبوحاً على حدِّ المصالحْ
قالَ جدِّي
أنَّ هذي الأرضَ كانتْ
منبِتاً للأقحوانِ
كان فيها البدرُ مرسوماً بحبّات الجُمانِ
كانت الآجامُ غنَّى بالعصافير الجميلةْ
سائلِ الآرامَ عنها والخميلةْ
والنُسيمات العليلةْ
كم تغنَّى فوقَ هذي الأرض شاعرْ
كم هَمَا بالحبِّ للأوطانِ أصحابُ المشاعرْ
 
مات جدّي
قبلَ أن ينهي الحكايةْ
بقيت في السِّفرِ آيةْ
أيُّها الملّاح في ليل العروبةْ
في بحار الظُّلمِ لن تلقَ العُذوبةْ
تاهت الأشعارُ والأوطانُ والأحبابُ في ليل الخريفْ
غيلت الأحلامُ بالحكم السخيفْ
شاع في أسماعنا صوتُ الفحيحْ
واختفى منها الحفيفْ
مشيخاتٌ في البحار السودِ تجترُّ النجاسةْ
باعت الأوطانَ والأديانَ في سوق النِّخاسةْ
أكلوا لحم البرايا
واحتسوا رشح البغايا
وإذا الفجرُ تعالى
فهُمُ أهلُ القداسةْ
مات جدي
قبل أن ينهي الحكايةْ
لم تزلْ في السِّفرِ آيةْ
ليت جدّي لم يزلْ حياً فقد حلَّ الرّبيعْ
حاملاً قيثارةً تشدو بألوان البديعْ
وانتهى عصرُ القطيعْ
قالت الأعرابُ آمنّا بميلادٍ مجيدْ
بصدورٍ عارياتٍ
دون نارٍ أو حديدْ
نكتبُ العهد الجديدْ
تونسَ الخضراءَ قالتْ
وابتدا فيها الكلامْ
أفشَت السّرَّ إلى النيلِ فثنّى
وتعالتْ
جذوة النّورِ لينداحَ الظلامْ
في بياض الثلج غنّى العازفونْ
قادمونْ ...
قادمونْ ...
وعلى الأصنام نتلوا
كلَّ ألحان الرجوعْ
بقيت في السِّفرِ آيةْ
خلفها ألفُ حكايةْ
وحكايةْ ...

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى