الأحد ١٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠
بقلم عبد القادر محمد الأحمر

لو كان الإنسان أسير ماضيه!!

كتب يقول: (قسم الناس الزمان إلى ثلاثة أقسام، ماضٍ قد انقضى فلم يعد له وجود، وحاضر يتحقق فهو في طريقه إلى الانقضاء، ومستقبل لم يتحقق بعد فهو ما يزال يفتقر إلى الوجود!! وبين الماضي الذي لم يعد له وجود، والمستقبل الذي لم يوجد بعد، يبدو الحاضر كما لو كان نقطة هندسية لا وجود لها، لأنها مجرد ملتقى خطين: خط الماضي وخط المستقبل

ولهذا فقد أنكر البعض على الزمان كل حقيقة واقعية، ما دام الحاضر نفسه لا يملك أية كثافة وجودية، بينما يفتقر كل من الماضي والمستقبل إلى الطابع العيني المميز لكل موجود واقعي!!

وراق لآخرين- على العكس من ذلك – أن يردوا أقسام الزمان جميعاً إلى الحاضر فهناك من أعلن إلى أن هناك حاضر الماضي الذي يستند إلى ملكة التذكر و حاضر الحاضر الذي يرتكز على ملكة الانتباه و حاضر المستقبل الذي يقوم على ملكة الأمل أو التوقع، أو الاستباق، وكانت حجة أصحاب هذا الرأي أن الاحساس بالزمان وظيفة نفسانية بحتة، فنحن نستبقي من الماضي ما نحبه وما نتعلق به، وننتزع من الحاضر ما يروقنا ويستأثر بانتباهنا، ونستشف في المستقبل ما نريده وما نتطلع إليه. وبهذا المعنى تكون الصدارة للحاضر على باقي أقسام الزمان: لأن وجود الماضي رهن بمدى قدرته على استباق الزمان، وفرض نفسه على الحاضر! وسواء اتجهنا بأبصارنا نحو المستقبل، أم عدنا بذاكرتنا نحو الماضي، فإننا في كلتا الحالتين لا نستمد من المستقبل أو من الماضي إلا ما من شأنه أن يُنشط سلوكنا في الحاضر، أو يعبئ قوانا في صميم حياتنا الراهنة

هل الزمان حاضر مستمر؟

الموت يحيل الوجود الإنساني بأسره إلى ماضٍ بحت

إن الكون هو ما قد كان – الفيلسوف الألماني هيجل – وبعض الفلاسفة يقول: إن الإنسان في جوهره مستقبل!

لا يحيا الحيوان إلا في الحاضر المباشر، دون أن يكون للماضي بالنسبة إليه أي تراث، ودون أن يكون للمستقبل بالقياس إليه أي معنى من معاني الأمل أو الرجاء، لهذا ظل الإنسان هو الموجود الزماني (بمعنى الكلمة) فهو الذي يستخرج من الحاضر خير ما فيه، وينتزع من الماضي أجمل ما انطوى عليه، لكي يعمل من أجل ذلك المستقبل الذي يريده دائماً خيراً من الماضي والحاضر على السواء، وعلى هذا- والحق يقال – لا يحيا الإنسان إلا من أجل المستقبل، أعني من أجل ما لم يوجد بعد، أو ما لا بد من أن يوجد، أو ما يريده هو على أن يوجد! وحين قال الفلاسفة: (إن الإنسان في جوهره مستقبل) ، فإنهم يعنون بذلك أنه يتحرك دائماً صوب الأمام محققاً ما لديه من إمكانات آخذاً على عاتقه باستمرار أن يوسع م دائرة وجوده في المستقبل.

يقول برجسون: (ماذا عسانا نكون في الواقع، أو ماذا عسى أن يكون طبعنا، إن لم يكن تلك الحصيلة المركزة التي تجمعت من تاريخ حياتنا السابقة، منذ ولادتنا حتى الآن، إن لم نقل قبل ولادتنا، ما دمنا نحمل معنا ميولاً وراثية أو استعدادات سابقة على الولادة؟!.

صحيح أننا لا نفكر إلا بجزء ضئيل من ماضينا، ولكننا نرغب، ونريد، ونعمل، بماضينا كله، مع ما ينطوي عليه من اتجاه أصلي قد اتخذته نفوسنا منذ البداية، وإذن فإن من شأن ماضينا أن ينكشف لنا بأكمله من خلال قوته الدافعة على شكل ميل أو اتجاه، ولو أن جانباً ضئيلاً منه فقط هو الذي يستحيل إلى تصور عقلي.

حياتنا الزمانية متجددة لا تقبل الاعادة )!! فهو يعني بذلك أنه ليس في استطاعتنا أن نعيش من جديد أدنى جزء من أجزاء حياتنا!

(من المحال على الشعور أن يمر بنفس الحال مرتين، وذلك لأنه مهما تكن الظروف متشابهة، أو مهما تكن الملابسات واحدة، فإنها لا تؤثر مطلقاً على شخصية واحدة بعينها ما دامت تعرض لها في لحظة جديدة من لحظات تاريخها، فشخصيتنا في تغير دائم دون أدنى توقف أو انقطاع، وهذا هو السبب في أنه لا يمكن أن تتكرر في أعماق شعورنا حالة نفسية واحدة، حتى ولو بدا لنا- من أول وهلة – أننا بإزاء ظاهرة واحدة بعينها. فحياتنا الزمانية متجددة لا تقبل الاعادة إذ ليس في استطاعتنا أن نعيش من جديد أدنى جزء من أجزاء حياتنا!

إن ماضينا بأكمله يظل يتعقبنا في كل لحظة من لحظات حياتنا: لأن ما شعرنا به، وما ذكرنا فيه، وما أردناه منذ طفولتنا المبكرة، ما يزال عالقاً بنفوسنا، متجهاً نحو الحاضر كما لو كان يوشك أن يتصل به، ضاغطاً بشدة على باب الشعور الذي يريد أن يدعه خارجاً

لا يمكن أن يكون الإنسان مجرد أسير مستعبد تماماً لماضيه،
التاريخ يسلط الأضواء على الماضي، لكي يضع بين أيدينا الكثير من الدروس التي قد تعيننا على مواجهة كل من الحاضر والمستقبل


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى