الخميس ٢ تموز (يوليو) ٢٠٠٩
بقلم إبراهيم ياسين

ماذا بعد غزة؟

تناولت وسائل الإعلام موضوع غزة والهجمة الشرسة التي شنها العدو الصهيوني عليها، وتحدث الكثيرون عن المقاومة الشرسة وعن أشكال النضال في الشارع العربي... النضال الذي اتخذ أشكالا عدة: مظاهرات... مسيرات... احتجاجات... مرورا بالكتابات الإبداعية وأشكال التعبير الأخرى في الصحف وفي مواقع الانترنت... وفي الوقت الذي تحدث فيه بعضهم عن الخسائر البشرية والمادية، تحدث آخرون عن النصر الذي حققه أفراد المقاومة، نصر فئة معزولة عن السلاح في وجه غطرسة عدو مدجج بأشد الأسلحة فتكا...

بل إن البعض حلل الأمر على أنه نصر ساحق تمثل في المقاومة العنيدة... إلا أننا في حدود ما سمعنا وشاهدنا لم نسمع من يطرح السؤال بصيغة: ماذا بعد غزة؟ والمقصود بصيغة السؤال هاته: هو من سيأتي عليه الدور بعد غزة؟ ماذا أعددنا وماذا سنعد لما بعد غزة؟ إن ما هو مؤكد في الأيام الأولى للغزو الإسرائيلي هو أن إسرائيل ستنسحب طال الزمن أو قصر، إذ إنه ما من دولة تستطيع تحمل ميزانية حرب دائمة، لكن هذا ليس المهم بل المهم في اعتقادنا هو: ماذا اعددنا في حال تكررت هذه المأساة، علما بأنه لا شيء يضمن السلام؟ فماذا على المسلمين أن يفعلوا حتى يتجنبوا محنة أو محنا أخرى قادمة... إن من قرأ التاريخ يعلم علم اليقين أن ثمة حروبا أخرى في الأفق وأنه طالما كانت إسرائيل تحس بالخطر والتهديد من العرب، وطالما أن العرب والمسلمين في موضع الضعيف فلا شيء يدعو إلى التفاؤل...

ولا شيء يدعو إلى الدهشة لو تكررت مثل هذه الهجمة... سواء من قبل إسرائيل أو من قبل غير إسرائيل... وكنت أتساءل لماذا يضع المسلمون أنفسهم وبشكل دائم في موقع الدفاع عن النفس عوض أن يكونوا في موقع المهاجم، قد يقول قائل إن الإسلام يدعو إلى السلام، لكن عن أي سلام نتحدث مع عدو شرس يتربص بالمسلمين في كل حين؟ لماذا يتخذ المسلمون موقف رد الفعل عوض أن ينتقلوا إلى موقف الفعل؟ هجمة هنا وهجمة هناك... والأسوأ من ذلك أن ردود أفعالهم غالبا ما تكون عاطفية لا عقلية، في أحيان كثيرة لا يتجاوز رد فعلهم الصراخ أو العويل أو ما أشبه ذلك من مواقف الضعف والجبن والتقاعس... حينما يعجز الحكام وتعجز فيالق من مئات الآلاف من الجيوش العربية... ويعجز العلماء عن صد الهجمة الشرسة على الدين وعلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم... حين يحدث كل هذا يستنجد بعضهم بالعامة لنصرة الدين يطالبونهم بأن يمتنعوا عن شراء السلع الأمريكية... بل إن من هؤلاء من دعا المسلمين إلى مغادرة أعمالهم في الشركات التابعة للاقتصاد الأمريكي أو أتباعها...

يعتقد هؤلاء الدعاة أن هؤلاء يملكون خيارا... يتقاضى أحدهم مبالغ خيالية مقابل أن يجلس أمام المشاهدين على شاشات القنوات الفضائية... ويدعو البسطاء من الناس إلى ترك أعمالهم... إنهم بذلك يدعونهم إلى الموت البطيء... ألا يعلم الدعاة شيئا عن أزمة الاقتصاد في المجتمعات العربية... عن البطالة التي تطال عشرات الآلاف من الشباب... في الوقت الذي يعاني فيه حملة الشواهد العلمية العالية من البطالة يطلب من العامة وبسطاء الناس ممن وجدوا ـ بعد جهد جهيد ـ عملا هزيلا، أن يتخلوا عنه وعن موارد أرزاقهم... لماذا لا يدعم الدعاة المقاومة بما يجمعون من الأموال عوض الصياح؟ لماذا لا يعمدون إلى تقديم تبرعات مادية أو يحملوا السلاح للدفاع عن المسلمين في غزة وفي غير غزة من بلاد المسلمين؟ أكان الصحابة رضوان الله عليهم وعلماء المسلمين من السلف الصالح يقعدون على الكراسي، يحثون الناس على الجهاد أم كانوا هم السباقين إلى ساحات الجهاد بأقوالهم وأفعالهم؟ وما على المسلمين عامة وعلمائهم خاصة إلا أن يقتدوا بمن شاءوا قولا وفعلا... لا أن يكتفوا بمجرد التنديد اللغوي...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى