الخميس ٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢١

متى تعود للشعر هيبته؟

مصطفى معروفي

بين الحين والآخر تقام مهرجانات وملتقيات هنا وهناك، يتم فيها إلقاء الشعر ويكرم فيها بعض الشعراء ممن أسدوا لهذا الجنس الأدبي الجميل خدمة جليلة بإبداعاتهم المتميزة. إن هذا شئ يستحق منا التنويه والإشادة والتشجيع.

ولكن المرء أمام هذه المهرجانات والملتقيات ليتساءل عما إذا كان الأمر يتعلق بعودة الروح إلى الشعر، ووعي بدوره ومكانته من لدن المنظمين، أم أنه يتعلق فقط بلحظة حماسيه لا تلبث أن تمر مسرعة وتترك خلفها غبار الذكريات.

الكل يعرف أن سوق الشعر بجل البلاد العربية إن لم نقل كلها هي سوق كاسدة، والأسباب كما يعرفها الشعراء قبل غيرهم لا تعود إلى القارئ وحده، بل إلى الشعراء أيضا.ذلك أن الشعراء الحقيقيين أمام هذا السيل الجارف من المحسوبين على الشعر والشعراء لا يكادون يجدون لهم موضع قدم أمام الجمهور، وهذا الجمهور نفسه أصبح متذمرا من الشعر لأنه بات لا يجد فيه ما يشده إليه. وأنا لا أقصد كل الشعر بالطبع بل أغلبه.فمن الأسماء التي تتم المناداة عليها لتقرأ قصائدها لا نجد إلا أسماء قليلة جدا هي التي قالت شعرا،وأما الباقون فلم يقولوا شيئا،وهم في أحسن الأحوال قدموا خواطر وربما هلاوس وهذيانات .أما كيف حضروا فالأسباب لا يعلمها إلا المنظمون والعالمون ببواطن الأمور.

وكما يمكن أن نقول إن كثرة الأطباء ليست علامة على وجود الصحة، كذلك يمكن أن نقول في مجال الشعر إن كثرة الشعراء ليس علامة وجود الشعر ،حتى ولو ادعى هؤلاء أنهم شعراء فنحن نصدق القصائد ولا نصدق المدعين،لأن القصائد لها لسان أفصح ودليل أقوى و مرجح. وانا هنا لا أجازف وأرسل الأحكام على عوانها،فلسان الواقع يقول هذا ،وقد قال أحدهم في هذا الشأن:

ندُرَ القريضُ كَأهْلهِ وإذا عدَدْ *** تَ المُدَّعينَ لهُ وجدْتَ كثيرا

وإذن فمن حق المتلقي أن يتذمر، ومن حقه أن يتذمر أمام الملأ إذا كان ما يتلقاه من قصائد جافا وقاحلا.، فلا هو وفر وقته لنفسه ولا هو أنفقه في عمل مجد. إننا سنكون غير واقعيين إذا طلبنا منه أن يحضر مرة أخرى إلى الإستماع للشعر، أو رجوناه أن يقرأ قصيدة - لا أقول مجموعة شعرية - وهو الذي ربما لدغ من جحر هذا الشعر الذي يقدم إليه لدغ أكثر من مرة.

أنا هنا لا أتحدث عن المتلقي الذي لا يملك الأدوات التي تخول له الدخول إلى عالم القصيدة، بل أتحدث عن المتلقي الذي يتذوق الشعر من العصر الجاهلي إلى الآن عند رموزه العظيمة بما فيهم الحداثيون وما بعد الحداثيين، ولكنه لا يجد ما يتذوقه عند كثير من يتعاطون كتابة الشعر في الوقت الحاضر. إن هذا المتلقي محق إذا هو أحجم عن التعامل مع الشعر كما يفهمه ويكتبه هؤلاء الأدعياء الذين دخلوا بيت الشعر من النوافذ بلا خوف ولا وجل وبدون أدنى تحرج.

أعتقد أن مثل هذه المهرجانات والملتقيات باستطاعتها أن تعيد للشعر سيرته الأولى إذا أضفت عليه شيئا من الهيبة وحمته من الإبتذال والتسيب. وإنني أتمنى صادقا أن تكون حماسة المنظمين للمهرجانات والملتقيات والتظاهرات الشعرية حماسة دائمة ومتجددة باستمرار، وأن لا تكون سحابة صيف عابرة، وأن يكون هدفهم هو خدمة الشعر والتحمس للرقي به إلى المستوى الرفيع الذي يليق به.

وتحيتي لأصحاب الكلمة الشعرية الصافية الدافئة الجميلة الذين يعملون مخلصين كي يتسنى لشمس الشعر العربي أن تسطع على العالم كله.

مصطفى معروفي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى