الجمعة ١٧ شباط (فبراير) ٢٠٠٦
محمد رشدى يحاور صاحب دق الطبول:

مجتمع الخليج يعانى من تفسخ وبعضه طارد للإبداع

رواية الخالدية هى مصر بفاسديها الذين يروعون مواطنيها البسطاء اللغة العامية ثرية وأغلبها معبر

قضية رواية دق الطبول هى الوافدون العاملون فى الخليج وما يلاقونه من مهانة ومذلة

دق الطبول هى أحدث أعمال القاص والروائى الكبير محمد البساطى، وفيها يفاجئنا البساطى بولوجه إلى عالم مختلف عاشه منذ سنوات، وهو عالم المصريين المغتربين فى دول الخليج، وهو عالم لم يتناوله البساطى فى أعماله قبل ذلك، وكانت أعماله السابقة تغوص فى عمق المجتمع المصرى، بخاصة الريف أو عالم المهمشين فى الأحياء على أطراف المدينة، فيحللها بقدرته التحليلية الثاقبة ويقدمها للقارئ الذى يجذبه البساطى بجمله الجذابة وطريقته الثرية والذكية فى السرد ليورطه فى عالم هؤلاء البشر الذين يقدمهم البساطى لنا ليصبحوا جزءا من عالمنا..

وبنفس الطريقة يقدم لنا البساطى أبطاله الجدد فى دق الطبول التى يدور حولها هذا الحوار.

 ما الذى دفعك لكتابة دق الطبول التى تتناول المجتمع الخليجى بعد عشرين عاما من عودتك من السعودية حيث عملت هناك خمس سنوات؟
 الحقيقة أننى لا أدرى لماذا كتبت هذه الرواية بعد كل هذه السنوات من العودة، كل ما فى الأمر، هو أننى وجدت لدى رغبة شديدة فى عرض القضية التى تتناولها الرواية الآن، فقضية الرواية لا تركز على المجتمعات الخليجية، إنما تتناول الوافدين الذين يعملون فى الخليج وما يلاقونه من مذلة ومهانة تصل إلى حد سحق آدميتهم وعدم الإحساس بهم أو بمشاعرهم ومشاكلهم على الإطلاق.
 تراك قد غادرت منطقتك الأثيرة لديك، وهى الكتابة عن الريف بروايتين متتاليتين الخالدية ودق الطبول فما السبب يا ترى؟
 إنها ليست المرة الأولى التى أغادر فيها منطقتى، فقد حدث من قبل فى رواية ليال أخرى التى صدرت عام 2000 والتى تناولت عهد السادات. وقبحه وبشاعته، وتوقع الكثيرون ساعتها، أننى غادرت دونما رجعة إلا أنهم فوجئوا بى وقد كتبت روايتين تتناولان المجتمع الريفى وهما فردوس 2002 وأوراق العائلة 2003، فالفكرة واختمارها وإلحاحها واكتمالها هو ما يدفعنى إلى البدء فورا فى الكتابة، فليس للأمر علاقة بالتوقيت أو التاريخ.
 لندخل إذن معك عالم دق الطبول التى نلاحظ فيها معاناة أبطالها من قلة حيلة وحالة انسحاق تام.. فماذا كان قصدك؟
 فى ظل ظروف الفقر والاحتياج والعوز الذى يعانون منه فى بلادهم يتطلعون للسفر لتغيير هذه الظروف أما قبول الانسحاق فمنطقى وطبيعى.
 إلى هذه الدرجة؟!
 وأكثر.. فقد أصبحوا مهيأين نفسيا لقبول كل شروط، وإهانات أصحاب العمل، مهما كانت درجة قسوتها، علاوة على خوفهم البالغ من بطش الشرطة، وما يسمى بجماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهو ما رسخ داخلهم حالة الانسحاق هذه، فهم دائما يخشون من ارتكاب الخطأ أى خطأ حتى لو كان صدفة.
 أرى فى دق الطبول أن خضوع زاهية المصرية للشيخ الخليجى وحملها منه، وترك وليدها لمخدومتها غير مبرر؟
 لا اتفق معك.. فزاهية تمردت وعافرت على قدر ما تستطيع، ولكن المناخ القاهر هناك، لم يساعدها على استمرارية المقاومة، فالقيود كثيرة، والمحظورات أكثر، فهى حبيسة القهر، ربما على مدار 42 ساعة، بالإضافة إلى أنها شابة وجميلة، وربما كانت تريد أيضا.
 وتركها لوليدها؟!
 لقد اضطرت لذلك، فهى لا تملك من أمرها شيئا، ثم إنها بقلب الأم لا تستطيع أن تتركه، وتعود لبلدها، على الأقل هى تملى عينها منه، وتراه وهو ينمو ويشب أمامها.
 لماذا اخترتها مصرية؟
 كل ما فى الأمر أن المصريات حكاءات جيدات ويجدن الثرثرة، وأنا أعرف ابنة وزير مصرى سابق ذهبت للعمل حكاءة لتسلية شيخة خليجية.
 ولكن ألم تخش زاهية من فضيحة قد تحدث لها من جراء قص سرها على المصرى الذى يعرفها ويعرف أسرتها؟
 هى بدأت بحكايات أخرى غير حكايتها، وبعد أن اطمأنت له، وتأكدت من إخلاصه، قصت عليه سرها، الذى لم تعد تستطيع كتمانه واحتماله أكثر من ذلك، ثم إنها أرادت كذلك أن يعرف آخر ومن بلدها هذا السر كى لا تنطمس الحقيقة.
 لا أرى منطقية استقبال أم سالم الخليجية لنزوات وغزوات زوجها بهذا الهدوء وتلك السكينة، وقصها هذه النزوات ل زاهية، بل ودفع زاهية لإقامة علاقة غير شرعية مع زوجها؟!
 ليس فى الأمر ما يثير الاستغراب، فنفيسة البشر معقدة جدا، وتفاجئنا دائما بتصرفات، لم تكن فى الحسبان وخارج نطاق التوقع، ثم إن أم سالم عرضت على زوجها الطلاق أو الزواج بأخرى ولم يقبل بالإضافة إلى أنها أم سالم. تعتبر زاهية امتدادا لها يا زاهية أنت الآن منى، ما يجرى على يجرى عليك، ما وددت أن أفعله تفعلينه أنت، لذلك فهى لا تشعر بالغيرة منها، هذا بخلاف أن المناخ الذى وضعتها فيه يسمح بحدوث ذلك، وربما أرادت أم سالم أيضا بذلك أن يكتفى زوجها بعلاقة واحدة مع امرأة تحبها بدلا من تلك العلاقات المتعددة مع الأجنبيات. خصوصا الممرضات اللواتى جئن من إنجلترا خصيصا من أجل إسعاد رجال الإمارة.
 هل من الممكن أن يستولى مستخدمو إمارة دق الطبول على الحكم فى ظل ظروف سفر كل أهل الإمارة لفرنسا لتشجيع فريقهم، أم أن هذا الأمر فانتازيا، لا تمت للواقع بصلة؟
 الحقيقة أننى لم أقصد فانتازية الرواية.. وإن كان بها بعض الفانتازيا فقد فرضها السياق والأحداث، ولا يمكن أن يصل الأمر إلى استيلاء المستخدمين على الحكم، لأنهم غير مؤهلين لذلك، فهم يعملون فى أعمال بسيطة، وهم كذلك منكسرون منسحقون، لذلك فإن حدثت المعجزة وانفجروا، فستأتى انفجاراتهم صغيرة، لا يمكن أن تؤدى إلى الاستيلاء على الحكم.
 ما الدلالة الرمزية لهذا الإفريقى الذى يأتى بأفعال غريبة ولا يكف عن دق الطبول؟
 الحقيقة أننى أردت أن أشير إلى أن هذا الإفريقى ببدائيته وتصرفاته الفطرية العفوية هو الوحيد المتمسك بجذوره وأصوله وحريته، ولم تغيره المدينة بكل مؤثراتها.
 فلماذا أظهرته إذن على تلك الحالة من الهذيان وغرابة الأفعال والهندام؟
 لأننى أردت من ذلك القول بأنه وإن كان يتمسك كما أشرت بجذوره وأصوله، إلا أن ذلك لن يسعفه وهذا الأمر ينسحب أيضا على الدول فى عالم مليء بالصراعات والحروب، ولا يعترف إلا بالقوة.
 ماذا لو عدنا إلى الخليج وحدثتنا عن الحصاد الأدبى والثقافى فى سنوات الغربة الخمس؟
 لا حصاد لا شيء، لا كتابة، فقد كانت سنوات صعبة جدا، ولكن أكل العيش المر، وتعليم الأولاد.
 ما نظرة ورؤية السلطات فى السعودية للثقافة والأدب؟
 أية ثقافة وأى أدب، إنهم لا يعترفون بهذه الفنون الجميلة الرفيعة، ويعتبرونها رجسا من عمل الشيطان، فكل حرف خنجر غرس فى خاصرتهم، وكل كلمة طلقة تتهيأ لحصادهم، وكل سطر مشنقة تنصب لاقتلاع رءوسهم باختصار هذا المجتمع مُصادر للكتابة والإبداع.
 ولكن هناك أسماء سعودية لها وزنها وقيمتها وحجمها فى مجال الأدب والثقافة؟
 هذا صحيح ولكن هؤلاء يعيشون فى الخارج، هربا من هذا المجتمع الخانق، حيث الحرية التى هى وقود الإبداع.
 كيف كنت تقضى وقتك إذن خلال هذه السنوات الخمس؟
 كان وقتا مرهقا جدا، لكننى تحايلت عليه من خلال بعض الكتب التى وجدتها هناك مثل ألف ليلة وليلة، وكتب الأدب الفرنسى والتى كانت بمثابة الواحة التى رطبت من قاحل أيامى هناك.
 لو تحدثنا عن لغتك الأدبية نلاحظ أنها تقع غالبا فى المنطقة ما بين العامية والفصحى.. فهل تقصد ذلك؟
 لا أقصد ذلك.. ولكن الذى يحدد اللغة هو العمل نفسه، ومجال ومكان أحداثه وشخوصه والقضية التى يتناولها، وكذلك إيقاعه وإن كنت أرى أن اللغة العامية ثرية جدا، وأغلبها فصيح ومعبر وكثيرا ما يحدث أن تختزل كلمة عامية واحدة ثلاث جمل فصحى مثلا، وتكون معبرة تماما.
 أرى مصر الحالية فى روايتك ما قبل الأخيرة الخالدية فهل أنا محق فى رؤيتى تلك؟
 نعم.. هى مصر الحالية بكل تفاصيلها، بكل انتهازييها وفاسديها وناهبييها، الذين يمثلهم الموظف الذى أنشأ المدينة الوهمية من أجل جمع المال الحرام، وكذلك فساد رجال الشرطة والحكم وظلمهم وترويعهم للمواطنين البسطاء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى