«مقام السيدة» لـ محمد صالح رجب

كي تستطيع فهم مقاصد الروائي من خلال نصه، يجب تحديد نوع الرواية، فقد يكون الاهتمام في بعض الروايات منصبا على النمط العقلي والشعوري لشخص ما، وقد ينصرف الاهتمام في روايات أخرى إلى الطبيعة الخاصة بمجتمع ما أو العناية بفكرة فلسفية مجردة وثمة روايات تكون واقعية حيث تبلغ شخصيات فيها درجة من التعقيد تؤهلهم لان يكونوا شبيهين بالأشخاص الحقيقيين في الحياة من حولنا، بينما في تركز روايات على العالم الداخلي للشخصيات الذي يبدو خارقا للطبيعة أو غير سوي على نحو ما و لو أننا سلكنا إلى الجميع الروايات مدخلا واحدا متوقعين أن يكون الاهتمام منصبا على أشياء محددة بعينها في كل مرة فلسوف نجد أنفسنا مستغرقين فيما لا طائل وراءه.

هناك أربعة أنماط رئيسية هي الرواية الاجتماعية، الرواية النفسية، الرواية الرمزية، الرواية الرومانسية الجديدة، بالطبع ليس هناك شيء ثابت أو محدد هناك أنواع أخرى غيرها ويمكن الخلط بين نوعين من هذه الأنواع داخل رواية واحدة لكن غالبا معظم الروايات تندرج تحت هذه الأنماط الأربعة ولكل نمط خصائصه المختلفة وطريقة تناول خاصة.

بصفة عامة نتجه إلى روايات القرن التاسع عشر التقليدية مثل روايات ديكنز، وهاردي وتولستوي، وبلزاك وغيرها من الكتب الكبيرة التي تصف المجتمعات وصفا كليا شاملا وتتضمن شخصيات بشرية عديدة ومتنوعة تكتظ بالأحداث وتعني بتصويرها وتصوير الحياة عبر مرحلة ممتدة من الزمن تلك الروايات تبدو واقعية وتعيد تشكيل ملامح العالم يماثل العالم الذي نعيش فيه وتقديم شخصيات تشبه شخصيات بشرية في الحياة المعاشة. هذا الوصف الشمولي ينطبق على معظم الروايات الكلاسيكية وتدخل ضمن صيغة وأسلوب الرواية الاجتماعية الرواية التي تقدم شخوصا يشبهون شخصيات الواقع في ظروف اجتماعية مختلفة ويسهل التعرف عليها.

نحن بصدد الحديث عن رواية "مقام السيدة "التي تتناول مجموعة شخصيات في مجتمع مهزوم وربطه بهزيمة يونية، في بداية متن الرواية يخبرنا الكاتب أن شخصيات وأحداث الرواية لا تعبر عن الواقع ولا تشبه شخصيات بعينها.

تتناول وضع مجتمع فقير يعاني من تداعيات رأسمالية متوحشة وتسلط طبقة برجوازية غاشمة تستأثر بمكاسب لا حصر لها وتترك الفتات لأفراد الشعب الفقير من خلال قرية تشعر بالظلم لان الكهرباء تمر من خلال أرضها لتتجاوزها إلى قرية عضو مجلس الشعب كنوع من الاستحقار لها والتكبر من الطرف الآخر. كما ترصد التغير الحادث في هذا المجتمع عبر مرور الزمن.

الروايات الاجتماعية تمنح القارئ إحساسا قويا بالمكان من خلال الوصف المستفيض للحجرات والمنازل والقرى والأصوات البشرية وضروب الأنشطة المختلفة والقصد من وراء ذلك كله إعطاؤنا قدر من المعلومات بما يكفي لجعل المتلقي يلقي بنفسه في أعماق ذلك العالم الموصوف حتى تفهم طبيعته بنفس الدقة التي نفهم بها عالمنا الخاص.

طبيعة سيد العزوني ويوسف المنزلاوي وغيرهما من أنماط بشرية تعكس طبيعة الحياة في هذه الرقعة الجغرافية في تلك الحقبة الزمنية.

مثل هذه الفقرات تمنح المتلقي قطعة من نسيج الحياة.

نسج جوا من الواقع المعاش وتضعنا في قلب عالم خاص وهذه تبدو سمة من سماتها الرواية الاجتماعية.
الشخصيات الرئيسية تعمد إلى أن تحدد نفسها في ضوء التحامها بسائر أفراد المجتمع كما أن تداخل العلاقات الاجتماعية على نحو ما يقع بين الناس بعضهم البعض يعد أحد الأمور الهامة والخطيرة في الرواية. لا يعني أننا نقوم بانتفاء المشاهد التي تستقل فيها إحدى الشخصيات بنفسها كي تنفرد بالتفكير أو تستغرق في التأمل وبرغم ذلك فان كثيرا مما يقع فيها تلك المواقف لا يمكن اعتباره فرديا خالصا لأنه يتسرب دائما إلى أعماق ما يكون بين الناس من علائق أو علاقات.

الروايات الاجتماعية تركز على فاعليات التغير على كل من المستوى الفردي أو مستوى العام المجتمعي.
تصوير التجارب الواضحة عبر الزمن يمنح الرواية باعتبارها شكلا أدبيا قوة متميزة أن الرواية اعتمادا على توظيفها لنقل الإحساس بتغير العلاقات وتأكيد لاطراد طبيعة السلوك البشري تستطيع أن ترسخ الإيهام بمرور الزمن وحركته أنها تستطيع أن تعيدنا إلى الطفولة وتستطيع أن تقودنا عبر رحلة نمو القرية أو المجتمع.

ما دام هناك في الوقت متسع لوصف جمع من الناس ورسم مجتمعات بأكملها وإطلاق المدى لشغفنا التاريخي فلم لا نوظف الشكل الروائي في النهوض بذلك نحاول الإمساك بالأبعاد الإنسانية للتاريخ وفعالياته ومتغيراته الاقتصادية، اعتقد أن ذلك من أسباب التي جعلت الرواية الاجتماعية هي الصيغة السائدة في مجال الرواية حتى الآن. في رواية مقام السيدة نجد الكاتب يأخذنا في الأحداث من أبعد نقطة في الماضي إلى أقصى نقطة في المستقبل، من البداية إلى ما لا نهاية، فلا نستطيع أن نمسك طرف الخيط ولا ننتهي ابدا من الحكي.

أفضل تصوير للمجتمع الروائي المتخيل هو أننا نشعر كوننا جزء من هذا المجتمع موقف روائي شبيه بمواقف الحياة تتطلب منا أن نبادر بالاستجابة إلى ذلك العالم.

تبدو الأسباب والنتائج أوضح واشد إقناعا، نرقب المظاهر الخارجية الواضحة للسلوك الإنساني أكثر مما نرقب الجذور الغامضة للبواعث والدوافع.

كيف يؤثر النظام الاجتماعي على سلوك الفرد؟ ما هي المسئوليات الأخلاقية التي تمليها الحياة داخل مجتمع بالغ التعقيد؟

إيجاد طبقة وسطى بالغة الضخامة والقوة كيف يتصرف المرء حين يلقى فجأة شخصا ما في مكانة اجتماعية جديدة تماما على نحو ما حدث للكثيرين.

أزمات فردية للشخصيات، القضايا المطروحة سوف تنشأ عن تداخل العلاقات الإنسانية ومن ثم تستحق تلك العلاقات دراسة خاصة كما أن القضايا الأخلاقية سوف تبدو أكثر جلاء في الرواية الاجتماعية. علاقة الشخصيات ببعضها البعض في مقام السيدة تخلق مشكلات مجتمعية كبيرة، أخو سيد العزوني مع ابن العمدة، حتى تاجر المخدرات وباقي المجتمع، علاقة سيد العزوني مع يوسف المنزلاوي، حتى المنزلاوي الاب مع ابو زينب كلها علاقات تتوالد معها مشكلات مجتمعية وفردية تسهم في الصراع بين الطبقات ببعضها البعض وترسم المجتمع في حقبة زمنية بالغة الخطورة وترصد التحول من الماضي إلى المدنية الحديثة.