الاثنين ٥ نيسان (أبريل) ٢٠٢١
الآنية والموسمية في الهايكو
بقلم حسني التهامي

من مقال بعنوان: بيان الهايكو

دراسة نقدية

الآنية والموسمية في الهايكو:

آنية الهايكو:
يمكننا وصف الهايكو الكلاسيكي بأنه بيتٌ شعري مقسم إلى ثلاثِ شطرات، تشتملُ على سبعةَ عشرَ مقطعاً صوتياً (5-7-5) موزعة كالتالي: خمسة مقاطع صوتية في السطرِ الأول وسبعة في الثاني وخمسةُ مقاطعَ في السطرِ الأخير، ينقلُ الهايكست من خلالها مشهداً جمالياً من البهاءِ الكونيِ بكائناتِه الدقيقةِ وتفاصيلِه اللا متناهية المذهلةِ بصورة تعكسُ خبرته وعمقَ تجربتِه وقدرته الإبداعية في التقاط هذا المشهدِ الآني المتفجرِ بالدلالاتِ والمعاني، فعند القول بأن الهايكو لقطةٌ آنيةٌ نعني أن الحدث الفعلي وقت التقاط الصورة يتم في لحظة عابرة، لكنها تستدعي في طياتِها تجربةً إنسانيةً ممتدةً من أعماق الماضي، وربما تستشرفُ ملامحَ مستقبليةً تُرسمُ عبر مشهد حسي مُستقى من واقعه الحياتي:
"ليستِ الريحُ ما يَهُزُ أعطَافَكِ
أيتُها الصَفصافةُ-
إنما أنفاسُ أبي
(حسني التهامي، ديوان وشم على الخاصرة، ص5)
يستدعي الهايكست عبق الماضي عبوراً بلحظةٍ آنيةٍ وهي اهتزازُ أعطافِ الصفصافة، لتمتدَ فيما بعد وتشكلَ الحضورَ المستقبلي لأنفاسِ الأب التي تمثلُ ديمومةَ الحياة والذكرى، فالمتأمل في بنية الهايكو يجد أن المشهد كان مسبوقا بشيء ما كان يحدث قبله، وأنَّ أحداثا أخرى سوف تأتي لاحقا.

الموسمية (الكيغو) Kigo:
يتضمن الهايكو الكلاسيكي كلمةً موسمية، إما مباشرة بذكر أيٍ من الفصول الأربعة صراحة أو ضمنية مثل (أوراق ذابلة- زخات مطر- أزهار- يوم قائظ)، كل هذه الكلمات والعبارات تشيرُ إلى فصلٍ معين من فصولِ السنة. تمثل الموسمية المشهد الأمامي في نص الهايكو الذي يمهد للحدث؛ إذ لا يُمكنُ تصورُ الهايكو التقليدي دون تلك الإشارة التي تُنشئ العلاقة الوثيقة بين الشاعر والطبيعة، بناءً على ماسبق يمُكن تعريف الهايكو الكلاسيكي بأنّه شعورٌ إنسانيٌ مستخلص من عوالم الطبيعة ومرتبط أيّما ارتباط بفصولها ودوراتها.
إن سر ارتباط اليابانيين بالطبيعة يرجع إلى النزعة الدينية التي ترفعها إلى منزلة الآلهة، فالزهرة مثلا عند شعراء الهايكو لا تصور جمال الطبيعة فحسب، بل يكون لها كيانٌ وجودي أيضاً؛ إنها تمثل العلاقة الوجودية بين الشاعر والكون الذي يعيش فيه ويتجاوب معه بمشاعره وأحاسيسه.

(1)
صباحٌ ربيعيٌ
قطةٌ تتمَطى
تحتَ شجرةِ "التيكوما"

(2)
شجرةُ أكاسيا-
على الغُصْنِ العَاري
تحطُ يمامةٌ
(مزار الأقحوان 37)
في النص الأول يأتي التعبير عن الموسمية بشكل صريح تارة في عبارة "صباح ربيعي"، وتارة أخرى بذكر "شجرة التيكوما"، بينما تأتي الإشارة إلى فصل الربيع ضمنية في النص الثاني في عبارة "الغصن العاري".
أحيانا يَذكرُ الشاعرُ أكثرَ من فصلٍ في نصٍ واحدٍ كما في قصيدة باشو:
" أول يومٍ في الربيعِ
أظلُ أفكر
في نهايةِ الخريفِ"
يبدو أن الكيغو الرئيس الذي يمثل خلفية النص ويحدد الجو العام للالتقاطة هو بداية فصل الربيع الذي تم فيه الحدث (التفكير المستمر في نهاية فصل الخريف).
إن الأساسَ في الهايكو الكلاسيكي الناجح هو الإشارةُ إلى الطبيعةِ والكائناتِ المرتبطةِ ارتباطًا وثيقًا بها، بينما لم يلتزم الشعراء – حتى اليابانيون- في الهايكو الحداثي بهذه الخاصية، فقد استبدلوها بعبارات تحمل تفاصيل جديدة من واقع الحياة اليومية أو القضايا الكونية.

دراسة نقدية

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى