الاثنين ١٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٢
بقلم خليل محمود الصمادي

مونديال قطر.. بعيدًا عن الكرة

لا شك أن بطولة العالم لكرة القدم التي تقام كل أربع سنوات من أهم الأحداث العالمية على مستوى الشعوب كافة، فأكثر من سكان نصف المعمورة تتابعها بشغف، والدولة التي تحظى بتنظيمها تكون في غاية النشوة والابتهاج.

ومن خلال متابعتي لهذا المونديال، وبعيدا عن فرحة اللعب وتشجيع الفرق والفوز والتصفيات، لاحظت أن ثمة أمور كثيرة امتاز بها هذا المونديال القطري وسجَّل أهدافًا غير كروية لصالح العرب والقطريين والمسلمين وهي أهدافٌ سياسية واجتماعية وإنسانية رسَّخت بعض القيم وكشفت الكثير من المبهمات وسأتناول بعضها:

* العرب أمة واحدة:

على الرغم من أنَّ بعض الخلافات التي دبت في أمة العرب في الآونة الأخيرة تبين أنها خلافات سطحية بين القادة ليس إلا، وأنّ الشعوب العربية في أي مكان حطمت حدود "سايكس بيكو" الجغرافية والنفسية واتفقت الشعوب على تشجيع أي فريق عربي إن كان في المشرق أو المغرب إن في تطوان أو في نجدٍ، وعاد نشيد بلاد العرب أوطاني بقوة، وحتى أن الخلافات السياسية بين الزعماء خفَّت أو انتهت خلال هذا المونديال ولا سيما عند الافتتاح، وكذا عبَّر كثير من المتابعين عن نشوتهم لفوز أي منتخب عربي حتى وإن كانت بين زعمائه خلافات.

* القضية الفلسطينية:

لم تلقَ القضية الفلسطينية احتفالا شعبيًّا عالميًّا كما لاقته في هذا المونديال وظهر ذلك جليا من خلال اللافتات والأعلام واللَّفحات والشعارات والفيديوات والأغاني التي تعرفها حتى بعض الأجانب وصاروا يرددونها، ولا شك أن هناك جنودًا أوفياء من الفلسطينيين ومحبيهم كانوا وراء تلك الفاعليات نذكر منهم حملة "حلم فلسطين" التي أحسنت استثمار هذا المهرجان والتعريف بالقضية الفلسطينية من خلال بعض أنشطتهم التي غطت كل الفاعليات حتى أن صحيفة "الديلي ميل" اعترفت بذلك من خلال مراسليها الذين نقلوا مشاعر الناس، وربما غدت أغنية " أنا دمي فلسطيني تتردد عربيًّا بلغات كثيرة، وكما قال كثيرون من المتابعين أن فلسطين هي الفائز الأول وإسرائيل هي الخاسر الأكبر.

* الاستياء من الصهاينة ومراسليهم:

ظنَّ بعض المحتلين أن الشعوب العربية صارت تسبح وتحمد بديمقراطية المحتل ولا سيما بعد اتساع رقعة ما سمي "اتفاقيات السلام" وقد فوجئ الإعلام الصهيوني بحجم الكره الذي لاقوه هناك من قبل أي عربي، فلم يحظَ مراسلوهم بأي لقاء معتبر مع أي عربي من أي جنسية أو عمر، فما أن يعلموا أن هذا المراسل من المحتلين الغاصبين حتى يشيحوا بوجوههم.

*الاعتزاز بالقيم ورفض الشذوذ:

ظن كثير من الشاذين أن قطر دولة صغيرة وضعيفة ولا تقدر إلا على الاستجابة لمطالبهم، ولكنهم فوجئوا بالمواقف الجريئة التي قوبلوا بها فمنعوا من رفع شعاراتهم المثلية والصليبية وغيرها بشكل صارم، وهنا بدأت حملة التَّنمر على قطر من قبل الإعلام الغربي وخاصة البريطاني والألماني؛ بحجة الإنسانية، فبالرغم من هذا الحدث الإعلامي الكبير فقد تجاهلته محطة BBC العريقة ورفضت لندن وضع إعلانات مأجورة للمونديال في باصات المدينة، بل بدأت حملات التنمر ضد قطر في افتراءات عن عدد العمال الذين ماتوا خلال العمل واضطهادهم وغير ذلك، وعن منع الخمور وفي الوقت الذي يمنع الفيفيا إدخال الخمور إلى الملاعب في كل أنحاء العالم صار منع الخمور في ملاعب قطر ضد الحرية الشخصية ..إنها إزدواجية المعايير الحاقدة.

ويبدو أن الشماتة العربية بخروج المنتخب الألماني ملأت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل التواصل حتى من قبل المهاجرين إلى ألمانيا!

وفي هذا الموقف المشرف من قطر رسالة لكل الدول الصغيرة وهي أن أي دولة مهما كان موقعها تستطيع أن تقول: لا للضاغطين عليها وحتى إن كانوا دولا كبيرة أو جماعات ضاغطة.

*كشف المنافقين العرب:

لم يُجمع العرب على تشجيعهم على هذا المونديال بشكل مطلق ، فقد سقطت الأقنعة وانكشفت نوايا بعض الإعلاميين العرب الذين لم يرق لهم هذا فبدأوا من اليوم الأول ببث أفكارهم وشماتتهم بخروج المنتخب القطري من البطولة وقد اتفقت أراؤهم مع بعض صحفيي الصهاينة والغربيين وامتلأت صفحاتهم على مواقع التواصل فأفكار مثل:

ماذا استفادت قطر من دفع الأموال الباهظة؟

لو صرفت قطر 220 مليار على فقراء العالم لأغنتهم.

تعمل قطر على أسلمة الرياضة.

ومن المفرح أن أصواتهم بقيت نشازًا وتغريدًا خارج السرب وحسرة في قلوبهم.

* تغيير الصورة النمطية عن العرب

دأبت هوليود وأكثر مؤسسات الإعلام الغربي والأمريكي على تصوير العربي أنه شخص متخلف يعيش في الصحراء لا يهمه إلا فرجه وبطنه، متعصب لا يقبل الرأي الآخر" ولعل هذه الصورة تبددت كثيرًا بعد المونديال فعشرات الآلاف الذين حضروا من أغلب دول العالم فوجئوا أن العربي إنسان متحضر ومتطور يعيش في بيوت فارهة وشوارع جميلة ومدن مثالية كما أن بشاشته كرمه وحسن استقباله هي الحضارة بذاتها، وهذه الصورة ستثمر عما قريب في الغرب وستكشف زيف الإعلام المعادي، وستعزز الصورة الحقيقة لنا (العرب والمسلمين).

وهكذا يمر مونديال قطر وقد حقق أهدافًا ما كنا نحلمُ بها إعلاميًّا وسياسيًا واجتماعيًّا، وقد كان المتربصون بنا يعرفون مضمون هذه الرسائل لذا بقوا منذ ثماني سنوات يضعون العراقيل والعصي في الدواليب كي تبقى الصورة النمطية للعرب ماثلة في إعلامهم، وفي الوقت نفسه يصورون أنَّ إسرائيل جوهرة بين ركام من القش.

وتبقى الرياضة هي الرسالة أو اللغة المشتركة والراقية التي تجعل القلوب والعقول روحا متجددة وقوة متفقا عليها للتآلف والإخاء وللروابط الإنسانية المشتركة والتي تؤكد علاقة الجسد بالروح تقوى به ويقوى بها. فهل أجمل أو أرقى من تلك اللغة؟!


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى