السبت ٣٠ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧
بقلم علي دنيف حسن

ناكفا، ناحز

او التنظير باللغة التركية!!

اجبر المحتلون الاتراك" العثمانيون " في القرون السابقة العشائر العراقية وخاصة الكبيرة منها على ارسال احد افرادها الى" الاستانة " لتعلم اللغة التركية ، لكي يقوم هذا الشخص المرسل بوظيفة المترجم بين عشيرته والموظفين العثمانيين . واستطاع احد الاشخاص ولغاية في نفسه اقناع عشيرته لكي تقوم بارساله في هذه المهمة . وجمعت العشيرة من شيخها وحاشيته وافرادها الاخرين اموالا كثيرة لتسلمها لذلك الرجل لكي يسافر الى" الاستانة " .

ولكن الرجل لم يذهب الى هناك طبعا بل توجه الى بغداد العاصمة لينفق معظم هذه الاموال على ملذاته واشباع غرائزه . وبعد تبذيره تلك الاموال الكثيرة عاد الى عشيرته ليعلن انه قد تعلم اللغة التركية بشكل تام .

ولم يكن في ذلك الوقت ما يسمى الان بالصادرة والواردة او تاريخ المباشرة وتاريخ الانفكاك ولم تكن هناك شهادات للتخرج ولهذا السبب صدقت العشيرة دعوى ذلك الرجل . وقام هو بدوره بالحديث باللغة التركية بين اهله وذويه وافراد عشيرته وفق طريقة ابتكرها بنفسه ، وهي ان يقسم الكلمة الى قسمين يؤخر الاول منها ويقدم الثاني فيقول لهم مثلا ان كلمة" بستان " باللغة التركية هي" تان بس " والمسحاة هي" حاة مس " اما اذا اراد ان يشرب القهوة فهو يتشدق امام الملأ بلغته التركية قائلا" ني اعط وهوقه عبسر " وترجمتها" اعطني قهوة بسرعة " وهكذا اكرمه الناس وقدموا له الهدايا بانتظار اليوم الموعود الذي وصل فيه الموظفون الاتراك الى مضارب العشيرة واستدعاه شيخها للحديث معهم باللغة التركية وسأترك نهاية هذه القصة مفتوحة للتصور .

ويبدو ان نظرية" يونغ " حول اللاوعي الجمعي الذي يمكنه الانبثاق في فرد من افراد جماعة ما بعيدا عن المسببات المعروفة لمثل هذا الانبثاق تجد لها مصاديق من خلال هذه الحكاية القديمة . فما زال الكثير من كتابنا وخاصة العاملين في مجال التنظير، ينظرون لنا فلسفاتهم ويشرحون فلسفات غيرهم بالطريقة او اللغة التركية آنفة الذكر.

والحقيقة انني قد تحاشيت هذا الاعتراف مرارا او تكرارا خوفا من اتهامي بالجهل وضيق الافق ، حتى وجدت ان الكثير من المثقفين وحتى العاملين في مجال التنظير لا يفهمون الكثير من هذه التنظيرات ، ولكن ما من احد يعترف بذلك بشكل وثائقي.

ومن المؤسف له ، ان البعض يتصور ان التعمية والغموض والابهام واقحام المصطلحات المعقدة هو دليل ثقافتهم الرفيعة ، متناسين ان الثقافة هي في ابسط احوالها تواصل بين مرسل ومرسل اليه. ولا ادري كيف سيفهم المتلقي المسكين الرسائل التركية لهؤلاء المرسلين؟

واين ستذهب هذه الرسائل عندما لا تجد من يتلقاها ؟ وارجو ان لا تفسر كلمتي هذه على انها دعوة للتسطيح الساذج والتبسيط الممل . بل هي دعوة مفتوحة لقراءة كتاب" الف باء النسبية " الذي يشرح فيه الفيلسوف" براتراندرسل " نظرية" اينشتاين " حول النسبية.

واخر ما اقوله لهؤلاء المنظرين مع اعتذاري واعتزازي وباللغة التركية ايضا: ناكفا ناحز..

او التنظير باللغة التركية!!

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى