السبت ١١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢١
بقلم جميلة شحادة

نحرس الحُلم، ونرعاه بالعلم والثقافة حتى يزهر

احتفى نادي حيفا الثقافي وبرعاية المجلس الملي الأرثودوكسي الوطني يوم الخميس الفائت بتاريخ 9.12.2021 بالأديب قاسم توفيق، وبإشهار روايتيْه: نشيد الرجل الطيب، وجسر عبدون؛ في أمسية أدبية، وثقافية ماتعة ومثرية.

افتتح الأمسية مُؤهلا بالحضور، مدير النادي ومؤسسه المحامي، فؤاد مفيد نقارة، ثم تولّت إدارة الأمسية الكاتبة، جميلة شحادة؛ حيث شكرت نادي حيفا الثقافي ومديره أمام حضور نخبوي مميز من أدباء وشعراء وأصدقاء قائلة: عندما وقفتُ لأول مرةٍ على هذه المِنصة قبل أربعِ سنوات، أشدتُ بنادي حيفا الثقافي وقلت: إنه صرحٌ ثقافيٌ احتضن ويحتضن المثقفينَ، والشعراءَ، والأدباءَ، والفنانينَ العرب ويمنحهم الفرصةَ لاعتلاءِ هذه الِمنصة. والصحيح؛ أنني قصرتْ. لأن نادي حيفا الثقافي، هو أيضًا جسرٌ يصِلُ بين الإخوة الذين قسرًا تفرّقوا، وتشتتوا في جميع أصقاع المعمورة.
هو جسرٌ؛ يصل بيننا نحن الأدباء والمثقفين الفلسطينيين الضاربةِ جذورُنا عميقًا في ترابِ أرضنا هنا، وبين إخوتنا الأدباء والمثقفين الفلسطينيين في الشتات وفي مناطق السلطةِ الفلسطينية. هو جسر؛ يصل بيننا نحن الذين نحرس الحُلم، ونرعاه بالعِلم والثقافةِ لحينِ أن يزهر. هو جسر؛ يصل الأدباء والمثقفين من إخوتنا العرب معنا، بل ويصل كل مَن يحب فِلَسطين معنا، نحن الذين نتمسّكُ بهويتنا الفلسطينية، والذين نأبى أن نتجردَ من إنسانيتنا، رغم سوادِ العتمةِ من حولِنا.
إذن؛ إن نادي حيفا الثقافي عدا عن كوْنه يؤدي رسالة ثقافيةً واضحة المعالم؛ هو أيضًا يقومُ بدورٍ وطنيٍّ هام.

فشكرًا للأستاذ المحامي، فؤاد نقارة، مؤسس ومدير النادي، وشكرًا لزوجته ورفيقةِ دربهِ السيدة سوزي نقارة الداعمة والمساندة دومًا؛ وشكرًا للمجلسِ الملي الأرثودوكسي الوطني، ممَثلا بالأستاذ جريس خوري، وشكرًا للكاتبة خلود فوراني سرية على تغطيتِها لنشاطاتِ النادي، وأمسياتِه الأسبوعية.

الحضور الكريم، إن المكانَ ليس أرضًا، ولا سماءً، ولا بشرًا أو مبانيَ ومحلاتْ، ولا حتى مَن يسكنون فيها. بل هو، ما في داخل الناس الذين يشغلونَ الأمكنة. هذا، ما يقوله ضيفُنا المحتفى به الليلة في روايته "جسر عبدون" عن المكان. هو البعيدُ الآن عن مكاننا والقريبُ من وجداننا. إنه الأديب قاسم توفيق الذي نحتفي بإصدار روايتيْه في أمسيتنا هذه: الرواية الأولى نشيد الرجل الطيب، والرواية الثانية، "جسر عبدون". هو الآن موجود في عمان، لكنه معنا ولو عن بُعد.

قاسم توفيق، قد تجاوز في رواياته كثيرًا من التابوهات، ولاسيما الثالوث: الدين والجنس والسياسة، ولو بتحفظ؛ ويشهد على ذلك قولُه: "الكتابةُ المكشوفةُ والثائرةُ والصارخةُ هي بطولة، ومغامرة، وأنا؛ لست بطلاً، ولكنّي مغامر". إذن الروائي قاسم توفيق يصرخ في كتاباته لكن بدون صوت، ويعوّلُ على القارئ الذكي بأن يسمعَ صوتَ صرخته المتواريةِ بين كلماتِه. فهو يتوقع من القارئ لرواياته أن لا يقرأ الكلماتِ فقط، وإنما ما وراءَها أيضًا. فها هو في روايته "جسر عبدون" يتطرقُ لعدةِ نماذج من الآباء، معظمها نماذج قامعة، قاسية، مقيتة، مرفوضة وغير مستحبّة. هذه النماذجُ خلّفت أبناءَ منحرفين، كارهين لآبائهم، بل ولذواتهم لدرجة الرغبة في الانتحار مثل رائف في الرواية على سبيل المثال. وهنا، قد يَسأل القارئُ العادي: لماذا يشوّهُ قاسم توفيق صورةَ الأبِ بعرضِهِ لهذه النماذج من الآباء؟ غير أن القارئَ الذي يقرأُ ما وراءَ الكلماتِ، سيتضحُ له أن توفيق قد أتى بنماذج الآباء هذه، لكي يُسمع صرختَه تجاهَ السلطاتِ السياسية والأنظمة الحاكمة في الدول العربية. حيث أن الأب، يمثّلُ السلطة، وأما الأبناء؛ فما هم الا الشعوبَ المقموعة والكارهة للسلطة. هذه السلطة التي بسببها مالتْ أحوال الشعوب واختلّتْ حياتهم. حتى سلافة العاملة في دار النشرٍ والتي أحبّتْ والدَها وخنعتْ له بالرُّغم من مساوئه لأنها تربّتْ على احترام الوالديْن؛ اكتشفت بعد ذلك أنها كانت واهمة، بعد أن قرأت روايةَ كاتبةٍ مبتدئةٍ تحكي في روايتها عن علاقتها بوالدها. وكأن توفيق أراد هنا أن يقول: بأن الشعبَ المسالمَ والذي يُظهرُ الولاءَ لحاكمهِ ليل نهار، لا بدَّ من أن يأتيَ الوقتُ ويكتشفَ خديعتَه، ويستفيق من وهمه، بعد أن ينيرَ الحرفُ فكرَه.

وللدخول في باب المداخلات حول الإصدارين المحتفى بهما، بدأت الكاتبة جميلة شحادة مع رواية: "نشيد الرجل الطيب"، التي وصفتها بأنها رواية يسلّط الكاتب فيها الضوء على الفساد وتغوّل مافيا المال، ويتنبأ فيها بنهاية اليسار العربي. ثمّ دعت الكاتبة جميلة شحادة، الناقد الدكتور رياض كامل ليقدم قراءته في الرواية ويكشف للحضور عن خباياها، ولماذا قد عنونها الكاتب قاسم توفيق، بنشيد الرجل الطيب.

أما في القسم الثاني من الأمسية؛ فقد تناولت الناقدة الأدبية، الدكتورة لينا الشيخ حشمة، رواية: "جسر عبدون" للروائي توفيق بالنقد والشرح؛ بعد أن عرّفت عليها مديرة الأمسية وعلى الرواية أيضًا. وقد جاءت قراءة الدكتورة لينا لرواية "جسر عبدون" قراءة وافية ومثرية وماتعة.
هذا وقد اختُتمت الأمسية بالاستماع الى مداخلة الروائي قاسم توفيق عبر تقنية السكايب، والذي تطرق بمداخلته الى فِعل الكتابة، ورسالتها، دون أن يتوسع بالحديث عن روايتيْه: "جسر عبدون"، ونشيد الرجل. ثم أنهى مداخلته بتقديم الشكر لكل من الكاتبة جميلة شحادة، والناقدة لينا الشيخ حشمة والناقد الدكتور رياض كامل، وخصّ بالشكر مدير نادي حيفا الثقافي، المحامي فؤاد نقارة، وشكر الحضور وكل الذين شاركوا بالأمسية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى