الأحد ٢٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٣
بقلم رشا السرميطي

همسات أنت الشَّوق

أن تنتفض حواسك، ويجفُّ اللُّعاب في فمك، فترتفع درجة حرارة صوتك، ثمَّ تغلي أنفاس الشَّوق بصدرك، وتتجَّمد فجأةً، عاجزةً عن الجريان، فوق آفاق التَّحكم والسَّيطرة، كلَّما شعرت ببرودة المسافات، حين تأخذ نصف شهيقٍ وقافيَّة ممشوقة الزَّفير، على ضفاف الصَّمت اللامُتناهي، في مواقيت الغياب، للحظة عقيمة، هي الذوبان، وانسكاب الحرف من عينيك صافياً، اعلم أنَّك تطلِّع على أوراق أنثى تلتهب نيران الغيرة في جسدها، بعد أن خلعت ملابس الهدوء، وارتدت الإنتظار معطفاً محكم الأسرار. أوَليس الحبُّ مفهوماً تسكنه آلاف المعاني التي لم يزل العشّاق يجهلونها؟

ما كانت تحتاج دليلاً، وما اتكأت بعمرها يوماً على مقعد الظَّن خائبةً. لطالما أحسنت الاختيار، وانتقت نجماً لامعاً، هبط إليها من السَّماء، ولأجلها، سكن الأرض راغباً في البقاء المؤبَّد، يوم كانت الخطى معروفة الرَّغبات.

أيا جار روحي: لتسقط عينيك على بؤبؤ عيني، كي تشعر بذات الحبِّ، أو في تلك الحميَّة، هو ذاك الشُّعور الملعون، الذي يخرج شفاهي عن طور الأليف، ويئج صارخاً متوَّحشاً، تفترسه نداءات مخبوءة في دواخلنا، تملؤها الأوجاع، وتذرفها دموع التَّمني أنيناً، ألا ليتنا معاً الآن..

ذاك التَّوق للدِّفء، وحميميَّة أحباري إذا ما رددَّت شفاهي حروف اسمك، كلَّما شعرت بالخوف، أناديك، كأنَّني طفلة وحيدة، في شارع عمر، لا أعرف به أحداً. يرتفع صدري بشهيق متقطِّع، وأطرافي كأنَّها مبتورة، ترتعش من الفقد، ثمَّ يسقط دمعي، ويهوي قلبي، بنبضات غير منتظمة، تجتمع في ظلمة بصري، أحبسها مرتبكة، منفعلة، وأنا متسمِّرة على رصيف الوقت، لا شيء معي سوى بضع من ثقة، أخشى أن تسقط عن فؤادي، فأنكشف للمارَّة، وتتعرَّى حالتي، بفعل تحرُّش رياح كلامهم القاسي، وعواصف أنفاس الأفواه ممَّن هم حولي.

الجو قارص في البعد، ومواسم الفقد خشنة، تجرح اشتياقي، وتتساقط بها أوراق الفرح، فتغدو أشجار الحلم بلا أثواب تغطيها، ولا أزهار تحلِّي لياليها. حين يجتمع الغيم، وينسلّ النُّور بقدوم الليل، ولا قطار يحمِّلني من محطة الحزن، ولا هاتف يرنُّ ليؤنس ذات اليقين، بدليل أحتاجه عند الألم، كي يعوِّضني عن متكئ الشُّرور في داخلي، ويجمِّد ذوبان جسدي بلهيب خافت، والأتربه تحوم من حولي بدوَّامة عمر صعب، فلا نافذة أطلُّ منها وأتنَّفس الصُّعداء، سوى الإحتضار والإنتظار، أو سلام قد ينزله الله بقلبي رأفة بحالي، فتضمني باتساعها السَّماء، قبل أن تحتضنني شقوق الأرض، وأصبح كما السَّراب. كأنَّها لحظة موت، اختارت نفسي لتسكنها دون اختياري، فهل يموت الجسد قبل الرُّوح ببضع سنوات !؟

لا وسيلة لديّ سوى الصَّمت، والإنصات لحديث الغيب الثَّقيل على روحٍ كما الورد في رقتها والإياس، تمتلك عمراً قصيراً قبل الذُّبول، تبحث عن ماء الرُّوح، ومؤازرها على البقاء، فلا تجده، في زحمة الحرائق.

إنَّها مواقيت العوَز، وكم أحتاج لوالدي، ولأمي أيضاً، وإلى كلمات تدَّثرني أنت فيها. أشتاق بشدَّة، فأنا بحاجة لأن نصير معاً الآن، أكثر من أيِّ وقتٍ مضى بنا، ونحن لذات الحلم نروم بأمل وإيمان. كما يهزُّني التَّوق لقلب الدِّفء في عمري، وفصل الربيع لقلمي، والنُّور في ظلمة ليلي ونهاري.

فأين من كان يبدِّد عنِّي مخاوف الوقت، ويرسم على شفاهي الإبتسامة رغماً عنِّي، وكلَّما هربت إلى الحزن، كان يشدُّني إليه، وإلى مدن الفرح معه كان يأخذني؟

رفيقة متفرِّدة، دائمةٌ لا يملُّ من أحاديثها، ولا يستبدلها بمن يناصفه الثَّواني، ويملأ الفراغات في ساعات يومه، وإذا ما استرقت الدَّمع من عيني في جيوب صدره، كان يمسك بي متلبِّسة، ويمسح عبراتي، في لحظة من الصِّدق نتكاشف بها معاً، فينتهي كلَّ شيء، وأصير في بين يديه مطمئنَّة، هائمة، حالمة، لا أستيقظ إلا فرحة أمام وجهه المتلألئ، وعيناه تشرقان على تكويني كما الصبَّاح، نقيَّاً، تغشانا السَّكينة، بابتسامة نديَّة، يقبِّل بشفتيه جبيني، ويذهب. يوَّدعني من جديد بهمسات الحنين، ثمَّ يرحل. فأين أجدك الآن.. يا حبيبي؟

أبحث عنك في شوارع أحلامنا العتيقة، لربما التقينا، وأفتِّش بين وجوه المشاة والواقفين، على أسطر كتبناها، وأخرى، كتبت عنَّا. لعلَّ نسائم الصُّدف المقصودة تجمعنا، فتهبُّ رياح اللِّقاء، لتطفئ اشتعال دواخلنا، ويسكن الحبُّ عندما تنير أضواء اللهفة فيما بيننا، وينبعث الدِّفء من نور الإيمان الذي جمعنا، وأبقانا على ما نحن عليه الآن، لتخرجني من مستنقعات الأفكار الآسنة، ولنبتهل في شوارع الوفاء، متربصين بالمواقف الزاحفة والمستلقية على وجوه من حولنا، من أولئك المساكين، لتنزل كل امرأة خمارها وتنستر. أخبرهنَّ جميعاً بأنَّك مغترب إليّ، تبحث عنِّي فقط، ليبتعدن جميعاً، ولنصفع اللَّحظات البازغة على سطح المواقف، ونبدِّد دهشة الرؤى، ونتفوَّق باستدراج الحزن، حتى نودي به أخمص تجاهلنا. فلقد حان الوقت للسعادة.
هيَّا .. هات يديك لنتصافح في مقام الغمرات الورديَّة، عانقني، ولنقبِّل هفواتنا السِّريَّة، ونمسح بالهدوء أفكارنا، لنحتضن ميلاد السَّكينة، ولنلتصق تحت شراشف الحلال، ونقطف حلو أمانينا، ونتذوَّق شهد اصطبارنا المضمخ برائحة الحبِّ.

لنرفع على جدران منزلنا عناقيد الياسمين، وتعلو زغاريد السُّرور. لنخرق قواعد العشَّاق، ونجعل من الغيرة ودٌّ واشتياق، وزيادة في المحبَّة، نطلق بها رصاصات الكلمة الصَّادقة عبر الهوى، في خاصرة الحروف المتعبة، لتكن أملاً يساعدها، ويعيننا على البقاء، وبلوغ النهايات الجميلة، بين فراغ الصفحات البيضاء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى