الأربعاء ١٨ أيار (مايو) ٢٠٢٢
شعيب حليفي: الكتابة مقاومة

وتجديد لدورنا الثقافي في المجتمع

نظم المركب الثقافي عين حرودة بمناسبة اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف، مؤخرا، لقاء وحوارا مفتوحا مع الروائي شعيب حليفي حول روايته "لا تنس ما تقول"، بعنوان "الرواية والحدود القصوى للخيال النقدي".

افتتح اللقاء ورقة نقدية قدمها سعيد غصان الذي عبر عن اعتزازه بتقديم ومحاورة حليفي شعيب، الذي يعتبر واحدا من الكتاب المغاربة الذي انشغلوا بتحولات المجتمع المغربي وبالاهتمام بهامشه قبل مركزه وبأمسه من أجل حاضره ومستقبله، وحقق تراكما بمنجزه الروائي وبنقده الذي يجمع بين الأكاديمي والاجتماعي والتاريخي، راصدا زوايا مختلفة من المجتمع المغربي، واعتبر المحاور رواية "لا تنس ما تقول" التي يحتفي بها اللقاء، رواية الخيال النقدي الذي أعاد للأدب حياته وللنقد خياله على مستوى بناء الشخصية خاصة والعوالم الفنية عامة، مؤكدا أن حليفي من خلال منجزه الروائي أسهم في بناء شكل ثقافي جديد.

بعد ذلك، شرع سعيد غصان في محاورة الروائي حول مجموعة من القضايا النقدية والثقافية، تفاعل فيها شعيب حليفي مع مجموعة من الأسئلة منها:

 س: كيف تشكل وعيك السردي؟

 ج : إن اهتمامنا بالأجيال الجديدة يدل على أننا نهتم بهذا البلد وبمستقبله. لا ضرورة أن نحرق ما وراءنا لنحيا نحن لحظتنا، لذلك أنا دائما مطمئن ومؤمن بأن الأجيال القادمة ستحقق ما لم يستطع تحقيقه الجيل السابق قبلنا؛ الجيل الذي منحنا أشياء مهمة نعتز بها أسست لنا طريقا نسير فيه وواصلنا جزءا من الطريق رغم الصعاب والكثير من الأعطاب...

وفي عودة للسؤال :كيف تشكل وعيي السردي؟ أقول:

حين كنت شابا ربما لم أتخيل أن أكون كاتبا بهذا الوعي السردي الذي أمتلكه. ولكن في ما قد أجد من جواب يكون أقرب إلى الصواب هو أني اعتبرت في فترة مبكرة من حياتي أن الكتابة نوع من المقاومة. إذ لم تكن لدي وسائل لمقاومة الجهل والأعطاب والرشوة والكثير من الظواهر، رغم أن دور الأدب ليس مواجهة هذه الظواهر والمشاكل، بل هو مرآة للروح في امتدادها، ربما اقتنعت في لحظة ما وأنا شاب، في الإعدادي، أن الكتابة هي شكل من أشكال المقاومة، وشكل من أشكال إثبات الذات في مجتمع فلاحي بسيط.

 س: ما هي الرواية بالنسبة لشعيب حليفي؟

 ج : الكتابة، كما قلت، هي قيمة إبداعية عالية، هي هبة، وأنا أؤمن بأنها هبة كبيرة. اخترت الرواية لأنها أقرب إلى نفسي أولا، وأقرب إلى المجتمع ثانيا، لأنني ولدت وترعرعت في مجتمع يمكن أن أصفه بأنه نصف واقعي ونص خيالي، نصف حقيقي ونصف حالم، مجتمع يمكن أن يكون شكلا من أشكال الجنة أو جهنم، معنى ذلك أن هذا الخليط من الناس، من الفلاحين والمزارعين والبسطاء، حيث كنت أعاشرهم وأحيا بينهم كنت أنظر كما لو أنني أعيش وسط رواية مستمرة لا تنتهي.

إن الرواية أقرب إلينا في حكاياتنا اليومية وفي توصيف ذواتنا، كنت أعيش هذه الأشياء، هذه الحكايات سواء في الدار البيضاء أو في مدينتي الصغيرة، والتي تبدو مثل الرواية.. فيها القساوة وفيها الجمال، وفيها من الأشياء التي نكتشفها يوميا، لذلك أنا لا أفعل شيئا، ولكنني أكتب سيرة جماعية لبعض الذين لا يمكن للمؤرخ أن يكتب عنهم.

س: ما هو دور الإبداع والمبدع في مجتمعنا؟

 ج: يتمثل دور الإنسان في ترك الأثر، إلا أن دور الإبداع والمبدع هو ترك شيء جميل في المجتمع، شيء نناضل ونقاوم به من أجله هو في الأول والأخير القيم الكبرى.

دور الإنسان هو أن يعيش ليترك أثرا قد يكون في العلم أو الثقافة أو غيرهما، ودور المثقف في المجتمع هو أن يرتفع بالثقافة لتصبح جزءا من حياتنا اليومية، وليصبح المجتمع المغربي مجتمع معرفة، ولأن لكل مجتمع خصوصياته، فدور المثقف هو أن يؤكد هذه الخصوصية وأن يحمل مشعل التقدم.

 س: كيف يمكن للرواية أن تبث القيم التي نصبو إليها؟

 ج: ليست وظيفة الرواية أن تكون مُصلحة، بل أن تشعرك بمتعة الجمال وتجعل الخيال حيا عبر التفاعل مع مشاعر القارئ. ودليل ذلك، توصية كل المثقفين بقراءة الرواية التي تمنح ذخيرة للنفس من العوالم والتجارب الكثيرة. ليست وظيفة الرواية أن تعالج الظواهر أو أن تجيب عن الأسئلة، بل يمكن لها هي نفسها أن تطرحها، بقدر ما تتمثل وظيفتها في منح الجمال واستفزاز وجدان القارئ.

 س: كيف يبدو النقد المصاحب للأعمال الروائية في المغرب؟

 ج: للنقد مستويات، ووظيفته هي تطوير الإبداع من خلال نقد بعض القضايا في الشكل الفني. إلى الآن لم يستطع النقد في المغرب أن يواكب الأعمال الفكرية والأدبية، ولا أن يتجاوز نقد الباحثين في الجامعات ونقد الصحفيين.

 س: هل استطعت أن تتجاوز في رواية "لا تنس ما تقول" ما سبق

في كل من "رائحة الجنة" و"زمن الشاوية" وغيرهما من رواياتك؟

 ج: تقترب رواية " لا تنس ما تقول" من الروايتين السابقتين من حيث العوالم التخييلية، ليست تجاوزا لما وضع سلفا بقدر ما هي تطوير لفكرة واحدة؛ فكرة الاشتغال على المتخيل المغربي المهمش الذي التهمته المدينة. انه اهتمام بالخيال الضائع، خيال البادية والناس المهمشين الذين لا يجدون لصوتهم مكانا، وهم غارقون في اليومي.

لا بد من التأكيد مرة أخرى أن في المغرب ما يمكن أن يشكل متخيلا مهما، ولابد من الانطلاق من الأشياء المسكوت عنها، مثلما أدعو إلى الكتابة عن خيالنا الشعبي البسيط. وعمل الروائي ليس محاكاة للواقع أو استنساخه، بقدر ما هو عملية تركيب للصور المشتتة في صورة مركزة تلتفت إلى الجانب المغيب الذي هو الرواية.

 س: ما هي الرسالة التي تود تقديمها من خلال عمل "لا تنس ما تقول"؟

 ج: أنا لا أوجه الرسائل. وظيفة العمل الحقيقي لا تتمثل في توجيه الرسائل، بل في التفاعل مع الوجدان الإنساني، فالأهم هو أن تتفاعل الشخوص في الحياة الواقعية مع شخصيات الرواية حين يجدون أنفسهم في حيواتها وحركاتها داخل الرواية. إن التفاعل بالنسبة إلي أهم من أي شيء آخر.

 س: كيف ترى مشروعك الروائي المقبل؟

 ج: كلما كتبتُ رواية، شعرتُ بعدها ألا ضرورة لكتابة أخرى. حين انهيت كتابة رواية "لا تنس ما تقول" اختمرت في خضمها رواية أخرى، هي دائما من الخيال الضائع والهامشي. أنا لا اكتب تاريخا ..

وفي نهاية هذا اللقاء الحواري تفاعل الروائي شعيب حليفي مع أسئلة الحضور، حول المجتمع المغربي وثقافته وأهمية الالتفات إلى الهامشي والمهمش في الكتابة السردية والإبداعية، قصد خلق إشعاع حقيقي لثقافتنا، ولجعل الثقافة قاطرة للتنمية والتقدم والرقي المجتمعي والحضاري.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى