الأربعاء ٢٠ نيسان (أبريل) ٢٠١٦
حديث أدبي (8):
بقلم فاروق مواسي

وللناس فيما يعشقون مذاهب

لمن الشطر:
«وللناس فيما يعشقون مذاهب»
أثبت صديق لي هذا البيت على صفحته، وقد أعجب به:

تعشقها شمطاء شاب وليدها
وللناس فيما يعشقون مذاهب

فخطر لي أن أقوم برحلة أدبية لأستقصي من صاحب البيت.

على الشبكة وجدت أكثر من موقع يؤكد أن الشاعر هو ابن أبي حجة التلمساني،
وإذا باسمه ابن أبي حجَلة التلمساني (ت. 1375 م)، وهو صاحب كتاب (ديوان الصبابة)، حيث يذكر أن البيت هو "لآخر" دون ذكر اسمه:

"وقال آخروقد عشق عجوزًا " (ص 529).:

كلِفت بها شمطاء شاب وليدها
وللناس فيما يعشقون مذاهب

لم أجد في المصادر المتاحة جملة: "تعشّقها"، فربما كانت (تعشّقها) من تأليف من وضع المادة ليضبط الوزن بعد أن هربت (كلِفتُ بها). أخمّن ذلك، لأن القصيدة تتحدث بلسان المتكلم.

ما يهمني هنا هو القول المشهور- "وللناس فيما يعشقون مذاهب"، وقد تبيّن لي أنه لأبي فراس الحمْداني، ولكن باختلاف الصدر:

ومن مذهبي حبُّ الديار لأهلها
وللناس فيما يعشقون مذاهبُ
(ديوان أبي فراس، ص 35)

ثم وجدت الثعالبي يورد البيت لأبي فراس في كتابه (التمثيل والمحاضرة)، وذلك في باب "العشاق والعشق"، فيذكر البيت نفسه.

سأعرض أمامكم شعراء عاشوا بعد أبي فراس، وما قال كل منهم مستعملاً الشطر المشهور:
يقول المفتي فتح الله (بيروت ، ت. 1844 م):
ولي مذهبٌ فيمن عشقت مهذَّب
وللناس فيما يعشقون مذاهب

يقول جعفر الحِلّي (الحِلّة، ت. 1897):
لك مذهبٌ حبُّ الكفاح وإنما
للناس فيما يعشقون مذاهب

يقول حمدون بن الحاج – (المعروف بابن الحاج- فاس، ت. 1336م):

وللناس فيما يعشقون مذاهب
وحكمة ربي في اختلاف المذاهبِ

عمر الرافعي (ولد في طرابلس الشام- 1881 ):
للناس فيما يعشقون مذاهب
شتّى، ولكنْ حبُّ طهَ مذهبي

عيسى بن شجاع النجفي (النجف، 1673 م):

كذاك عشقت العلمَ والجودَ والتقى
وللناس فيما يعشقون مذاهب
(ورد البيت في ترجمة الشاعر، وذلك في كتاب المحبّي – "نفحة الريحانة ورشحة طِلاء الحانة" مادة 2124).

المحبّي نفسه هو الذي كتب كتاب (خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر)، وقد ذكر عالمًا علاّمة أصله من طور كرم هو مرعي بن يوسف الكرمي، عاش في مصر و توفي فيها سنة 1033 للهجرة- مادة 5197).
يقول مرعي:

أقلّد فتواه وأعشقُ قوله
وللناس فيما يعشقون مذاهب

كما ورد في كتاب المُرادي (سِلك الدُّرر في أعيان القرن الثاني عشر) مادة عن أحمد شاكر الجكواتي (الحموي)، حيث يقول:
تخذتُ هواه دون قومي مذهبي
وللناس فيما يعشقون مذاهب

إذن فشطر أبي فراس ظل على ألسنة الشعراء، ولا أعرف إن كانوا يعرفون أنهم يقتبسون منه، لكني موقن أن المعنى الجميل يتردد على الألسنة، وكأنه مُلك عام، وبذا تظهر عبقرية الأصل، حتى لو توزع هذا الأصل على أكثر من سياق.

أختم بقولي:

عشقتُ الكتابَ مثل عشقي لنشره
وللناس فيما يعشقون مذاهبُ

(النشر لها معنيان كما تعرفون).


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى