الثلاثاء ٢٧ تموز (يوليو) ٢٠٢١
بقلم رامز محيي الدين علي

ومضاتٌ فلسفيّةٌ

ومضةٌ إيمانيَّةٌ:

بين شكٍّ وإيمانٍ.. بين حَيرةٍ وطمأنينةٍ.. بين تسليمٍ وتمرُّدٍ.. بين وسَنٍ ويقْظةٍ.. بين حلمٍ وتفكُّرٍ.. تنهالُ أنوارُ الإيمانِ من غابةِ الظَّلامِ في عالمِ اللّاشعورِ.. إلى محرابِ الفكْرِ وأزقَّةِ المشاعرِ.. وتثورُ التَّساؤلاتُ بين ضميرِ الإنسانِ وإحساسِه بالوجودِ وبين مشاعرِه المحطَّمةِ على صخورِ الواقعِ الّذي تتسلَّطُ عليهِ همجيَّةُ الجبابرةِ وبلاهةُ ممثّلي الشَّرائعِ السَّماويّةِ، فتتَبعثرُ فلسفةُ الإيمانِ بين الواقعِ والخيالِ.. بين عظمةِ الخالقِ وطغيانِ جبابرةِ الأرضِ وذلِّ أربابِ الكهنوتِ الّذين أحالُوا أنوارَ الإيمانِ العظيمِ إلى دياجيرِ عبوديَّةِ آلهةِ الأرضِ!

تأمَّلتُ أفكارَ فلاسفةِ الشَّكِّ.. ورحْتُ أبحثُ عن يقينٍ في كتاباتِ الملاحدةِ، لكنَّني لم أعثُرْ على بارقةِ أملٍ في تشكيلِ وعْيي المطلقِ في الكونِ وما وراءَ الطَّبيعةِ.. لم أجدْ عندَهم جميعاً سِوى تساؤلاتٍ وتخميناتٍ قادتِ الأكثريَّةَ العُظمى منهُم من دأْمَاءِ الشَّكِّ إلى شُطآنِ الإيمانِ..

عدتُ إلى ذاتي، وغُصْتُ إلى أعماقِ فكْري، فوجدْتُني في لحظاتٍ من صفاءِ الرُّوحِ ونقاءِ الفكرِ أَرسُو على تلكَ الشَّواطئِ.. ووجدْتُني أُصلّي في محرابِ ذاتي، وقِبْلتي وجهُ اللهِ في السَّماءِ وفي كلِّ ذرَّةٍ تجُوبُ مُحِيطي، وفي كلِّ عِرقٍ ينبضُ بدمِي، وفي كلِّ شريانٍ لا أدري بدايتَه ومُنتهاهُ، وفي كلِّ شِلْوٍ يمُوجُ دونَ إرادتِي، وفي فُؤادي الّذي لا يَعتريهِ فتُورٌ، وفي عقْلي الّذي لا أعلَمُ كمْ عددُ خلاياهُ، وكمْ منها يعْملُ، وكم منها خامِدٌ خمودَ ملايينِ البشرِ.. حينَها أدركْتُ أنّ طائرَ الشَّكِّ مهْما حلَّقَ في الفضاءِ، فلا بدَّ له منْ حنينِ العودةِ إلى عشِّ الإيمانِ الّذي يَنعمُ فيهِ الطّائرُ بلذَّةِ الطُّمأنينةِ، وسعادةِ الإحساسِ بالوجودِ!

فسُبحانَكَ يا ربّي ما أعظمَكَ! وما أجلَّ قدرتَكَ! لقدْ هزمْتَ الكُفرَ والشِّركَ والضَّلالَ باليَتيمِ محمَّدٍ، وخلقْتَ عِيسى دونَ أبٍ، ويتكلَّمُ في المهدِ، وأغرقْتَ جبروتَ فِرعونَ بعبدِكَ مُوسى.. وها نحنُ المستَضعَفينَ في دنْياكَ اليومَ بأمسِّ الحاجةِ إليهِم.. وننتظرُ فرجَ جبروتِكَ على فراعنةِ الأرضِ.. فإنّهم لا يُعجِزُونكَ!!

ومضةُ تنويرٍ:

يُعدُّ عصرُ التّنويرِ عصرَ عصورِ الفلسفةِ الغربيّةِ، فقدْ عانَت أوروبّا خلالَ قرونٍ طويلةٍ من فقدانِ القدرةِ على التّفكيرِ لنفسِها؛ إذ كانَ رجالُ الدّينِ والملوكُ همُ الّذينَ يفكِّرونَ ويُريدونَ ويَختارونَ، أمّا مواطنُو الشُّعوبِ، فكانُوا كالقطيعِ لا يُفكِّرون، ولا يُريدونَ ولا يَخْتارونَ.

وحينَما أرادَتْ تلكَ الشُّعوبُ أن تخرجَ من هذهِ الحالةِ من القُصورِ، خرجَ ديكارت في القرنِ السّابعَ عشرَ حامِلاً هذا الحلمَ في مقولتِه الشّهيرةِ "أنا أُفكّرُ إذاً، أنا موجُودٌ"، كردِّ فعلٍ على سلبيّةِ التَّفكيرِ الّتي كانتْ ترضخُ لها أوروبّا. لكنَّ الفِكرَ الدّيكارتيَّ كان قاصِراً؛ لأنّهُ قدّمَ فلسفةً للتّفكيرِ فقطْ، ولمْ يُقدّمْ فلسفةً للفعلِ؛ لذا انتظرَتْ أوروبّا ما يزيدُ عن قرنٍ؛ حتّى تمكّنَ الفرنسيُّون في القرنِ الثَّامنَ عشَرَ من استِنباطِ فلسفةٍ للفِعلِ معَ جان جاك روسّو (Rousseau) (1712-1778م)، لتحْويلِ فرنْسا منَ المَلكيّةِ إلى الجُمهوريّةِ، فتغيَّرَ تاريخُ فرنْسا ومنْ بعدِها تاريخُ أوروبّا بأكمَلِها... ومَا صفْعةُ الرّئيسِ الفرنسيِّ (ماكرون) إلّا نتاجُ فلسفةِ روسّو الّتي تَقْرنُ القولَ بالفعلِ!

أمّا مفهومُ التَّنويرِ في الفلسفةِ العربيَّةِ، فقدْ جسّدَتْه الحَمَاةُ إذا أرادَتْ مهاجمةَ كنَّتِها، فتوبِّخُ ابنتَها على مَبدأِ ماكيَافيلّي (الغايةُ تُبرّرُ الوسيلةَ) = (الكلامُ لابنَتي فافهَمي يا كنَّتي). كمَا يتجلَّى هذا المفهومُ في أنصعِ دلالاتِه في شخصيَّةِ الرَّجلِ الضَّعيفِ بعدَ النَّكسةِ إذا أرادَ أنْ يردَّ الصَّفعةَ لزوجتِه المتسلِّطةِ، فإنّه يَصفعُ أحدَ أبنائِه!!

ومضاتٌ فكريّةٌ:

النّاسُ مثلَ الألوانِ: بعضُهم أحْلكُ منْ دياجيرِ الظَّلامِ، وبعضُهم أشدُّ نصاعةً منْ نورِ القمرِ، وبعضُهم كالأزاهيرِ، وبعضُهم لا لونَ لهُ!

قالُوا: النَّاسُ معادِنُ. وأقولُ: النَّاسُ أخشابٌ: خشبٌ لا يُغيِّرُه عصفُ الرّياحِ، وخشبٌ يَكسِرُهُ همسُ النَّسيمِ، وفحمٌ يُباعُ ويُشتَرى كروْثِ الحيواناتِ.

كمَا تكُونُ المراعِي تكُونُ الخِرافُ.. وكمَا تكونُ الطَّبيعةُ السَّاحرةُ، تكونُ البلابلُ المغرّدةُ.. وكمَا تكونُ القوقَعةُ يكونُ سكَّانُها!

مِسكينٌ يا إبليسُ.. لقدْ حمّلْناكَ كلَّ جرائِمِنا وقبائِحِنا وشُرورِنا، وحمَلْنا قشُورَ أعمالِنا في تيجانِ الخُشوعِ؛ لنَيلِ حظْوةِ الأمراءِ بحَوريّاتِ النَّعيمِ!!

وقفَ إبليسٌ بشريٌّ أمامَ المرآةِ، وتساءلَ: رغمَ بشاعَتي ونذالَتي، نجحْتُ في إقناعِ الكثيرينَ بأنَّني قدِّيسٌ سماويٌّ!

وقفَ إبليسُ متأمّلاً وجهَهُ في المرآةِ، فتساءلَ: لماذا سمَّوْني إبليسَ، معَ أنّ وجْهي أجْملُ من وجوهِ الكثيرينَ منَ البشرِ؟

العالمُ وصلَ إلى الفضاءِ.. ومازالَتِ النّعاجُ تجتَمعُ في حلَقاتٍ.. وتثْغُو في دوائرَ.. وتجْترُّ العلفَ المصنَّعَ في زوايَا المربّعِ.. وتحلُمُ بشمسِ الصَّباحِ من زوايَا المثلَّثِ.. وتَرنُو إلى المراعِي بينَ خطوطِ مُتَوازي الأضْلاعِ.. وتَصْبُو إلى ماءِ الغديرِ المتدفِّقِ منْ حافّةِ شبهِ المنْحرفِ.. وتحلُمُ بحرّيّةِ الحركةِ ما بينَ خطوطِ الطّولِ والعَرضِ.. وتحلُمُ بأبراجِ الدَّلْوِ والسَّرطانِ والحَمَلِ.. ولا تَدْري أنَّ العَقاربَ تلسَعُها دونَ إحساسٍ بالألمِ!

نعَقَ غرابٌ مُخاطِباً بلبلاً: صَوتيْ قويٌّ ومُخِيفٌ!

البلبلُ: لكنَّكَ مُحتَقرٌ ونذيرُ شؤمٍ! أمَّا صَوتي فجميلٌ يعشقُهُ الأطفالُ والأحرارُ!

قدْ يرقُصُ الطَّيرُ مذبُوحاً منَ الألمِ.. وقدْ تئِنُّ طواحِينُ الهواءِ منَ النِّعمِ!

الكلمةُ إحساسٌ ومسؤوليَّةٌ.. لا نقيقُ ضفادِعَ، أو نعيبُ غُرابٍ، أو رصاصُ مهزومٍ، أو عرسُ مَخْبولٍ!

عبّادُ السَّماءِ يتثاءبُونَ وكلماتُ الرَّهبةِ تنهمرُ علَيهم، وعبَّادُ الشياطينِ يتراقصُونَ طرباً وكأنَّهم ملَكُوا السَّماءَ والأرضَ!

الفكْرُ الرَّاقي يصِفُ ويُحلّلُ وينتقِدُ للبناءِ والتَّوجيهِ، ولا يستخِفُّ بالآخرينَ، بل يُعْطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ، دونَ إسفافٍ ودونَ تهجُّمٍ ودونَ جهلٍ مقدَّسٍ.. بهَذا الفكرِ نهضَتِ الأممُ، وتحرَّرتْ منَ الخوفِ والجهلِ..

كلُّ مَن يريدُ أنْ يبيْضَ، ويُظهرُ ولاءَه للدِّيكِ، فلْيحمِلْ سلَّتَه بعيداً.. الكلامُ للدَّجاجِ فقطْ..
مهْمَا استمرَّتْ حركةُ الغربلةِ، ستَكتشِفُ بينَ حبوبِ القمحِ الخيِّرةِ زيْواناً لا يَصلُحُ علَفاً للحَميرِ. في لحظة قصيرة قد تكون فيلسوفا.. وفي لحظات قد تخونك القريحة وتنتصر عليك البلاهة.. وتتناهبك الحماقة.. فإما الصمت وإما الثرثرة..

أهمُّ حقيقةٍ أراهَا قدْ تبدَّلتْ في نظرِ الكثيرينَ، وأستطيعُ أنْ أصوغَها حكمةً: لم أعدْ أفهمُ لماذا بدأْتُ أشعرُ بأنَّ الإنسانَ أسوأُ المخلوقاتِ على الأرضِ؟!

ليسَ تواضعُكَ ذلّاً أو تنازلاً.. ولكنَّكَ تمتلكُ فؤاداً رحيماً وفكراً عظيماً.. وهذهِ من سماتِ النُّبلاءِ..

ليستِ الصَّداقةُ علاماتِ إعجابٍ وتبادلَ كلماتِ الثَّناءِ.. الصّداقةُ أنْ تُصدِّقَ العينُ ما تُخفِيهِ الأفئدةُ سرّاً وعلانيةً..

لا تنتقِدْ خجَلي.. ولا تحتقِرْ تواضُعي.. ولا تشيطِنْ أفكاري.. ولا تكتُمْ أنفاسَ العشقِ في روحي.. انظرْ إليَّ بمنظارِ المحبَّةِ..

ربّما نختلفُ في الشَّكلِ والمضمونِ.. لكنْ ما يَجمعُنا هو الإنسانُ في داخلِنا..

مهْما سمَوتَ فكراً ومكانةً.. حافِظْ على وجودِك إنساناً.. وحتّى الأنبياءُ رغمَ سموِّ مكانتِهم ظلُّوا بشراً..

انظرْ إلى النَّاسِ بعينِ الرّضا تلقَ مودَّتَهم.. وانظرْ إليهِم بعينِ السّخْطِ تلقَ جفاءَهم واحتقارَهم..

في داخلِ كلٍّ منّا طفلٌ.. فلا تحتقِرْ طفولتَك في داخلِكَ حين تتصنَّعُ الرُّجولةَ..

على الأصدقاءِ الطَّيِّبينَ تحمُّلُ ثقلِ التَّنبيهاتِ من غزارةِ خربشَاتي على جميعِ الجدرانِ..
ومْضةُ حكايةٍ:

حَكَى لي أبي -رحمَهُ اللهُ- قصَّةً، فقالَ: وقفَ أسدٌ في غابةٍ يزأَرُ، ويستَعرضُ شراسَتَه.. فخرَّتِ الحيواناتُ صاغرةً أمامَهُ.. لكنَّ الجَرادَ تمرَّدَ عليهِ، وهاجمَهُ، بعضُه دخلَ منْ فمِه، وبعضُهُ الآخرُ انغمَسَ في دُبُرِه، وبعضُه انقضَّ على عينَيْهِ.. فخرَّ صريْعاً يَلفِظُ أنفاسَهُ الأخيرةَ..

فقدْ أرادَ والدِي أنْ يُعلِّمَني حِكْمةً مفادُهَا: ليستِ القُوّةُ في ضخامةِ الأشياءِ، وإنَّما في صِغار الذّرّاتِ إذا اجتمَعَتْ وقرَّرتِ التَّمرُّدَ على القَويِّ المصطَنعِ.. رحِمَكَ اللهُ يا أبيْ.. صحيحٌ أنّكَ فلَّاحٌ بسيطٌ، لكنّكَ تمتلِكُ فلسفةً يفتقِدُها آلافُ الملْتَحِفينَ بشهاداتٍ لا تَحملُ منْ فكرِكَ حرْفاً واحِداً!!

ومضةُ صورةٍ (أمّي على الفيس بوك):

اللهُ.. الله.. اللهُ أكبرُ .. لقد عادَ الوطنُ من جديدٍ.. مادامَ لكلٍّ منَّا أمٌّ يكحِّلُ عينَيْه بنورِ وجهِها.. أو يستَضيءُ بنورِ قبرِها بعدَ رحيلِها.. فالوطنُ لن يموتَ.. الوطنُ في عيونِ هؤلاءِ الأمهَّاتِ حيٌّ لا يموتُ.. وإنْ ماتَ في ضمائرِ السَّفَلةِ بكلِّ أشكالِهم وألوانِهم حينَما باعُونا الوطنيَّاتِ برائحةِ رغيفِ الخبزِ أو حبَّةِ الدَّواءِ أو طعمِ الحرّيّةِ!!!

ومضةُ رحمةٍ:

رحمةُ اللهِ واسعةٌ لا يستطيعُ أنْ يَحجِرَها أعرابيٌّ ويُوزّعَها على مقاساتِ فكرِه المقَوقَعِ..
تتقدَّمُ الأممُ حينَما تتوقَّفُ عن صناعةِ صكوكِ الغفرانِ ومفاتيحِ الجنَّةِ ومناطيدِ الرَّحمةِ.
وزِّعُوا الرَّحمةَ بينَ لحىً دينيَّةٍ قبيحةٍ تاجرَت بالدِّماءِ وتتاجرُ بالمخدِّراتِ والقضَايا القوميَّةِ وبينَ أحذيةٍ لا دينيَّةٍ شريفةٍ لم تُتاجرْ بشيءٍ.

ومضاتٌ ذاتيّةٌ

(لستُ صيّادا):

لستُ صيَّادَ أسماكٍ يُجيدُ اقتناصَ أسماكِ البحارِ بصِنّارتِه السَّاحرةِ.. بل أنا إنسانٌ لا أحملُ إلّا صنَّارةَ الكلمةِ الإنسانيَّةِ الّتي تَفيضُ بالمحبَّةِ والإحساسِ والرّومانسيَّةِ بكلِّ ما جُبِلتْ بهِ من شفافيَّةٍ واحترامٍ للذَّاتِ والآخرينَ.. ولم أكُنْ يوماً لأتسوَّلَ على مشاعرِ الآخرينَ، لأنَّني أؤمِنُ بقدسيَّةِ حرّيَّةِ المشاعرِ والأفكارِ.. ولأنّني فيلسوفُ كلِمتي، فستظلُّ كلِماتي عِشقيَ الأزليَّ وحبّيَ الّذي لا يَنْتهي ولا يَنضُبُ، مهْما قسَتْ نفوسُ البشرِ وكانتْ أسيرةَ مفاهيمَ عصريَّةٍ، لا تعرفُ للكلمةِ أثراً، ولا تُقيمُ لها وزناً..

فصُولي الأربعةُ:

تجتمعُ في ذاتِي في اليومِ الواحدِ الفصولُ الأربعةُ.. فصْلِي المُميَّزُ هو الشِّتاءُ.. لكنَّني أجِلُّها جمِيعاً.. الصُّورُ غالِباً ما تخدعُنا.. وأنا لستُ ممَّن يبحثُونَ عنِ الشُّهرةِ.. بقدْرِ ما أبحثُ عنِ الأصدقاءِ والأنقياءِ في أعماقِ نفسِي.. ولستُ أفلسِفُ الأمورَ لإبرازِ مواهبِي.. بقدْرِ ما أعبِّرُ عن ضَعْفي وجَهْلي.. أنا أبسطُ منَ الفراشةِ.. وأضعفُ من زبدِ البحرِ الّذي تتقاذفُه الأمواجُ..

متاجرةٌ وقحةٌ:

جاءَ في أقوالِ فيكتور هيجُو مؤلّفِ روايةِ البؤساءِ: (كلُّ شيءٍ غالٍ، ليسَ من شيءٍ رخيصٍ غيرُ آلامِ النَّاسِ، إنَّ آلامَ النّاسِ مجَّانيَّةٌ.).. من هذهِ المقولةِ أصوغُ ومْضَتي الفلسفيَّةَ في الحياةِ:

إنَّ ما حلَّ بالسُّوريّينَ من مآسٍ وآلامٍ لم يصنَعْها نظامٌ دكتاتوريٌّ عالميٌّ وحدَه، وإنَّما ثمَّةَ تجَّارٌ مأجُورونَ من المعارضةِ تاجرُوا بآلامِ السُّوريّين، وأصبحُوا أمراءَ حربٍ، وهُم لا يملكُون من علاماتِ الإمارةِ غيرَ الجهلِ والعمَالةِ.. ومِثلُهم أمراءُ المالِ الّذينَ تاجرُوا بدماءِ الفقراءِ والمنكوبينَ، وغدَوا سماسرةً بيدِ الدُّولِ تبيعُ فيهِم وتشْتري كمَا تُباعُ الحميرُ في البازارِ.. وثمَّةَ متسلِّقُون هُنا وهُناكَ.. يُتاجرون بالقضيَّةِ نفسِها مرّةً باسمِ حركةِ شرفاءِ المعارضةِ، ومرّةً باسمِ جمعيَّاتِ حمايةِ شرفِ القبيلةِ وتأمينِ نسبِهم إلى بيتِ العنكبوتِ؛ حتّى لا يضيعَ أفرادُها في متاهاتِ الحياةِ.. وصارُوا جميعاً أصحابَ شققٍ ومتاجرَ وحساباتٍ سرّيّةٍ في البنوكِ.. وكلٌّ يدَّعي أنّهُ الممثِّلُ الوحيدُ لهذا الشَّعبِ المنكوبِ المضْطهدِ في شتّى بقاعِ الدُّنيا.. وكلُّ مَن استطاعَ أنْ يتاجرَ بدماءِ السُّوريّين تاجرٌ رخيصٌ مُنحطٌّ، لم يحسَبْ حسابَ المستقبلِ القريبِ الّذي سيدوسُ شرفَه وكرامتَه المهدورةَ بالأحذيةِ الشَّعبيَّةِ المصنَّعةِ من ذرَّاتِ ترابِ قبورِ الشُّهداءِ منَ الأبرياءِ.. والتَّاريخُ قادمٌ.. والرّسالةُ واضحةٌ لا تحتاجُ إلى مفسِّرينَ وفقهاءَ.. فيَا أيُّها السُّوريُّونَ لا تدَعُوا أحداً يمثِّلُكم.. مثِّلُوا أنفسَكم بأنفسِكم.. بضمائرِكُم.. بلُقمةِ خبزِ أبنائِكم.. بعيونِ أمهَّاتِكم اللّواتي لم يُنجِبنَ خونةً ومرتزقةً!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى