الأحد ٢ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٦
بقلم رشا السرميطي

يوميات كاتب يدعى فراس حج محمد

كتاب الأديب فراس حج محمد هذه المرَّة حمل لونًا أدبيًّا آخر، غير ما عهدناه في الشعر والنَّثر والنقد من قلمه السيَّال والمواظب، يوميات كاتب يدعى (X) الصَّادر عن دار نشر – الرقميَّة في(134) صفحة من القطع المتوسط. ورغم اندراجه تحت بند اليوميات إلاَّ أنَّني أرى فيه أدب رسائل، إذ من المتعارف عليه في كتابة اليوميات كأحد أصناف الأدب، أنَّ اليوميات عبارة عن سجل يحتوي على مداخل منفصلة ومرتبة حسب تاريخ حدوثها ضمن فترة زمنيَّة ما. فمن يكتب يومياته يدلل على حفظ مذكرات شخصيَّة غنيَّة بمعلومات عن سيرة ذاتيَّة ومسيرة
شخصيَّة. ولم أجد ذلك في كتابه.

الغلاف بدا مثيرًا رغم عدم غموضه، فمن يعرف كاتبه يدرك بأنَّ الأقصوصة على مقدمته هي صورة الكاتب، فلماذا اختبأ فراس الذي عهدنا جرأته خلف اسم كاتب يدعى (X) .. يسرد يومياته لنا؟

المقدمة في تعريف الكاتب (X) مشوقة وجذابة تحمل مجهولاً يشده بال القارئ ليسبر في اكتشاف أسرارها، استحضر فراس حج محمد الغائبين في رسائله، وقرع نوافذ صباحاتهم ومساءاتهم، مائلاً بظلال المعاني واشراقة الكلمات لتوطئة وخشخشة فنيَّة أدبيَّة تستحق التوقف في بعض الأحيان التي وفق بها، باصابة قلب الطائر من حروفه التي تعرف وجهتها وشجرتها، وتعرف اتجاهها أيضًا، إلا أنَّه في الخلط بين اليوميات والرسائل قد تاهت عنه بعض الأفكار واختلطت لتولد متاهات لقارئه، وتخلق ارباكًا يعجز عن فهم ما أراده الكاتب من نصه الذي بدا مبهمًا بطلاسم لن يفهمها إلا من كتبت إليه.

بدأ الكاتب اهداءه قائلاً:" لي وحدي ووحدك" وفي هذه البداية ذكاء يورط الكاتب به القارئ لكشف ذاك الغموض الذي يجعل ما كتب خاصة ينشره ليصبح أمام عيون العامة وتنتهك خصوصيته برمزياتها التي وردت في الكتاب. يعرف فراس حج محمد الكاتب (X) ويدعي في صفحة (5) بأنه شخص قريب من الوهم، ليومئ لقارئه بخيالات وظلال تنأى به عن الحقيقتين، حقيقة ذاك الكاتب (X) وحقيقة من كتب عنهم ولهم أيضًا.

تذمر الكاتب (X) من تقييد حرية الكتاب في فلسطين، وبلوغ التجاوز بتفسير هواجسهم من رجالات الأمن والقراء ربما، وكأنَّه ينبه من مصادرة حرية الكلمة والفكرة والأحلام ربما في بلادنا، حتَّى الحلم كذلك. يطرق باب التواصل والاتصال عبر عالم الانترنت من خلال التكنولوجيا وما يكتنفها من مجاهل وتناقضات ضمن ذاك الغموض القاتل وضبابيَّته بسخريَّة مفرطة ببعض الأحيان من العالم الأزرق تحديدًا.

عرج الكاتب على مدينته نابلس بجمال وأصالة صورتها، وقد عبَّر عن انتمائه لهذه المدينة التي لولا القدس لكانت الأولى بالنِّسبة له، تحدث عنها، وصف جمالها، هام بتفاصيلها، وتذمر حينًا من بعض الأحوال القائمة هناك هاويًا في طقوس الكتابه وهواجسه عندما يمر القلم بمواسم اليأس، وشكوى بؤس الحال المنحني بقامته من ارهاقات ظروف المعيشة اليوميَّة. القهوة والشاي وطقوس الكتاب والافتراض، حبيبة افتراضية، مكان افتراضي، شعور افترضه فراس ليخبرنا بشخصياته وعن رمزية نسجها ككاتب بالكثير مما فهم وما لم يفهم.

الرسالة رقم (5) للكاتب (X) صفحة (50) تخصصت للنفي والثبات عمَّا للكتابة من دور وفعالية رغم كل شي، إذ تبقى الكتابه ملاذه الأخير في زمن التخلي والخلاء من أي شيء، بدا الكاتب جريئًا في رسائله ما بعد ذلك، يطرق أبواب الحب، الرغبة، الهواجس، القلق، يصعد ويهبط بقارئه في مفاجآت واندهاشات امتلأت بها نصوصه، حتى بلغ به الأمر أن يسأله: هل أصبحت كاتبًا فاشلاً؟ ويحدثه عن الترقية لرتبة حمار! يتضح ألمه من الكتاب في أيامنا هذه وفقدان الكتابة لأصولها ووهجها واتقانها أيضًا.

يكرر الكاتب (X) في صفحة (115) خصوصيَّة ما كتب في نصه:" رسالة الكاتب (X) الأخيرة إلى نفسه فقط"، متبعًا ذلك بالأحلام والأوهام ورسائل أخرى كتبت له فقط ربما كانت حقيقية وربما نسج حروفها من خيال وتأمل فقط، لكنَّ السؤال الطنان على ذهن القارئ: ما سبب كتابة هذه اليوميات؟ وما هدف الشاعر فراس حج محمد من استدراج قارئه لتحليل هذه المبهمات؟ لماذا يترك فراس الشعر الذي أبدع في العزف على أوتار كلماته ليكتب لنا كتابات مقولبة مما لا يشبهه كأديب؟ هل هو العصر وحداثة ملامح الأدب فيه؟ أم اختلاف سياقات الترويج التي يتجه إليها الكتاب في أيامنا؟

في صفحة (124) يكرر فراس حج محمد سؤاله:" لماذا يكتبون؟" وأكرر سؤالي له كقارئة: لماذا كتبت هذا الكتاب يا فراس؟ إن لم تستفد من الفيسبوك غير الوقاحة وقلة الأدب المفضية إلى الانعدامية والتشتت كما كتبت في صفحة (131) فاترك الفيسبوك وتوقف عن الكتابة عبر هذا الموقع! ارجع للشعر والنقد ودع عنك زوبعة هذا العصر فهي لن تدوم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى