أسد في الحمام
على حين غرة، اندفع بجسده المكتنزالضخم عبر بوابة كبريات حمامات المدينة متجها صوب مقاعد إسفنجية مكسوة بجلد ناعم ممتدة بطول وعرض الصالة الكبرى للحمام..لم يعر أدنى انتباه للقابعين فوقها وانتحى ناحية أخلاها على التو من قاطنيها بإشارة ذات إيماءات مثيرة للرعب ونظرات تطاير الشرر من زواياها الحادة..
الابخرة تتصاعد من المسام الجلدية لأجساد شبه عارية مستحمة على التو..ارتمى مثل جلمود صخر بمؤخرته فوق المقعد فتزعزعت نوابضه السلكية واهتز من فوقه خلق كثير مثل صبيان شبه عراة قد تعلقوا بأرجوحة..
سمعت همسات ووشوشات من هنا وهناك:
– "يا له من وحش مرعب..!!"
"- انظر إلى بطنه..يا سبحان الله..!!"
– "اللهم نسألك السلامة..!!"
أدرك على الفور ما يدور في عقر الذوات،فدوى زئيره في قعر المكان مثل الرعد القاصف..غمغم بملء فيه:"أوباش..!!..الطز عليكم وعلى امثالكم.."
ارتعدت الفرائص واستدارت الأنظار إلى الاتجاه المعاكس ولم يجرؤ أحد على النطق بأدنى كلمة إلى حد ترامى فيه إلى أذهانهم أن هذا المخلوق الغريب الاطوار قد يكون به مس من جنون..
كان يحمل وجها صارما منتفخ الاوداج،وصدرا عريضا،وعضلات مفتولة..مسد راسه الاهليليجي الاصلع البراق ومد أمامه كرشا تتدلى فوق تبانه الفضفاض مثل قربة ماء ممتلئة عن آخرها..قرع عليها مرات عديدة ببطن كفيه في مسخرة وقال بلسانه السليط :"لكريشة شبعانة..الطزعليكم.."
استولى على خزانتين للملابس وحشا فيهما أرديته ثم اندفع بقامته المديدة في اتجاه مجموعة من الأسطل الجلدية مقتنيا منها عشرة..تقدم نحوه مستخدم الحمام بخطوات وئيدة بعد ان عيل صبره وحاول أن يثنيه عن فعلته بنبرة فيها وهن وتردد:"سيدي ..هذا كثير.." لم يبال واصر على فعلته..ألح عليه الرجل فأرعد وازبد وكشرعن أنيابه الشرسة وتطلع إلى مخاطبه من فوق بنظرة هازئة،فبدا له مثل قزم من الاقزام..انتابته نوبة من الضحك إلى ان بدت نواجذه الداخلية.. دفعه بعيدا بقبضته الفولاذية،وصرخ في وجه ثائرا:"الطز عليك أيها العجوز الأبله..انصرف.."..تراجع الرجل في ارتباك لا يلوي على شيء..
سحب الاسطل إلى الداخل نحو حجرات الاستحمام..على مقربة من الصهريج تجمعت ثلة من المستحمين في انتظار دورهم لملء أسطلهم من الماء الحارق الملتهب..صرخ بصوت جهوري كما المارد الثائر صرخة مزعجة ارتعد لها المكان وتفرق على إثرها الجمع مذعورا،وشرع في غير اكثرات في غرف الماء وهو يتمتم بكلماته النارية المعهودة:"الطز عليكم..ابتعدوا..أفسحوا الطريق.."
استلقى أرضا مثل البغل بداخل الحجرة الوسطى للحمام بعد ان انتقى له فيها ركنا فسيحا صرف عنه قاطنيه بلهجة تبعث الهلع في الافئدة:"هيا..ابتعدوا..لقد ملأتم كل مكان أوساخا وقاذورات..الطز عليكم.."..كان يصب الماء على بطنه بالتتالي ويسمع له من هناك شهيق وزفير بين حين وآخر..
بدا المستحمون ينسحبون واحدا واحدا إلى ان خلا له المكان وحده ثم أطلق العنان لزئير نكير يشدو بلحن نشاز مخيف،،فيتردد صدى صوته هناك في غور المكان...