الثلاثاء ٢٧ شباط (فبراير) ٢٠١٨
بقلم سعيد مقدم أبو شروق

أنا ولغتي (1)

في زمن الحرب وعندما نزحنا من المحمرة، سكنا أماكن مختلفة ابتداء من قرى الجراحي ووصولا إلى الأهواز، والتي انتقلنا فيها أكثر من مرة من حي إلى حي.

كنت ومنذ الابتدائية أحب اللغة العربية، بل مغرم بها؛ فتراني أذهب مع أبي أو وحدي أبحث في المكتبات عن كتاب قصة أو رسم أو أي موضوع آخر خطت كلماته باللغة العربية ... وأرجع خائبا!

جميع الكتب والجرائد والمجلات كانت فارسية.

هل هناك عداء ضد هذه اللغة؟!

أو مؤامرة تحاك فتحيل بيننا وبينها فتحرمنا من أن نستنشق عبقها الطيب؟!

وكنت أجيب رغم صغر سني:

لا شك إنه عداء، وإنها مؤامرة.

وجلست أفكر بالحل للخروج من هذا الحرمان، ومواجهة هذه المؤامرة.

وسرعان ما خطرت ببالي فكرة وجدتها آنذاك إنها سديدة:

اشتريت ورقة خاصة كنا نسميها ورقة امتحان، وبدأت أكتب رسالة لا أتذكر كم من الأخطاء النحوية والإملائية فيها، ولكنني وبكل تأكيد ملأتها بالأغلاط الإملائية والأخطاء النحوية:

أيها الأخوة الكرام،

النجدة، النجدة، النجدة؛

ارسلوا لنا كتبا عربية ... وإلا ضعنا.

ولتكن الكتب قصصا للأطفال، وتأريخية ودينية للكبار.

وشرحت في الرسالة أوضاعنا المأساوية وحرماننا من الكتب والجرائد والمجلات العربية.

ثم رحت أفكر ثانية وآمالي الطفولية:

لمن أبعث هذه الرسالة؟!

إلى أي دولة عربية (شقيقة)؟!

إلى العراق؟!

ولكن الرسالة كيف تصل إلى العراق وفي الحدود نار الحرب مشتعلة!

وبسرعة فائقة اخترت مصر!

لا أدري كيف خطرت مصر على بالي رغم بعدها الجغرافيائي عنا؟

ربما لأني كنت أسمع الكبار يتحدثون عن جمال عبدالناصر، ويذكرون خلال أحاديثهم دولة مصر.
وذهبت أشتري ظرفا لرسالتي التي كنت أظن أنها ستحل المشكلة، وأن الكتب العربية سترسل إلينا بالمقطورات فور وصول الرسالة!

ولكن الرجل طلب مني سعرا باهظا مقابل الطابع وقال:

طوابع الرسائل التي ترسل إلى الخارج باهظة الثمن.

ورجعت أدخر ريالا ريالا لأجمع سعر الطابع، وقد استغرق الأمر عشرة أيام.

واشتريت الطابع وألصقته خلف الظرف، وكتبت العنوان:

مصر - المكتبة الكبرى.

وكتبت عنواني على واجهة الظرف:

الأهواز - الكواخة - محل كريم المياحي.

وأدخلتها بلطف في صندوق البريد.

أما بالنسبة إلى محل كريم المياحي، فإن طريق الكواخة لم يكن معبدا، ولا توجد أرقام على البيوت؛ فالكواخة حي يشبه القرية تماما، ولهذا فإن ساعي البريد يودع الرسائل عند كريم المياحي الذي ينتهي الطريق المعبد إلى محله.

ويأتي الناس الذين ينتظرون رسائل من أبنائهم الجنود، أو ذويهم أو أصدقائهم إلى المحل، فيبعثرون الرسائل ليجدوا رسالتهم.

ومعظم الرسائل لا تصل إلى أصحابها، وبعضها يمزقها الأطفال أو المشاغبون حيث كانت في متناول يد الجميع.

انتظرت جواب رسالتي كثيرا ... حتى يئست.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى