الثلاثاء ٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٧
بقلم مريم علي جبة

أوجاع أيمن زيدان

((كنّا ننتظر شتاء دمشق لنعمّد أرواحنا بمطره المقدس... ننتظر أن يرمي عباءته البيضاء لنلهو ونضع تماثيل الفرح، ننتظر شتاء دمشق، كي يلفحنا لهيب المدفأة العتيقة، وتعلو معزوفة الكستناء المبهجة...

هكذا كان شتاء مدينتي قبل أن يغطي شوارعها وحل الخنادق.

بهذه المقدمة بدأ أيمن زيدان يسرد قصصه القصيرة في مجموعته (أوجاع) الصادرة عن دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع...

لقد عرف العالم العربي أيمن زيدان ممثلاً ومخرجاً مبدعاً في التلفزيون والمسرح والسينما.. وها هو يُلحق هذا الإبداع بالكتابة الأدبية لتتمخض بمجموعته " أوجاع " وكان قبلها بسنوات قليلة مجموعته القصصية "ليلة رمادية".

الموت، الدمار، الوداع، القهر، الخيبات، الفقد بكل أشكاله...

كل هذه الأشياء حضرت في أوجاع زيدان.

فمن قصة (الأرجوحة) نختار:

هذا بيتنا يا صغيرتي... جالت الفتاة بعينيها السوداوين بحثاً عن البيت... أين هو يا أمي؟..

هناك... أشارت الأم بيدها المرتعشة إلى قضاء ممتد من الخراب.. أعادت الصغيرة سؤالها الموجع: أين؟.. خبأت الأم شلال دموعها بحسرة؟.. هناك.. حيث كانت أرجوحتك معلقة على تلك الشجرة المحترقة... لم تستطع الصغيرة أن تستعيد صورة المكان الأولى فأعادت السؤال نفسه بنبرة مغمسة بغضب طفولي.. أين؟.. صمتت الأم وغالبت دموعها بما بقي لديها من قدرة على الاحتمال، وأطلقت ابتسامة خجولة.. أنا أمازحك يا صغيرتي فبيتنا وراء الرابية البعيدة.. تتابع الأم سيرها برأس مسكون بالعبث وبسؤال يتيم: إلى أين؟

إنها صورة من القصة الأولى في المجموعة.. قصة تحكي حكاية أغلب العائلات السورية من أجل الورقة التي عانت من الفَقْد والحرمان والضياع، ومن المصير المجهول... والسؤال الهام بعد كل هذا الفقد والضياع والدمار... إلى أين؟...

وفي قصة حملت عنوان (البيت الصغير)... استحضر أيمن زيدان حياة والده الذي كافح وعمل حتى بنى حلمه الجميل (بيت ريفي في بلدته التي أحبها)... ولكن حلمه قضت عليه تلك الحرب المجنونة التي اندلعت بوقاحة، ما مرّ مثلها عبر التاريخ: (( ما هي إلاّ بضع كيلومترات كي يصل.. ولكن على مشارف قريته توقفت الحافلة بذعر!، شيء مريب يلف المكان.. ضوء وآليات وضرر مشوب بالصمت، جموع غفيرة من أهالي البلدة يحملون ما تيسّر من المتاع وينزحون إلى الفراغ.. اكتظت الدروب بالحزن والفجيعة، وكل الحافلات استدارت لعقود من حيث أتت... فما عاد هناك مكان في القرية إلاّ للرصاص.. فقد اندلعت شرارة الحرب المجنونة... بانكسار ملفت استدارت الحافلة كغيرها عائدة إلى دمشق، والوجوم يعلو وجوه الجميع... مضى ردح من الزمن لم يتمكن الرجل خلاله من الذهاب إلى بيته الحلم.. فاض به الحزن حتى رحل مقهوراً بصمت لم يغادره.. كان رحيل الرجل الطيب فاجعة لأسرته؛ ليس لأنه غادر الحياة، بل لأن جثمانه لم يوارَ في ثرى قريته.. دُفن الرجل في مقبرة المدينة المكتظة، بينما كانت الريح تصفر في بناء بيته الصغير الذي غمرت حديقته أوراق الأشجار المصفرة )).

أكثر من عشرين قصة قصيرة تضمنتها مجموعة أيمن زيدان، وعلى الرغم من أن بعض العناوين التي يمكن أن تقول عنها عناوين (متفائلة) مثل قصة (دفء).. وقصة (عناق).. وقصة (رجولة) وقصص أخرى... إلاّ أن نهايات هذه القصص تحمل ذاك الوجع الذي استقاه أيمن زيدان من واقع حرب مجنونة وقعت على مدينته الأثيرة (دمشق) وأراده عنواناً لمجموعته القصصية الجميلة، والتي تحكي قصصاً موجعة ما تركت بيتاً في دمشق وفي كل أنحاء سورية الحبيبة إلاّ وتركت فيه وجعاً وجرحاً سيطول الوقت.. سيطول كثيراً ليندمل..


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى