الأربعاء ٧ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٢

إبراهيم النابلسي الشهيد الفادي

سمير خلف الله

في بحر الطويل

أيــا أمّ إبــراهــيــم صـبـرا عـلى الإصْــر
فما مات إبــراهــيـم مِـن طَـلـقـة الـغــدر
وما أهـلـكـوا لـرابـط الـجـأش والــفـحـل
وإنْ غـيـبـوا الـمـقـدام فـي وَجْـرَة القـبر
وإنّي أرى أطـيــافـه في الـورى تَـسـري
وبَـارودةً فــي فـــيــلــقٍ لــلـعــدا تَـفـري
أمـــيــمـةُ لا تـبـكـي وإن فـقـده يُـبــكــي
وأتـــراحُ لــوعــةٍ تُـجـافـي دنـا الـسِّــتْـر
ألا كـفـكـفـي مـدامـعــا عَــبْــرة الـحُــزن
شهيدا قضى نَـحــبـا فـيـا فـرحة الـعُـمْـر
سَـمــَا مثلما نـجـم الـعُـلا في دنـا المـجـد
وألــبـِسَ بُـــرْدَ ســــؤددٍ أبــــد الـــدَّهـــر
جَسُور كليث الغاب والطَّـلْـق في الـنَّحْـر
هُـمام حَـوى بـأس الصّـوارم في الصَّـدر
سَـتَـحـرق يــا فِـيــنـيـق أجـنـحـة الوَيـْـل
الأعادي وما لهم سوى عارض الخُـسْـر
غَـدوتَ أخا العـنـقـاء أو مـثـلهـا تَـمضي
بـدنــيـا الألـى أو بَـيـرقـا في سما القُـطْـر 01
بـدنـيـا الورى تـرنـيـمة الصبح والـفجـر
وأندى الأسامى في دُعَا الشِّـفع والـوتـر
وتـهــتــزُّ أرجـاء الــسَّـمـاوات والأرض
بْـذِكـــر الـذي تـجـريـحـه تــوأم الــكُـفْـر
فـلا قـيـصرا إن لاح أو عــاهـلَ الـفُـرْس
يَــطـال الـذي طـالـتْ كُـوَى ذلـك الحَــبْـر
هـو الحيُّ والحــيَّــان يعلو على الحـتـف
يـعـانـق طِـيـب العيش في روضـة القـبر
وما وحـده المُـختار يَـسْـتَـنهـض الوادي
فهـذا الـفـتى روح الإبا في الـدِّما تجـرى 02
لـواء له سـهـم الـمـنـايـا عـلـى الـعـاتـي
ويَـسـتخلص المَوءود مِـنْ دَرَكِ العُـسْـر
أهَــلَّ كـضـــيـف مــن دُنـا جـنّـة الـخُــلْـد
ومـا فـي الـمُـحــيَّـا غـير بَـيّـِنَـةِ الـطُّـهْـر
له الـقـلـب يَـنْئ عـن دّنايا بـني الـعُــرْب
وما لـلـسَّـجايا عانـقـتْ مـسـحـة الـكِـبْـر
وما جُبِلَ المرأى على الرِّجْس والفُحِـش
ومـا لـلـبـرود عــانـقــتْ لـوثـة الـعُــهْـر
سعـيـتَ إلى الفـيحاء سعي بني الفـيـض
فَـنِـلْـتَ بها أثـوابَ مِـن سُّـنـدس خُـضْـر 03
كــأنّــكَ مِـنْ حِــطِّــيـن أو ذلــك الـعــهــد
ســلـيـل صـلاح الــدّيـن يـا ســيّْـد الـغُــرِّ
ويـا ابـن أبي الغــسَّــان يا عـالي الشـأو
عـهـدنــاك مِـقْـداما أخا الوَرْد والـصَّـقـر 04
ويـا نـجـل لـلـقــسَّــام مَـن يـحـمــل الآن
لـبـارودةٍ تُــردى عــقــودا مِـن الـقــهــر
حزين فؤادي من ضنى الشَجْـو والكرب
فــقَـبْـر لإبـراهــيـم قَـبـض عـلى الجـمـر
كأنّي أبـو الـبـقـاء يـرثـي قُــرى الــوكـر
وأنــتَ ولا مـا كــان فــي ذلــك العَــصْـر
قـتـيـل رصـاص الـعُـرب تـطـبيع للرَّهـط
وفي الجُـرْم أنـداد لـمـغـتـصـب المـصْــر
هـنـاك ارتـقى أضحى أخا طـلـعـة النَّـجم
بـه تـصـبـح الـلـيـلاء أخـتَ ســنـا الـبـدر
وإنّْـي لأغْــبـطُ الـضَّـريـح الـذي يـحـوى
رفاةً لهـا فــيـنـا صَـدى عَــبَـق الـعِــطِـر
لــه طــلـعـة تُــوحي لـه طـلّــة تُــوشــي
بـمـا فـي الـفـؤاد يا فـلـسـطـيـن من بِــرّ
بـحـــيــفـا ويـافـا أو بـنـابــلــس والــلِــدّ
وكل المُـنى تخـلـيص شعبٍ من الهَـصْـر
ومـا قـد صـبـا لـلـغِـيـد يا بـئـْر لـلـسَّــبـع
ولا قـــلـبـه لـبَّـى نـدا الـلحـظ والـخِـصْـر
ومـا ظـنَّ بـالأنـفـاس يـَـا مَـجْـدل الـرُّزء
ووفْـى بـعـهـد يـا أريـحـا الـفـتــى الـحُـرِّ
ويـفـدي أبـو فـتـحي بروح ثـرى القدس
ويـحـمـى لهـا كـالأسْـدِ بالـناب والـظُّـفـر
مِـن الـنـهـر مَـوطـني إلى شـاطئ البحـر
وفــيـه أضــمُّ مـدفـنــي بَـاسِــم الــثـغــر
كـسوط الرَّدى أرعـبتَ في جولة القنص
فأضحى بنو صِهيون هَـلْـكَى مِـن الـذُّعِر
فـعَــنّى الـذي يـوما هـجـا عـاليَ الكَـعْـب
فـهـذا الــفـتـى مـا دونـه هَــرَفُ الـهَــذْر
وإيَّـاك يَعْـنى قـول أمضى مِــن الـسَّــيـل
أيا مَنْ سيبقى في الورى عـاطـر الـذِّكـر 05
ويـا عُــمَـر المُـخـتـار صَـدَّقــتَ لـلــقـول
نَــمُــوت ولا نــحــيـا بــقــيــدٍ أو الأسْــر
وهـيهـات أن يَـسْـتَـسْـلِمَ الأشْوَس الجَلْـد
حـبـيـبُ الــقـوافي والمَـواويـل والشِّـعْـر
خَـصِـيـم لمن قـد باع لـلعِـرْض والأرض
بــقُــبْـلـَـة جَـربـاءٍ بِـبِــيــسَــان والـغَــوْر
خـلـيـل سـيـوف الـلـه لا مَـحْـفَـلَ الـسُّكْـر
وعُبدانَ لحظ الغـيـد من مَـعْـشـر الشّْـقْـر
وتحـت الـثرى مأوى لـه يا بني الـبُـسْـل
وتِـرْب الـغـوانـي أي ووالـله فـي الخِـدر
هـنيئا له الحـسـنـاءُ ذات اللـمى السُّـمْـر
هـنـيـئـا لـه فُــرْش وشـاغــلــة الــفِــكـر
ويـا أسـفـي مـاذا بـيـومـي دهـا الـعُــرْب
فهـا هـمْ كـخـصـيـانٍ لـدى صاحب الأمر
وأنَّى لهــم أن يـفـقـهـوا ســوءة العُـهْـر
وما من سجيَّة سوى الطـعـن في الظهـر
لـعـكا وجَـفْـنـا يـا فـلـسـطـيـن مـا أخـزى
خـسـيس لئيم الطبع كالضبع في الـقَـفْـر
ويا سقطة الأعـراب في غَـيْـهَـب الخِـطءِ
أحِـلف مع الـشَّـيـطـان يـا عُـصْـبة الشَّـر
هـنـا قـام كـالإعــصـار فَـتْـكُ أبي فـتـحي
فما وجَـد الصَّرْعى سـوى حُـفَـر الجُـحْـر
ومــا بــزَّه فــي الــسَّــبــق إلا أبـا بَــكْــر
ومـــا بــــزَّه فـــي الــــبـــذْل إلا أبـــا ذرِّ
ومِــنْ مــجــده اللألاء غـار بــنـو كَــرْب
فـصَـبُّـوا عـلـيـه مـا حَـوتْ جُـعبة المَكْـر
.هـنـيـئـا لـهـمْ قـتْـل الشَّهـيـد أبـو فـتـحي
وطُـوبـى لـهــمْ خِـلان ســوء أو الــغــدر
يُـطـاول للنِّـسـيان والـنَّـَسْــيِ كـالــقـدس
وفــي كــــل أيَّــــــانٍ نُــجــدِّدُ لــلـــنَـــذر
فــمـا بـيـنـنـا جـافـى دُنا عـالـم الـنَـسْـخ
كوحي السما المحفوظ في مُصحف الذِّكْر
ولــثــم أديــمٍ جــاءه مــنــيــة الـنــفــس
ومـا دونـه فـي مُهـجـتي الـعـلـقـم الـمُـرِّ
ولـولا الـتَّـنـائي يا فـلـسـطــيـن والـبُـعـدُ
لـكـنـتُ لـه هـارون في الـيُسْـر والعُـسْـر
ومِـنْ قِـمَّـة الأمـجاد هـيـهـات أن يَهْوى
ومـا لـلـزَّمـان غــيـر تــغــريـدة الـشُّـكْـر
جِـنِــيـن حـزيـنـة لـفــقــد الـذي يَـحْـمـي
لـشـعـب كـلــيـل من غَـشــيـم بـه يُـزري
وإنَّـا بـمـا أوصـى على الـعـهـد والـدَّرب
فـلا وضع لـلـمْـقـلاع أو هـجـره يُـغْــري
وهـيهات أن نَـنْـسَى رباطك والمَـمْــشى
إلى أن تُــرَى خــفَّــاقــة رايــة الــنّــصر
ويا أخت لـلخـنّـسَاء صـبرا فـمـن يَـدري
لـعـلَّ مَـمَـات الشَّهْـمِ تُـدْني سَـنـا الـفـجـر 06
ومـاذا جَـنَى نسل الـخـؤون سـوى لَـعْـن
ونـفـي إلى غَـوْر الجـحـــيـم أو الــقَـعْــر
فـدُكُّــوا عـِنـاق الـخـائـن الـغـادر الـنَّــذل
وأنَّـى تــكــنْ يا قـــوم مَــكْـــرُمة الـعـُـذْر
وشـدُّوا عـلى مَـنْ لـلـعـدا العـيـن والأذْن
ومَـن للأعـادي خِــنـجـر الطَّـعْــن يَـبـري
ومَنْ يُـنْـشـد الـذُّؤبان معـزوفـة الـوصْـل
وبالحضن يلقى القِرْن في ردهة القـصـر
غَــوِيّ وخــــوَّان ولــو مَــلَــكَ الــدنــيـا
وحـاز جـــبــالا أو نُـجُـودا مِــن الــتِّــبــر
وكم مِنْ أبي رغَـالِ يـسـتـوجـبُ الـرَّجـم
وإن لاح كالأفـعـى يـنـلْ صـفـعـة الـزَّجـر 07
وآهٍ بـنـي بَـغْـيٍ مِــنَ الــقـول والــفــعــل
أتـأمـر بـالإفـــســاد مـــوعــظـة السِّـفـر؟
فـمِـمَّا أتـيـتـم يـأنـف الـوحْـش في الأيـك
كــأن الـنُّهـى تـغـشـى لـهـا جُــدُرُ الـوَقْـر
وإنّـي أرى غــيـلان فـي هــيـئـة الخَـلْـق
تُـباهي بـزهق الـرُّوح في الـسرِّ والجهْر
حـفـرتـمْ بـأيـدٍ خــنـدق الـغــلِّ والـحــقـد
فـيـا ويـلـكـمْ من ساعة الحَـسم والظّـفـر
وإنَّ الألى أولِـى الــبـسـالــة والــبـــأسٍ
لهم صَـولـة الصِّـمْـصَام أو مخلب النِّسر
شِــدَاد غـــلاظ لـحـظــة الـبَــتِّ والــثَّــأر
فـيــا ويـحـكـم من وقْـعَـة الـكــرِّ والــفـرِّ
ومـنَّـا لـكـمْ نــيـران بــارودة الــفَـــتْـــك
وصَـفع سـيـاط الجَلـْد مُـحْـكـمة الـضَّـفـر
وقَـدَّتْ جـبال الـنـار يا سَــقْـط لـلـسَّـقْـط
جـنـودا لغـازي القدس من جُلمد لصخـر
سنُرجع يا أقـصى فـلسطـين والـمَـسْرى
وهـيهـات تـفــريـط ولـو في مَـدى شِـبْـر

شرح بعض مفردات القصيدة

01 القطر: فلسطين

02 البيت يستحضر قصيدة أحمد شوقي، في رثاء الشهيد عمر المختار، والتي مطلعها

رَكَــزوا رُفــاتَــكَ فــي الرِمــالِ لِواءَ

03 بنو الفيض: المقصود بهم أبناء الخنساء من زوجها الفيض، الذين قضوا نحبهم شهداء، كإبراهيم النابلسي عليهم وعليه رحمة الله.

04 الوَرْد : الأسد

05 صدر البيت يوظف المثل العربي أمضى من السيل تحت الليل

06 كلمة أخت في البيت المقصود بها، فلسطين الحبيبة. أمّ قوافل الشهداء، وعلى رأسهم إبراهيم النابلسي.

07 أبو رغَـالِ: رمز الخيانة وهو دليل أبرهة الأشرم، أثناء غزوته لهدم الكعبة. كانت العرب تلعنه، وترجم قبره.

إهداء خاص لهذا القصيد إلى أم الشهيد، إبراهيم النابلسي. السيدة هدى جرار وإلى كل، أمهات شهداء فلسطين الحبيبة.

سمير خلف الله

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى