السبت ١٥ تموز (يوليو) ٢٠١٧
(الجزء الثاني)

إحسان أبو شگاگ حين يومضُ في الحجر

هاتف بشبوش

(لا نـَصيب بإغراء امرأة بالقول لها: أنتِ حسنة: يتوجّب الذهاب في الأقلّ حدّ القول: أنتِ فريدةُ النّوع في العالم و هذا أقلّ شيء تقبلهُ منك.....فرديناند سيلين).

رغم ما تقدّم أعلاه نجدُ المرأة الشرقيّة تسعى في كلّ السُبل لإرضاء زوجها لأنّه المسؤول الأوّل و الأخير عن استقرارها إقتصاديا و هو الذي يؤمّن لها المستقبل دون خوفٍ من المجهول.
العامل الإقتصادي هو العصبُ الرئيسي للعلاقة بين الإثنين و هذا ما قاله ماركس و بقي ساري المفعول حتّى اليوم حيث أنّني عشتُ في الغرب و وجدتُ المرأة هنا تختلفُ إختلافًا كليّا عن المرأة الشرقيّة من ناحية العامل الاقتصادي فرأيتها قويّة و هي التي تحدّد مصير علاقتها مع الرجل لكونها مستقلّة استقلالاً تامّا فرحم الله ماركس على ما كتبه لنا من إبداع و فلسفة بحقّ المرأة و الاقتصاد الذي تتمتّع به و كيف لا... فزوجته جيني تلك المرأة الحديديّة التي تعلّم منها و تعلّمت منه الكثير الكثير باحترام متبادل. أمّا المرأة الشرقيّة و خصوصًا في بلاد المغرب العربيّ تستخدمُ التّعاويذ و السّحر في سبيل النّيل من قلب الرّجل و بشتّى السّبل كما تغارُ عليه من ضرّتها فيشتدّ التّنافس على هذا المخلوق الذي هو في كلّ الأحوال لا يرتفع عنها شأنًا لو كانت هناك أنظمة عادلة تضمنُ حقوق المرأة الإقتصادية. لنقرأ الكاتب في ما نقله لنا في نصّه الموسوم (خشخاش):

تنكّرت ببرقع المكر
لتضرب ضرّتها
تنقّلت بين الدراويش..
تبحث في مسبحة السّحر عن علاج ضدّ عسر المودّة
اعتقدتْ أنّها تجدُ العلّة في بعض الخرز..
أو ربّما تستهلك مفتاحًا يسترجع اللّطف و المؤانسة التي فقدتها.
قالتْ لها عرّافة هرمة: إعطيني خلخالا و قرطيْنِ..
سأجعله يركعُ تحت قدميك و لمّا عادت..
جاء ملك الموت و أنجز أمرا.

نصّ واضحٌ لا لبسَ فيه لبيان ما تعاني منه المرأة الضّرة في شعوب يحقّ للرّجل فيها أنْ يتزوّج ما يشاء من النّساء و في أيّ وقتٍ حتّى لوْ سحقَ مشاعر و أحاسيس امرأته الأولى و هذا كلّه لأنّ هناك مؤسّسة دينيّة تشريعيّة تكفّلتْ له بالحقّ في أنْ يتزوّج و ما ملكتْ أيمانه و لتذهب المرأة إلى الجحيم هي و أحاسيسها و مشاعرها، بينما يقول فرديناند سيلين: (لا نصيبَ بإغراء امرأة بالقول لها: أنتِ حسنة: يتوجّب الذهاب في الأقلّ حدّ القول: أنتِ فريدة النّوع في العالم و هذا أقلّ شيء تقبلهُ منكَ).

في النصّ أعلاه يتطرّق الكاتب عن خيبة الأمل التي تتلقّاها المرأة بعد كلّ ما فعلته لأجل زوجها و الشعوذات التي فعلتها لضمان حبّه لها لكنّها عادتْ و وجدتْ الأمور على غير ما تشتهي حيث وجدته ميتًا و قد انتقل إلى عالمِ العدمِ الذي جاء منه. و بهذا ينقل لنا الكاتب مفهوميْن بهذا الخصوص، الأوّل عن الشعوذة و الدّجالين و المنجّمين و كذبهم و ضحكهم على عقول النّاس البسيطة وثانيًّا عن الموت و مفهومه هنا لدى إحسان الذي نستطيع من خلاله أنْ نُردّد مقولة علي الوردي الشهيرة (جاءتْ و حياضُ الموت مُترعةٌ... و جادتْ بوصلٍ حيث لا ينفعُ الوصلُ). و يستمرّ الشّاعر في التّوضيح لنا منْ أنّ الرّجل هو صمام الأمان للمرأة في شعوبنا الشرقيّة، أمّا في الشّعوب التي مضتْ قدمًا في تقدّمِ المرأة فهناك اختلافٌ كبيرٌ جدّا. إذْ أنّ هذه الشّعوب اليوم لا تتكلّم عن مساواة المرأة بلْ عن مساواة الرّجل لو أردنا الغوص في هذا المفهوم و خصوصًا في ممارسة الجنس، لأنّ الأمر أصبح بيدها فهي التي تقرّر المضاجعة من عدمها و إلاّ اعتبرته إغتصابًا يحقّ العقاب عليه (و حين تغلق المرأة باب قلبها على ما تريد،فإنّ كلّ قوى الكون لا تستطيعُ أنْ تعيدَ فتحه.... أيمن العتوم).

الرّجل هو الرّمز في شعوبنا للسّلطة و احتكارها و الغطرسة التي يتصرّف بها وديكتاتوريته في البيت أو في مركزه الوظيفي السّلطوي. لنتبيّن ما نقوله في سطور احسان (إجتماع):

إكتمَلَ النِّصَابُ،الإجتِمَاعُ على وَشَك..
بِانتِظارِا لسَّيِّدِ المُبجَّلِ، قالَ مُستَشارُهُ: إنتَظِرُوا..
هو فِي الحَمّامِ،لدَيهِ مهِمَّة.
مَا هِي؟
مُعالجَةُ مَا تَحتَ خَطِّ الفَقرْ!

إهانةٌ بأناقةٍ من قبل الكاتب لرموز السّلطة الذين أوغلوا في تماديهم في ممارسة الجريمة بحقّ شعوبهم. أين هو الحاكم؟... هو في الحمّام مع الزرنيخ لإزالة ما تبقّى من وساخته و قذارته الجسمانيّة و يا ليتهُ أزال من وساخةِ دماغه و عقله التي استطاع أن يؤذي بها شعبهُ و ناسهُ. هو في الحمّام كيْ يستعدّ ليلةٍ حمراء يقضيها مع نعومة عاهراتٍ بينما الشّعب يجوعُ و ليس لديه ما يسدّ رُمقه فكيف له أنْ يشتري (الكابتون) كيْ ينتعظَ ما بداخل سرواله كما حاكمه السّافل و الهوائي مثل أغلب حكّام بني سعود و الخليج ثمّ حكّام العراق في آخرِ زمنٍ.
و يبقى الفقيرُ المعدمُ هو الضحيّة في كلّ الأحوال حيثُ تأتيه التّهم و هو نائمٌ لا يدري ماذا يفعل رغم كونه العفيف لكنّه العنيد و المصرّ على أنْ يبقى في أخلاقه مهما كلّفه الثّمن و هذه طبيعة الغالبيّة السّاحقة من الفقراء إذْ ما قورنوا بالثريّ الأرستقراطي الذي لا يمكن له أنْ يكون بمستوى الرقّة و الحنان على الآخرين مثلما فقير الحال. و هذه المقارنة قبل ثلاثة أيّام و على القناة الدنماركية (تيفيتوTV2) حيث نقلوا و على الهواء مباشرة في لقائهم مع العديد من النّاس من أنّ الفقير المُعدم له من القلب الأرقّ من قلب الثريّ المُترف بالرّغم من عدم تواجد فقيرٍ في الدنمارك بالمعنى المألوف. لنرى إحسان بهذا الخصوص و ومضة (مقهى):

برغمِ إهمَالهِ للباسِهِ! دخلَ المقهى..
شُعلةٌ مِنَ النَّظراتِ سُدِّدتْ إليهِ.
جلسَ، تَحسَّسَ تَحته شيئاً ما!
قالَ له صاحبُ المقهى: أخرجْ!
لماذا؟
الرُّوادُ يَرونَ ذلكْ.
إذنْ أعطِهم هذه الساعة. وجدتُها هُنا

(ريتشارد غير) الممثل العالمي الشهير و الوسيم الحائز على جائزة الأوسكار في فيلمه الشهير (مملكة الموت) الذي أجرتْ معه أكثرَ من قناةٍ عربيّة لقاءً تلفزيونيّ خاصّ، في يوم قرّر أنْ يلبسَ ملابسَ رثّة ليقلّد المدمنين على المخدّرات و الخمر لكثرة ما يتأسّى لحالهم. و بالفعل جلس في إحدى ناصيات شوارع نيويورك وقلّدهم و اكتشف الكثير من الأمور التي تتعلّق بالأخلاق و الإنسانيّة و تحسّس مدى الاحتقار و الأسى من الآخرين بحقّه. و ظلّ على الحال لمدّة شهرٍ،وحين انتهى من هذا العمل أوصى أنْ يعطي من ماله كلّ شهرٍ مبلغًا خاصّا للمدمنين طيلة حياتهم. هذه هي الأخلاق التي تتمثّل في عقليّة الإنسان و جوهره لا في مظهره و ملبسه.

و ينطلقُ الكاتبُ في الحديث عن المظهر و تجديده أو حتّى الإكسسوارات و المسابح في مجتمعاتنا الدينيّة التي تنظرُ إلى المسبحة من أنّها رمزًا للدّين،و التي أصبحتْ اليوم مصدرًا للمتاجرة بالدّين وكسبِ المالِ على حساب الفقير المُعدم، لننظر ما قاله إحسان في الشّذرة الرائعة أدناه:

تَشاورَ المُرابونَ..
كتبوا إقراراً بتبدِيل لونِ المسبحةِ و الخَواتمِ..
مِن البُنّي إلى الأسوَدِ..
فازداد الطّينَ بلّة!

كلّما إزدادتْ صبغةُ اللّون الأسود لعمائمهم كلّما دلّ ذلك على كثرة عملِ الشّر و اللّصوصيّة و الشّعوذة و الضّحك على ذقون الآخرين و تعبئتهم في المساجد و بيوت الله نحو التّخلّف و القهرِ لكي يبقوا هم المسيطرون و عامّة النّاس في الصفّ الخلفيّ يُعانون الأمرين. و لكن للأسف هناك بعضُ الشّرفاء حين ينتهي بهم الأمر إلى هاوية الحياة نتيجة العوز الماديّ و الفقر نراهم يلجؤون إلى بيوت الله متسوّلين لعدم وجود ضمانٍ اجتماعيّ كبقيّة البلدان المتحضرة فيظلّون تحت رحمة النّاس التي لا ترحمُ في أغلبِ الأحيانِ، و قد تطرّق الكاتب إحسان إلى ذلك في نصّ (محارب):

سَاقتهُ الحربُ إليهَا قَهراً..
انتهتْ بِبترِ سَاقِهِ..
كابدَ شِدَّةَ العوزِ،ينتقِلُ مِن عَمرٍ إلى زَيد..
ما بينه و بين الملاذ، ألسنةٌ و مواعِيد..
اتّخذ من المسجد مأوىً!

هذا ما حصلَ مع أبطالٍ كثيرين على مستوى قادةٍ عرب عرفهم التأريخ في حروبهم و صولاتهم الشّجاعة و منهم صاحب المقولة الشّهيرة: (البحر من أمامكم و الموت من ورائكم) إنّه القائد طارق ابن زياد الذي انتهى به الأمر متسوّلاً كناسًّا في الجامع الأمويّ في دمشق حتّى مماته بعد خلافاته مع أحد خلفاء المسلمين آنذاك و الدّسائس التي حيكتْ له. هذه هي واحدة من خيبات العرب و المسلمين الذين وصلوا إلى الدّرك الأسفل من العار و التّخلف و المُضيّ نحو الدّمار الشّامل في مؤسسات الحياة الأخلاقية و الاجتماعية على كلّ مستويات الدولة التي يعيث بها المجرمون فسادًا لمْ نشهدْ له مثيلاً على مرّ التّأريخ. لنقرأ واحدة من الخيبات التي سطّرها لنا الرّائع إحسان في فلقته البديعة الآتية (خيبة):

انتهى به الأمر إلى باب المسجد..
لم يقاوم عواصف بيوت أبنائه..
حاول ترويض ما تبقى من أسنانه على كسرات الخبز..
اندهش المؤذن عند دخوله
زرع قبلة على جبينه
ألست أنت من شيّد هذا المسجد؟
نعم شيّدت مسجدا
لكني لم أشيّد بيتا!

مثلما قالها ديستويفسكي قبل أكثر من مئة و خمسين عامًا في الإخوة كرامازوف (أتعجّب لأمرهم يبنون الكنائس و يهدمون الدولة، ليست هذه عقيدة فحسب بلْ هو تطرّف! إنّ البابا كريجوري السّابع ما كان له أن يحلم بشيء من هذا القبيل)، مثلما يفعلونها اليوم في أكثر بلدان الشّرق في كثرة بناء المساجد التي أدّت بالنتيجة إلى قلّة البيوت و المساكن التي تؤوي الفقراء بينما في السويد اليوم و قبل شهر من كتابة هذا المقال قاموا بهدم الكثير من الكنائس لقلة ارتيادها من قبل الناس و أقاموا في مكانها مساكنًا وبيوتًا شُيّدتْ للعديد من المواطنين. إنّها الدولة المدنيّة الحقيقيّة لا الكهنوتية الكاذبة أو الحقيقيّة التي هي في كلّ الأحوال دولة فاشلة في احترامها للإنسان و الحبّ و العلاقة الجنسيّة بين الرّجل و المرأة. إنّها الدولة المدنيّة التي تتكفلّ بالحريات لأبناء شعوبها بكلّ تفاصيلها لا حكامنا و إعدامهم حتّى لمعنى كلمة الحرية و هذا ما سوف نقرؤه في الحروف التالية من نصّ (قدر):

أوصدوا كلّ الدروب..
انتظروا صول موكبه..
أزاح الستار عن جدارية..
صفقوا!
همس في إذن مستشاره الثقافي:
ماذا يعني هذا الرسم؟
رمزا للحرية سيدي!
لماذا هي داخل الزجاجة؟
لارتكابها جنحة المطالبة بالحرية!

اليوم و نحن في القرن الجنسيّ الحادي و العشرين الذي قالتْ عنه رئيسة وزراء الفلبين من أنّ الجنس حضارةُ الشعوبِ و عقلها. بينما نرى النّظام الديني المقيت في السّودان يرجمُ امرأة صحفيّة مثقّفة و يجلدها أمام حشرٍ من الناس لأنّها طالبتْ بالحريّة للمرأة في مقالٍ صحفيّ. لمْ يبق لأبناء هذه الشّعوب سوى الهروب من الأوطان و البحث عن عالمٍ آخر يضمن لهم الحياة الحرّة الكريمة كما في البوح الجميل للشاعر (غيبة):

هرب من الأكاذيب التي حوله إلى عالم الاشتهاء
ألهمه الحنين إلى رؤى الطفولة..
لملم خيوطا من بقايا البَكَر..
صنع طيّارة ورقية تطير و تعلو فوق الناظرين
لاطف السماء بصمته و لا طفته بزرقتها
التي ترصد هذا المشهد أبنتهُ..
قالت: أبي هل تتأمل نشوة الماضي؟
قال: لا،بل أهرب من أمّة محكوم بها
تُطعِمُ ذهبا و تأكل بارودا!

قبل أيّام رسم الفنّان العراقيّ عبد الأمير طعمه لوحة رائعة بعنوان (وسط دخان البترول) تنتمي للمدرسة الواقعيّة حيث يظهر فيها عاملان فقيران مُعدمان يدفعان عربةً لحمل أغراض الناس و كأنّهما عاطليْنِ عن العمل وسط دخانٍ كثيفٍ من آبار البترول يكادُ يعمي أبصارهما من التلوث،و هذه رسالةٌ مهمّة منْ أنّ البترول منذ اكتشافه لمْ يحصل العراقيّين منه سوى الفقر و الدّمار و الاختناق من نار الحروب و القتل و تذهب خيراته إلى دول الجوار و العالم الباطل البعيد عن الحقيقة و القريب من الجريمة في عالمٍ باتَ واضحًا فيه إذا لمْ تكن قويّا متوحّشًا تُسْحق من قبل الآخرين غير مأسوفٍ عليك. و فوق كلّ هذا هناك السّارقون في بلدٍ لمْ يشهد مثل هذه اللصوصيّة على مرّ تأريخ العراق الحديث و القديم. و يدحض كلامنا هذا ما نراه في النصّ الآتي (لص):

يُتبع في الجزء الثالــث

هاتف بشبوش

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى