الثلاثاء ٣٠ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٤
بقلم عبد الجبار الحمدي

إزابيل..

خرج من الحانة بعد ان عب في جوفه كمية من زجاجات الجعة التي نقلته الى عالمه الموحش وحدةً الذي يحب ان يهرب إليه كعادته...

كان الشارع المنزوي شبه مظلم إلا من أنوار خافته نست الستائر ان تسدل نفسها على زجاج شبابيك موصدة، فظن نفسه أنه على مسرح كبير راح يستعرض في مشيته وهو يقول بصوت شبه عال، الى متى تبقى تتوعدني بالموت؟ ففي كل مرة ألتقيك بها هاهنا وفي هذا الشارع بالذات وانت تختل مدلسا نفسك في احد اركانه تحاول اقتناص الفرصة للنيل مني، وطالما استغربت من تصرفاتك!! فقد سنحت لك الفرصة، لكنك لم تقتنصها وهذا مازاد استغرابي وخوفي، أتراك تريد قتلي خوفا من مجهول وتوقع ضربتك لي؟؟؟

لحظتها بدأ المطر ينث قطراته كأنه ينفض قلنسوته التي تغطى بها من الغمام حتى تثاقلت السماء عن حملها فانتفضت لتوزع حبات المطر بعيدا عنها دافعة بها الى الارض ....

رفع مردوك رأسه مستقبلا تلك القطرات وهو فرح قائلا: هيا تعالي، أغسلي نفسي وكاهلي المثقلان بالهموم، يا وحي... الى متى اشكوك يا جرح ...

أزابيل فتاة لحظة من عمري تلك التي رامت نفسها ان تكون خارطة أيامي الضائعة التي لا حدود لها حتى اثخنت جراحا برحيل من عالم الى عالم، لا زلت اتذكر ذلك اليوم الذي رأيتك فيه عند حافة الجسر وانت تحاولين ان تلقين بنفسك الى البحر، لا أدري ربما شاء القدر ان أكون الوحيد في ذلك الليل الممطر البارد ان يمر الى جانبك دون ان تشعري به وانت تقصين مأساتك التي سمعت الى من ظننته حملا وديعا يحمل الحب زهرة ارجوانية عشقت عطرها حد الثمالة، نعم لم تتخيلي انه عنكبوت اسود نسج شباكه السوداء حولك واحاطك بأرجه الثمانية حتى غرس سمه الذي تجرعتي ثم نبذك بعيدا توسلتِ ، بكيتِ، قبلت قدمه ... لكنه نبذك كمرض معدٍ، لم يفكر إلا بلذته، لقد كان زير نساء مارق، لاشك انه باع واشترى بسمعتك ذاك هو ما سمعت منك، لم تقاومي المجتمع الذي رمقك بنظرات الدعر كون عائلتك من العوائل المحافظة والمرموقة والتي تدين تلك التصرفات،، حجبوك بعيدا حتى حلكت حياتك، تحولت الى عالم أسود الخطيئة فيه شعار يحمل حروف اسمك.... فرغبت بالانتحار...

كنت لحظتها افكر في نفس الأمر، إلا اني ندبي لحظي الحرمان الذي أعيش فأنا لم أرى في حياتي لحظة سعادة، عالمي موصد الابواب، حتى وإن قسمته بين زجاجات الجعة والواقع، فلا أجد سوى الحرمان والبؤس، هكذا خلقني الله في لحظة مسخ الحظ نفسه وربما لوثها بالحرمان ليسقينيه من ثدي أم لا اعرفها حقيقة إلا من خلال أسم اناديها فيه...أما الاب فلا اظن اني نطقته في يوم من الايام... لقيط ؟؟؟ نعم هو أنا ذاك، وقفت طويلا اسمع عتابك وندبك حظك الذي ادار بوجهه عن وجهك، ولفظك دون ان تعتريه غصة...

اقتربت منك في آخر لحظة، أمسكت بذراعيك وأنا ربما لا أعي ما اقول من كثرة ما شربت، لكني وفي ثوان ... ما أن رأيت وجهك حتى طغى ضياء خفي الى روحي وانار كل زواياه المعتمة، لم أقوى على النظر الى عينيك، اتذكر اني هززتك وأنبتك صارخا فيك، هل انت مجنونة لا زلت في عنفوان شبابك ... تحاولين الانتحار... تقتلين كل هذا الجمال!؟ كل هذا الضياء!؟ لا بد انك مجنونة... إن من تحاولين قتل نفسك من أجله لا يستحق ان تكافئيه عطاءا بالموت، ان الحياة يا انت...مليئة بالفرص السانحة، لا بد للحظ خاصة لمن هي بمثل جمالك ان يكون خادما مطيعا إليها، حتى وإن عبث في بعض محطات عمر، اقسم أنك آية من الجمال، بل آلهة حب، آه لو كنت عندي لأغلقت قلبي وكل نوافذه وابواب حجراته الموجع بالنحيب والحرمانووقفت خارجه حارسا عليك..

نظرت إزابيل اليه ورثة مظهرة ورائحة الخمر التي تفوح منه كأنه برميل من الجعة متحرك،
فقالت له: ابعد يديك عني يا هذا فأنت لا تعرفني، لا تعرف مأساتي!! فليس لك الحق التدخل في ما اريد او ما لا أريد... اذهب بعيدا عليكم اللعنة صنف الرجال جميعكم ذئاب سوداء شريرة... اذهب بعيدا ودعني وشأني..
مردوك: كيف لي ان اتركك تقتلين نفسك، كوني عاقلة تريثي، فلابد من وسيلة أخرى، فإن فشلت في اختيارك هذا لا يعني ان الحياة كلها فشل، او أن الرجال كلهم متشابهون...وإليك الدليل أنا الماثل امامك صدقيني اتمنى الموت في كل ثانية واراه امامي في كل وقت، حاولت عدة مرات حتى بت أخاف المحاولة، لأنه يلفظني ما ان اقوم بالمحاولة بعيدا...مردوك هو أسمي يا نجمة الحياة والامل... قالها دون ان يشعر بها

إزابيل: يا لك من مجنون آخر... ها انت ما ان سنحت لك الفرصة حتى أخذت تغزل شبابك بإطلاق ترهات ... رغم عدم معرفتك لشخصي او عدم معرفتي بك...

مردوك: هو ما قلت، لكني ولأول مرة في حياتي اشعر بأني إنسان ولي قلب ينبض بشدة، اكاد اسمع خفقانه، بل جنونه وهو يقول لي: يا لحظك الذي لم تلتقيه في اي يوم، ترى كيف ستتصرف مع من هي آلهة إنسية؟؟ اقسم لك أن الشوارع والازقة قد نالت مني ركلا ورفضا في ان تتقبل من هو على شاكلتي، رمتني حتى اسلمتني الموت الذي هو الآخر دفع بي الى جحيم الحياة لتكون حياتي هي موتي المحقق ... لعنة هي ابتليت بها ...لا أدري لماذا؟؟؟

ازابيل: شرعت بالهدوء وهي تنصت الى قصته التي لم تشعر او تحس بأنها زيف من كلام او كذب، اتكأت على حافة سياج الجسر وهي تقول له: يا مسكين وكنت اظن ان بلائي ليس بعده ابتلاء، ارى ان الكلابات تلك التي يعلقون عليها الاشلاء بعد ذبحها قد امسكت بحياتك، مزقتها ونال الوقت بك تقطيعا وهو يسمع صراخ اوجاعك وتأوهاتك دون ان يبالي لنزيف الدم الذي يراق من ايامك وحرمانك...

مردوك: اجل يا ....متداركة إياه ازابيل ..اسمي ازابيل... يا إلهي إن وصفك لمعاناتي لكأنك تشاهدين او تلمسين ما أمر به، صدقيني لا يستحقك الموت، فأنت اجمل من ان ينال منك، هيا عودي واغرسي الامل نبتة عند نافذتك وواصلي سقيها، لابد ان تنمو، ناسية صعوبة خروجها من باطن أرض، كل ما في الامر تحتاجين الى الوقت ... الوقت هو كفيل بنسيانك وما تشعرين به من غبن، اما ذاك الذي جرحك فلابد ان ينال جرعة من مرارة ما أذاقك.. هيا عودي الى منزلك وأنسي التفكير في الموت...

شعرت ازابيل من خلال حديث هذا المترنح بالحكمة واللطف...احبت ان تسمع قصته كاملة لكنه اشار اليها بالرحيل قبل ان ينال منها ذئاب الظلام ... سار معها قليلا الى ان اطمأن أنها ستكون بخير ..

عاد ادراجه وهو يعب في جوفه جرعات من زجاجة الجعة التي يحملها، اشرق ولأول مرة وجهه بابتسامة، لقد رأى الامل يمكن ان يعود الى كل إنسان، لكن عليه ان يجد من يدله على بوابته، مد يده الى فمه ليعب فيه لكنه توقف فجأة وهو يقول للزجاجة: عليك اللعنة، ادمنتك حتى بت فاقدا للاحاسيس والمشاعر، ارى اليأس يخرج من فمك فأمتصه كشهد وانا اترعه مرا علقما... رمى بها بعيد وهو يرى صورة ازابيل امامه...لكنه امسك بنفسه بعد ان لفت الدنيا به وهو يسقط الى الارض وايدٍ تسلبه قطع نقدية تافهة بعد ان غرزت نصلهاالحاد في بطنه وهو يقول: عليك اللعنة ايها الموت جئت الآن بعد ان بدأت اشعر بالامل .. عليك اللعنة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى