الأحد ٢٧ أيار (مايو) ٢٠١٨
بقلم نايف عبوش

استذكارات من أيام الطفولة

أم كريمة لم تلدني، إنها العمة الفاضلة، نجود الصالح الحسوني. فمنذ أوائل خمسينات القرن الماضي، حيث كنت يومها، صبيا يافعا، وللتو قد دخلت المدرسة الابتدائية، التي افتتحت في القرية لأول مرة.. كان والدي المرحوم الملا عبوش، قد اعتاد أن يصطحبني بين الفينة والأخرى، من بيتنا في قرية السفينة، إلى أولاد عمي، الحسن الحمادة في نصف تل.

وأذكر مرة، انه في إحدى نيسانات تلك الأعوام الغابرة، اخذني معه مشيا على الأقدام. وكان الجو خلابا،والأرض مخضرة، وشقائق النعمان يفوح عطرها من كل صوب. كان الملا سريع السعي في مشيه، وكنت أجرى خلفه على عجل، حتى أني كنت بالكاد ألحق به. وما أن تجاوزنا وادي الملح، وصرنا على مرمى حجر من بيت العمام، حتى تلقتنا العمة نجود في مشاع البيادر،بالترحاب، وبيدها طاسة من لبن الشجوة، ناولتها للملا ليشرب منها.. ثم سارعت لتحتضنني بذراعيها، عناقا وتقبيلا، ولتحملني على ظهرها إلى عتبة الدار.. مؤنبة الملا الوالد على مشيه السريع وإرهاقي..

تكرر ترددي بعد ذلك إليهم.. وكانت العمة نجود تحيطني بحنان عارم.. وتفضلني على ابنائها، أولاد عمي.. فتدنيني منها في مجلسها على القهوة في جاسر الدار.. وتلفني بودادها.. وتزيدني من الزبدة، واللحم، ما يفوق حصة اولادها.. وتعفيني من نوبتي في ركوب الجرجر..واكتيال الماء على الحمار من الغدران.. ومن رعي الحملان.. عندما توكل المهمة لأحد أبناء عمي، ليقوم بها بدلاً مني، مراعاة منها لقلة خبرتي.. وضعف بدني.. وكانت تحرص على أن تشد اذيال دشداشتي باذيال ثوبها، كي لا تتكر حادثة سقوطي من دكة نوم العيال، وسط الأغنام صيفاً.. نتيجة كوابيس أحلامي المزعجة ليلاً..

إنها حقا أم رمزية لم تلدني.. لكن حبل المودة معها، كان مشيمة أم حقيقية.. تتكامل عطفا، وحنانا، مع ثقة والدتي بإقرار امومتها الصادقة لي دون تردد .. رحم الله العمة الأم.. نجود الحسوني.. زوجة عمي الشيخ المهيب الجانب، صالح الحسن الحمادة.. ورحم الله والدتي التي لم تكن تمنعني يوماً ما من التواصل مع عمومتي.. فكانت بذلك مثالاً لفضيلة صلة الرحم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى