السبت ١٩ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم آمال عواد رضوان

استضافة الشاعرة هيام قبلان

بتاريخ 17-2-2011 تعطّرت الشّاعرة والأديبة هيام مصطفى قبلان بأريج مدينة البشارة وبعبق عين العذراء في النّاصرة، وسطَ لفيفٍ نسائيٍّ راقٍ، وبترحيبٍ مُفعمٍ بمحبّةِ عضوات نادي حاملات الطّيب النّصراويّ المضياف، في مقرّهِ العتيق في حارة الرّوم بجانب كنيسة البشارة، ووسط جوٍّ حميميٍّ تسودُهُ الألفة والانسجامُ والتشوّق، وجدت الشّاعرة هيام نفسَها أمامَ لهفةٍ عارمةٍ لنساءٍ ينتظرنها بتشوّق وفخر لسماعها والإنصات لحديثها العذب.

افتتحت اللّقاءَ المُثمرَ السّيّدة مارتيكا الحاج مسؤولة حاملاتِ الطّيب في النّاصرة، بكلمةٍ ترحيبيّةِ بالشّاعرةِ القادمةِ مِن جبلِ الكرمل تلبيةً لدعوتِها، بعد صدور روايتها "رائحة الزّمن العاري"، والّتي تمّ نشرها في دار التلاقي للنّشر في القاهرة.

تحدّثت الشّاعرة هيام إلى أنّها مِن مواليد قرية عسفيا في جبل الكرمل سنة (1956)، وقد ترعرعتْ في كنفِ عائلةٍ دافئةٍ تتكوّنُ مِن أمٍّ لبنانيّةٍ وأبٍ سوريّ الأصل، وبالرّغم مِن أنّها ابنة ثلاثة أوطان، إلاّ أنّها لا تحملُ هويّة أوطانها الرّسميّة، بل جنسيّة إسرائيليّة!

وقد أشارت إلى حوارٍ طويلٍ أجرتْهُ معها "آمال عوّاد رضوان"، ورَدَ في بدايةِ كتابِها الشّعريّ "لا أرى غير ظلّي"، وهذا الحوار المُطوّلُ يوجزُ المسيرةَ الذّاتيّة بكاملِها، إذ تحدّثت فيهِ عن رحلتِها الشّخصيّةِ والعائليّةِ والأدبيّةِ المليئة بالأحداثِ والمواقف؛ وعن نفسِها كإنسانةٍ وشاعرةٍ وكاتبةٍ وناقدة، وعن الشّام حيث موطن أبيها، وعن أمّها ولبنان، وكيف تتجلّى الشآم ولبنان، والزّمن؛ مِن حيث أنّها إحداثيّاتٌ تُشكّلُ مُحصّلاتٍ عدّةً في شِعرِها وحياتِها، تقول:

"الشام: لها في قلبي مكان.. وطن الجدود.. وطن أبي الرّاحل الّذي ووريَ تحتَ التّراب، ولم يقابلْ عائلتَهُ بعدَ أن فرّقهم الزّمن. الشآم هي العزة، والكرامة.. أشمُّ رائحةَ أرضِهِ الطّيّبة، وأفتّشُ في السّهول والجبال عن أقحوانةٍ ليلكيّةِ العينيْن، تتمايلُ على كتفِ قصيدةٍ مِن شِعر نزار قباني، فيطيرُ الفؤاد مُعلنًا الرّحيلَ والسّفر. هو تاريخ أبي ورحيله عن الوطن.. وللرّحيل قصّة، وأبي الذي دافعَ عن سوريا بجسدِهِ وروحِهِ، لم يعُدْ مأواهُ غير البراري والجبال أثناءَ تشرّدِهِ، فوصلَ إلى نهر الحاصباني في لبنان بالقرب مِن محافظةِ حاصبيا، والتجأ إلى أهلِها الّذين حمَوْهُ لمدّةٍ طويلة. هناك تعرّف إلى أمّي؛ فتاة في مقتبل العمر، جميلة، بريئة، خجولة، مطيعة، خفق قلبُهُ لأوّلِ مرّةٍ وهو الشّاب العازب المغامر. بادَلتْهُ الحبّ وعُقدَ قرانُهما في لبنان. لكن الوضعَ أصبحَ خطيرًا.. ماذا يفعل؟ قرّرَ الهربَ والعودة إلى فلسطين ثانية ليعيش فيها مؤقتًا، لكن مساعيَهُ باءت بالفشل وبقيَ هنا، بعيدًا عن عائلتِهِ لمدّةِ خمسين عامًا. رحلَ أبي قبل فترةٍ وجيزةٍ دونَ كلمةِ وداع، ودون أن يحتضنَ وجهَ أختِهِ الباكي عليه، ودون معانقةِ إخوتِهِ الذين انتظروهُ بفارغ الصّبر.. تدثّرَ والدي بثوبِهِ الأبيض الفضفاض.. أغمضَ عينيْهِ وبين شفتيْه: "سلامٌ للشآم الوطن.

غربة أبي، الوحدة، السّفر، التشرّد، الظلم، خيبة الأمل، الشّوق والحنين في عينيه.. انتظارُهُ الطّويل في هضبة الجولان في منطقة (تل الصراخ)، منتظرًا أهله ولم ينتظره أحد حتى بُحّ صوتُهُ، والتحفَ بالصّمتِ إلى يوم وداعِهِ الأخير ورحيلِهِ. ولأنّنا نؤمن أنه سوفَ يولدُ مِن جديد، نُصلّي بأن يرى في جيلِهِ القادم مَن بقي من عائلته، وربّما بولادةِ الطفل الصّغير تعودُ الضحكة إلى بيتهم القديم مرتعَ طفولتِهِ وزمرّد شآمه.

تحدّثت عن لبنان: الغربة والرّحيل والسّفر أراهم في عينيّ أمّي التي هجرت وطنها الأم لبنان، وتركتْ قطعةً مِنَ السّماء هطلت على الأرض لتعيدَ للحدائقِ ألوانَها. أمّي والغربة وليالي الفراق والسّهر، هي التي يخيّمُ عليها السّكون، وتجتاحُها نوبةٌ مِن البكاءِ لفراقِ الأحبّة.

لبنان الأرز، لبنان الصّمود والنزف، والنفوس التي ضاقت بهم الأرض فرحلوا، وهوت نجمة الصّبح صريعةَ الدّمارِ والحروبات. لبنان هو البحرُ الذي رسمَهُ محمود درويش في قصائدِهِ، وهو بيروت العروس التي تغنّى بجمالِها الشّعراء.. بيروت المقاهي، وفناجين القهوة التي كانتْ تنتظرُ في عَتب، ورائحتُها المختلطة برائحةِ الجثث في الجنوب وفي الشوف تخترقُ فوّهة الغضب. من الجنوب اللّبنانيّ أتتْ أمي؛ الفتاة اليافعة التي لم تدْرِ ما ينتظرُها في هذهِ البلادِ الغريبة، عانتْ مِنَ الويلاتِ والغربةِ والحدودِ الفاصلة، وعاركت الحياة مع أبي بحُلْوِها ومُرِّها، ولم تعُدْ سرًّا حكايتها مع أبي؛ الحبّ العارم الذي من أجلِهِ تركت أهلَها ولحقته. لأمّي حكاياتٌ عن الخوف، والصّبر، والعشق، ومحاولة إنكار الذات، وكذلك الحرمان، والشّوق، والانتماء إلى الوطنِ لبنان.
ثمّ سردت الأديبةُ هيام مصطفى قبلان نبذةً تاريخيّةً عن مسيرتِها ورحلتِهاالأدبيّةِ ومشوارِها مع الحرفِ قائلة: مِنَ الطّبيعيّ أن تخلق الظروفُ مِن أبي رجلاً عصاميًّا وحُرًّا، وقد ورثتُ عن أبي الكثيرَ مِن خصالِهِ، مع أنّني ألومُهُ لترْكِهِ وطنه، ما أدّى إلى عدم رؤيتنا أحبابنا، ولم نعرفهم أبدًا. وعن أمي ورثت الأنوثةَ والرّقّةَ والمشاعرَ الجيّاشة، كلّ هذا التّاريخ أثّرَ على كتاباتي المليئة بالعتب، والشوق، والرّحيل، والغربةِ، والسّفر.

وعدّدت إصداراتِها الشّعريّة: آمالٌ على الدروب (1975). همساتٌ صارخة (1981). وجوهٌ وسَفر (1992). اِنزعْ قيدَك واتبعْني (2002).

كذلك الأعمال الأخرى: بينَ أصابع البحر نصوص أدبيّة وفلسفيّة (1996). طفل خارج من معطفِهِ قصص قصيرة (1998).

تحدّثتْ عن إيمانِها بأنّ المُبدعَ مِنَ المفروض أن يكونَ ابنًا للحياةِ والعالمِ بعيدًا عن العنصريّةِ والتّعنّتِ الطّائفيّ والدّينيّ، وكان لصوتِها الرّخيم أثرُهُ على الآذان الصّاغية، حيث خيّمَ الهدوءُ والسّكينةُ على الحضور النّسائيّ، وبكلّ شفافيّةٍ وانسيابيّةٍ تحدّثت عن علاقةِ الأرض بالوطن والمرأة، وعن التّضحيةِ مِن أجل المحافظةِ على الأرضِ رمزِ الهُويّةِ والبقاء.

تطرّقت إلى روايتِها "رائحة الزّمن العاري"، وتناولت محوريْن أساسيّيْن دارتْ حولَهما: موضوعُ المرأة الأرملة في مجتمع ذكوريّ، وموضوع التّجنيد الإجباريّ وتأثيره على الإنسان العربيّ في البلاد، وتحدّثت عن شخصيّاتِ الرّوايةِ وربْطِها بالأحداثِ الّتي تُعيدُ نفسَها عبْرَ الأجيال.
ثمّ قرأت هيام مِن مجموعاتِها الشّعريّةِ القديمة النّصوص: انزع قيدك واتبعني، وجوهٌ وسَفر، لا أرى غير ظلّي، وبين قصيدةِ النّثرِ والتّفعيلةِ ترنّمَ الحضورُ على صوتٍ تهادى بينَ أروقةِ معبدِ النّساء، اللّواتي يحملن في نفوسِهنّ الأملَ بغدٍ أفضل، وشرْقٍ يُطلُّ بالخيرِ والمحبّة والسّلام.
ومِن خلال محاورة النّساء لها تطرّقتْ إلى دوْرِ الرّجل في حياة المرأة، والعنف والتّهميش اللذان ما تزال تواجههما المرأة داخل الأسرة والعمل والشّارع، ومعاقبتها ومحاكمتها عند الخطأ وقتلها تحت مسمّى شرف العائلة، وحول إيمان المرأة بحقوقِها، وسعْيِها من أجل التّغييرِ للحصول على فُرَصِ التّعلّم والعَمل، مِن خلال جمعيّاتٍ ونوادٍ تفسحُ لها المجالَ بالتعرّف والمساعدةِ والمُشاركة، لتُحرّرَها مِن الكبتِ وتُجدّدَ نشاطها وحيويّتها.

انتهى اللّقاءُ والنّساء عدنَ لبيوتِهنَّ يحملْنَ "رائحة الزّمن العاري"؛ كتابًا مِن زمنٍ عسى تسقطُ فيهِ ومنهُ جميعُ الأقنعة.

أكذوبة – هيام مصطفى قبلان

أن تطيلَ إليّ النّظرَ أكذوبة
أن ترفضَ الخوفَ مِنَ المجهولِ أكذوبة
وأن تسافرَ في جسدي
إلى أبعدِ الحدودِ أكذوبة
أيّها البعيدُ القريبُ
دعْوتُكِ لي على كلِّ الوجوهِ مرفوضة
وليالي العناقِ مرفوضة
وكتاباتُ العِشق مرفوضة
فبيْني وبينَكَ يطولُ السّفر
وتحترقُ المسافاتُ
وينخسفُ القمر.

اعتذار – هيام مصطفى قبلان

إنّهُ وقتُ الاعتذارِ يا سيّدَ الحُلم
سقطَ الحُلم ...
يَكتبُني حبرُ القبيلةِ فوقَ الرّمل
فتغيبُ عن البحرِ النّوارس
وتحترقُ اللّيلة أكذوبةُ العرّافة ...

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى